رست الدساتير والقوانين والمراسيم والانظمة في دول العالم المبادئ التي تحكم سير العمل الرسمي وحددت جميعها الحقوق والواجبات لكل من الدولة والفرد والمجتمع، الا ان هذه النصوص لم تطبق عن قصد او عن غير قصد من المسؤولين والادارة الرسمية حيث بات المواطن في كل دولة يشعر انه يعيش بظل شريعة الغاب فعلاً بعيداً عن دولة القانون والمؤسسات مما انعكس سلباً على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والصحية والبيئية...
وللجواب على هذا السؤال الكبير، سبل المشاركة الفعلية في شؤون المجتمع والدولة لا بد من الاضاءة على سبل المشاركة كنماذج يمكن انتهاجها حيث لا يتسع الوقت للتفصيل، علماً ان المشاركة تشكل شكلاً من اشكال التضامن والتكافل الاجتماعي، بل هي من صلب العقد الاجتماعي بين المواطنين.
اولاً- ما هي سبل المشاركة الفعلية:
ان سبل المشاركة الفعلية في شؤون المجتمع والدولة متعددة ومتنوعة بتنوع الموضوعات والاعمال التي تتطلبها هذه الشؤون، وللمشاركة انواع منها الفكرية ومنها العملية التي سنأتي على ذكرها لاحقاً.
ثانياً- من هي الجهات المقصودة التي عليها القيام بالمشاركة:
ان الجهات المقصودة بالمشاركة هم الافراد بنشاطهم الفكري والعملي والتنظيمي، وذلك من خلال العمل المؤسساتي في الاحزاب والجمعيات والهيئات والمنظمات والنقابات والاتحادات والجامعات والبلديات والاندية على انواعها التي عليها ان تجتمع وتنتظم في حكومة ظل بكل الميادين المتعلقة بالوزارات والمؤسسات العامة، او على الاقل ان تقوم كل منها على حدة وفقاً لطبيعة اهدافها وذلك اولاً لضبط الاداء الرسمي، وثانياً للتفاعل معه ومده بالمشاريع والاقتراحات وبالنقد الايجابي والسلبي مع المحاسبة والمساءلة.
ثالثاً- نموذج من الموضوعات المقصودة بالمشاركة الفعلية بها:
نذكر منها على سبيل المثال: التربية، والبيئة، والاسرة، والمرأة، والطفولة، والشباب، والشيخوخة، والاعاقة والبطالة، والانحراف (الادمان على المخدرات، المسكرات، الدعارة) والتشرد والتسول والمساجين.... وسيقتصر بحثنا على ثلاث منها هي: التربية والاسرة والمرأة كنموذج لكيفية المشاركة والتعاون والنقد على انواعه.
رابعاً- سبل المشاركة في شؤون المجتمع والدولة:
أ- سبل المشاركة في شؤون المجتمع:
• لجهة الامور التربوية والتعليمية:
- بناء ثقافة المشاركة لدى الافراد ومنظمات المجتمع المدني للتفاعل مع المؤسسات التربوية عامة.
- تعزيز المشاركة في انتخاب لجان الاهل وتعزيز العمل من خلالها والتفاعل مع تفاصيل ذلك.
- تشجيع الادارات التربوية للقيام بالنشاطات اللاصفية بكل انواعها: الوطنية، والعلمية، والبيئية، والرياضة والاعلامية، والفنية، والثقافية والصحية....
- تشجيع الاهل لابنائهم في المشاركة بتلك النشاطات.
- قيام منظمات المجتمع المدني المعنية تربوياً وثقافياً وعلمياً في التفاعل مع الجامعات والثانويات والمدارس والمعاهد.
• لجهة شؤون الاسرة:
- العمل على تعديل القوانين الخاصة بالاسرة لا سيما المواد المجحفة بحقوق المرأة والطفل.
- اعداد برامج للتدريب والتوعية حول كافة المواضيع والمجالات المتعلقة بالاسرة.
- القيام بلقاءات حوارية مع مؤسسات المجتمع التي تعنى بالاسرة لا سيما المراجع الدينية المختصة واصحاب القرار.
- التنسيق مع كافة القطاعات العامة والخاصة والنقابية والاعلامية من اجل تبني ونشر التجارب.
• لجهة شؤون المرأة:
قيام منظمات المجتمع المدني بمساعدة المرأة العاملة في شتى الميادين والعمل على ايجاد الظروف التي تساعدها في تعزيز دورها اجتماعياً واقتصادياً بل والعمل على :
- المشاركة في السعي لنيل المرأة العاملة لحقوقها لا سيما في ما خص التمييز في الاجر والترقية ونوعية العمل وساعاته.
- المشاركة في السعي لالزامية انشاء دور حضانة تابعة للمؤسسات.
- الاهتمام بالشؤون الصحية العامة والمحافظة على البيئة.
- تشجيع العمل الحرفي للمرأة بغية احيائه والمحافظة على التراث اللبناني.
- توطيد العلاقة بين النساء العاملات في جميع المؤسسات لتقوية روح التضامن ولتفعيل دور المرأة في كافة الميادين.
ب- سبل المشاركة في شؤون الدولة:
- العمل المشترك الرسمي والخاص في تعزيز المواطنة التي هي الاساس لبناء دولة المؤسسات والقانون.
- لا بد ان تقوم المؤسسات الرسمية المعنية بالرعاية الاجتماعية باجراء تعديلات على النظام الخاص بتلك الرعاية ويشارك بذلك الافراد والمنظمات.
- لا بد ان تقوم المؤسسات الرسمية بإعادة النظر بكل الخطط والبرامج ان وجدت وكذلك القوانين والانظمة التي تعالج مشاكل الاسرة، والمرأة، والطفولة، والشباب والشيخوخة والاعاقة، والانحراف، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني.
- التنسيق الفاعل والدائم بين الادارات الرسمية المختصة والمنظمات المحلية والدولية للعناية بالاحداث والاعاقة والطفولة وغيرها.
- القيام بتدريب العاملين في القطاع الاجتماعي الرسمي والخاص انطلاقاً من الحاجات التي تحددها الخطط والبرامج الانمائية وهذا يستدعي حراكاً دائماً من منظمات المجتمع المدني بالضغط الدائم لوضع تلك الخطط والبرامج واجراء التعديلات عليها وتزويد مراكز القرار الرسمية بالدراسات التي تساعد على تطوير العمل.
- المشاركة مع المؤسسات الرسمية في اجراء مسح الحاجات الاجتماعية والاقتصادية وسواها.
- تنمية العلاقة بين الجهات الرسمية والاهلية المهتمة بقضايا السكان المختلفة بغية توحيد المواقف بشأنها.
- المشاركة بين مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني المعنية لوضع وتحقيق البرامج والموضوعات وتنشيط المجهودات لمتابعة وتنفيذ هذه البرامج في حملات توعية وتثقيف في الامور السكانية.
- تأليف اللجان الاهلية للمشاركة في النشاطات الانمائية على مستوى الوطن.
- تعزيز وتطوير الاساليب والوسائل في عمليات التنمية المدينية والريفية بالتعاون بين المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني وذلك بالمساهمة في الانشاء والتجهيز وتأمين سير العمل، وتعميم التجارب والاساليب والوسائل المتبعة في عمليات التنمية.
- العمل على انشاء مراكز للابحاث العلمية والادبية والثقافية والصحية والبيئية وسواها في كل الجامعات العاملة في لبنان بعامة والجامعة اللبنانية بخاصة، وتشجيع المتمولين للمساهمة في ذلك كما هو حاصل في كل دول العالم المتحضر وبوضع حوافز تساعد على انشاء المراكز وتطوير الموجود منها.
- قيام البلديات واتحاداتها بكل المسؤوليات التي ينص عليها قانون البلديات خاصة في التفاعل مع كل المكونات المجتمعية في منطقتها وعلى هذه الاخيرة المشاركة الفعلية في كل ما تتطلبه شؤون المواطنين ومدنهم وقراهم. وخاصة في تنفيذ الاعمال والمشاريع الاتية:
المدارس الرسمية ودور الحضانة والمدارس المهنية.
المساكن الشعبية والحمامات والمغاسل العمومية والمسابح.
المستشفيات العمومية والمصحات والمستوصفات وغير ذلك من المنشآت والمؤسسات الصحية.
المتاحف والمكتبات العامة ودور التمثيل والسينما والملاهي والاندية والملاعب وغيرها من المحال العمومية والرياصية والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والفنية.
الوسائل المحلية للنقل العام.
الاسواق العامة لبيع المؤكولات وبرادات حفظها وبيادر الغلال.
المساهمة في نفقات المدارس الرسمية وفقاً للاحكام الخاصة بهذه المدارس.
اسعاف المعوزين والمعوقين ومساعدة النوادي والجمعيات وسائر النشاطات الصحية والاجتماعية والرياضية والثقافية وامثالها.
مراقبة النشاطات التربوية وسير العمل في المدارس الرسمية والخاصة واعداد تقارير الى المراجع التربوية المختصة.
وبناءً لما تقدّم، لا بد من التأكيد ان المشاركة الفعلية للمواطنين تبدأ من نوعية قانون الانتخاب المعمول به في كل دولة من الدول، حيث من خلاله يفسح في المجال لجميع مكونات المجتمع ان تتفاعل مع ما يتطلبه الوطن من عمل ينطلق من مراكز القرار، وبدون ذلك لن ندخل في الاصلاح المنشود، للقضاء على الفردية، والفساد، والمذهبية والطائفية والتطرف والعنف والارهاب، وإعمال العدالة وفصل السلطات مع المحاسبة والمساءلة، كل ذلك في سبيل بناء دولة المؤسسات والقانون، وان الاستراتيجية القانونية المتعلقة في القوانين والانظمة القائمة، وطرق التعديل، واقتراح قوانين وانظمة جديدة ليتسنى للمواطن ولمؤسسات المجتمع المدني المساهمة الجدية في شؤون المجتمع والدولة.