بالرغم من الاجواء السائدة في المنطقة، وتمحور الحراك السياسي والشعبي حول اعادة صياغة مشاركة الشعب والمجتمعات العربية في دورها في صيغة الحكم، والتي أدت في بعض البلدان العربية الى ثورات قلبت الموازين والانظمة السياسية القائمة، الا أن جوهر الخلل في الوطن العربي يكمن في استحكام الأزمة الاقتصادية التي وضعت الدول والحكومات في موقع العاجز عن تلبية احتياجات الشعوب الاساسية.
وفي الأردن كان الاداء الاقتصادي على المستوى الوطني يخضع لاجتهادات نخب متعاقبة تعددت فيها التوجهات وغلبت عليها أحياناً المصالح والاولويات غير الصحيحة واذا استثنينا البنى التحتية التي تحقق فيها انجاز كبير وفورة العقار التي امتصت حجما كبيرا من الاستثمار فقد بقيت مجالات الاقتصاد المنتج تعاني أما من الاهمال كما حدث في الزراعة او من صعوبة المنافسة وقلة الرعاية كما حدث في الصناعة الوطنية، فالتجارة الحرة سمحت بتسليع الاسواق الوطنية، بمنتجات الدول المتقدمة، بسلع اكثر جودة، واقل كلفة والسلع الصينية والتركية اكبر مثال.
لقد وقعت منطقتنا، وبخاصة الدول الاقل حظاً في الثروة النفطية، والأردن منها تحت وقع تصاعد كلف النفط، التي انعكست على جميع مرافق الحياة الاقتصادية، وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، التي خفضت مصادر التمويل والاستثمار الخارجي، وعطلت الكثير من الآمال والتطلعات المستقبلية لدولنا، مما زاد الاعباء والتحديات في مجتمعاتنا.
وتأتي موجة ارتفاع اسعار الغذاء في العالم، وهي موجة متصاعدة لتزيد من اعباء وهموم الدول، فقدرة الدول على الحد من هذه الموجة محدودة، وهي تنحصر في مراقبة هوامش الربح المبالغ به ومنع الاحتكار، كما ان اللجوء لمعالجة الغلاء عن طريق الدعم، يرتب كلفاً اضافية على موازنات الدول، ويؤدي الى مزيد من القروض والعجز المالي.
حلقات عديدة مهمة في مجال العمل العربي المشترك، لم تستكمل بعد، فدرجة التعاون الاقتصادي البيني بين الدول العربية، بقي محدوداً والمصالح الاقتصادية العربية لا يتم تنسيقها في اطار يراعي تكامل المصالح، كما ان الكثير من الاستثمارات العربية في الدول محدودة الموارد كالأردن، تتركز عادة على المشاريع الجاهزة والناجحة، للمساهمة بها او تملكها، وليس على اقامة مشاريع انتاجية جديدة وضرورية.
يضاف الى ذلك، الخلل الكبير، في توزيع مكتسبات ومشاريع النماء، وبخاصة المنتجة منها والمولدة للعمالة، فالمحافظات خارج العاصمة، تكاد تكون خارج الاهتمام بالرغم من الوعود المتكررة بتوسيع دائرة النماء خارج العواصم.
فالمشاكل الاقتصادية على تعقيدها ومعالجة الاخطاء السابقة وبخاصة الجانب المتعلق بتطلعات الشباب وهي اكبر شريحة من المجتمعات العربية، وتزايد البطالة والفقر، مضافا اليها الحاجة للاصلاح السياسي والاجتماعي؛ وامتصاص حالة القلق في المجتمعات العربية، من خلال اصلاحات حقيقية، كل ذلك يشكل التحدي الراهن والمقبل، الذي تواجهه الحكومات والدول العربية في هذه المرحلة.
نشفق على من يتحمل المسؤولية في هذه الظروف، ونأمل الخير لبلدنا ولأمتنا، فالآمال والمطالب عريضة، والنفوس مشحونة بالقلق والرغبة بمزيد من المشاركة والحرية، والمطالب والاصلاحات المطلوب تلبيتها كثيرة والامكانات شحيحة، ولا حل، الا من خلال الحوار والتفاهم على حلول اصلاحية مرحلية وواقعية، وخطوات مدروسة تؤدي الى صيرورة دائمة من الاصلاح الذي ينقذ الاوطان والمجتمعات، ولا يغرقها في الجدل والفوضى.