EN | AR
نحو ميثاق اقتصادي عربي.. بين الحقيقة والخيال
السبت, مايو 17, 2014
ناديا هاشم العالول

لعل ما يلفت النظر هذه الأيام كثرة الندوات واللقاءات وحلقات النقاش المتعلقة غالبيتها بالشأن الإقتصادي العربي والمحلي.. وذلك نظرا للحاجة الماسة لمعالجة الاقتصاد المأزوم والمتأزم عالميا وعربيا ومحليا.. وبخاصة لما لمسناه من احتجاجات طالت الشارع العربي والمحلي، متقلبة بعضها بين خراب ودمار بعد أن خرجت الأمور عن نصابها الطبيعي في غياب البدائل والاستراتيجيات المطلوبة من سياسية او اقتصادية او اجتماعية....
فبين حلول واقعية تشخّص المشكلة الاقتصادية طارحة البدائل وأخرى غير واقعية لا تمس صلب الموضوع، بل تتفاداه قصدا فتصب في قضايا هامشية لا تسمن ولا تغني من جوع، نتطلع مترقبين النتائج المأمولة..
وللأسف حتى الحلول الواقعية تتغير مع الأيام، لتصبح هي الأخرى غير واقعية لعدم تطبيقها على ارض الواقع بسبب ترهل إداري هنا وفساد مالي هناك، ومابينهما من نكهات تُفْسِدُ كل ما طاب ولذ من حلول اقتصادية طموحة ذات طابع موضوعي إصلاحي.. فنعود مُكرَهين إلى المربع الاول..
فمثلا على هامش طرح مسودة الميثاق الاقتصادي العربي في منتدى الفكر العربي مؤخرا، تساءل البعض كيف سينسجم العرب اقتصاديا في ظل اجواء الخلافات المحلية والاقليمية ؟ ونحن نجيب بدورنا ولم لا ؟فإذا كنا سنستورد الغاز من شركة أمريكية باسرائيل بالرغم من الصراع العربي الإسرائيلي، فهل نعجز عن طوي صفحات الاختلافات العربية لتجسير الهوة بيننا عبر وحدة عربية اقتصادية! أمْ أن خلافاتنا «العربية - العربية» تُعتبر أبدية غير قابلة للحل.. بينما هي قابلة للحل مع الغير من خارج الإطار العربي ؟ فعلا..فما أحوجنا إلى «تنمية» الثقة بين الأقطار العربية..
ونعود ل «مسودة الميثاق الاقتصادي العربي « والتي اشترك بإعدادها كل من صاحبيْ المعالي الدكتور جواد العناني والدكتور ابراهيم بدران.. حيث وجّها دعوة لرئيس واعضاء منتدى الفكر العربي لوضع استراتيجية اقتصادية اجتماعية دقيقة تحل مشاكلنا تقوم على المرتكزات الآتية: التحول الصناعي، والتعليم،واللغة والتاليف والترجمة، ،المرأة، والبحث العلمي والتطوير التكنولوجي والابداع، الريادية، الشباب الابداع، الطاقة والمياه والبيئة، النقل والبنية التحتية، الحركة المجتمعية، التجارة البينية، الزراعة والغذاء، الصحة والدواء..
منبهيْن إلى إنعاش عوامل النهوض الاقتصادي العربي المشترك من خلال اصدار التقارير الاقتصادية التنموية ووضع اطلس عربي مشترك للمشروعات المشتركة، ومتابعة موضوع إنشاء صندوق عالمي للزكاة، وصندوق للحج، وإحياء مؤسسة الأوقاف وتشجيع الاستثمار ودعم المبادرات لخلق فرص العمل.. ومطالبة الدول العربية بتخصيص مانسبته «واحد ونصف بالمائة «من الناتج المحلي الاجمالي «للبحث العلمي» حتى عام 2020.. وربطه بالعملية الإنتاجية وسد حاجات الناس ناهيك عن التدريب المهني..
وهنا أود التوقف عند موضوع «البحث العلمي « الباحث دوما عن «الحقيقة»على الصعد كافة بما فيها موضوع الميثاق العربي الاقتصادي، فإن ادركنا حقيقته، فلسوف نجعلها قابلة للتطبيق عبر استراتيجيات تحل مشاكلنا في المرتكزات المذكورة أعلاه من خلال أبحاث تخص كل واحدة منها..وهذا هو صلب الموضوع.. وبخاصة في ظل حقائق مذهلة تتعلق بإجمالي ما تنفقه جامعة امريكية واحدة على البحث العلمي يفوق ما تنفقه الدول العربية مجتمعه !
فالدول العربية مجتمعة خصصت للبحث العلمي ما يعادل(1٫7) مليار دولار، في حين أن اسرائيل قد خصصت ما هو مجموعه 9 مليارات دولار..
ناهيك عن ان معدل ما تصرفه اسرائيل على البحث العلمي هو 750 دولار للفرد الواحد.. اي تخصص( 4.2) % من دخلها القومي للبحث العلمي، بينما ما تنفقه الدول العربية مجتمعة يساوي 7 دولار للفرد الواحد اي ما يساوي (0٫3)% من ميزانيتها على البحث ا لعلمي، فالهدف ليس لإجراء المقارنة، وإنما للخروج من زجاجة تخّلف البحث العلمي كي ننتقل لوضع اكثر تقدمية يفتح المجال لنا لنحقق قفزات تنموية وتقدمية بدلا من البقاء كمستهلكين عالة على الدول المنتجة المتقدمة !
ولكن هل يكفي تخصيص هذه النسبة المئوية في ظل ضعف البنية التحتية للبحث العلمي والناجمة عن وجود ثغرات متعددة تتعلق بالتعليم منهاجا واسلوبا، وايضا غياب الثقافة المنبثقة عادة عن تطبيق العلم على السلوك والعمل، مما يخلق فراغا هائلا يشفط كل محاولة بحثية تحاول اثبات وجودها على ارض الواقع !
فمثلا مناهج وأساليب التعليم التي من شأنها مساعدة الطالب على إستنباط «الحقيقة « بنفسه تعتمد عندنا على أساليب التلقين التي تتبعها غالبية مدارسنا.. فيقع طلابنا في مأزق بين صمّ المعلومات دون هضمها من جهة، وبين إعتمادهم على أهلهم وجيرتهم ودكاكين الأبحاث في كتابة ابحاثهم وتفنيد مشاريعهم من جهة أخرى، وبالنهاية يدوّنون أسماءهم على أغلفتها غارقين في خيال بل «وهم» التزييف والإدِّعاء !
حتى التوجيهي وانتشار ظاهرة الغش التي رفعت من منسوب معدل النجاح للطلبة بصورة مذهلة لكونها «غير حقيقية» تدنّتْ بغزارة، بعد أن حوصرت أدوات الغش هذه المرة فظهرت على «حقيقتها»!
فمن حصل على معدل ممتاز بالغش.. كيف له ان يتفوق و«يبحث» ويبدع ويبتكر ؟
بل ابداعه وابتكاره سينصبّان بالجامعة على إثارة الفتن والقلاقل وما ينجم عنهما من عنف جامعي ومجتمعي.. فتتكاثر المشاكل عندنا وتتعقد لأن المنغرس «الحقيقي» بالدرس والدراسة والبحث والجدية لا يملك لا الوقت ولا حتى الطاقة ليلتفت إلى الأمور الفارغة.. وصدق اينشتاين عندما قال: يستطيع أي أحمق جعل الأشياء تبدو أكبر وأعقد، ولكنك تحتاج إلى عبقري شجاع لجعلها تبدو عكس ذلك !
ومن هنا لا بد وان نرفد مسيرة طلابنا العلمية في مراحلها الأولى والمتوسطة والمتقدمة بأوكسجين «الحقيقة» المنبثقة عن استراتيجية تطبيق العلم على السلوك والعمل.. حينذاك نضمن الانتقال بسهولة وتلقائية إلى خانة «البحث العلمي» المتواجدة على كل صعيد.. فهي وحدها التي تملك مفاتيح الأبواب المغلقة !
 

 



exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©