بعد حادثة كنيسة القديسين، كتبت مقالا في الأهرام تحت عنوان.. وتبقي مصر،
وبعد الأحداث الأخيرة، يجب أن نفكر كيف تبقي مصر؟، وأن نناقش مسار ومصير مصر الجديدة، التي حلم بها وخرج من أجلها المتظاهرون المخلصون، والتي يعكف علي رسم خريطة طريقها حكماء متعاطفون، وللإجابة علي هذا السؤال المحوري، بعيدا عن الاستغراق في المناظرات الدستورية التي يجيدها البعض، نتوجه إلي طرفي المواجهة الميدانية: الشباب والنظام، وإلي من يشكلون المناخ العام ويحركونه، ببعض الملاحظات:
ـ دعوة الشباب إلي الانتقال من مرحلة الغليان الذاتي إلي النقد الذاتي، حتي لا تتعرض حركتهم إلي الاحتراق الذاتي، علينا أن نتوقف عن نفاقهم أو مهاجمتهم، لندعوهم إلي تقييم الحدث الذي كانوا أبطاله بلا جدال، والتفكير في مستقبلهم ومستقبل وطنهم، حفاظا علي المكاسب ومحاصرة للخسائر، نعم، لقد كانوا حركة مخلصة بلا رأس تمت معها مواجهة جاهلة بلا عقل، وإن كان علي الجبهتين من تدرب طويلا لتحريكها بهذه الصورة، وقد آن الأوان أن يحددوا بأنفسهم رأسهم المفتقدة، مجموعة تمثلهم وتعبر عن تنوعهم، أو نواة لحزب يعبر عنهم، وعليهم أيضا الاتفاق علي صيغة تجمع بين الحفاظ علي زخم ثورتهم وعودة الحياة الطبيعية إلي أهلهم، الذين يحبونهم ويفتخرون بهم، وأخيرا، عليهم إنضاج ثورتهم بفرز واضح بين حركتهم ومن يريد تحريكها، وتسييس مطالبهم وجدولتها بشكل يجمع بين الحسم والواقعية، والتسييس هنا لا يعني التنازل بأي حال من الأحوال، فضريبة الدم التي دفعوها لا تسمح بذلك، لكن يعني من الممكن في الوصول الي الأهداف النبيلة، مع أخذ كل العوامل المحيطة في الاعتبار.
ـ أما النظام، فعليه الكثير والكثير جدا، مما يجعله من أهم النظم الانتقالية في تاريخ الشعوب، إنه مرشح أن يسهم في الانتقال الي مصر الجديدة، مصر ما بعد الفرعونية كما يحلو للبعض أن يسميها إن مصر الفرعونية قدمت للبشرية أقدم حضارة وأقدم دولة مركزية في التاريخ، ولن ننسي لها ذلك لكن المتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، بل والعولمية أو الكوكبية، تستدعي التجاوز مع الاحترام والنظام الانتقالي الحالي يضج بالفرص والمخاطر، وعلينا أن نساعده في تعظيم الفرص وتلافي المخاطر ومن المهم في هذا الشأن ما يلي:
1ـ إحداث قطيعة كاملة مع سلبيات الفترة السابقة، التي تم الاعتراف بها، وهذا ما بدأه فعلا نائب رئيس جمهورية ورئيس وزراء طالما تمنينا أن نراهما في موقعيهما، وإن كنا نريد المزيد ومن بين ذلك، إعادة النظر في التشكيل الوزاري في الوقت المناسب، بما يحقق رضاء أكبر للناس، فهم في حاجة ماسة الي إحساس أكبر بهذا الرضاء ومحاسبة عادلة وفورية للمفسدين، ونقلة نوعية في دور ضرورة جهاز الشرطة، وعلاقته بالمجتمع، وتحسين أحوال الإنسان المصري، مع استعادة تكافؤ الفرص المفقود تماما، وإزالة آثار العدوان الذي أحدثته العلاقة غير الشرعية، ولا أقول الزواج، بين السلطة والثروة والبلطجية، التي كادت ان تضيع البلاد والعباد، إننا نعلم أنها أمور مطروحة فكرا، ونريدها أن تطرح فعلا يستشعره الجميع.
2ـ الدعوة الي دبلوماسية شعبية للحوار بين المجتمع والنظام المتخلص من السلبيات، دون إنكار للإيجابيات التي تمت في عهد مبارك، الذي أساء إليه المقربون وأبعدوه عن الملايين من أبنائه وأحفاده، الذين قدروا طويلا قامة وقيمته هذا الحوار يجب أن يؤدي الي عقد اجتماعي جديد لمصر الجديدة، الساعية الي اكتساب عالميتها دون أن تفقد هويتها ومع الاعتذار لكثير من الأصدقاء، أقول أن لجان الحكماء هي آخر بقايا مصر القديمة، التي تفيد الآن في إطفاء الحريق، وتمضي مشكورة، إن الحكمة القادمة هي حكمة الشعب التي تفرز بالحوار عقده الاجتماعي مع نظامه، دون فوقيه من ناحية النظام أو ديماجوجية من ناحية الشعب.
3 ـ وآخر ما أتمناه من هذا النظام المثقل بالهموم والمهام، أن يكون حاضنة لمشروع الدولة المدنية بكل ما تحمله هذه العبارة من معان، مانعة لانقضاض فريق علي فريق، وسرقة الحلم المشروع بمصر الجديدة، إنها مهمة أخلاقية يجب أن نعاون في إنجازها في هذه الفترة القصيرة والحاسمة، التي تسبق الفجر، الذي نريده صادقا لا كاذبا.
ـ وهنا يأتي أوان الحديث إلي من يشكلون المناخ ويحركونه، من الداخل والخارج، وهو حديث قصير وواضح، إننا سنعرف الجيد والردئ، والمصلح والمفروض، والذي ينتظر الأجر من الله ومن ينتظره من أعداء الله وأعدائنا.
وننصحهم بأن يحذروا الفتنة، التي لن تصيبنا وحدنا، لكنها ستصيبهم بأكثر منا، ونؤكد لهم بثقة: ستبقي مصر، قولا واحدا، ألا هل بلغت، اللهم فأشهد.