EN | AR
فليصمت الثرثارون وأصحاب الخطابات المسممة
الأحد, سبتمبر 18, 2016
د. يوسف الحسن

المتضررون من الشراكة المصرية السعودية، يدركون أن استمرار هذه الشركة وتعميقها، سوف يضعهم في حجومهم الحقيقية، ويبطل أجنداتهم الخفية. هؤلاء لا تعنيهم أن تكون مصر والسعودية في دائرة الاستهداف الإقليمي والدولي، دائرة الفوضى والابتزاز، وأن تتصدع حصون هذين البلدين، كما تصدع بنيان العراق وسوريا وليبيا واليمن، ووفر هذا التصدع والانهيار، فرصة للعب القوى الإقليمية والدولية، وميليشيات التوحش والتدمير، على مسارحنا العربية.

حضرت إيران مبكراً إلى المسرح من بوابة العراق، ووفرت الأزمة السورية لتركيا ولمقاتلين جوالين عبور مسرح الشام، وكذلك لروسيا فرصة العودة بقوة إلى المياه الدافئة، ومراكز العمران في سوريا العربية.

لم نقلع شوكنا بأيدينا، بل نمنا على مخدات الأقوياء وظننا أن ذلك سيوفر لنا الطمأنينة، وفوجئنا بأن المطلوب منا أن نضبط خطانا على وقع حسابات الكبار، ونسينا حقيقة أن الدول الكبرى ليست جمعيات خيرية، من همومها مسح دموع الآخرين، وأنها لا ترى أزماتنا بعيون حلفائها أو أصدقائها، إنما بعيونها هي، وبحسابات مؤسساتها العميقة ومصالحها.

أدرك المواطن العربي المكلوم والحزين، أن هذه العواصف الدموية التي تهب عليه منذ نحو سنوات ست، جائزتها الكبرى هي مصر، واستراتيجيتها هي السعودية، فهب مدافعاً عن شراكة مصرية سعودية و(خليجية)، لا مَنَّ فيها ولا فوقية، ولا أحجام أو أوزان أو أعباء تاريخ، بل هي شراكة توقف الحرائق والمقتلة والتدمير، وتشاور ومصارحة وتنسيق. وفهم وتفهم لمنطق كل طرف وظروفه، وتطلع لمستقبل أفضل وأكثر أماناً وتكاملاً وتقدماً.

مصر والسعودية في مركب واحد، لا مجال للمن، ولا للتسرع في الأحكام، ولا فرصة لمن يغطون وجوههم بالأقنعة لتخريب هذه الشراكة أو إعاقتها أمام التطور النافع للجميع.

إن قيمة مصر العربية، لا يعرفها سوى عقل مدرك لأوضاعنا العربية والخليجية، ولا يعرف قيمة السعودية الجديدة إلا صاحب سريرة صافية.

إن ما فعله إعلاميون مصريون وسعوديون وهم (قلة) خلال الأيام الماضية مخجل، ولا يحمل شيئاً من الحكمة ولا الأخلاق ولا الصالح العام، قيل الكثير من الشتيمة والسخرية، وكأن حروب داحس والغبراء عادت من جديد.
وجوه وأصوات وأقلام وتغريدات، لا تعرف سوى الشتم والسب، والتصيد في المياه العكرة، يغيّرون جلودهم في كل موسم، يعايرون مصر بعثراتها الاقتصادية العابرة، ويعايرون السعودية بما فعل سفهاء - قلة قليلة - فيها، ومثلهم في كل دولة عربية.
بعض هذه الأصوات جيّش الشاشات الفضائية، لوضع القاهرة والرياض، على فوهة الافتراق والفوضى والنزاع، وعاد يكرر أسطوانة مشروخة وأجندة سياسية فاشلة، سقطت ليلة (القبض على مرسي) وانكشفت خيوطها المنسوجة في شرايين القاعدة و«داعش» والنصرة وجند الأقصى وأخواتها.

لا ينكر عاقل أن هناك سياسات خاطئة هنا أو هناك ومواقف تحتاج إلى إعادة تموضع وتقدير، وتحديد للأولويات في ظل مشهد عربي وإقليمي ودولي هائج لا يقيني، لا مكان فيه لمن يعتقد بمعصوميته واحتكاره للحقيقة والوطنية.
إنها لحظات تاريخية حاسمة، تتعرض فيها الأوطان والإنسان والأجيال القادمة، لمخاطر غير مسبوقة، وتحديات هائلة.
لا مجال لأن يتحول الغضب في عقول العقلاء إلى تنابذ وسياسات قصيرة وعوراء، تحت ضغوط أطراف لا تهتدي بروح المسؤولية، وأقلام وأصوات ثرثارة، وفضائيات تغطي وجوهها بالأقنعة أو الجهالة. وتمارس «الثأر» البائس، في أزمنة كل الرؤوس والأوطان فيها عرضة للخطر.

حبذا لو يصمت هؤلاء من أصحاب الألسنة السوداء، حبذا لو تصمت هذه الفضائيات التي تحولت إلى خنادق متقابلة، وغرف عمليات للكراهية، و«تفخيخ» العلاقات العربية العربية، وبخاصة المصرية - الخليجية حبذا لو يتوقف هؤلاء عن مواصلة قرع طبولهم المثقوبة، وبث الهجاء والتخوين والشتم والتجريم، فضلاً عن الألفاظ السوقية والفاحشة.

كم المطلوب من السوريين والعراقيين واليمنيين والليبيين أن يخسروا من الدم، حتى تتوقف هذه الخطابات الفضائية المسممة، عن التحريض وبث ثقافة التنابذ والمذهبية والعنصرية والرعونة؟

نعم.. نعرف أن هناك «فيروس» لعين، مبثوث في عدد من وسائل الإعلام الجديد والقديم، والفضائيات، ينشط فجأة، عند كل منعطف. فيه خلاف ولو كان شكلياً، فيبادر إلى التخوين والشتم والتحريض وتسميم الأجواء.
هو وباء فكري وسياسي وثقافي، يجرف الوعي، ويسفّه كل ما هو رصين، وينحر الأمل والمعنى، ويصنع من «حبة» الخلاف، «قبة» كبرى، تباعد المسافات بين الأشقاء، وتدفع باتجاه القطيعة والاشتباك.
إن خلاف الرؤى، لا ينبغي أن تصنع منه أزمة، فلكل دولة عربية رؤيتها الخاصة بشأن أمنها الوطني، ولدينا أمثلة وتجارب كثيرة، في إطار الجامعة العربية ومجلس التعاون.

السعودية تحتاج إلى مصر اليوم وغداً، في إطار الأمن القومي المهدد بالاختراق والانهيار، ومصر تحتاج إلى السعودية وعرب الخليج اليوم وغداً، فالجميع في مركب واحد، يعبر بحوراً هائجة، ومخاطر وابتزازات وزلازل من تحت ومن فوق، وكلها تستدعي ائتلافاً وتكاملاً وتفعيلاً لديناميات التشاور والجمع وليس القسمة.. وتبادل الهجاء السياسي، حفظ الله مصر والسعودية.

السعودية تحتاج إلى مصر اليوم وغداً، في إطار الأمن القومي المهدد بالاختراق والانهيار، ومصر تحتاج إلى السعودية وعرب الخليج اليوم وغداً، فالجميع في مركب واحد، يعبر بحوراً هائجة. -

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©