EN | AR
علاقة السنة الدولية للشباب بالفوضى الهدامة
الخميس, مايو 19, 2011
عبدالعزيز بن عثمان التويجري

هناك سؤال يطرح نفسه في سياق الأحداث التي تشهدها المنطقة، وهو: هل من المصادفة أن تجري الاحتجاجات الشبابية والاضطرابات الاجتماعية في عدد من الدول العربية، خلال السنة الدولية للشباب التي أطلقتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار لها تحت الرقم: 64/134: (إعلان سنة 2010 سنة دولية للشباب: الحوار والتفاهم)؟.

صحيح أن السنة الدولية للشباب، هي السنة الماضية 2010، ولكن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، ينص في بنده الأول على إعلان السنة التي تبدأ في 12 أيار (مايو) 2010 سنة دولية للشباب: الحوار والتفاهم، بما يعني أن السنة الدولية لا تزال مستمرة، وتنتهي في الصيف القادم.

فهل كان تحرك الشباب بهذه الصورة العنيفة، في شوارع المدن والقرى غاضباً ساخطاً مطالباً بالإصلاح وبالتغيير، متجاوزاً الهيئات السياسية والنقابية والجمعيات والمؤسسات الأهلية، لا قيادة ظاهرة له تنظم تحركاته الغاضبة، هل كان هذا الأمر الجلل الخطير يدخل في إطار السياسة الفوضوية التخريبية التي يطلق عليها الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية، تلك العبارة الغامضة المبهمة المطاطة حمّالة الأوجه: «الفوضى الخلاقة»، وما هي في واقع الأمر، سوى الفوضى الهدامة التي تخلق الفتنة وتؤدي إلى الخراب والدمار وسوء الأحوال وضياع فرص التقدم والتنمية؟

نعود إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، لنتبين الأهداف الإنسانية المرسومة لهذا الحدث الدولي، التي وقع تجاوز بعضها وإفراغها من مضمونها، فنجده يقول: «وإذ تضع في اعتبارها أن السبل التي تعالج بها التحديات التي يواجهها الشباب وإمكانات الشباب، ستؤثر في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الحالية ورفاه الأجيال المقبلة وأسباب معيشتها، وإذ تضع في اعتبارها أيضاً، أن سنة 2010 ستشهد الذكرى السنوية الخامسة والعشرين للسنة الدولية للشباب: المشاركة والتنمية والسلام، المعلنة في عام 1985، وإذ تؤكد أهمية إحياء هذه الذكرى، واقتناعاً منها بضرورة تشجيع الشباب على تكريس طاقته وحماسته وإبداعه للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعزيز التفاهم، تدعو جميع الدول الأعضاء والوكالات المتخصصة والصناديق والبرامج التابعة لمنظومة الأمم المتحدة ومنظمات الشباب، إلى الاستفادة من السنة الدولية من أجل البناء على أوجه التآزر بين الأنشطة المنفذة خلال السنة على الصعد: الوطني والإقليمي والدولي، وتشجيع اتخاذ الإجراءات على جميع الصعد لنشر المثل العليا للسلام والحرية والتقدم والتضامن والتفاني في خدمة أهداف وغايات التقدم والتنمية، بما فيها الأهداف الإنمائية للألفية، في ما بين الشباب». فهل هذه الاحتجاجات المدوية التي صاحبتها أعمال العنف والتخريب والتدمير، مما يحقق غايات التقدم والتنمية، بما فيها الأهداف الإنمائية للألفية؟

أعرف أن مثل هذه الأسئلة لا تطرح في جل الفضائيات العربية والأجنبية ووسائل الإعلام الدولية، لأن العيون والأذهان والخواطر مشدودة إلى الوقائع الصاخبة التي نصبح ونمسي عليها منذ أكثر من شهرين، من دون أن يكون هناك ما يشير، من قريب أو بعيد، إلى إمكان وضع حدّ لها. وبذلك تختلط الحقائق بالأباطيل، وتلتبس الأمور على الرأي العام العربي الإسلامي، الذي يقع ضحية للإعلام الموجَّه، في غالبية وسائله وقنواته، الذي لا يحترم أخلاقيات المهنة.

لقد جاء في رسالة الأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة السنة الدولية للشباب: «لنحتفِ بمناسبة الاحتفال بهذه السنة الدولية، بما يمكن الشباب القيام به لبناء عالم أكثر أماناً وأكثر عدلاً، ولنعزز جهودنا لإشراك الشباب في السياسات والبرامج وعمليات صنع القرار التي تعود بالفائدة على مستقبلهم ومستقبلنا». فهل ما جرى ويجري من أحداث مثيرة سقط فيها قتلى ونهبت الممتلكات والأموال وخربت وحرّقت المرافق والمؤسسات العامة والخاصة، يساهم فعلاً في «بناء عالم أكثر أماناً وأكثر عدلاً»؟.

هل الفوضى الهدامة الجارفة الكاسحة تخلق الفرص لبناء عالم أكثر أماناً وأكثر عدلاً؟ ومتى كانت الفوضى، من حيث هي، تبني صروح الأمن والأمان وتحمي الإنسان من الخوف والضياع وفقدان الأمل؟

إن ما يجري في مناطق عدة من العالم العربي الإسلامي، يؤكد بما لا يرقى إليه الشك، أن ثمة إرادة قوية مصممة على زرع الفتنة وزعزعة الاستقرار والإجهاض على المكاسب التنموية التي تحققت، والعودة بالأوطان إلى الوراء. وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام القوى العظمى للتدخل في الشؤون الداخلية في هذا البلد أو ذاك.

لقد اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها في شأن هذه السنة، تأكيداً للأهمية التي يوليها المجتمع الدولي لإدراج القضايا المتعلقة بالشباب ضمن جداول العمل الإنمائية على كل من المستويات العالمية والإقليمية والوطنية، واستهدفت نشر المثل العليا للسلام. لهذا فالاستثمار في الشباب وإنشاء شراكات مع الشباب من أجل مواجهة هذه التحديات، هو ما يضمن عنصر الاستدامة، كما جاء في أدبيات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

في الأسبوع الماضي (31/1/2011)، وزعت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بياناً، في غمرة الأحداث التي عرفتها جمهورية مصر العربية، حذرت فيه من انتشار الفوضى الهدّامة في العالم الإسلامي، ونبّهت إلى ما جرى في بعض الدول الأعضاء من استغلال لتحركات جماهير الشباب المطالبة بالإصلاح والتغيير نحو الأفضل، لنشر الفوضى والقيام بأعمال إجرامية تخريبية طاولت المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة، والاعتداء على المواطنين وبثّ الرعب بينهم.

لقد جاء مضمون بيان الإيسيسكو منسجماً مع التوصيات الصادرة عن الندوة الدولية حول موضوع «الشباب والمستقبل: تحديات الواقع وتعزيز القدرات وآليات المشاركة»، التي عقدتها الإيسيسكو والألكسو واتحاد دول المغرب العربي، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، والتي أوصت في بيانها الختامي، باستثمار الطاقات الشبابية لتكثيف الجهود المبذولة في مقاومة الآفات الاجتماعية والصحية والتنموية.

ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، حين أفرغت السنة الدولية للشباب من مضامينها الإنسانية الإنمائية البانية للتقدم والسلام، وبخاصة في منطقتنا العربية الإسلامية، وكأنها كانت تمهيداً للفوضى الهدامة التي لم تنته فصولها. وأظن أن ذلك سيستمر إلى أمد غير قريب.



exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©