بمشاركة سمو الأمير الحسن بن طلال
لقاء منتدى الفكر العربي يناقش أثر وسائل التواصل الاجتماعي على التضامن المجتمعي
د. أبو حمور: علينا تفعيل المسؤولية الأخلاقية الاجتماعية للحفاظ على وحدة المجتمع ومكوناته
د. الطويسي: الاستقطابات على مواقع التواصل لا تخدم الحقائق في الواقع الاجتماعي
قمق: ينبغي العمل على تصحيح المفاهيم والمصطلحات في الذهنية الاجتماعية التي تثير التشاحن
عمّان- بمشاركة صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، ناقش منتدى الفكر العربي، مساء الثلاثاء 23/8/2016، أثر مواقع التواصل الاجتماعي على التضامن المجتمعي، في لقاء تحدث فيه الدكتور باسم الطويسي عميد معهد الإعلام الأردني، والإعلامية والكاتبة الأستاذة بريهان قمق، وأدار اللقاء الدكتور محمد أبو حمور الأمين العام للمنتدى، بحضور جمع من الأكاديميين والإعلاميين والناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي والمهتمين.
حديث سمو الأمير الحسن بن طلال
أكد سمو الأمير الحسن بن طلال، خلال مشاركته في اللقاء الذي عقده منتدى الفكر العربي مساء أمس الثلاثاء حول أثر مواقع التواصل الاجتماعي على التضامن المجتمعي، وجود أنواع مختلفة من الاستخدامات التقنية في الأردن يجب أن تركز على التميز.
وشدد سموه على ضرورة الانتقال من المعلومة كخدمة، إلى توظيفها بتحسين الواقع المجتمعي، داعيا إلى أنسنة الأعمال في مواجهة التحديات، واعتماد الوسطية في التعامل، وإعمال صوت العقل والابتعاد عن الغلو، بما يقود المجتمعات إلى مزيد من الاندماج دونما تمييز.
ولفت إلى أن الشباب يطورون مهاراتهم الحياتية بحثاً عن مستقبل أفضل في حياتهم، مشيدا، في هذا السياق، بالمستوى المتقدم لقدرات حملة الجائزة الذهبية من خريجي جائزة الحسن للشباب.
ودعا سموه إلى توظيف الوسيلة التقنية والمعرفية في بناء منصة جديدة تتحدث عن مستقبل الأردن، لاسيما وأنها لم تعد محلية وإنما عالمية.
وقال سموه إن التقانة يجب أن تستثمر في تحقيق التضامن المجتمعي وتعمل على خدمة العملية التنموية والإصلاحية وبناء المجتمع ونهضته؛ لافتاً إلى أن الدراسات العربية والعالمية أفادت من اتساع حجم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمعات العربية، التي تبحث عن التواصل بهدف الرقي وتحسين الأوضاع العلمية والمعرفية لجسر الهوة بينها وبين العالم المتقدم.
كلمة د. محمد أبو حمور
افتتح اللقاء بكلمة من د. محمد أبو حمور، الذي أشار إلى أن هنالك قضايا وظواهر متعلقة بحجم انتشار وسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها أصبحت تنعكس على صورة المتغيرات في المجتمعات العربية، وتحتاج إلى المتابعة والدراسة والاهتمام، كون هذه الوسائل مستخدمة من شرائح مختلفة ابتداءً من حديثي السنّ والشباب حتى أصحاب الأعمال ومؤسسات الإعلام والثقافة والشركات والمصانع، وكذلك الحكومات الإلكترونية، وغير ذلك. وهنالك أثر واضح لهذه الوسائل في توسيع مساحات التعبير عن الآراء والمواقف، إضافة إلى ميزاتها التفاعلية في تسهيل التواصل بين الأفراد وداخل المجتمعات نفسها، وبين أفراد أو مجتمعات مختلفة ثقافياً، ومتباعدة جغرافياً، عدا استخداماتها في الإعلام ونشر الأخبار والمعلومات والتعارف والتسلية.
وأضاف د. أبو حمور أن تعدد شبكات التواصل الاجتماعي أتاح للأفراد أن يشاركوا في تشكيل توجهات الإعلام المجتمعي، والتفاعل مع أفراد ومجموعات داخل المجتمع الافتراضي، وحتى في صياغة الأخبار أو نشرها والتعليق عليها وتبادلها مع الآخرين، مما جعل المفهوم التقليدي للإعلام الإخباري يصبح شيئاً من الماضي مع وجود هذا المتلقي والمشارك في صياغة الرسالة الإعلامية.
وأكد أن لهذه المتغيرات جوانب إيجابية وأخرى سلبية، فإيجابية التفاعل والتقارب بين الناس والتعبير الحر للأفراد عن آرائهم في القضايا العامة، تقابلها أحياناً ظواهر سلبية تهدد النسيج المجتمعي، وتتجاوز على القيم الخلقية والدينية والاجتماعية والإنسانية التي تكفل استقرار المجتمع والسلم الأهلي، وتمس بالتضامن الاجتماعي ومصالح المجتمع، وخاصة في مسائل تقود مثلاً إلى التطرف أو الطائفية أو العنصرية أو الاستقطابات الجهوية، ونشر خطابات الفُرقة والتباغض والكراهية بين المكونات الاجتماعية.
ودعا د. أبو حمور في هذا المجال إلى التوقف أمام هذه المؤشرات ودراستها من مختلف النواحي، وتعزيز الوعي بها، وتفعيل المسؤولية الأخلاقية الاجتماعية، ومكافحة المظاهر السلبية من منطلق وحدة المجتمع واحترام مكوناته؛ مؤكداً أهمية تعليم الفكر الناقد، وإدامة الحوار حول أبعاد التعامل مع مستحدثات التكنولوجيا ، بما يحقق تضامناً مجتمعياً حقيقياً يخدم العملية التنموية والإصلاحية وبناء المجتمع وإجياله على أسس سليمة؛ مشيراً إلى عدد من الدراسات والتقارير العربية والعالمية التي بينت اتساع حجم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمعات العربية، وأن الشريحة الشبابية العربية هي أكثر الشرائح استخداماً لهذه الوسائل، ومنها دراسة لمؤسسة بيو الأمريكية، أوضحت أن الأردن يحتل المرتبة الأولى عالمياً في نسبة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وبنسبة تصل إلى 90%، وأن هناك 6 ملايين مستخدم للإنترنت في المملكة، منهم 5.2 مليون مستخدم لشبكات التواصل الاجتماعي.
مداخلة د. باسم الطويسي
من جهته، أشار د. باسم الطويسي عميد معهد الإعلام الأردني إلى أن عدداً من تقارير مرصد الإعلام الأردني (أكيد) تتبعت مدى انطباق مفهوم “الأقلية الصارخة” الذي طورته الدراسات الإعلامية الجديدة، على ما يحدث على شبكات التواصل الأجتماعي في الأردن، حيث يشير هذا المفهوم إلى مجموعة صغيرة من الناشطين المعلومين أو المجهولين الذين يساهمون بتوجيه الرأي العام في قضايا محددة، ويخلقون ظاهرة استقطاب بين المؤيدين والمعارضين.
وقال د. الطويسي إن نتائج التتبع الكيفي على شبكة التواصل الأجتماعي “فيسبوك” التي نفذت بشأن بعض القضايا المثارة في المجتمع مؤخراً أكدت هذه النتيجة من حالات الاستقطاب، والتي تتمثل في أقلية من المعلقين يطرحون أسئلة غريبة ومستفزة لتقاليد المجتمع وثقافته، الأمر الذي يدفع بهجوم معاكس من التعليقات. وأن هذه الأقلية من الناشطين الذين يتمتعون بخصائص ترتبط بالقدرة على انتاج المحتوى المثير والجاذب، أو طرح القضايا الحساسة والمستفزة ولديهم دينامية التفاعل الذي يستجيب لطبيعة الشبكة، هم من يخلقون أحياناً حالة شبه افتراضية قد لا يكون لها معادل موضوعي في الواقع كما هو الحال في خطاب الكراهية الطائفي، أو لا توجد مؤشرات دالّة عليه في وسائل الإعلام التقليدية أو في الواقع الحياتي، كما يخالف هذا الخطاب ما نصّ عليه ميثاق الشرف الصحفي في المادة (4) منه التي تقول: “يلتزم الصحفيون باحترام الأديان والعمل على عدم إثارة النعرات العنصرية أو الطائفية وعدم الاساءة الى قيم المجتمع أو التحريض على العصيان أو ارتكاب الجرائم ، كما يمتنعون عن تحقير السلطات والترويج لمناهضة المبادئ التي يقوم عليها الدستور الاردني”.
إن المتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي يلاحظ ازدياد حدة النقاشات على هذه الصفحات، ووجود ظاهرة مقلقة تهدد النسيج الاجتماعي والوطني والسلم الأهلي، وتهدد مجتمع التسامح الذي حافظ عليه الناس عقوداً طويلة، لتتغذى من خطاب إقصائي يبث الفوضى ويقوض قيم التسامح، ويهدد السلم الاجتماعي.
مداخلة الأستاذة بريهان قمق
وقالت الإعلامية والكاتبة الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي الأستاذة بريهان قمق في مداخلتها: من التحديات التي تواجه مجتمعنا أيضاً اختلاطُ المفاهيم والمصطلحات واستخدامها بطرق مغايرة لحقيقتها المعرفية، وعليه يُتخذ موقف عدائي في مواقع التواصل الاجتماعي ... فمثلاً من أكثر المصطلحات سوءاً للفهم: العَلمانية ، الليبرالية ، الحريات بشكل عام ... حريةُ التعبير، التجديد ، السلام ، الفساد ... إلخ، وكثيراً ما تؤدي النقاشات الى صدام لفظي عنيف بين المتفاعلين عبر الفيسبوك مثلاً او تويتر، أي لا يوجد لدى مجتمعاتنا حتى بين الأوساطِ المثقفة - فكيف بالشبابية - استقرارٌ للمفاهيم التي تشكل أرضيةً تفاعليةً عوضاً أن تصيرَ عدائيةً وتحريضيةً.
وأضافت أن مواقع التواصل الاجتماعي تبدو ساحةً لممارسة نوع جديد من التنشئة السياسية يمكن اعتبارُها تنشئةً سياسيةً ذاتيةً أو غيرَ موجهة، بمعنى أنها لا تقود هذه العمليةَ جهةٌ أو مؤسسةٌ ما، سواء رسميةً أو غيَر رسمية، فعلى الرغم من أن أغلب المؤسسات الرسميةِ والأحزابَ السياسيةَ والصحف لها صفحاتٌ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعي، فإن تأثيرَها يبدو محدوداً، ولا سيما أن مستخدمي الإنترنت يملكون في هذه الحالة مطلقَ الحريةِ في التعرضِ للمحتوى الذي تعرضُه هذه الصفحاتُ والمواقعُ، فضلاً عن الطبيعةِ التفاعلية التي تسمحُ بالحوارِ والانتقادِ المستمرِ للأفكارِ والرؤى المطروحةِ من جميعِ الأطراف.
وأوضحت أنه يتمُ استخدامُ طريقةِ تعاملِ الدولِ مع الشبكاتِ الاجتماعيةِ كمعيارٍ للحكمِ على درجةِ التحولِ السياسيِ والديمقراطيةِ لدى العديدِ من دولِ العالم، وفي نفسِ الوقت ِهناك ما هو نشاطٌ سياسيٌّ موجهٌ عبر نشرِ الشائعاتِ وهي إحدى أدواتِ الحربِ الحديثة، وتندرج ضمن ما يسمى “الجيل الرابع” من الحروبِ ، وبالتالي فإن ترويجَها في قضيةٍ معينةٍ لا يتم بشكلٍ عشوائيٍ، بل إن أجهزةً كبرى وسياديةً تابعةً لبعضِ الدولِ تقومُ بإدارةِ هذا النوعِ من الحروبِ من خلالِ الترويجِ لبعضِ الشائعاتِ، وهنا تكمن الخطورة على النواحي السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ، وزعزعةِ استقرارِ الدولةِ ، واهتزازِ الثقةِ في مؤسساتِها وبالتالي ارباك المجتمع.