EN | AR
المؤتمر الفكري التأسيسي الأول الفكر المسيحي الإسلامي والقيم الإنسانيّة
الخميس, يناير 16, 2014
فلورا قازان

لبنان 6 يناير 2014

ربما، وللحظاتٍ مَضَت قبلَ دخولي إلى هذا المكان، كنتُ أَشعرُ في نفسي شيئاً مِنَ الوَجَل الممتزج بمشاعرِ غُربةٍ – أو ما يُشبِهُها - عن عالميْ الأدبيّ وعن طريقِ الشِّعر الذي اختطَّه ليَ القدر؛ منذ وَعَتْ رُوحي وعقلي المعرفيّ هذا العالم. فأنا أقلُّكم جميعاً إلماماً بالموضوعات التي يبحَثُها هذا المؤتمر، ولستُ بطبيعةِ الحال من أهل الاختصاص كما أنتُم، وإنْ كنتُ – وما زِلت – أُشارككم الأهداف النبيلة والمرامي السامية من هذا اللقاء الحواريّ الطيّب، الذي أنظرُ إليه من موقع صِلَتي بالثقافة والأدب على أنَّهُ تعبيرٌ راقٍ عن مشروعيّة الوجود الإنسانيّ، بل هو متطلَّبٌ أساسيّ لإحياءِ ما خَبَا في الضمائر من محفِّزات الوعيّ نحو استعادة أسباب الكرامة الإنسانيّة في العيش المشترك، والتسامح، والسِّلم الأهليّ.
لكنني لا أُحدّثكُم الآن بصفتي شاعرة أو أديبة أو مُثقفة، أو أيٍّ من الصفاتِ والألقابِ التي اعتادَ الناسُ في مثلِ هذهِ المناسبات أن يُقَدَّموا بها. بل أحبُّ وأعتزُّ بأن أقدِّم إليكم نفسي بصفتي مواطِنة لبنانيّة عربيّة مسيحيّة، هذه الصفة التي تجمعني بكم انتماءً لوطن وهُويّةً حضاريّة وإنسانيةً إيمانيّة.

من هنا، أُبرِّرُ لنفسي مشاركَتِكُم في حوار بين أتباع ديانتينِ سماويتين عظيمتَينِ بقيمِهِما وتأثيرِهِما الواسع في الفكر الإنسانيّ، وبما جاءتا به من مبادىء الرحمة والتوادّ والعدل والمحبة، المتمثِّلة جَميعُها بقيم التقوى. 
والفكر – كما يقول الزعيم الهندي نهرو في رسائله لابنته أنديرا – لكي يحقِّق نفسه يجب أن يقودَ صاحِبَهُ إلى العمل. وحريٌّ بنا نحن أتباع المسيحيّة والإسلام أن يكونَ عَمَلُنا المشتَرَك معاً مُستلهِماً الفكر والقيم التي نؤمن بها مثلما جاء في موعظة يسوع على الجبل (فليُضِىء نورُكُم هكذا قُدَّام النّاس لِيشاهدوا أعمالَكُمُ الصالحةَ) – متى5، لوقا 6 -. ومثلما أكد القرآن الحكيم (يا أيُّها النّاسُ إنَّا خلقناكُم من ذكرٍ وأُنثى وجَعلناكُم شعوباً وقبائِلَ لتَعَارَفوا إنَّ أَكرمَكُم عند الله أتقَاكُم) – سورة الحُجُرات: الآية 13 -.

وإذا تذكَّرنا أننا على اختلاف أدياننا وامتدادِ تاريخنا قد شغلتنا أسئلة الوجود والغاية منه، ومعنى الخير والشرّ، والألم والسعادة، والموت وسرّ الروح، فإننا في محاولاتنا نشتركُ عملياً في البحث عن حقيقة واحدة، وليس من المنطق أن يذهبَ كلُّ فريقٍ منّا في اتجاهين متعاكسين، فالحكمة ترشِدُنا إلى أن البحث حتى وإنْ اختلفَت وسائِلُهُ لا بد أن تكون له طريق واحدة ما دام أن الهدف هو واحد في نهاية المطاف!
صحيحٌ أن التساؤل أو القلق الوجوديّ لدى الإنسان يبدو مشروطاً باللحظة التاريخيّة. ونحن في هذه الأوقات رهن لحظة تاريخيّة سِمَتُها الضبابيّة والتشرذم والتشظي، التي يعزوها البعض إلى تغوّل التيّارات العولميّة في عالمٍ يتكتَّل ثقافياً لِسحق كلّ هويّة شخصيّة محليّة، مما يترتَّب عليه "سحق القيم التقليديّة في مجتمعاتنا الإنسانية"، أو ما يسمّى التشظي الأخلاقي المُرعِب الذي يصاحبهُ إحياءً لقبليات ثقافية وطائفيّات دينية تهدِّدُ السِّلمً والتعايشَ بين البشر ... صحيحٌ كلّ هذا، لكن يجب ألاَّ ننسى المشتركات القيميّة بمداها الواسع بين الأديان، التي هي من مصدرٍ واحد (الله)، وهي مُشتَرَكات حقيقية وليست شكليّة إذا كان احترام الفوارق والحوار الجدّي حولها هدفه الوصول إلى تلك المشتركات، وليس تأكيد الفوارقْ أو التعصبْ والانغلاقْ عليها*.

ببساطة ودون خوض في التنظير، يُجْحِفُ الإنسان بحقّ إنسانيته ومعنى حياته إذا حصرَ هذا المعنى في تعظيم الفوارق، ضارباً بعِرض الحائط المشتَرَك بينه وبين أخيه الإنسان، ومثلُ هذا التعظيم لأسباب الفُرقة والخِلاف يحملُ في طياتهِ نوعاً من احتكارِ الحقيقة، التي هي حُكماً مُلك الجميع وليست حِكراً لأحد. أليسَ البحث عن الحقيقة مهمّة الجميع؟! وهل تعمَر الأرض التي أخلف الخالق الإنسان عليها بغيرِ الحقيقة الإيمانيّة؟!
     
في الوجدان الدّيني واللاهوتي لا مكان للتسميات الطائفية 
بل هناك علاقة ذاتية , روحية , جوهرية , موحدة مع الله تعالى 
الله محبة , ومن كثر ما أحبنا , خلقنا على صورته, 
وميزنا عن باقي الكائنات الحيّة حين وهبنا العقل ,
والتنوع الديني , والعرقي, والفكري , والعقائدي , كانت مشيئته !
لم نرفض هذا الأمر ونرفض الآخر !؟
العقل أصدقائي وحده جوهر الإنسان 
فلنتحاور بمحبة وعقلانية مع بعضنا البعض, رغم كل هذه الإختلافات 
ونؤنسن فكرنا , فهناك قيّم إنسانية واحدة تجمعنا , 
كي لا نسقط في أتون الصراعات المذهبية العشائرية القبلية
فنضيع وتضيع تلك القيّم, ونخسر ذواتنا , حياتنا , أرضنا , حاضرنا ,
مستقبلنا , ومستقبل أولادنا , والأهم رضى الله علينا .

أثق أن حواراتكم أيها الإخوة والأخوات سترفعُ مدماكاً في بناءٍ أتطلَّعُ وإياكُم إلى أن يكون شامخاً، مثمراً، فاعلاً، مؤثراً في انتشال الوطن وإنسان هذا الوطن من مهاوي التشرذم الطائفي، الذي ما أثبت التاريخ يوماً له إيجابيّة واحدة أمام بحر الخطايا والدمار الذي ألحقه بالأرض ومَنْ عليها بشراً وحجراً، قتلاً ودماراً.
لبنانُنا رمز الحياة، وبإخلاصكم والقيم العالية التي تنتهجونها في مثل هذه اللقاءات الخيّرة سيظلّ رمزاً ومنارةً تعلِّمُ البشريّة أبجديّات المحبّة والخير والجمال، كما علَّم لبنان العالم أبجديّة الحَرف فكانت أرقى الحضارات الإنسانيّة.
أتمنى لكم جميعاً التوفيق في أعمالِ هذا المؤتمر، ودمتم أخوة على النقاء؛ نقاء الروح والضمير والفكر والعمل، من أجل وطنٍ يستحقُّ الحياة بكلّ معانيها، وتستحقون ونستحق جميعاً والأجيال الآتية من بعدنا العيش على ترابه الغالي بأمان واطمئنان وكرامة.
 

 

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©