EN | AR
هل انتهي النظام الاقليمي العربي؟
الاثنين, أغسطس 3, 2015
د. يوسف الحسن

النظام الاقليمي العربي، هوانماط من التفاعلات السياسيةوالاقتصادية والاجتماعية والثقافيةوالانسانية والامنية، بين دول عربية جمعتها عناصر وروابط مشتركة، وهوية قومية، وتاريخ ومصالح وطموحات مشتركة. تنوعـت فـي إطـار النظـام الاقليمـي العربي أنمــاط التفاعــلات البينيــة، مــن تعــاون وتنافـس وصراعـات ونزاعـات، وتبلـورت في صيغة مؤسسـية، قبـل نحو سـبعين عاما هـي جامعـة الـدول العربيـة، والتـي لاتـزال وتتعثـر حينـا قائمـة حتـي الان. تنشـط حينـا آخــر، لكنهــا لــم تتطــور أو تتكيــف مــع متغيـرات وتحـوالت إقليميـة ودوليـة، ومـع الاصطفــاف العربــي، ذلــك ظلــت رمــزا
ً'للشــرعية' العربيــة الرســمية ورمــزا الجمعيـة، حتـي فـي حـالات لـم يتحقـق فيها التضامــن المطلــوب، والتكامــل المنتظــر.
ًأولا: تعريف بيئة النظام العربي لقـد تغيـرت بيئـة النظـام الإقليمـي العربـي فـي السـنوات الاخيـرة، بشـكل دراماتيكـي، بفعــل عوامــل ذاتيــة وداخليــة وإقليميــة، وتحــوالت فــي أوزان وتوازنــات وأدوار للقــوة والــدول، وظهــور قــوي جديــدة مــن جسـيما غيـر الـدول، وإن كانت تمثل خطرا للـدول، ومـن ثـم لمجمـل النظـام. وأضحـت بــل بيئــة النظــام أكثــر ضبابيــة والتباســا وقتامـة. بيئـة أصابهـا وهـن القـوة والهيبـة 'قلـة االحتـرام'. لقد فقدت والالهـام وأحيانـا بيئــة النظــام العربــي الكثيــر مــن معناهــا وعناصرهـا وإمكانياتهـا، فقـد انهـارت دول وتهشـمت أخـري، وانـزوت بعضهـا علـي نفسـها تـداوي همومهـا، وتواجـه أزماتهـا. 'وكبـرت' دول صغـري، وتراجعـت مكانة وأدوار دول كبــري تقليديــة. 
لقـد 'تكسـرت' حـدود النظـام الإقليمـي العربــي، وتحلــل بعــض أعضائــه مــن التزاماتـه تجاهـه، وسـقطت حـدود متعارف عليهــا، وارتفــع منســوب ومســاحات مخاطــر الحــروب الاهليــة، وتآكلــت دول فــي النظــام الإقليمـي ووصلــت إلــي وضعيـة الدولـة الفاشـلة العاجـزة عـن إدارة نزاعاتهــا الداخليــة وتنميــة مجتمعاتهــا. 
وجــاءت هجمــة الجماعــات الجهاديــة الاسـامية والمذهبيـة العنيفـة لتكسـر حـدود النظـام. هجمـات شـنها جهاديـون أتـوا مـن الشيشــان وأفغانســتان بــل ومــن أســتراليا وفرنســا وإيــران وأفريقيــا وغيرهــا مــن الاماكــن، رافعيــن شــعارات ومشــاريع خالفــة وإمــارات إســلامية. وأمــام هــذه الهجمــات تبخــرت كلمــة 'عربيــة' مــن ســمة هــذه التفاعــلات الصراعيــة، وبــات الحديــث عــن دول الطوائــف واألعــراق والقبائــل. وغرقــت الــدول العربيــة فــي والنــزوح والإبــادة، وغابــت المظلــة ٍ مـآس وأزمـات حـادة فـي الهويـة والـولاء، المدنيـة الجامعـة، وحضـر واتسـع المجـال المغناطيســي للصــراع الســني- الشــيعي، وتحــول الانتمــاء المذهبــي إلــي 'ميليشــيا' وأيديولوجيا تنافـس الدولـة الوطنيـة سياسـيا، وعابــر للحــدود أيضــا وعســكريا الســلوك الخارجــي فــي تغيــر أيضــا النظـام الإقليمـي العربـي، بمـا فيه مؤسسـته الرسـمية. 
وصـار ينـدر أن الا تشـجع دولـة عربيــة 'إلا مــن رحــم ربــك'، ونخــب وتنظيمـات سياسـية عربية، الـدول الأجنبية والكبـري علـي التدخـل فـي شـؤون الدولـة الوطنيــة، علــي الرغــم مــن كل شــعارات الاستقلال والســيادة الوطنيــة. صــارت الســاحات العربيــة متاحــة لمــن يريــد أن يتدخــل فــي شــؤون غيــره. وجــاءت قــوي إقليميــة غيــر عربيــة تطالــب 'بحقهــا' فــي التدخــل فــي الشــؤون العربيــة، أســوة بالــدول الكبــري التــي تدخلــت.
خالصــة المشــهد إذن: حالــة مــن الانهيــار، والخــوف مــن المســتقبل، أو علــي الأقــل حالــة مــن الســيولة المرعبــة، 
يعيشــها النظــام الإقليمـي العربــي. حتــي لـو سـلمنا ببقـاء 'لافتـة الجامعـة العربيـة'، وعلمهـا علـي مبناهـا فـي ميـدان التحريـر بالقاهــرة. 
وتحضرنــي هنــا، لافتــة وعلــم مرفوعــان علــي مبنــي كبيــر يحمــل اســم 'منظمــة الــدول الأميركيــة' فــي واشــنطن دي سـي منـذ عـام 1948، وعـدد أعضـاء هـذه المنظمـة نحـو 35 دولـة، وتهـدف إلي إقامـة علاقـات سـلمية بيـن دولهـا، تجتمـع بيـن حيـن وآخـر، لكـن بـلا نفـع ولاطعـم ولالـون، فقد تجـاوزت التفاعـلات الواقعية فـي الأميركيتيـن هـذا الكيـان، وبقي الشـكل والمبنــي والأميــن العــام والذكــري.
: هل ممكن للنظام الإقليمي العربي
ثانيا الاستمرار؟
لكــي يســتمر النظــام الإقليمـي العربــي، يجــب التفكيــر فــي تحقيــق عــدد مــن المتطلبــات بدايــة. منهــا:
- أن تتوفـر الإرادة والفرصـة للتفكيـر فـي إعــادة الحيــاة والعافيــة والتماســك للدولــة الوطنيــة، وامتالكهــا القــدرة والكفــاءة للتعامــل مــع أســئلة التنميــة، وبنــاء دولــة المواطنــة والقانــون، وتأســيس مشــروع وطنــي يواجــه الغل والتطــرف العنيــف.
- إعـادة صياغـة النظـام الإقليمـي العربـي، مــن حيــث الهيــكل والنظــام والعقيــدة التكامليــة، وأنســاقه وتفاعلاتــه.
- امتــلاك الجــرأة فــي وضــع سياســات متماســكة تجــاه دول الجــوار الجغرافــي.
- إن المحافظــة علــي 'شــرعية' وفعاليــة مؤسســة النظــام الإقليمـي العربــي ممكنــة وضروريـة، بشـرط أن تتطـور إلي أشـكال مؤسســية فيدراليــة عليــا فــوق قطريــة، ذات سـيادة فـي مجـالات التكامـل والعمـل المشــترك، وهــو أمــر ليــس بالســهل أو اليســير وفــي ضــوء تغيــر أوزان وأدوار دول كثيــرة.
ً: هل هناك بديل؟
ثالثا
مـا البديـل عن هذا النظـام الإقليمـي العربي؟
وعــن هــذه الرابطــة القوميــة الحضاريــة؟
وهـل نجـت منظومـة مجلـس التعاون'وهي نظـام فرعـي مـن النظـام الإقليمـي العربي' مـن هـذا المـأزق؟
لنعتـرف أن التفاعـلات الحقيقيـة لأعضـاء المنظومـة الخليجيـة هي أوســع مــن المجلــس، وتتجــاوز حــدوده، وهـذا يعنـي أن إعـادة صياغـة هـذا النظـام، خاصـة فـي ضوء الفرعـي مطلوبـة أيضـا تداعيــات الأوضــاع فــي اليمــن، وموقعــه المسـتقبلي فـي هـذه المنظومـة، إضافـة إلي نوعيـة واتجـاه تطـور العلاقـات الأميركيـة والغربيـة مـع إيـران.
وإذا ســلمنا بتعــذر اســتدراك إعــادة صياغــة النظــام الإقليمـي العربــي، فــإن، كثــر الحديــث عنــه، هنــا ســيناريو بديــا وفــي الخــارج، مرشــح لمــلء الفــراغ، ومــا أكثــر المتشــوقين والحالميــن بهــذا الســيناريو، خاصــة إذا تطــورت الأحــداث فــي ســوريا والعــراق إلــي األســوأ، قــوي دول وانخرطــت فيهــا رســميا مجــاورة، بمــا فيهــا 'إســرائيل'.
ملامــح هــذا الســيناريو واضحــة، نظــام إقليمــي جديـد ومغايـر يعتمـد الجغرافيـا واالقتصـاد والمصالـح، نظـام يفـرض نفسـه بالتدريـج، ينسـف القديـم ويشـبك شـراكات وتحالفـات أن جديـدة، ويفـرض تسـويات. ليـس مهمـا يكـون اسـمه 'شـرق أوسـط جديـد أو كبيـر ' أو إسـامي'، لكنـه بالقطـع ليـس 'عربيـا، فلتركيـا وإيـران نصيـب كبيـر فيـه.
بحتـا فهمـا دولتـان موجدتـان منـذ سـنوات بفعالية فـي العـراق وسـوريا، بفعـل أنظمة تسـلطية وسياســات خاطئــة وخائبــة. كمــا توجــد فـي سـاحات أخـري آخرهـا اليمـن، أيضـا عــن تأثيرهمــا فــي اســتراتيجيات فضــا جماعــات وتنظيمــات إســلامية متنوعــة.
علــي ســبيل المثــال، لــم نعــط انتباهــا فــي الســنوات الماضيــة، لظاهــرة تقديــم دراسـية فـي جامعاتهـا آلالف تركيـا منحـا مــن الطلبــة اليمنييــن مــن أعضــاء حــزب تجمــع الإصــلاح 'الاخــوان المســلمين'، وهنــا أتســاءل كــم عــدد المنــح الدراســية التـي أعطيناهـا لطلبـة يمنييـن فـي جامعاتنا الخليجيــة؟ 
المشــهد الراهــن يشــي بــأن لا أحـد يسـتطيع أن يناقـش الامن والسلام في الاقليم بـدون التحـدث مـع تركيـا وإيـران، 
وإلــي حــد مــا مــع أثيوبيــا والتــي طــورت، وسياســيا دورهــا الإقليمـي عســكريا فنشــرت قــوات إثيوبيــة فــي الصومــال وعلــي الحــدود بيــن دولتــي الســودان، ونجحــت بتشــييد ســد النهضــة علــي نهــر النيل.. الــخ.
والملفــت للانتبــاه أن اســتراتيجيات هــذا النظــام المرتقــب ال تغلــق حــدوده الجغرافيـة، وتتركهـا مفتوحـة، وفيهـا يمكن إعـادة رسـم الخرائـط السياسـية، فـي ضـوء مقاييــس رســم عرقيــة وطائفيــة وتقاســم نفــوذ. 
هكــذا هــوت حصــون الدفــاع عــن حـدود النظـام الإقليمـي العربـي، فـي وقـت يالحــظ فيــه انســحابات ملموســة لــدول كبــري فــي العالــم، مــن مســؤولية التدخــل المباشــر، وعلــي غيــر 'العــادة القديمــة'، ممـا مهـد الطريـق أمـام دول إقليميـة غيـر عربيــة للتدخــل المباشــر فــي الإقليمـي، وصــارت الســاحة مفتوحــة لمــن يمتلــك الامكانيـات والطمـوح للتدخـل فـي شـؤون الغيــر.
خاتمة
هــذه أزمنــة تحــول جوهــري، فــي منطقــة الشـرق الأوسـط، وفـي تسـويات لقضايـاه، وفـي طبيعـة التفاعـلات بين دوله. ويخشـي أن تكــون مــن متطلبــات والدة 'الجديــد' حـرب إقليميـة مؤلمـة.
بقيــت نقطــة محوريــة، فــي هــذا الاطار لابد مــن اإلشــارة إليهــا، وهــي الاتفــاق الامريكـي الغربـي مـع إيـران حـول الملـف النـووي الايراني، ومـا بعـده. فمـن المؤكـد أن هــذا الاتفــاق سيفســح المجــال لايــران
لأخـذ مقعدهـا فـي النظـام 'الجديـد'، وتعتقد الولايـات المتحـدة أن ذلـك سـيضبط سـلوك إيـران، ويحفـظ تـوازن النظـام فـي الشـرق مــن جهــة، وفــي الأرض الافغانيــة بيــن قــوي الهنــد وباكســتان والصيــن وإيــران
مـن جهـة أخـري.
وفــي وســط هــذا كلــه، يتحســس النظــام الاقليمــي العربــي نفســه، لايعثــر عليهــا، وربمــا يســأل نبيــل العربــي نفســه، هــل ســأكون آخــر أمنــاء 'غرناطــة'؟ 

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©