EN | AR
الوصفة الامريكية لإعادة تشكيل الحالة العربية *
الخميس, مايو 19, 2011
راكان المجالي

كثيرةٌ هي المشاريع الخاصّة بالمنطقة العربية، تلك التي تفتخر مؤسّسة راند الأمريكية بإنجازها. فعُمرها المديد، الذي تجاوز الخمسين عاماً، أتاح لها شبكة من العلاقات المعقّدة، أمنياً وسياسياً ومالياً وعسكرياً، في داخل الولايات المتحدة وخارجها، مكّنتها من القيام بأهم الدراسات والخطط الاستراتيجية، الخشنة والناعمة، لمعسكر دول الغرب وحلفائه، وفي أكثر من فضاء عالمي وإقليمي وعربي.

فمن أهمّ مشاريعها العربية، في السنوات الأخيرة، تفتخر المؤسّسة بما يسمّى بمبادرة راند للشباب في الشرق الأوسط (IMEY). وهي مشروع متخصّص، يُعنى بدراسة وتحليل الاتجاهات والمواضيع المتعلّقة بالشباب والمستقبل، والمشاريع الخاصّة بالمدارس والأطفال. تلك المبادرة، التي وجدت تطبيقاً لها، في مشروع (مبادرة شباب الشرق الأوسط )، الذي يقوم به مركز ولفنسون للتنمية، في بروكنغز ، بالشراكة مع كلية دبي للإدارة الحكومية، بعنوان، إدماج: مواجهة تحديات 100 مليون شاب . ناهيك عن اعتزازها بالمشاريع التي أجازتها المؤسّسة، في دولة قطر، قبل نحو ثمانية أعوام، كعملية إصلاح المناهج الدراسية، في المدراس ومؤسّسات التعليم، وتأسيسها لـ"معهد (راند _ قطر) للسياسات".

وبعيداً عن عقد اللآلىء المعرفية، التي تتوّج به راند هامَتها، وحصّة بلادنا من تلك الجواهر، فإنّ واحدة من تلك الدُرر لها صلة بما يحدث اليوم في الأرض العربية، التي تعيش مخاضها الطويل والموجع والأهم.

إعادة بناء الأمم ، هكذا يسمّى في الولايات المتحدة الأمريكية كلّ ما يحدث في بلادنا العريضة ، وغيرها من البلاد المنكوبة بالتأخّر. وهي عبارة محايدة وباردة، على الرغم من أنها تشمل استعمال القوة العسكرية، كجزء من جهد أكبر وأوسع، لنشر وترويج إصلاحات سياسية واقتصادية وثقافية، من أجل تحويل مجتمعات خارجة من نزاعات إلى مجتمعات في حالة سلم مع ذاتها ومع جيرانها.

ولا يشرح أسرار تلك العملية، التي تجري على قدم وساق منذ سنوات، وقبل الانتفاضات الشعبية العربية الجامحة بسنوات، أكثر من الدراسة التي أعدّتها مؤسسة راند الأمريكية، ونشرتها في كتاب قبل نحو ثلاثة أعوام، تحت عنوان دليل المبتدئين لإعادة بناء الأمم .

مؤسسة راند ، كما هو معروف، ليست مجرد مركز أبحاث ودراسات كغيرها، بل عقل الإدارة الأمريكية الجماعي المفكّر. فهي التي تحدّد استراتيجية الإدارات المتعاقبة، إضافة إلى استراتيجية معظم الحكومات الحليفة للولايات المتحدة.

في تلك الدراسة بالغة الأهمية، تمّ تحديد خيارين، للولايات المتحدة وحلفائها، في سياق جهود إعادة بناء الأمم. الخيار الأول، ويسمّى الخيار المشترك، حيث تحاول السلطة الخارجية، المتدخّلة في شؤون الأمة المعنية بإعادة البناء، العمل مع المؤسسات الموجودة في تلك البلاد، والتواصل مع القوى الاجتماعية ومراكز صناعة القرار. وذلك من أجل تحويل التنافس على السلطة والثروة، وإعادة توجيهه، من تنافس عنيف إلى مسارات وقنوات مسالمة. أما الخيار الثاني، ويسمى التفكيك ، وفيه تقوم السلطة الخارجية المتدخلة بتفكيك أجهزة الدولة، وبناء أجهزة جديدة، وذلك بهدف نزع السلطة من مكوّنات محدّدة بعينها في المجتمع، ومنح تلك السلطة إلى مكونات أخرى فيه.

وما بين هذين الخيارين، تدار شؤون معظم بلدان العالم الثالث ونزاعاته، ومنذ سنوات، بالتشارك الوظيفي، بين الولايات المتحدة وحلفائها، وبين مؤسسة الأمم المتحدة، تحت عنوانين رئيسيين هما: حفظ السلام ، و فرض السلام . ففي حين تفضّل الأمم المتحدة الخيار الأول، وهو حفظ السلام، فإن فرض السلام الذي تقوده الولايات المتحدة يمثل الخيار الثاني، وهو التفكيك .

ولا تهدف عملية إعادة بناء أمة إلى تحويل مجتمع فقير، إلى مجتمع مزدهر، أو نقله من مجتمع تسلطي إلى مجتمع ديمقراطي، بل من مجتمع عنيف إلى مجتمع مسالم، بحسب تعبيرات دراسة مؤسسة راند . وتحت هذا الهدف تترتّب أولويات عملية إعادة البناء، كما يلي:

الأمن، الغوث الإنساني، الحوكمة، التثبيت الاقتصادي، الدمقرطة، والتنمية . ولكلّ أولوية من هذه الأولويات مفهوم آخر، غير المفهوم الشائع لها والدارج الاستعمال في وسائل الإعلام.

ولعلّ أكثر أشكال التضليل، التي شاع استخدامها بشكل واسع في هذا السياق، هو مفهوم إعادة الإعمار . فالدراسة تؤكّد على حاجة المجتمعات الخارجة من النزاع إلى إعادة القولبة والتشكيل من جديد ، أكثر من حاجتها إلى عملية البناء نفسها..! أليس هذا ما يحدث في أكثر من بلد تمّ تفكيكه وتدميره، وتُرك أهله، على قارعة طُرق الأمم، ينتظرون ديمقراطيتهم العتيدة لأعوام طويلة..؟!.

 

 

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©