EN | AR
في رثاء أحمد بشارة
الاثنين, يناير 18, 2016
عبدالله بشارة

 

سبحان الله، المعطي والآخذ، وإيماناً بهذا الحق نرثي د. أحمد عيسى بشارة، أخي الصغير، عشنا في بيت واحد يضم عشر نساء، ونحن الاثنان من الذكور، أهلنا بين بحر العرب والمحيط الهندي.
كنت أتابع خطوط حياته بحرص الأخ المترقب، وهنا أرسم بعض المشاهد من حياته المعطاءة..
أسعدني تفوقه في العلم وتميزه في حياته التي كانت رحلة مشتعلة، معظمها يبهج وبعضها درامي، لا سيما في آخر ثلاثة أسابيع من حياته.
كان قوياً لم تسمح له بنيته الذهنية للانغماس في ممارسة المجاملات والتجميلات، فكان صريحاً واضحاً مع مواقف يدافع عنها بإيمان قوي وعناد صلب.
احترف العلم والتعليم والبحث عن الإبداع، وبهذا الإيمان واصل عشقه للمعرفة ولاحقها أينما كانت، لا يعبأ بمتاعب التنقيب.
وأطربني في صعوده إلى مواقع النخب النادرة في دنيا العرب، لكنه أيضاً حيرني في مشاربه السياسية عندما أصبح رئيساً للطلبة العرب في الولايات المتحدة.
وتاه أحمد آنذاك، في مضائق الأيديولوجيات السياسية العربية على نهج جورج حبش، خارجاً على تراث عائلته في سلالة النواخذة، حيث خطواتهم وفق مقياس واقعي لا وهم ولا تحليق في الفضاء، وفي تجاهل لحقائق المسار البحري الذي تشرب منه في نقعة الشملان، ولكنه تعافى من كوابح اليسار الأيديولوجي، واستأنف الولاء للعقل والمعرفة، وبهذا عزز مسكنه في حي الندرة. 
وأربكني في عشقه للتدخين حين وقع في مصيدته وساهم في إضعافه مع حالة الجلطة التي باغتته في سيارة الإسعاف، فهزمه البلغم الذي تكاثر في رئته.
هذا شخص عالم ونهم للقراءة وملم بأحوال البشر، يسقط في عادة هجرها العقلاء وبقيت مع الضعفاء، تخلص من الورطة الفكرية، ولكنه وهن أمام ورطة التدخين.
وأعجبتني شجاعته في دخول الكويت المحتلة عندما وصل إلى الرياض حاملاً ولده وبناته الثلاث، يبقيهن معي في سكني في الأمانة لمجلس التعاون، ويتسلل إلى الكويت بشيء قريب من أفلام مغامرات تشارلوك هولمز. 
ونتابع تواجده في الكويت قلقين وخائفين عليه من غدر أزلام صدام حسين، كان إيمانه بحرية الوطن منبع شجاعته.
وأبكاني كثيراً وما زلت، مشاهدة بناته الثلاث يقبلن يديه ويصرخن في وجهه لعله يستجيب، ولكن هيهات فقد كانت الضربة القاضية، وهن في تيه ووجوم.
كان أحمد ليس والدهن فقط وإنما الستار الذي يحميهن، هن ثلاثة نواعم متعلقات بوالدهن الصديق والراعي لحياتهن والضامن لسعادتهن. ظل في العناية المركزة عشرين يوماً، يرتفع الأمل ثم يتلاشى ونحلم بعودته، ولكننا نراه ممدداً على سرير غائب عن الوعي وعن الحياة.
هذا الإنسان المتميز علمياً وفكرياً بذهنية متدفقة وسلاسة قلم ونهج مستنير ونزاهة ضمير وشجاعة موقف خذلته غلاظة التخاصم في المجتمع الكويتي وقباحة آليات الحوار ووحشية التهم، خصوصاً من أهل الجمود والتطرف وأعداء الاستنارة. 
تولى هيئة الطاقة النووية للأغراض السلمية ورسم خطته وأرسل مبعوثين إلى فرنسا ووضع قواعد التعاون مع الإمارات، وكان في مهمة خارج الوطن وفوجئ بإلغاء الهيئة، وبشكل عشوائي من دون معرفته، وعاد متبرماً من نهج الاسترضائيات والارتجاليات، ولزم بعدها حارة التعليم.
ثم جاءت رغبة سمو الأمير لانضمامه إلى مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، تأكيداً لمقامه العلمي، وامتثل لتلك الدعوة مشحوناً بالأمل ومندفعاً للعمل، وبدأ في برنامج التطوير بمشاركة جهاز المؤسسة، وعاد من بروكسل في رحلة عمل ويسقط في يوم 22 ديسمبر في ضربة صحية قاضية. 
بودي أن أحيي طلبته الكثيرين لاتصالاتهم، وأصدقاءه المخلصين الذين تواجدوا أيضاً في قاعة العزاء، والمقربين منه من الأطباء الذين زاروه يومياً في المستشفى للاطمئنان وينقلون لنا مرارة الحقيقة وبشاعتها.
دنت ساعته، وانشق قمره، ولا راد لقضاء الله، وكانت مشاركة العزاء من الداخل والخارج صوت الناس المعبر عن خسارة الكويت، التي راح منها قبس كان يضيء.

http://www.alqabas.com.kw/Articles.aspx?ArticleID=1130755&isauthor=1
 

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©