دعا الولايات المتحدة إلى أن تكون متواضعة في تعاملها مع الصحوة العربية لأنها لم تتنبأ بها ولم تصنعها
واشنطن: هبة القدسي
في أول خطاب عام له بعد استقالته من منصبه كمستشار للرئيس أوباما لشؤون الشرق الأوسط، قدم دينيس روس خارطة طريق للولايات المتحدة لتتعامل مع ما سماه «الصحوة العربية» والقوى السياسية الجديدة في الشرق الأوسط. وأشار في خطابه أمام معهد واشنطن أول من أمس، الذي عاد ليستأنف العمل به بعد استقالته من البيت الأبيض، أن الولايات المتحدة لديها الوقت الكافي للتأكد من عدم حصول إيران على السلاح النووي ومنعها من امتلاكه. ونصح إسرائيل بالسماح بزيادة الوجود الأمني الفلسطيني وتوفير فرص اقتصادية لسكان الضفة الغربية وتقليص الفجوة السيكولوجية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وطالب روس بدعم القادة الفلسطينيين الملتزمين بنبذ العنف والتفاوض والتعايش المشترك.
وقال روس «إن هذه الأيام تشهد مرور عام على حادث إشعال الشاب التونسي بوعزيزي النار في جسده، ومنذ عام لم يكن لأحد أن يتنبأ بأنه ستقوم ثورات في العالم العربي، ولو قال أحد إن بن علي ومبارك والقذافي سيرحلون عن الحكم أو إن الجامعة العربية ستفرض عقوبات على سوريا لاتهمناه بالجنون». وتساءل روس «لماذا لم يتنبأ أحد بما حدث؟»، وأجاب مقدما تحليلا من أربعة عناصر «العنصر الأول أن المؤسسات الأمنية في تلك الدول كان تقاوم كل بادرة للتغيير بشكل شديد ووحشي، والعنصر الثاني أن القادة كانوا متمسكين بالسلطة ومستعدين لدفع أي ثمن مقابل البقاء على الكرسي، والسبب الثالث أن الشعوب كانت تخاف من المؤسسات الأمنية ولم يكن لديها أمل في التغيير، والسبب الرابع أن القادة كانوا يحاولون تشتيت الانتباه من الغضب الداخلي والقمع داخل بلادهم إلى توجيه الغضب نحو الولايات المتحدة وإسرائيل، وتلاعبوا بالقضية الفلسطينية لتشتيت الأنظار».
وفي تحليله لأسباب نجاح هذه الانتفاضات في الدول العربية، قال مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط السابق «الأسباب ترجع إلى ثورة الاتصالات والإنترنت والميديا الاجتماعية، وقدرة الناس على مقارنة أوضاعهم والتواصل مع بعضهم، ووجود أعداد كبيرة من الشباب الذين يعانون من البطالة وعدم الرضاء، وهم الأقدر على التحفيز للقيام بشيء معين، إضافة إلى فقدان الخوف لدى الناس، حيث طغى إحساس الغضب على إحساس الخوف من القبضة الأمنية المخيفة، وفي المقابل اتجهت المؤسسات الأمنية في مصر وتونس التي كانت تحمي النظام، إلى حماية نفسها بدلا من حماية النظام».
وقارن روس بين الإسلاميين في الدول العربية والعلمانيين وقال «إن الإسلاميين حصدوا مزايا كثيرة في ظل الأنظمة السابقة، وكانت لديهم قدرة على التعبير في المساجد، التي لم تخضع لسيطرة الأنظمة، وجاءوا بأفكار استطاعوا بها جذب الجماهير، وكانت لديهم قدرات تنظيمية عالية وأفكار وأجندة يعملون بمقتضاها، والأكثر من ذلك قدموا خدمات اجتماعية، ولأن عددا من الأنظمة السابقة كان علمانيا فلم يكن ذلك في صالح العلمانيين، كما أنهم قادمون من النخبة، وليست لديهم نفس قدرة الإسلاميين على التنظيم وطرح الأفكار».
ونصح مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط الولايات المتحدة بأن تكون متواضعة في رؤيتها للدور الذي يمكن أن تلعبه في المنطقة، وقال «لا بد أن نكون متواضعين لأننا لم نخلق هذه الثورات ولم نتنبأ بها وجاءت من الداخل، ومن يرسم مستقبل هذه الدول هم الشعوب في الداخل، ولكن هذا لا يعني أنه لا دخل لنا بما يحدث، فلدينا قلق من الإرهاب وقلق على السلام ومصادر الطاقة».
وأوضح روس أنه على الولايات المتحدة أن تركز على المبادئ والمحاسبة سياسيا واقتصاديا واحترام سيادة القانون وحقوق المواطنين والأقليات والمرأة، وهي مبادئ دولية، وقال «الحكومات الجديدة ستكون مطالبة بتوفير الإسكان والوظائف، وجذب الاستثمارات وتلبية مطالب الشعوب التي أدركت أن لها صوتا، وأنها تستطيع تحقيق التغيير».
وأشار روس إلى صعود الإسلاميين في معظم الدول العربية، وقال «ستكون لدينا قوى جديدة في المنطقة وهم الإسلاميون، وعلينا أن نتعامل معهم وعيوننا مفتوحة، فالبعض قد يقول إنهم ديمقراطيون، لكن لا بد ألا ننسى أن لهم آيديولوجيا وفلسفة ورؤية طوروها خلال عقود من الزمن، وهذه الآيديولوجيات لا يجب أن نغفلها».
وأوضح روس أن جماعة الإخوان المسلمين الآن مختلفة عما كانت عليه في الماضي، مشيرا إلى وجود اختلافات ديموغرافية تجعل جماعة الإخوان تختلف من دولة لأخرى. وقال «علينا أن ننظر كيف سيتعاملون مع الشعوب بعد وصولهم للحكم، هل سيتصرفون كما كانت الأنظمة السابقة تتصرف وتتعامل مع الشعوب على أنهم أشياء وليسوا مواطنين، أم لا، فمع السلطة تأتي المسؤولية والمحاسبة، وبعد حصول (الإخوان) على أصوات في الانتخابات سيكونون في وضع محاسبة ممن انتخبهم».
وقال روس «هناك مخاطر أن يتحكم (الإخوان) في الإعلام وينكروا المنافسة في التجارة، وهذا يعني الرجوع بالدول إلى الخلف، ودورنا ضمان عدم حدوث ذلك من خلال التأكيد على المبادئ والمحاسبة، وأن نكون واضحين في الرسائل التي نوجهها».
وأشار روس إلى أن «إيران تحاول استغلال الصحوة العربية والإيهام بأنها ساندت التغيير، بينما تقمع شعبها في الداخل وتساند النظام السوري، لذا أصبحت مكروهة في العالم العربي ومعزولة دوليا، وتعاني ضغوطا اقتصادية شديدة». وأكد روس أن إيران مستمرة في برنامجها النووي لكنها ليست قادرة على التقدم والتحرك بسرعة في تنفيذه، وقال «في رأيي أن لدينا وقتا للتأكد من أن إيران لن تحصل على سلاح نووي، وهدفنا ألا نعيش مع إيران نووية، وأن نمنع حدوث ذلك، وعندما يتعلق الأمر بالمنع فلا يزال لدينا وقت للقيام بذلك».