EN | AR
" دون كيشوت / فارس الظل الحزين " !
الخميس, ديسمبر 22, 2016
كمال القيسي

قصّة من عيون الأدب الأسباني – العالمي كتبها  " ثربانتس / 1605 - 1615"  عن رجل نبيل قارب الخمسين من العمر، فقد عقله من قلّة النوم والطعام وكثرة قراءته  لتأريخ الفرسان النبلاء ممّا دفعه لترك بيته والرحيل كفارس شهم  يبحثً عن مغامرة تنتظره... صدّقه جاره "سانشو" البسيط الساذج ! نظر دون كيشوت للأحداث والوقائع التي مرّ بها في رحلته بعقل وعين فارس يعيش عصر الفرسان فكانت قصّته سفر من السخرية الحزينة ! قصّة  النبيل "دون كيشوت" تعكس السخرية من البطولة الزائفة .. والعدالة المموّهة .. والحقارة الإجتماعيّة .. والنفاق الذي ساد عصر فرفع أقدار العاجزين .. وأعطى المراتب الرفيعة للسياسيّين والغشّاشين والمتملّقين والزاحفين والوضعاء .... قصّته قصّة أي عصر يعجّ بالرذائل والنفاق والدعاوى الزائفة في الآداب والأخلاق والمخازي السياسيّة " !!! إنتهى الإقتباس.

في عصور فاسدة كهذه، تضطرب العقول وتضيق الأنفس والصدور بما حوت، فينزوي الناس في كهوف الحزن والإحباط  يلوذون بزمن غدر بهم فتركهم على قارعة المجهول  يأملون وبيأس من زمن حاضر غريب لا يكلّ ولا يملّ من سحق وطحن أرواحهم وحيواتهم ليل نهار من دون راحة  موت!  بعض من هؤلاء الناس يدفعهم الذهول والضياع الى  الإصرار على الإنتحار العقلي  إكراماً لأنفسهم ولأرواح عصور وقيم ومعاني لا يعقلها ولا يفهمها الاّ ذوي الأرواح والنفوس العظيمة!  أمّا "الأغيار" ، يرون أن تلك القيم ماهي الاّ بقايا أساطير صورت لهم أنّ " العالم الجديد " تسكنه التنانين والغيلان والطواغيت وهم في ذلك واهمين ناقمين !!

بعض من الأرواح والنفوس العظيمة ، يقسرها إندلاع النيران وزراعة الموت وتفشّي الدمار والخراب الى النزوح والهجرة بحثاً عن منفى يستظلّ به، لتضميد أرواحها وجراحها وإستذكار ما جرى وإدراك ما يجري في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من  نيران التنانين  وجهل  وحقد الغيلان  وظلم وفساد الطواغيت! بعد إلتقاط الأنفاس، يدرك " فرسان المنفى " أنّهم أسقطوا في شعاب الأرض عراة من غير منقذ ذو مروءة قادر على أن  يرى ويدرك ما خفي من جراحاتهم وعظم قهرهم فينتصر لقضيّتهم ! بسبب من آلام ومرارة الغربة والإغتراب وقهر عذابات العقول والضمائر، يتلبّس الفرسان التائهين، وهم أمل ولادة حياةً جديدةً  تخرج من رحم إنساني طاهر عفيف لن يطاله دنس ! يتنادى بعض من الفرسان التائهين لإمتطاء أحصنة مروءاتهم فيمتشقوا الأقلام ويطلقوا الحناجر في تمجيد آيات الوطن الضائع ودماء الأهل الذي طواه النسيان !    

بعد حين من معارك صراخ وعويل الحناجر والأقلام  أدرك " الفرسان " بانّهم يبحرون بقارب مثقوب يعلوه شراع ممزّق، قابض على الدفّة " شيء ضاحك لا هيئة له " متّجهاً بهم نحو ثقب أسود مغروز في الأمواج ! وهم يسقطون ، أيقنوا بأنهم كانوا يصارعون "طواحين هواء" ! قبل أن يقرعوا القاع الأسود، أيقنوا أنّ كل العصور من صنع التنانين والطواغيت والغيلان !

25 / 11 / 2016     

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©