EN | AR
تظاهرة «يني كابي» المليونية.. استفتاء على رمزية أردوغان
الأربعاء, أغسطس 17, 2016
د. عبدالإله بن سعود السعدون

للمرة الأولى في تاريخ تركيا الحديثة تشترك المعارضة مع الحزب الحاكم في تظاهرة كبرى في الميادين العامة وتحت شعار واحد.. الديمقراطية والشهداء بظل العلم التركي وحده.. وقد تجاوز عدد المتظاهرين أكثر من خمسة ملايين تركي يهتفون بنداء واحد انتصارًا للدولة التركية ومؤسساتها المدنية واستنكارا لدكتاتورية العسكر التي جربها كل الأتراك ولأربعة انقلابات بدءا من انقلاب الجنرال جمال كورسيل عام 1960م وانتهاء بتسلط المؤسسة العسكرية على السلطة بانقلاب تزعمه الجنرال كنعان أيفرين أسقط الشرعية عام 1980م وسقط مع أزيز دباباته آلاف من الساسة والمفكرين والشباب مضرجين بدمائهم ضحايا هذه الانقلابات العسكرية التي ألغت الشرعية المنتخبة وفرضت حكمهم بالقوة المفرطة، وآخر هذه التمردات العسكرية انقلابهم الفاشل الذي صده الشعب المتحضر بصدره وأثبتت الوقائع أن هذه الصدور الوطنية الصادقة أقوى من جنزير دبابات الانقلابيين حيث انتفض الشعب بكل انتماءاته السياسية والعرقية متحديًا الانقلابيين رافضًا حكم العسكر الذي انكوى بناره سنين عديدة وتلوع من الهمجية العسكرية أثناء تسلط الانقلابات الأربعة وبتجربته لصنوف خنق الحريات وسحق كل بنود وثيقة حقوق الإنسان ببساطيل العسكر وتنفيذ أنواع التعذيب النفسي والجسدي في السجون المظلمة للدكتاتورية العسكرية.. إن وقفة الشعب التركي الشجاع ليلة الخامس عشر من يوليو الماضي تسجل ملحمة وطنية عالية بانتصار رمز العلم الواحد على الدبابة المتمردة.
إن أبرز رموز القيادة الوطنية في سجل الجمهورية التركية الأولى خطها مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك راعي العلمانية الكمالية وحامل لقب أبو الأتراك.
أما الشخصية الثانية التي ختمت بصمتها في سجل الرمزية التركية وحظيت بالحب والتقدير الكبيرين بالتفاف الشعب التركي حول شخصية الرئيس عدنان مندريس الذي تعلقت برمزيته الجماهير التركية في حكمه وبعد إعدامه من قبل العسكر الانقلابيين عام 1961م.. وكان للإصلاحات الاقتصادية الشجاعة التي نفذها الرئيس تورجوت أوزال والتي حررت الليرة التركية من محليتها إلى مصاف العملات الصعبة الدولية وتثبيت سعر صرفها وإطلاق حرية اقتصاديات تركيا ووضع أوزال اللبنة الأولى للتنمية الاقتصادية في بناء الهرم السياسي والاقتصادي التركي حتى أطلق على رمزيته الثالثة بالمعجزة الاقتصادية التي حققها تشبهًا بالمعجزة الاقتصادية الألمانية أيرهارت.
وأثبتت تظاهرة يني كابي المليونية وفاء وتمسك كل الشعب التركي المؤيد منهم والمعارض تمسكه بشخصية الرمز الرئيس أردوغان وعرفانه للتحول الكبير الذي شمل المجتمع التركي طيلة حكم حزب العدالة والتنمية منذ عقد ونصف. هذا الزعيم القوي الذي استطاع ترويض المؤسسة العسكرية الحاكمة طيلة عقد من الزمان بعد ان جعلت من نفسها الحامي لعلمانية تركيا الكمالية بحكم مواد الدستور التركي واستطاع أردوغان وبحكمة القائد الصابر أن يفكك مفاتيح محرك الرغبة الجامحة للسلطة من فكر الجنرالات الأتراك وكان الانقلاب الفاشل الأخير الصفحة الأخيرة في مسلسلات الانقلابات العسكرية كتبها الشعب التركي المتحضر الواعي بدمه وشجاعته برفض كل اعتداء على الشرعية المنتخبة.
الإنجازات الاقتصادية والسياسية التي قدمها أردوغان لأمته مع نزاهة يده وحمايته للمال العام يضيق بمساحتها مقال إعلامي، وبرأيي، أهمها جميعًا علَّم الرمز أردوغان كل الشعب كيفية حب الوطن واحترام العلم والدفاع عن مكاسب مؤسسات الدولة.
أما المشاريع الاقتصادية الاستراتيجية فإطارها العام التحول التام من زاوية المدين إلى الدائن المتحرر من قيود الضغوط الدولية الدائنة خلال عشرة أعوام من عمر الدولة التركية فكانت تتلقى القروض من كل مصدر، والآن تمنحها لكل طالب حتى البنك الدولي يدخل في سجل قوائم المؤسسات المدينة لتركيا.. القيادة الناجحة لحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم جعلت حصان الاقتصاد أمام عربة السياسة فأدركت وبسرعة قياسية المرتبة السابعة عشرة في مجموعة العشرين الدولية وارتفع دخلها القومي فترة زمنية قصيرة لعقد واحد من الزمن من ثلاثمائة مليار دولار عام 2002م حتى بلغ أكثر من تريليون دولار هذا العام وارتفع معدل دخل الفرد من ألفين دولار عام 2002م إلى أحد عشر آلاف دولار حاليًا ودخلت تركيا نادي الطاقة النووية بمفاعلي أك كويو، وسينوب بكلفة إجمالية لهذين المفاعلين بلغت ثمانية وثلاثين مليار دولار. ومشروعي نقل الغاز الأذربيجاني تيناب والروسي السيل الكبير بكلفة إجمالية تقدر بثلاثين مليار دولار بالإضافة إلى حزمة من المشاريع العملاقة تتحقق متوازية مع هدف الرؤية الاقتصادية حتى عام الذكرى المئوية للجمهورية التركية في 2023م منها القناة الجديدة بين البحر الأسود ومرمرة موازية لقناة البسفور الحالية والتي ستنشئ مدينة جديدة على ضفافها بإسطنبول ومشروع الجسر العملاق الثالث الذي سيربط أوربا بآسيا وشبكة طرق معلقة بين إسطنبول وأزمير تختصر وقت السفر من سبع ساعات إلى ثلاث فقط، وهناك قائمة طويلة من المشاريع الاستراتيجية المهمة والمقدر لها تمويل يبلغ 135 مليار دولار.
تركيا ليست دولة بترولية، ولكنها بموقعها الاستراتيجي تتعدى أكثر الدول النفطية دخلاً من تسويق البترول والغاز عبر أراضيها للأسواق الأوروبية.
أتمنى على إعلامنا العربي بكل صنوفه وأقلامه أن يتجه نحو المصلحة العليا لأمتنا العربية بكل أمصارها وأن يمد يد المحبة والثقة والاحترام للسياسات التركية الداخلية بكل اتجاهاتها ومصادرها الفكرية ونتأكد أنها خطوط متعددة الاتجاهات تخضع لإراده الشعب التركي وحده، وما يعنينا نحن المفكرين العرب التوجه الخاص بالاستراتيجية الخارجية المنفذة من الدولة التركية، ولا بد أن نرى الأحداث بعين هذه المصلحة العربية القومية وما يخدمها ونبقى بمحيطها من دون التوغل في مستنقع الآيديولوجيات السياسية الداخلية والإقليمية والتحليلات الصادرة عنا والتي يتبين ظاهرها بموضوعية ولكنها مبطنة بالانحراف السياسي الداخلي، وهذا ليس من شأن الإعلامي والمفكر العربي المتفرج من أعالي التلال البعيدة من دون تقييم للأحداث المتسارعة من حولنا ونرمي بسهامنا المصنوعة خارج حدودنا القومية من دون توجيه منصف ناسين أو غالبا متناسين مصالح شعوبنا الحائرة في منطقتنا العربية بين جنون داعش وتخبط سياساتنا الإقليمية وعدم الثقة بتحالفاتنا الدولية مع تغير ألوان بورصة العلاقات الدولية من الغرب نحو الشرق، ولا بد أن نجد مكاننا في سفينة النجاة التي تتخطى الأمواج الهائجة والتي تحيط بنا، وذلك بتوحد وتطابق الخطاب السياسي والإعلامي العربي باتجاه واحد بما يخدم مصالحنا العليا. 
وقد يكون تحقيق هدف تركيا الكبيرة صعبًا الآن بسبب الأحداث المتسارعة في محيطها الإقليمي والدولي، ولكن بلوغ الهدف المرجو لتركيا غنية وقوية سيتم بلوغه في الذكرى المئوية للجمهورية الأولى في رؤيتها السياسية والاقتصادية لعام 2023م. 
تداعيات الانقلاب الفاشل أوجدت إيجابيات، أهمها تركز الثقة الشعبية بالرمز الوطني رجب طيب أردوغان أول زعيم لتركيا تنتخبه الجماهير المعارضة والموالية باستفتاء شعبي تظاهري مليوني وفي كل تركيا الجديدة.
j عضو مجلس أمناء منتدى الفكر العربي
عضو الهيئة التأسيسية للحوار التركي العربي
عضو هيئة الصحفيين السعوديين

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©