EN | AR
على هامش محاضرة الدكتور عبادي.. ركوب الموج
الثلاثاء, أبريل 21, 2015
بلال حسن التل

منذ فترة طويلة مضت ولفترة طويلة قادمة تزدحم رزنامة مواعيدي داخليا وخارجيا، بمواقيت ندوات ومؤتمرات واجتماعات، تدور كلها حول مشكلة التكفير وتنظيماته وسبل مواجهته، بعد أن صار التكفير الشغل الشاغل لصناع القرار وللمؤسسات الرسمية والأهلية، وفي مقدمتها الجامعات ومراكز الدراسات والأبحاث، مثلما صار الاهتمام بالتكفير والحديث عنه يستغرق أيضا مساحات واسعة من أوقات وصفحات وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي في منطقتنا على وجه الخصوص، وفي العالم كله على وجه العموم. باعتبار أن التطرف صار خطراً عالمياً لا أحد بمناجاة منه، فقد شملت تفجيراته قارات العالم كله، ولم تنج من نيرانه حتى الدول التي تمتلك أكبر الجيوش واعتى الأجهزة الأمنية، مما يؤكد ما ذهبنا إليه أكثر من مرة من أن المواجهة الأساسية مع هذا الخطر هي مواجهة فكرية، تليها المواجهة الأمنية لتكمل مهمة الفكر في ردع من لا يريد الاقتناع بالحجة والبرهان من أهل المراء والجدل الذين لا ينصاعون إلى الحجة والمنطق لكنهم يرتدعون بالقوة نعوذ بالله منهم.
وبالرغم من كل هذا الزخم من الاهتمام بقضية التكفير، خاصة على الصعيد الإعلامي، فإن المراقب المدقق يكتشف أن هذه القضية لم تأخذ بعد حقها من المعالجة الفعلية التي تؤدي إلى إنهائها، ذلك أن هناك فوضى فكرية في التعاطي مع هذه المشكلة، جعلها لا تنال ما تستحقه من دراسة جادة تفككها وتحللها لتفهمها، ثم لتضع بعد هذا الفهم استراتيجيات لسبل التصدي لها ومعالجة آثارها. ذلك أن جل ما يقال ويكتب حول هذه القضية يتصف بالعموميات التي تميل إلى التوصيف المليء بالاتهام، الذي ينصب جله على وصف التكفيرين وتنظيماتهم بالجهل والخواء، وتصنيف تنظيماتهم على أنها مجرد عصابات لا هم لها إلا القتل، وأصحاب هذا الوصف والتصنيف يتوزعون هم أيضاً إلى أصناف فمنهم شرائح من الإعلاميين الذين يركبون الموج، ويلقون الكلام على عواهنه، ويبنون ثقافتهم ومن ثم آرائهم في غالب الأحيان على الإشاعة أو السماع العابر في مجالس السمر، أوالاقتباس ومعظمه متأثر بترجمات وآراء غربية أعجز من أن تفهم عقلية ونفسية وثقافة أبناء هذه المنطقة ومنهم التكفيريون، وتركيبتهم الاجتماعية، ونوازعهم العاطفية والعقلية، التي تتجسد في مواقفهم وسلوكهم.
وقبل الإعلاميين الذين يركبون الموج، هناك بعض الساسة الذين يستغلون التخويف من التكفيريين لتبرير سياساتهم ومواقفهم، ومثل هؤلاء وهؤلاء فقد ركبت هذا الموج أيضاً بعض المؤسسات القائمة على التمويل الأجنبي، والتي رأت في الذعر الغربي فرصة لتحقيق المزيد من المكاسب المالية، فشهدنا الكثير من المؤتمرات والندوات وورش العمل التي غاب عن معظمها البحث الرصين الذي يعتمد تحليل الظواهر وتفكيكها تمهيداً لفهمها ومعالجتها، فصرنا نسمع في معظم المؤتمرات والندوات كلاماً لا يختلف كثيراً عن معظم ما نقرأه ونسمعه في وسائل الإعلام من عموميات معظمها اتهامات وتوصيفات سطحية ناجمة عن غياب المعلومات الكافية عن التكفيرين وتنظيماتهم, ومن ثم الميل إلى تسخيف هذه التنظيمات واتهامها بالجهل تارة، وبأنها ألعوبة بيد هذه الجهة أو تلك تارة أخرى، وهي تهمة يروجها كثيراً أولئك الذين يتخندقون ضد التكفيرين على أساس مذهبي، فإذا كان التنظيم التكفيري من مذهبهم صار فعله جهاداً، بينما يتحول نفس الفعل إلى إرهاب وإجرام إن مارسه تنظيم من مذهب آخر.
وسط هذه الفوضى الفكرية في التعاطي مع خطر وجودي وحضاري تمثله التنظيمات التكفيرية، كثر الغث وقل السمين، الذي صار البحث عنه أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش، وهو البحث الذي كان وما زال ضالتي حتى الآن، ولا أنكر بأنني وجدت بعض مكونات هذه الإبرة في مرات قليلة، و ذهبت لأواصل بحثي عن أجزاء أخرى من هذه الإبرة في المحاضرة التي ألقاها فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في المملكة المغربية، بدعوة من المعهد الملكي للدراسات الدينية ومنتدى الفكر العربي حول «التجربة المغربية في مواجهة التطرف العنيف» يوم الثلاثاء قبل الماضي، وقد دفعني لحضور هذه المحاضرة اسم المحاضر وما سمعته عنه، وما قرأته له من جهة، ولمعرفتي الأكيدة بعمق ثقافة أهلنا في المغرب العربي وجديتهم في تناول القضايا الفكرية، وميلهم إلى التحليل والتفكيك للقضايا لفهمها من خلال معرفة وفهم مكوناتها وجزئياتها، في إطار سيطرة النزعة الفلسفية على مفكريهم، بخلاف جل أهل المشرق وميلهم الى العموميات والخطابة و تحت تأثير هذا الانطباع وباستمرار البحث ذهبت للاستماع إلى محاضرة الدكتور عبادي، فماذا وجدت وإلى ماذا استمعت. هذا ما سأجيب عليه في مقال قادم إن شاء الله.

* يمنع الاقتباس او اعادة النشر الا بأذن خطي مسبق من المؤسسة الصحفية الاردنية - الرأي.

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©