EN | AR
الثورة المضادة‏..‏ من يقف وراءها؟‏!‏
الخميس, مايو 19, 2011
محمد السعدني

ربما يكون مهما أن نرجع إلي اليوم الرابع من فبراير الماضي‏,‏ وقبل‏6‏ أيام من تخلي الرئيس السابق عن السلطة‏,‏ عندما تحدث إلي محطة ايه بي سي الامريكية قائلا‏:‏ انه مستاء جدا مما جري في ميدان التحرير وانه يود الاستقالة لكنه يخشي الفوضي ولا يريد ان يري المصريين يتقاتلون فيما بينهم‏.

وبدا المشهد غريبا ومثيرا للمئات من الاسئلة دون اجابة واضحة عندما أذاع الكاتب الكبير الاستاذ محمد حسنين هيكل ـ وله ماله من تاريخ عريق في توثيق المعلومات ـ من ان شرم الشيخ التي انتقل اليها الرئيس السابق أصبحت مركزا مناوئا للثورة الشعبية وان الاتصالات اليومية علي أشدها بين عناصر في القاهرة والرئاسة المخلوعة في شرم الشيخ‏.‏

كانت مظاهر الفوضي السائدة طوال هذه الأيام هي من نوع الفوضي التي يمكن تفهمها في ظل أوضاع كهذه‏..‏ ولكن ما أن تمت إقالة وزارة الفريق أحمد شفيق ـ الذي سبق أن اختاره الرئيس السابق في ذروة أوقات الثورة ـ حتي تحولت الفوضي إلي نمط آخر أكثر تنظيما ـ فوضي منظمة ـ إلي درجة ان رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف ونائبه الدكتور يحيي الجمل القادمين من قلب ميدان التحرير وصفا الأمر بأن هناك جهودا منظمة لاشاعة الفوضي بالمجتمع لهدم وخلخلة قيمة الدولة وكيانها‏,‏ ولم يترددا في وصف هذه الجهود بوضوح تام بالثورة المضادة‏,‏ وعند هذه اللحظة كان لابد من استدعاء تصريح الرئيس السابق إلي المحطة الامريكية والذي يمكن ان نفهمه علي أنه كان تهديدا بما يمكن أن تحدثه القوي الموالية لنظامه من فوضي عارمة في أركان الوطن‏..‏ وليس مجرد تحذير بريء عن مخاوف مما يمكن أن يحدث فيما إذا تخلي عن الحكم‏.‏

وفي اللقاء الذي عقده قبل أيام شرف والجمل مع رؤساء التحرير بدا اصرار شرف علي توصيل رسالة مفادها أن الوضع خطير جدا وأن هناك أيادي تعبث بأمن مصر واستقرارها وتغذي لهيب الفتنة الطائفية وتدفع بالبلاد إلي مستقبل مجهول‏,‏ ولم يستبعد تورط دول خارجية في دعم هذا الاتجاه لتحجيم مصر‏.‏

ربما يقودنا الحديث عن الثورة المضادة إلي تلك الملحمة التاريخية التي سطرتها قواتنا المسلحة عندما أعلنت بوضوح أنها تقف منذ اللحظة الاولي إلي جانب الشباب الثائر‏..‏ ذلك الموقف الرائع الذي لاشك في أنه قد أصاب أركان النظام السابق بالخزي‏,‏ وإلي تحسب الخطوات القادمة وتنظيم سيناريوهاتها بعيدا عن دعم القوات المسلحة‏,‏ وفي الغالب الاعتماد علي محاولات الوقيعة بين الشعب وأبنائه في الجيش وإذكاء نيران الفتنة الطائفية التي بدأت بعض الحقائق تتكشف حيال كيفية ادارتها من مقار مباحث امن الدولة‏,‏ حتي ان اصابع الاتهام باتت توجه إليها بالمسئولية عن الأحداث الكبري سواء في العمليات الارهابية أو محاولات الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين‏..‏ وخلق حالة من الفوضي المرعبة من خلال البلطجية الذين عاشوا في كنف الحزب الوطني‏.‏

ففي أيام الغضب المكتوب التي سادت طوال السنوات العشر الأخيرة‏,‏ حيث بدا الفساد شبكة شديدة التعقيد وان القدرة علي الاصلاح باتت معدومة وان البلاد تسير نحو هاوية سحيقة‏..‏ كان السؤال الملح الذي يفرض نفسه دوما سواء بين المرء ونفسه أو في المجالس الضيقة هو‏:‏ أين الجيش؟ وإلي متي يستمر صمت قواتنا المسلحة علي هذا الفساد وذلك الانهيار؟ وهل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بأقل مما كانت عليه قبيل ثورة يوليو‏..25‏ ورغم ان الاجابة عن هذا السؤال تحديدا كانت تتفق علي ان ما تواجهه البلاد هو أسوأ كثيرا عما كان قبيل ثورة يوليو‏,‏ ورغم إلحاح سؤال‏:‏ أين الجيش مما يجري حولنا‏,‏ إلا ان الامل كان دوما قائما في أن تخرج البلاد من أزمتها دون الحاجة إلي تدخل عنيف من القوات المسلحة تعيدنا إلي تلك الحلقة المفرغة التي عانينا منها بعد ثورة يوليو‏.‏

ثمة تسريبات كانت تشكل مصدر طمأنينة من ان قواتنا المسلحة ليست ببعيدة عن المشهد وانها تتابع بكل الجدية كل أبعاد الموقف وأنها لابد وحتما سوف تتدخل في الوقت المناسب‏..‏ ولكن متي يكون هذا الوقت المناسب؟ لا أحد كان قادرا علي الاجابة‏!‏

ضمن هذه التسريبات أن قيادات كبيرة من القوات المسلحة وفي خلال اجتماعات رسمية حكومية كانت تنتقد وبلهجة حاسمة الكثير من السياسات الفاسدة ومنها سياسات الخصخصة المثيرة للشكوك والجدل‏,‏ وكانت دوما تسجل مواقفها أنها ضد هذه العلميات المنظمة لبيع البلد‏..‏ وبعد ان تأكد سيناريو التوريث وانه ماض في طريقه لا محالة‏,‏ خرجت تسريبات جديدة تقول إن مصر مش حيحكمها عيال ومع انطلاق ثورة الشباب يوم‏52‏ يناير وخلال الأيام الثلاثة الاولي‏,‏ كان السؤال الاكثر الحاحا والاكثر تعبيرا عن تطلع جموع الشعب إلي قواته المسلحة‏,‏ هو‏:‏ متي ينزل الجيش إلي الشارع ليضبط ايقاع الأحداث ويحمي هؤلاء الشباب من بطش النظام الذي بدا انه يترنح وانه في حال من الفراغ العقلي يمكن ان يسفر عن كارثة محققة‏..‏ وما ان ظهرت آليات القوات المسلحة وسط المتظاهرين حتي سادت حالة من الطمأنينة مرجعها ان البلد أصبحت في الايدي الامينة‏.‏

‏...........‏
الايام المقبلة سوف تشهد المزيد من الكشف عن أسرار هذه الثورة المضادة التي مازالت تتمتع بأنصار يصعب حصرهم وتعدادهم‏..‏ فقد كان الفساد واسعا ومتشابكا ومتغلغلا في الاعماق‏..‏ ويا للعار أن يكون أنصار الثورة المضادة هم البلطجية وقطاع الطرق وتجار المخدرات واللصوص والسماسرة الذين سيكون مصيرهم إلي مزبلة التاريخ مع المهرجين والأفاقين الذين اعتادوا ركوب الموجة والتسول علي كل الموائد‏.‏

 



exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©