لسنا دولة فاشلة على طريقة الصومال أو ما يقترب منھا من الدول العربية، ولسنا من الدول الفاعلة التي تنفذ سياساتھا بقناعات ثابتة، ووفق
استراتيجيات مدروسة، يلتقي فيھا الحزم بقواعد القانون، ويصدر القرار بتأكيد التصميم على التنفيذ، وتتسيد مبادراتھا سطوة القانون.
نحن في بلد بطيء القرار، يتسع صدره الى حد غير معقول، يستفيد من ھذا المدى الواسع في التسامح خيرون من الأفراد وطيبون من
التجمعات لكن أيضا يسيء اليه كثيرون من أصحاب النوايا النزقة الذين لا يترددون في توظيف كل شيء من الألفاظ والتكفير ومفردات
التشويه، بينما تظل حكومة الكويت ھادئة راضية بوقار الصمت عازفة عن ممارسة حقھا في التوضيح ومبتعدة عن الرد ولنقل أكثر بأنھا
متخلية عن متطلبات القيادة في ادارة شؤون الدولة.
أكتب ھذا الكلام وأنا أتابع ما يدور حول الاتفاقية الأمنية الصادرة من قرارات قمة البحرين في ديسمبر 2012 بعد ان وقعھا وزراء الداخلية
ومنھم وزير داخلية دولة الكويت الشيخ محمد خالد حمد الصباح، عن ايمان بضوابطھا وادراك بأعبائھا، ومعرفة بالمسؤوليات التي تفرضھا
بنود الاتفاقية على الدول الأعضاء.
وكل ذلك وبوضوح يعني بأن وزارة الداخلية على المام تام بالواضح والمستتر والخفي وراء ديباجة المفردات التي حملتھا نصوص الاتفاقية.
بينما يتابع الرأي العام خطط التھييج التي يثيرھا خصوم الاتفاقية ولا يترددون في المبالغات والصاق كل سوء بھا وتلويث أھدافھا والقفز على
الواضح منھا واشھار الغضب على الدولة التي وقعتھا، ويرافق ھذه المتابعة الشعبية تساؤلات عن مسؤوليات الحكومة في الابتعاد عن حملات
التوضيح والتصحيح وابراز واقع الاتفاقية، وعن عزوفھا عن شرح مبررات وجودھا على المسرح السياسي الخليجي وترابطھا مع التوسع
الخليجي في تحقيق الوحدة الاقتصادية وممارسة المواطنة الموحدة بالمساواة بين أبناء مجلس التعاون دون تفريق في كل مسارات العمل
التجاري والاستثماري والمقاولات والأعمال الحرة، وأن ھذه الاتفاقية جاءت لتنظيم الحقوق بين المسؤوليات وبين الامتيازات، فمن مارس
التجارة من أبناء الخليج داخل الكويت عليه ان يعرف بأن ھناك عقابا وأنه اذا أساء الى ھذا الحق واختفى في بلاده فلن يفلت من المحاسبة
سواء ھنا في الكويت أو في حال ھروبه الى بلده.
من ھذا المنطلق جاءت الاتفاقية الأمنية لوضع قواعد تنظيم العلاقات بين العمل وبين الاساءة للعمل، ليس فيھا اخراس للسان ولا حبس للفكر
ولا تسفير للمواطن، ولا سجن لمتظاھر، وتمت صياغتھا بكلمات بسيطة وسھلة بعيدة عن بلاغة المعاھدات ومتجاھلة المفردات الاعلامية
المثيرة.
كان يجب على الحكومة ومن يمثلھا ان يقف بكل صراحة ووضوح ويتحدث بلا خجل ويرد بلا اسفاف ويفند بلا تردد على حملات التضليل
والفبركة والتدجيل، لكن ذلك لم يحدث، وكل ما تم زيارة الى لجنة الشؤون الخارجية من قبل وزيري الخارجية والداخلية، وداخل جدران صامتة
خرج علينا رئيس لجنة الشؤون الخارجية ناقلا حصيلة مداولات اللجنة التي رفضت مشروع الاتفاقية لأن رئيس اللجنة السيد علي الراشد الذي
يملك الصوت المرجح مال مع المعارضين، بينما يرد السيد كامل العوضي قائلا بأنه صوت بالموافقة عن اقتناع بعدم وجود تصادم بينھا وبين
الدستور مقترحا مع آخرين باحالة الموضوع برمته وتعقيداته الى المحكمة الدستورية لتقول كلمتھا حول مدى انسجامھا مع الدستور أو
تعارضھا معه.
وفي الوضع الحالي الذي نرى فيه بأن الدولة غافلة عن أھمية دورھا في تبديد التساؤلات، وتفنيد المعارضات يمكن ان يكون اللجوء الى
المحكمة الدستورية حلا معقولا يحمل المصداقية ويخرس التطاولات ويدعم الحقائق.
وأتصور أنه من الصعب الوقوف في وجه مثل ھذه الخطوة التي تريح الجميع وعلى كل طرف له رأي آخر تقبل حصيلتھا، لأن الواقع الحالي لا
يحمل مؤشرات على مرورھا وفق القواعد المعتادة والاجراءات البرلمانية المتبعة في تقبل الأقلية لأحكام الأغلبية لن تتم، والسبب ان ھناك
اصطفافات سياسية يتعاظم دورھا كعقبة لتحقيق التوافق المجتمعي.
ھناك تلاق سياسي من أطياف مختلفة ومتباعدة في فلسفاتھا وفي المرئيات والأفكار لكنھا تجتمع على محاربة الاتفاقية، وھنا أشير الى
ملاحظتين:
أولا – ليس من صالح الكويت ان يظھر تصلب قوي مذھبي مسكون بالشكوك من الاتفاقية، مع تخوفات من شيء موجود تحت الستائر،
وأخشى أيضا ان يسيطر علينا الشعور من خلال المداخلات والانتقادات، عن وجود اصطفاف معارض سواء داخل المجلس أو خارجه فيه
موقف سياسي لا علاقة له بنصوص الاتفاقية، ھنا نقف لنقول مھما كان الوضوح في النصوص فان ھذا التصلب لن يلين طالما أنه افرازات
مواقف سياسية.
ثانيا – التعاضد الأيديولوجي البارز الذي تمثل في فزعة اخوان الكويت مع المدارس الأخرى من أعضاء الاخوة السياسية الاسلامية داخل دول
مجلس التعاون وخارجه لاسيما بعد ان وضعت حركة الاخوان على لائحة الارھاب في بعض الدول، مما سبب في الاشتطاط القوي ضد
الاتفاقية، وسحبت أسواط المعارضة اللاسعة لتضرب في النوايا وفي المعاني، ولعل ندوة الحركة الدستورية التي أقامھا مكتب شباب الحركة
الدستورية في ديوانية النائب السابق فلاح الصواغ التي انتھت بالحكم بالاعدام على الاتفاقية لما لھا من تأثير سيئ على الحريات وعلى سيادة
الدولة – كما يقول المعترضون- أكبر مؤشر على صلابة التعاون والتماسك الأيديولوجي داخل حركة الاخوان في ھذه المنطقة وخارجھا.
من الوسائل وتلجأ لغير الشرعي وتدوس على الأصول في توظيف « الشرعي » ويمكن ان نقول بأن خصومة الاخوان للاتفاقية ولبنودھا تبيح
كل المتاح، بما فيھا الجور على الحقائق لتحقيق ھدفھا في نعي الاتفاقية التي يراھا الاخوان عقبة في طريق التمكين.
وأسھل شيء يشھر في وجه الاتفاقية ھو التباكي على الدستور والأحزان على روحه والعزاء للحرية التي ينعم بھا مجتمع الكويت، ولا نريد
التذكير في ھذا الصدد بأن أكبر المخربين للدستور وبنوده والعابثين بروحه ھم نواب الخدمات والمخالفات والوساطات الذين يتجاھلون القانون
لتأمين المصالح، ويتطاولون على الدولة ويحقرون مؤسساتھا، ولا يعبأون بالقانون والنظام، وبالطبع منھم الكثير من نواب الحركة الدستورية
ومن المتعاطفين معھا، ولا ننخدع بالشھامة الدستورية والنقاوة القانونية التي يستعرض فيھا شباب الاخوان أطروحاتھم، فنواب الخدمات
والوساطات شرعوا القفز على لائحة القانون في كل مسارات الحياة.
نعود الى مضار الدولة الغافلة التي تتنازل عن ما تملك وتتجاھل ما يحق لھا، ونقول بكل تأكيد بأن ھذا التنازل ھو الوصفة التي تفرز المخالفات
وتولد نزعة الاستھتار.
ونراھا الآن في تحدي رجال الأمن والتھجم عليھم واتساع سرقة المال العام وادخال الفوضوية المجتمعية في سلوك الافراد وتھييج غريزة
اللامبالاة واستفزاز النظام العام داخل الدولة.
تبقى رسالة لمن يريد الاطاحة بمشروع الاتفاقية، ففي رأينا بأنه اذا تم ذلك لا سمح لله، فان مثل ھذا القرار سيضعف التزامات الكويت تجاه
مجلس التعاون ويحرجھا داخل المنظومة الجماعية الحاضنة للأمن والاستقرار، بسبب عجزھا عن الوفاء بمتطلبات العقد الخليجي التاريخي،
وبما يضر في ھيبة الدولة ويؤثر سلبيا على القامة القيادية فيھا، ويمس صورتھا وآلياتھا في ادارة شؤون الدولة بمجملھا..
« شريط الفتنة » وكأن دولة الكويت ناقصة مواجع حيث تستدرج السخونة في أروقة مجلس الأمة وفي الاعلام وأجواء البلد بسبب اسقاطات
الذي تحدث عنه الشيخ أحمد الفھد في شيء يقترب كثيرا من روايات أجاثا كريستي البوليسية الشھيرة.
على ،WAKE UP CALL - لابد من شيء اسمه وعي الدولة بالتحرك والتجاوب السريع للصوت العالي الذي ينطلق من صرخة الاستيقاظ
ان يأتي التحرك قويا بلا توقف وعندھا تختفي الدولة الغافلة.
عبدلله بشارة