العراق اليوم يعيش حالة من الضبابية في مستقبله السياسي يمتد إلى الغد إلى وجوده الجيوسياسي بعد نهاية الحرب الكونية للقضاء على «داعش» والذي تشترك فيها قوى سياسية عراقية تمثلها مليشيات مسلحة متقاطعة مساندة للجيش العراقي والذي استعاد عافيته وثقة الشعب بتحقيقه انتصارات سريعة في حربه ضد إرهاب عصابات داعش في نينوى مع وجود إقليمي بعضه ظاهر على الساحة العسكرية والآخر مختفي وراء تسمية (مستشارون لدى الحكومة العراقية) متمثلا بشخصية الجنرال قاسم سليماني ومعه أفواج من منسوبي الحرس الثوري بزي الحشد الشعبي لقيادة المعارك في المناطق السنية في المنطقة الغربية من العراق بدءًا من ديالى وصلاح الدين والأنبار وأخيرًا يقاتل بإصرار للمشاركة في تحرير الموصل إلا أن أهل الموصل الذين لمسوا نتائج اجتياح الحشد الشعبي للمدن ذات الأكثرية الديموغرافية السنية وما أصابها من تدمير وقتل على الهوية والنهب والسلب والتعدي على أعراض المواطنين الأبرياء من أهل السنة والعمل على تهجيرهم من ديارهم لتنفيذ هدفهم الأساسي بالتغيير الديمغرافي لصالح تشييع تلك المناطق، وإفراغها من سكانها أهل السنة والجماعة لتمرير المشروع الإيراني من طهران حتى جنوب لبنان مرورًا ببغداد الرشيد ودمشق الفيحاء للوصول والهيمنة على نفط وغاز البحر الأبيض المتوسط.
في هذا الجو المحتقن والقلق الذي تعيشه بغداد نتيجة حالة الحرب في شمال العراق دخلت الحكومة الاتحادية في أزمة علاقات متوترة مع الجارة تركيا بمطالبتها سحب قواتها الرمزية المتمركزة في معسكر بعشيقة القريب من مدينة الموصل مما جر الجانب العراقي إلى الدخول في معركة تصريحات غير ودية متزامنة مع حملة إعلامية وشعبية من عملاء النظام الإيراني بتهديد القوات التركية باستخدام القوة! لطرد فوج التدريب التركي من الأرض العراقية لخرقه للسيادة العراقية كما يدعون، علمًا بأن وجوده في معسكر بعشيقة جاء بطلب من حكومة العبادي الحالية وقادة إقليم كردستان ونداء أهالي الموصل لإنقاذهم من انتقام وبطش الحشد الشعبي وقيادته الإيرانية ويدرك كل المراقبين للمشهد الحربي لمنطقة نينوى أن العناد والإصرار الذي تكرره القوى المؤيدة من إيران والمتنفذة في الحكومة الاتحادية المطالبة بإجلاء القوات التركية عن أرض المعركة وذلك لخشيتها من التدخل التركي لنصرة أهالي الموصل والوقوف ضد تنفيذ المشروع الإيراني التوسعي ومنعهم من أعمال التخريب والقتل الذي سيمارسه أعضاء مليشيات الحشد الشعبي على المواطنين الموصليين وعدم السماح للقوى الطائفية بالسيطرة على منطقة نينوى الحلقة الأخيرة المشكلة للهلال الشيعي.
وكعادة نظام الملالي في كل زمن الأزمات التي مرت على العراق الصابر تخترع أجهزتها الاستخبارية مناسبة لتجميع المتفرق من أصدقائها في العملية السياسية والتي تهيمن على السلطة بكتلها وأحزابها الطائفية، فقد أشرفت على عقد مؤتمر ما يسمى بالصحوة الإسلامية بعرابه الأول علي ولايتي مستشار ولي الفقيه والشخص الذي ابتكر مفهوم الصحوة لتمرر من خلاله الأجندة الإيرانية عقد هذا المؤتمر الطارئ لتوحيد صفوف أتباع مشروعها التوسعي ومنح مهمة إخراج تمثيلية عرض أبعاد مشروعهم التوسعي لمندوبهم الطائفي الدائم في العراق نوري المالكي لعرض المشروع الإيراني التوسعي بتركيزه على نداءاته الأربعة (قادمون يا الموصل قادمون يا الرقة قادمون يا حلب قادمون يا اليمن) الأضلع السرابية لشكل الهلال التوسعي الإيراني الطائفي الشيعي.
وطرحت وسيلة قديمة حديثة بالترويج لوحدة اندماجية بين سوريا والعراق على أساس طائفي لخدمة المشروع الإيراني في دمج نفوذه في بغداد ودمشق وتكون ذريعة مشروعة لتدخلهم العسكري لحربهم ضد ثورة الشعب العربي السوري بوجه عميلهم الدكتاتور الأسد الصغير وتوريط شعبنا العربي العراقي بحروب إقليمية نيابة عن ملالي إيران والالتفاف على كل لبنان بتحريك حزب الله لوصل المثلث الإقليمي المقترح كساحة سيطرة إيرانية تطل على مياه البحر الأبيض المتوسط، ولا ننسى ما صرح به علي يونسي مستشار رئيس الجمهورية الإيرانية، لوكالة «أسنا» الإخبارية مبشرًا بعودة بغداد عاصمة للامبراطورية الإيرانية ووصفه لبغداد الرشيد بأنها مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما كانت عبر التاريخ وأن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة.
وهذا الفكر الساساني الجديد يتطلب منا نحن دول الجوار العربي المستهدف بالتوسع الجغرافي للامبراطورية الساسانية الفارسية بالمواجهة لهذا المد التوسعي بنفس الاستراتيجية المتبعة من استراتيجيتهم الخارجية التوسعية وإحياء العلاقة القومية والتحررية للشعوب المنكوبة تحت تسلط نظام الولي الفقيه الطائفي بنصرة أهلنا عرب الأحواز وأشقائنا من أهل السنة المحرومين من حرية ممارستهم لشعائرهم الدينية من شعوب البلوش والكرد والتركمان والأذريين ونقل قضية إنصافهم وحرية شعوبهم إلى المحافل الإقليمية وإدراجها في جدول أعمال الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي وتوجيه الإعلام العربي الحر بالتركيز على طرح قضايا تحرير الشعوب المضطهدة تحت نظام الولي الفقيه المتسلط على رقابهم بأحادية المذهب الطائفي على مؤسسات كل الدولة بحسب دستور ثورة خميني الشيعية الساسانية.
ومع إحساس المالكي بعزلته من المجتمع الشيعي واستقطاب شخصيتي مقتدى الصدر زعيم الكتلة الصدرية والسيد عمار الحكيم رئيس التحالف الوطني والتفاف جميع المليشيات الشيعية حولهما والمؤتمرة بالتوجيه الإيراني أمثال حزب الله ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق والنجباء وسرايا السلام وقيادات الحشد الشعبي فاتجه المالكي رجل الأزمات في المشهد السياسي العراقي إلى التحرش بالمكون الكردي وقياداته إثر التقارب بين بغداد وأربيل وما نتج عنه من مشاركة قوات البيشمركة بجانب الجيش العراقي لأول مرة منذ تأسيسهما توجه المالكي بتصريحه الاستفزازي المفرق لمكونات الشعب العراقي قائلاً (إن النفوذ الإسرائيلي بإقليم كردستان كبير جدًا والبرزاني أصبح نقطة ارتكاز لسياسة أمريكا وإسرائيل في المنطقة، وأضاف أن البرزاني استغل انشغال الحكومة المركزية والجيش العراقي بالمعارك مع داعش وبدأ يتمدد وسيطر على كركوك ومناطق نفطية أخرى تحوي مخزون نفطي يقدر بـ 27مليار برميل ولا بد من انسحاب الأكراد إلى حدودهم قبل 2003 م وجاء رد الرئيس البرزاني على تصريحات المالكي عنيفًا (حسد المالكي ويأسه السياسي حوله إلى دب مجروح يعض جراحه ولن يجني بهجومه على الأكراد غير الإفلاس السياسي والعزلة في المجتمع العراقي الرافض لعودته إلى الحكم).
العراق يمر بأحرج مراحله السياسية بعد أن أصبح ساحة مستباحة للصراعات الإقليمية والدولية، وإن الحرب ضد إرهاب داعش لن تنتهي بنزهة عسكرية بل سيطول حسمها زمنيًا بقرار صانعها ويأتي معها بمفاجآت قادمة تحدد معها مستقبل العراق كدولة وجغرافيا وبروز مشاريع إقليمية جديدة تغير المشهد السياسي العراقي وتفرض شكلاً متغيرًا عن حاضر العملية السياسية لتقاسم النفوذ والسلطة تفرزها حرب تحرير الموصل.
* عضو مجلس أمناء منتدى الفكر العربي - عضو الهيئة التأسيسية للحوار التركي العربي -عضو هيئة الصحفيين السعوديين