EN | AR
الربيع العربي الضرورات والطموحات والتحديات
الثلاثاء, مايو 17, 2011
الدكتور محمد نعمان جلال

لقد فرض الربيع العربي نفسه على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في المنطقة العربية وبخاصة في الدول ذات النظم الجمهورية ولم يكن الأمر سهلاً ولا ميسراً بل كانت مختلف الظروف النظامية بمعنى القانونية والسياسية والهياكل المؤسسية والأمنية والهياكل الاقتصادية والثقافية تعمل ضد ذلك.

 

ونتناول في هذه الورقة ثلاث نقاط رئيسة هي: الضرورات والطموحات والتحديات مع خاتمة تشير للمأزق الراهن أمام الربيع العربي.

 

أولاً: الضرورات

 

لقد كانت الظروف الموضوعية لإحداث التغير غير مواتية بدرجة كبيرة من ناحية ولكن الأوضاع بلغت حالة من التدهور والسوء مما جعل الانفجار لا مفر منه من ناحية أخرى، ويمكن تلخيص تلك الظروف في الآتي:

1- 

سيطرة نظام سياسي يعتمد الحزب الواحد كأداة عملية وفعالة للقمع السياسي وتزييف إرادة الشعوب من خلال عملية ديمقراطية فاسدة تقوم على تزوير الانتخابات وضرب الخصوم بشتى الطرق بما في ذلك الوسائل الأمنية وشراء الذمم والفساد داخل الأحزاب المعارضة الضعيفة بدورها.

 

2- 

تسخير الدولة ونظامها السياسي للجهاز الإداري والجهاز الأمني وسلطات الحكم المحلي لخدمة الحزب الحاكم المسيطر.

3- 

سيطرة أعضاء النظام وأعوانه على الاقتصاد الوطني من خلال احتكار التجارة والصناعة وشراء الأراضي بوسائل شتى وكذلك السيطرة على المؤسسات المصرفية والمالية.

4- 

السيطرة على المؤسسات البرلمانية والصحافة والثقافة والقضاء من خلال أدوات الترغيب والترهيب أي شراء الذمم ومنح الامتيازات أو القمع الأمني الذي تفوقت فيه تلك الأنظمة.

5- 

شيخوخة النظام السياسي والقيادة السياسية لطول بقائها في السلطة:

-ليبيا القذافي 43 عاماً.

-اليمن علي عبدالله صالح أكثر من ثلاثة عقود.

-مصر مبارك ثلاثة عقود.

-سوريا الأسد أكثر من أربعة عقود لأسرة الأسد وتحول الحكم إلى نظم جمهورية شكلاً ووراثية عملاً، وكانت سوريا الأسد هي نقطة الانطلاق والنموذج السيء الذي أغرى النظم الجمهورية الأخرى في مصر وتونس واليمن وليبيا وقدم لهم النموذج والقدوة السيئة.

6- 

ارتباط تلك النظم الجمهورية بالسياسة الأمريكية عملاً ومهاجمتها ونقدها شكلياً، ومن ثم أضاعت مصالح شعوبها وسيادة دولها. 

سوريا الأسد ظلت أرضها محتلة (الجولان) على مدى أكثر من أربعين عاماً، دون تطلق طلقة واحدة عبر الحدود، وكانت تحارب إسرائيل بالخطابات البلاغية. 

اليمن تحارب إسرائيل بالشعارات، ودخلت في علاقات أمنية مع الولايات المتحدة مما ترتب عليه تحول أرضها إلى أرض مباحة للطائرات الأمريكية بدعوى تعقبها لأعضاء القاعدة.

 ليبيا القذافي استسلمت وألغت برنامجها النووي الشكلي بعد أن دفعت المليارات من أجل الحصول على معدات وأجهزة ظلت في صناديق مغلقة إلى أن سلمتها للولايات المتحدة بعد غزو العراق وسقوط صدام حسين وإعلانها التخلي عن برنامجها النووي.  كما دفعت مليارات الدولارات تعويضات عن حادث لوكاربي بعد أن فُرضت عليها المقاطعة لسنوات عديدة.بقرارات من مجلس الأمن الدولي 

أما مصر مبارك فقد أضعفت قواتها المسلحة وصناعاتها العسكرية، ووقعت في عهده اشتباكات على الحدود مع إسرائيل استشهد فيها جنود مصريون دون أخذ ثأرهم أو تحريك دعاوى قانونية أو سياسية ضد إسرائيل، وتحول نظام مبارك إلى نظام يضمن جزئياً أمن إسرائيل،

 وكان يسبقه في ذلك ويتفوق عليه نظام الأسد الذي استضاف حماس دون أن يسمح لها بحرية الحركة ضد إسرائيل، كما لم يسمح لأية مقاومة سورية عبر الحدود في الجولان.وكأن المسموح للشعب السوري والقيادة السورية هو النضال عبر الميكروفونات أو عبر الحدود اللبنانية، وقوات حزب الله، حتى عندما كانت سوريا تحتل لبنان.  فلم ترد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على جنوب لبنان وسهل البقاع ولا على انتهاكات إسرائيلية للأراضي السورية ذاتها بما في ذلك ضرب مفاعلها النووي في دير الزور عام 2007، وكان ما زال في  بدايته، أو التحليق بأربع طائرات إسرائيلية فوق قصر الرئيس بشار الأسد بالقرب من مدينة اللاذقية في 2006  بل لغت المهادنة السورية لإسرائيل إلي حد عدم الرغبة في الاعتراف بالحادث، وعندما كُشف الأمر من إسرائيل بتسريبها الأخبار للصحافة العالمية كانت السلطات السورية تطلق شعارات وبلاغة إنشائية دون أدنى رد فعل ملموس.

7- 

نتيجة الشيخوخة في القيادة تحولت السلطة الفعلية في النظم العربية الجمهورية إلى أربع قوى:

الأولى: قوة المرأة الحاكمة من وراء ستار (مصر نموذجاً وأيضاً تونس وليبيا وربما بدرجات أقل كانت سوريا واليمن).

الثانية: قوة الوريث وبطانته (مصر نموذجاً) مع اختلاف في مراكز القوة التي اعتمد عليها الوريث ففي مصر (الحزب وأجهزة القمع ورأس المال وإلى حد ما المثقفين وأجهزة الحكم المحلي والبيروقراطية).  في تونس أجهزة القمع الرهيبة. وفي اليمن السيطرة على الحرس الجمهوري والقوات المسلحة، وكذلك ليبيا بتولي أبناء الحاكم السلطة العليا في تلك الأجهزة، وإلى حد ما في سوريا أقارب الأسد وبطانته).

الثالثة: قوة البرلمان المستأنس والمثقفين والأكاديميين والحكم المحلي حتى لا تظهر قوة أخرى منافسة.

الرابعة: السيطرة على الاقتصاد لأعوان السلطة ومن ثم مشاركتهم في السلطة دون منافسة منهم وإنما هم أدوات لتنفيذ هدف التوريث، وقاموا بدورهم بإذلال الشعب وإخضاعه بالضرائب، البطالة المتزايدة، الغلاء وارتفاع الأسعار ومن ثم إضعاف الطبقة الوسطى وزيادة أعداد الطبقة الدنيا لمصلحة شريحة من الطبقة العليا.

ثانياً: الطموحات:

 

لقد سارت الطموحات لأول ثورتين وهما تونس ومصر في طريق تدريجي متصاعد مع استمرار رفض النظام التجاوب مع مطالب المتظاهرين، التي بدأت في المرحلة الأولى كحركة احتجاجية ذات مطالب شعبية وإصلاحية، ثم مع تلكؤ السلطة في تونس ومصر تصاعدت بسرعة إلى حركة للمطالبة بإسقاط رأس النظام،
ثم في المرحلة الثالثة إلى دعوة للتغيير الشامل.

وقد استمرت الحركة في تونس على مدى شهر تقريباً من منتصف ديسمبر 2010إلى منتصف يناير 2011 وفي مصر من 25 يناير إلى 11 فبراير، ثم حدث تراجع واختلاف، في ثورات ليبيا واليمن وسوريا، بدخول القوات المسلحة لمصلحة النظام وضد الثورات والمطالب الشعبية.  ومن هنا تحولت الحركات الاحتجاجية من العمل السلمي، الذي يواجه نظاماً فاسداً متخلفاً وبطيئاً في التفكير، إلى حركة تميل إلى العنف واستخدام القوة لتواجه نظاماً أكثر عنفاً وشراسة.

وترتب على ذلك ثلاث نتائج مهمة :

 

الأولى: تحول الحركة الاحتجاجية من عمل سلمي كامل أو شبه كامل يحظى بمساندة الشعب بصورة شبه إجماع  وطني كما في تونس ومصر إلى حركة أدت إلى انقسام في صفوف الشعب كما حدث في ليبيا وسوريا واليمن.

الثانية: اتجاه النظام القائم لاستخدام أقصى درجات العنف والقتل ضد المتظاهرين باستخدام الدبابات والقوات المسلحة والحرس الجمهوري فضلاً عن أجهزة الشرطة والأمن الوطني ومن ثم تصاعد عدد الشهداء والمصابين.

الثالثة: دخول العامل الخارجي في الأحداث في خمسة مظاهر:

الأول: القوى الدولية الأجنبية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عبر تصريحات مسؤوليها بالدعوة للاستجابة لمطالب الشعب ثم في تصاعد مواز مع الحركة الاحتجاجية، ومع قمع النظام لمساندة دعوة إسقاط النظام وكانت هذه القوي قد هيأت المناخ بتدريب أعداد من الشباب علي العمل السلمي والاعتصامات استنادا لمؤلفات كتاب أمريكيين وفي مقدمتهم "جين شارب" من الديكتاتورية إلي الديمقراطية..

الثاني: دخول القوى الإقليمية لمساندة حركة التمرد أو مساندة النظام مما زاد من تفاقم الأوضاع وتجلى ذلك في سوريا بدخول تركيا للضغط علي النظام من ناحية، ودخول إيران لمساندة النظام من ناحية أخرى.  أما في ليبيا فأبدت الجزائر مساندتها للنظام بصورة غير مباشرة ضد الثورة وقواها الشعبية ويتردد أنها زودتهم بأسلحة  وسهلت حصوله علي مرتزقة.

الثالث: دخول المنظمات الإقليمية والدولية لمساندة المطالب الشعبية والدعوة لوقف العنف ضد الشعب، كما في دخول جامعة الدول العربية ثم الأمم المتحدة بقراراتها بخصوص ليبيا والتي وصلت إلى حد الحماية واستخدام الناتو لحماية المدنيين، وهو ما أدى إلى قلب موازين القوى في ليبيا، ودخول جامعة الدول العربية في مسعى للوساطة ثم تصاعد إلى فرض عقوبات على النظام السوري، الأمر الذي قد يؤدي للتمهيد لتدويل المشكلة السورية.  وأخيراً دخول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأمم المتحدة في المشكلة اليمنية وتركز العمل في إطار مبادرة دول مجلس التعاون وفي مساعي الوساطة من قبل مبعوث الأمم المتحدة.

الرابع: مع تصاعد العنف من الطرفين المتصارعين (النظام والمتظاهرون) حدث انقسام في الموقف الدولي وبخاصة بالنسبة لسوريا واليمن حيث رفضت كل من الصين وروسيا تأييد أي قرار من مجلس الأمن الدولي يؤدي إلى تدخل أجنبي  قد يترتب  عليه تفاقم الأمور على غرار ما حدث في حالة ليبيا.بتدخل الناتو بموافقة دولية من مجلس الأمن لحماية المدنيين  ولكنه تعدي الصلاحيات الممنوحة له في غاراته الجوية بل قتل مدنيين  كثيرين والمشاركة في القتال عبر الغارات الجوية علي المدن والمناطق السكنية.

الخامس: دخول إيران على خط الثورات العربية بالتأييد ومحاولة كسب الأنصار بدعوى أن هذه الثورات امتداداً للثورة الإسلامية الإيرانية وأنها ضد قمع حكامها وخضوعها للولايات المتحدة وإسرائيل، الاستثناء الرئيس هنا هو الموقف الإيراني المساند للنظام في سوريا.

أدت السرعة التي سقط بها النظامان في تونس ومصر إلى انتشار ظاهرة التمرد في دول عربية من ناحية، وإلى تصاعد المطالب للتغيير الشامل في مختلف الدول أسوة بما حدث في تونس ومصر.  بل امتدت طموحات الحركات الشعبية إلى الدول الملكية الوراثية بدرجات مختلفة وبصور متنوعة  ومن ثم استدعت ردود فعل متنوعة أيضا وفقا لظروف كل دولة. وطبيعة الحركة الاحتجاجية فيها.

ثالثاً: التحديات

 

مع تحقيق إسقاط النظام في تونس ومصر بدأت تظهر التحديات حيث برزت حالة الثورة المضادة من قوى النظام السابق، ومن المزايدات في المطالب الثورية ومن الانقسام في مواقف الثوار، ومن قوى حزبية قديمة سعت للسيطرة واختطاف الثورة، ظهر ، ذلك بدرجة محدودة في تونس، وبدرجة أكبر في مصر، وإلى حد ما في ليبيا وأن كان يحتمل أن تتصاعد مع مضي الوقت، وأيضاً في اليمن، ولكن سوريا لأن نظامها مازال صامداً فأن الثورة المضادة لم تظهر بعد،.

و يمكن رصد أبرز التحديات في الآتي:

الأول: تحدي الثورة المضادة وهذه تأخذ صوراً متعددة مثل:

 

-   ظاهرة البلطجة في مصر، والشبيحة في سوريا والبلاطجة في اليمن، وهي قوى خارجة على القانون ومدعومة من النظام السابق.

-      

 وظاهرة الانقسام بين قوى الثورة نتيجة عدم وجود قيادة موحدة، أو هدف واضح ومحدد، ماعدا فكرة إسقاط النظام،

-  وظاهرة السعي لاختطاف الثورة وهذه الظاهرة أكثر وضوحاً في حالة مصر لظهور الأحزاب القديمة ولظهور القوى الإسلامية التي لم تشارك في بداية الثورة، سواء في تونس أو مصر. 

ونحن نصنف هذه القوى في إطار الثورة المضادة لثلاثة أسباب:

1- 

إن هذه القوى تنتمي للنظام القديم رغم أنها كانت في المعارضة آنذاك. وعانت من القمع والاضطهاد وأدى ذلك لتعاونها بدرجات متفاوتة مع النظام. ولكن السبب في وضعها في إطار الثورة المضادة هنا هو أن الذي قاد الحركة هو جيل الشباب المختلف في فكره وطموحاته وتطلعاته عن  معظم  هذه الأحزاب القديمة التي تجاوز الزمن فكرها وقياداتها كما أن القوى الإسلامية ذات أجندة واضحة وتنظيمات قاعدية في المجتمع، ومن ثم سهولة سيطرتها على الثورة، وهذا ما حدث في تونس بوصول حزب النهضة وحصوله على الأغلبية، وفي مصر بصورة أكثر خطراً بظهور تيار الأخوان المسلمين، وتيار السلفية، وتيار الصوفية بل وإنشاء حزب للشيعة، وهذه القوى الإسلامية يتوقع لها أن تسيطر  على النظام وتسعي لتغييره نحو عقيدة دينية سياسية، وهذا من المحتمل أن سوف يثير صراعات جديدة في المجتمع مع القوى المدنية ودعاة التحديث، ومع الأقليات الدينية وخاصة الأقباط في مصر مما قد يدفع للتدخل الأجنبي. ومن ثم يؤدي بالمجتمع للعودة للوراء سياسيا.

 

2-إن القوى الإسلامية تعتمد المرجعية الدينية بتفسيراتها غير الحديثة وهي أن السلطة تستمد من الدين، ومؤدي ذلك أنه ما أن تصل التيارات الإسلامية للحكم عبر صناديق الاقتراع حتى تتخلى عن المفهوم الديمقراطي، وتستخدم الخداع الإعلامي عبر تفسير الدين لمصلحتها، والترويج بأن الخروج عن فكرها هو خروج على الدين، ومن ثم يصعب التغيير أو الإطاحة بها إلا بثورة أخرى.

·      

  وهذا ما حدث في غزة بوصول الأخوان،

·      

 و في السودان بتحالف الجيش بقيادة عمر البشير مع حزب الإخوان بزعامة الترابي، ثم انقسامهما،

·      

و بتحالف الليبراليين مع الإسلاميين في الثورة الإيرانية، ثم سيطرة الخميني وتوجهاته الدينية المتشددة حتى ضد أطراف في ثورته مثل رافنسجاني وموسوي وكروبي بعد أن تغلب في المرحلة الاولى على بني صدر وغيره من دعاة الدولة المدنية.

3-التفسير المحافظ وربما المتشدد للدين في مجالات الاقتصاد والحياة الاجتماعية، مما يدخل المجتمع في حالة من الانعزال أو الصدام مع الممارسات الدولية المعاصرة بدرجات متفاوتة، ويذكي مفهوم صراع الحضارات أو المؤامرة الغربية ضد الإسلام والمسلمين ونحو ذلك.

يمكن أيضاً أن يقع المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحت إغراء السلطة  في مرحلة لاحقة  فيتحول إلى قوة من قوى الثورة المضادة   إذ قد يتحول من قوة محايدة أو مساندة للثورة إلى قوة تسعى للحفاظ على الوضع الراهن السابق مع السماح بالحد الأدنى من التغيير، وقد يؤدي ذلك لقيامه باختطاف الثورة في انقلاب سافر أو ضمني، وهذا أحد مظاهر القلق والصراع الدائر حالياً في مصر في هذه الفترة

الثاني: تحدي التنمية والبناء: فالثورات نجحت في الوصول للسلطة بدرجات متفاوتة في دول جمهورية غير نفطية – ماعدا ليبيا – وهذا سيجعلها تواجه ضغوطاً من الدول الغنية ذات الثروة النفطية، والنظم الوراثية.  ومن ثم سيترتب على مثل هذه الحالة توتر وانقسام عربي ما بين الثوريين والمحافظين، على غرار ما حدث في الخمسينات والستينات من القرن العشرين.  وتواجه الدول ذات الثورات الجديدة نقص الموارد وتراجع الإنتاج وقلة السياحة فضلاً عن ضغوط دول الثروة النفطية ومن ثم تصبح عملية التنمية وإعادة الأعمار بالغة الصعوبة.

وأما الدول الأوروبية والولايات المتحدة فلن تستطيع تقديم المساعدات اللازمة لظروف الأزمة الاقتصادية من ناحية، وللأجندة السياسية لأوروبا والولايات المتحدة المرتبطة بشروطها التي تمس سيادة الدول من ناحية أخرى وترتبط بالتعامل مع إسرائيل من ناحية ثالثة، وهذا سوف يطرح حالة جديدة من الصراع في المنطقة.

أما روسيا والصين فسوف تؤدي مواقفهما إلى إذكاء حالة الصراع هذه تماشياً مع خلافاتهما مع الدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة هذا من ناحية، وتحقيقاً لطموحاتهما وأجندتهما التنموية الرامية للحصول على الأسواق والموارد الطبيعية في الدول النامية لتغذية الآلة الإنتاجية خاصة في الصين. 
أما روسيا فإن لديها أجندة المرتبطة بإستراتيجيتها الكونية ورغبتها في العودة مجدداً للشرق الأوسط، ولكن هذه الإستراتيجية لن تكون قوية ومقدامة كما حدث في مرحلة الخمسينات والستينات لاختلاف الظروف. كما أن كلاً من روسيا والصين أصبحتا مرتبطتين بإيران اقتصادياً وإستراتيجياً وهذا سيجعلهما أقل تجاوباً مع قوى ثورية عربية تتقاطع في مصالحها مع السياسة الإيرانية.

 

 

الثالث: تحدي السياسات الإقليمية والدولية: وهنا نجد الوضع في الدول العربية ذات النظم الجمهورية التي اندلعت بها ثورات يواجه أربع قوى إقليمية:

 

1- 

إيران وسياستها الإيديولوجية الإسلامية الشيعية ذات الطابع القومي الرامية للتوسع وتصدير فكرها وممارساتها.

2- 

إسرائيل وسياستها في اقتطاع الأراضي الفلسطينية والحفاظ على ذاتيتها وهويتها كدولة يهودية ومسيطرة على المنطقة بصور متعددة أهمها القوة العسكرية ومساندة الولايات المتحدة.

3- 

تركيا وطموحاتها بلعب دور إقليمي ودور دولي استناداً لهذا الدور الإقليمي.

4- 

مجلس التعاون الخليجي والذي يلعب دوراً متصاعداً استناداً إلى المصادر الطبيعية مثل النفط والغاز الطبيعي والقوة الاقتصادية والمالية في هذه المرحلة، فضلاً عن طموحات شخصية لبعض القيادات السياسية في بعض دول مجلس التعاون ولهذا أخذ هذا المجلس دوراً واضحاً في الأزمة الليبية ثم في الأزمة السورية والأزمة اليمنية. 

 

ويثار التساؤل هنا هل هذا الدور لمصلحة خليجية بحتة؟ أم لمصلحة الشعوب العربية؟ أم لمصلحة قوى دولية لا ترغب في الظهور على الساحة في هذه المرحلة؟ أم هو دور يعكس رؤى لشخصيات وقيادات معينة في تلك الدول الخليجية.؟

 

خاتمة: الآفاق:

تبدو الآفاق في هذه المرحلة تتراوح ما بين نوع من الإشراق الثوري ولو المحدود، كما في تونس، ومن الصراع المحتمل أن يكون ممتداً كما في مصر، ومن الاحتمالات الدموية والتدخلات الأجنبية كما حدث في ليبيا، سوريا واليمن رغم توقيع الرئيس اليمني على المبادرة الخليجية.

 

لقد ركزت الورقة على الدول ذات النظم الجمهورية، أما الدول ذات النظم الوراثية فهي ما تزال أكثر قدرة على المناورة والإصلاح، كما في حالتي الأردن والمغرب، وأكثر تماسكاً كمجموعة في مواجهة الاحتمالات الثورية، وأكثر ميلاً للإصلاح التدريجي، كما في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومن ثم فأن أحداث تلك المنطقة تجعلها لا تدخل في باب الربيع العربي كما هو سائد في هذه المرحلة في الدول ذات النظم الجمهورية التي انتفض شعبها بكافة طوائفه ودول تدخلات أجنبية واضحة وهذا هو حالة تونس ومصر.

 

 

باختصار تظل الآفاق مفتوحة على كافة الاحتمالات التي يمكن أن تغير مسيرة الربيع العربي وتجعله يتحول ليصبح   شتاء أو خريفاً أو صيفاً وليس ربيعاً حيث تظهر الزهور اليانعة والعقلانية والاعتدال وينصرف الناس للعمل والنظام بدلا من استمرار الاعتصام والانقسام.

 

 

 

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©