مسألتان تستدعيان وقفة تأمل وتدبّر: أولاهما: الكيفية غير الحضارية في التعامل مع الاحتفال بنتائج الثانوية العامة التي تتكرّر كل عام. وثانيتهما: الأبعاد المأساوية للكارثة المدمرة التي ألمّت بإخوتنا في باكستان.
لقد ضربت الفيضانات في أعماق باكستان، حيث تسببت في وفاة ألف وستمئة شخص على الأقل. كما تضرّر منها ما يقارب الأربعة عشر مليون نسمة. ولا ننسى أن باكستان هو البلد الصديق الصدوق للأردن منذ تأسيس المملكة، والذي اعترف بالحقوق الأردنية وأيّدها في المجالات الدولية كافة. كما هب لمساعدة الأردن في مجالات مختلفة.
ومن سجايا الأردن أنه يبادر دومًا إلى التعاطف والتعبير عن المشاركة الوجدانية العميقة وتقديم ما يستطيع من الدعم لأشقائه وأصدقائه. وللهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية دورٌ كبير في تقديم العون والإغاثة والمساعدات المادية والإنسانية للمشردين والمنكوبين في مختلف بقاع العالم.
وما تعلمنا إياه هذه الكارثة هو وجوب التمسك بثقافة الوقاية للتصدي للكوارث الفورية الناتجة عن قوى مناخية أو جيولوجية، كالهزات الأرضية، والأمواج المدّية، والفيضانات، والانبعاثات البركانية، وما ينجم مما نسميه "الاحتباس الحراري".
غير أن احتباسًا من نوع آخر هو ما ينبغي أن نتأمل فيه أكثر وأن نتدبر عواقبه على الفرد والمجتمع، وهو الاحتباس الإرادي. فالصدمة الثانية التي أصابتني هي أنني أمضيت كما أمضى أهل عمّان ليلة وكأننا في ميدان معركة. فقد أتلفت أعصابنا أصوات انفجارات الألعاب والأعيرة النارية احتفالاً – كما يقال - بنتائج الثانوية العامة. واستفقنا على الأخبار المزعجة التي أفادت بإصابة عدد من المواطنين بعيارات نارية طائشة إلى جانب رصد المئات من المخالفات المرورية لمواكب المحتفلين. كذلك، تلقي هذه المظاهر بأعبائها النفسية والمادية على كواهل المواطنين، الذين يجب أن يدركوا مسؤولياتهم بشكل أكبر في إطار التعبير الحضاري عن الفرح بالنجاح والتميّز.
ونحن على أعتاب الشهر الفضيل، نتساءل عن تكلفة هذه الاحتفالات النارية: هل من حق المواطن أن يبتهج بشكل غير مسؤول لا يراعي حقوق الآخرين؟ أليس من الأجدى والأقرب إلى الله تعالى أن تنفق تكاليف هذه الاحتفالات في مساعدة المحتاجين وعون الفقراء؟ أستذكر هنا رسالة الإمام علي زيْن العابدين بن الحسين – رضي الله عنه – في الحقوق، التي تُلقي الضوء على مصفوفة القيم في الإسلام. ومنها: حق الله، وحق النفس، وحق اللسان، وحق الكبير، وحق الصغير.
لقد ربطت بين هذين الحدثين لأذكّر بمعاناة إخوتنا في باكستان، كما في الصومال ودارفور وغزة وغيرها، ولأقول إنه إذا كان الاحتباس الحراري يهدد مستقبل البشرية، فنحن نعاني أيضًا من الاحتباس الإرادي الذي هو مشكلة الأمة التي يجب أن تضع فعل الخير في موضعه.
مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، أسأل المولى - عز وجل - أن يعيد علينا هذا الشهر الفضيل وعلى الوطن والأمة وقد عملنا على تفعيل الوجدان الجمعي وثقافة تحمّل المسؤولية الإنسانية المشتركة.