EN | AR
ماذا بعد الربيع: العرب والجوار والعالم؟
الثلاثاء, مايو 17, 2011
عبدالحسين شعبان

كان هذا العنوان سؤالاً مهماً لمحور من محاور المؤتمر العاشر لمؤسسة الفكر العربي التي يرأسها الأمير خالد الفيصل والتي عقدت اجتماعاتها في دبي مؤخراً . تُرى ما هو حجم دورها في رسم الأحداث العربية أو المساهمة فيها أو التأثير فيها؟

 

وإذا كانت المفاجأة كبيرة بشأن الربيع العربي للقوى والتيارات السياسية في البلدان التي حصل فيها الحراك الشعبي، فإن المفاجأة أعمق للبلدين الجارين تركيا وإيران، ولعلها أقرب إلى الصدمة على المستوى العالمي، ويمكن القول إن أكثر مراكز الاستخبارات في العالم أهمية ومعرفة لم تكن تتنبأ بما حصل، بل إن بعضها كان يعتبر بعض البلدان مستقرة أو أقرب إلى الاستقرار .

 

وقد كانت “إسرائيل” الأكثر تطيّراً إزاء الحراك الشعبي العربي، حين اعتبرت أن تغيير النظام التونسي قد يخلّ بمعادلة الصراع العربي- “الإسرائيلي”، فما بالك بالتغيير الذي حصل في مصر وقد يحصل في سوريا، الأمر الذي جعلها في حالة استنفار وحذر وحتى ممانعة لإحداث أي تغيير في العالم العربي، خوفاً من التأثير على اتفاقيات كامب ديفيد عامي 1978-1979 وما تبعها من صيغ ومعادلات بما فيها اتفاقيات أوسلو العام 1993 التي وصلت الى طريق مسدود .

 

وكانت لإيران علاقات استراتيجية مع سوريا، الأمر الذي استلزم إعادة التفكير بما سيؤول إليه الوضع لو حدث تغيير النظام السوري على سبيل المثال، حيث ظلّت علاقة طهران بدمشق حميمة ومتصاعدة منذ الثورة الايرانية العام ،1979 واختبرت في منعطفات عديدة منها: الحرب العراقية - الإيرانية التي دامت ثماني سنوات 1980-،1988 حيث كان موقف سوريا أقرب إلى الموقف الإيراني بسبب عداء مستفحل بين بغداد ودمشق، وهو عداء استئصالي حزبي وسياسي، وكذلك بعد احتلال العراق العام ،2003 لاسيما في الموقف من الوجود العسكري الأمريكي .

 

كما كانت علاقة تركيا بسوريا قد بدأت تتحسن منذ إخراج عبدالله أوجلان من سوريا، لدرجة أنه عشية الربيع العربي،2010 وصل الأمر إلى “تصفير” المشاكل العالقة بين البلدين، إعلاناً أو بالصمت، بما فيها قضية لواء الاسكندرون جغرافياً وعلى الخارطة أيضاً، ومروراً بتوسيع نطاق العلاقات التجارية والاقتصادية، وصولاً إلى إلغاء التأشيرات بين البلدين، وإذا بنا بعد موقف تركيا من النظام السوري، وتشجيعها واحتضانها لبعض اجتماعات المعارضة تتجه العلاقات ثانية سلبياً، لاسيما في الجوانب السياسية بالدرجة الأساسية، من دون أن ننسى نظام العقوبات الذي سيتم تطبيقه على سوريا عربياً ودولياً .

 

كما كانت علاقة تركيا بمصر فاترة وإذا بها بُعيد التغيير تشهد تطوراً مهماً، بما فيه زيارة رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان إلى القاهرة، وإلقاؤه خطاباً من دار الأوبرا داعياً إلى إقامة دولة علمانية، عارضاً تجربته كرئيس لدولة علمانية، بمرجعية دينية وإسلامية .

وإذا كانت علاقة “إسرائيل” مع تركيا قد تراجعت في الفترة الأخيرة بسبب مداهمتها باخرة تركية تابعة لأسطول الحرية وقتلها تسعة من مواطنيها، ورفضها الاعتذار، الاّ أن الموقف من سوريا يمكن أن يكون تعويضاً لموقف تركيا من “إسرائيل”، ناهيكم عن استقبالها الدرع الصاروخية لحلف الناتو، في موقف تعويضي أقرب إلى الاعتذار من التحسن النسبي والتفاهم السياسي للعلاقات التركية - الإيرانية في الفترة الأخيرة .

 

ولعل من أبرز القضايا التي ستكون محط صراع وجدل طويلين بعد الربيع العربي، موضوع نشر الدرع الصاروخية لحلف الناتو في تركيا وعلاقة ذلك بالملف النووي الإيراني، لما له علاقة بقضية ذات بعد تاريخي ومستقبلي، وإنْ اكتسبت بعداً آيديولوجياً في العقود الثلاثة الماضية، وهو التعارض بين المشروعين التركي (ذي التوجه الديمقراطي)، لاسيما بعد فوز حزب العدالة والتنمية في العام 2002 بالضد من النموذج الإيراني (الراديكالي)، خصوصاً منذ الثورة الاسلامية في إيران العام ،1979 وبما له من انعكاسات على عموم الصراع في المنطقة .

 

ويتوقف على التفاهم الإيراني- التركي، الدولي ليس مستقبل العلاقات بين البلدين فحسب، بل جزء أساسي ومهم من مستقبل المنطقة سواءً باتباع حلول سلمية ناعمة أو حلول عنفية خشنة قد تؤدي إلى المجابهة أو الصراع، لاسيما لو دخلت “إسرائيل” على الخط، وخصوصاً في موضوع المفاعل النووي الإيراني إضافة الى المنافسة التركية - الإيرانية .

ومنذ نجاح الثورة الإيرانية في 11 فبراير/ شباط العام 1979 ونجاح انقلاب كنعان أفرين في 12 سبتمبر/ أيلول العام 1980 كانت هناك نسبة توافق ستراتيجي بين البلدين، فقد كانا فاعلين رئيسين في أمن المنطقة، لاسيما بشأن أفغانستان وباكستان والعراق، إضافة إلى العلاقات التجارية بينهما، فضلاً عن ذلك، فهما يتشاركان في الموقف من القضية الكردية وكذلك مع دول المنطقة مثل العراق وسوريا . وفي عقد التسعينات كلّه كان هناك اجتماع ثلاثي ينعقد على نحو دوري بين تركيا وإيران وسوريا لاتخاذ موقف موحد إزاء القضية الكردية في العراق، خصوصاً بعد سحب النظام العراقي إدارته السياسية والمالية من كردستان وقيام حكم ذاتي خارج السلطة المركزية، والأمر يتعلق بمخاوف الدول الثلاث من احتمال قيام دولة كردية في شمال العراق .

 

كما يمكن لمنطقة آسيا الوسطى أن تحظى بسلم وأمن أفضل في ظل توافق استراتيجي بين تركيا وإيران، فإيران بحاجة إلى تركيا لتكون جسراً للغرب .

 

ومع كل هذه الجوانب فهناك عوامل تنافس تاريخية بين أنقرة وطهران، لاسيما حول إمكانية الاستفادة من الربيع العربي . فقد ترافق ذلك مع موافقة تركيا على استضافة الرادارات الخاصة بالدرع الصاروخية لحلف الناتو ببلدة كوراجيك بولاية ملاطيا التركية الحدودية مع إيران، الأمر الذي نجم عنه تشديد التوتر وزيادة عوامل أزمة الثقة بين البلدين .

 

وقد فسّرت أنقرة الأمر بكونه لا يتعدّى تساوقاً روتينياً مع متطلبات العضوية في حلف الناتو، لكن إيران اعتبرته تهديداً فعلياً لها، خصوصاً في موضوع الملف النووي الذي تشترك فيه “إسرائيل” والولايات المتحدة والغرب عموماً وتركيا أيضاً، فهو يجرّد إيران من امتيازات تتمثل في ترسانتها من المنظومات الصاروخية متوسطة وطويلة المدى، التي تعتبرها أداة رادعة بوجه احتمالات هجوم “إسرائيلي” أو حتى أمريكي ضد المفاعلات النووية الإيرانية أو أي أهداف استراتيجية أخرى، وقد هددت إيران بأن أي هجوم “إسرائيلي” أو أمريكي عليها، سوف تردّ عليه بضرب الرادارات التابعة لحلف الناتو في تركيا.

 

 ولعل تركيا تدرك خطورة ما أقدمت عليه، فالخطوة رسالة إيجابية للغرب بشكل عام، لاسيما وهي لا تزال تطمح في دخول الاتحاد الاوروبي، وهي رسالة إيجابية خاصة أيضاً لواشنطن وللاتحاد الأوروبي، مثلما هي خطوة لدعم المعارضة السورية واستضافة اجتماعاتها، وفي الوقت نفسه فهي رسالة سلبية إلى إيران بشأن ملفها النووي، كما أنها رسالة إلى العراق حليف إيران حيث نشطت جماعات شيعية وأخرى كردية، وليس بمعزل عن إيران، بشأن نشاطات داعمة لحزب العمال الكردستاني، حيث كانت طهران قد ألقت القبض على أحد قادة الحزب المذكورين، وتردّد اسم نائب رئيس الحزب، لكنها أطلقت سراحه، وقيل إن ذلك تم عبر صفقة مع “العراقيين”، وعشية الانسحاب الأمريكي من العراق، ولذلك دلالة خاصة على مستقبل الوضع في العراق ودور إيران ونفوذها .

 

لقد قلب الربيع العربي الكثير من المسلمات والبدهيات ليس في البلدان العربية فحسب، بل بشأن العلاقة مع دول الجوار والعالم، ولعل ما حصل في اليونان ولاسيما الأزمة الاقتصادية والمالية، ناهيكم عن تراجع اليورو، لم يكن بعيداً عن تداعيات الربيع العربي . كما كان اندفاع إيطاليا في إطار حلف الناتو بالتدخل العسكري في ليبيا، قد عاظم من مشكلاتها الاقتصادية والسياسية، الأمر الذي كانت إحدى نتائجه إسقاط حكومة برلسكوني، ومن تجلياته التظاهرات الحاشدة المطالبة بالإصلاح والتغيير، ومحاربة الفساد وبنظام أكثر عدالة وضمانات اجتماعية في وول ستريت ولندن وحوادث العنف التي شهدتها العديد من المدن الأوروبية، فضلاً عن حركة الاحتجاج الواسعة التي شهدتها “إسرائيل”.

 



exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©