في جلسة مطولة مع قناة الصباح التي استضافت النائب نبيل الفضل، طرح فيھا خطة يدعو فيھا الى تغيير الدستور من أجل اتاحة المجال لزيادة
أعداد النواب الى سبعين وبما يسھل اضافة للتشكيل الوزاري في اتساع التوزير، مراعاة للتبدلات التي حدثت في أعداد السكان والتركيبة
الديمغرافية الكويتية، وكنت أتابع النائب النشط والسخي في طرح المبادرات والمقترحات بشعور الناقد لھذا الطرح الذي ظاھره سھل وباطنه عواصف وألغام ان لم يكن ھيروكين Hurricane يطيح بالاسوار الموجودة والمتفق عليھا
وبعد فترة قصيرة قابلت النائب المتحمس للتبديل في احد الدواوين حيث كانت فرصة لاثارة الموضوع في توضيح من قبلي لخطورة ھذه المبادرة.
من يطرح التغيير على أساس اتساع التركيبة السكانية في حاضرھا وبشكل جوھري عن تلك التي نزل في أحضانھا الدستور عام 1962 تغيب عنه
– في ھذا الطرح – استحالة الاتفاق على وثيقة مستقبلية جامعة، فاذا ما حدث تصدع في البنيان السياسي الذي يوفر الاجماع وانفتحت أبواب
الاختلافات واتسعت الاجتھادات وصارت الجبھات والتجمعات تسعى نحو الدفع بمرئياتھا وتمنياتھا داخل الوثيقة المقترحة فلن يبق سقف يحد ولا
أرض سياسية تجمع ولا تواصل حواري بين المتباعدين في انقطاع التواصل وادخال الكويت في فراغ سياسي ودستوري مع ارتباك تام في ھيكلة
القيادة التي حدد الدستور ترتيبات اتخاذ القرارات فيھا.
ليس من الصالح العام الاقتراب من الوثيقة الوحيدة التي تؤلف بين الاجتھادات وتجمع بين الجبھات وتشكل العقد السياسي التاريخي لنظام الحكم في
الكويت وتقف على دعم ورضى شعبي عارم وقناعة بأن الدستور ليس نصوصا ولا أرواحا وانما وثيقة قاعدة الاستقرار وحافظة الأمن، ووثيقة
رسم الاختصاصات والمرجعيات الوحيدة المقبولة للاحتكام، حيث يفرز الدستور حدود الاختصاصات في ادارة الدولة بأسلوب منصف وصريح
يراعي تطور الامارة ويتناغم مع التبدلات ويستوعب المستجدات.
والواقع ان حامل ھم التغيير النائب نبيل الفضل يتحدث بھاجس الأرقام في أعداد السكان وضرورة تقبل املاءات التغيير لمسببات سكانية ولمسببات
أخرى في ضرورة توفير عدد أكبر من الوزراء من أجل استيعاب المسؤوليات والمشاركة في لجان البرلمان وللتخفيف من الأعباء الادارية
والتنفيذية على العدد الحالي من الوزراء.
« اليوم » ھذا كلام قانوني لوجستيكي من اعتبارات مقبولة لكن أصحابھا يتجاھلون استحالة التغيير في الواقع الثابت في الكويت، وحقيقة ان دستور
يشكل الحصن التاريخي للانتماء الوطني الجماعي وھو المولد الجوھري للھوية الكويتية، وعمود الحياة السياسية وعنوان السيادة والاستقلال،
وحيوية السياسة في الكويت تعود الى الساحة الرحبة التي يوفرھا الدستور للتنظير والحراك الشرعي.
ويعرف نائب المبادرات والتفسيرات نبيل الفضل ان الاقتراب من الدستور ليس وليد اليوم جرت محاولات سابقة ومتعددة ومن مختلف المنابع،
بعضھا جاء من مبادرة حكومية والآخر من المعارضة لكنھا لم تنجح والسبب ان القفز على نصوص الدستور وعلى روحه ومعانيه يؤدي الى
السقوط في مطب ليس من السھولة الخروج منه، بسبب استحالة التوافق على وثيقة واحدة شاملة ومعبرة عن طموحات الشرائح والأطياف التي
تتصارع داخل أسوار الدستور.
يثير الاقتراب من الدستور غريزة الخوف من فشل الحقوق واضعاف الصلاحيات وتضييق الفسحة الدستورية التي وفرھا دستور اليوم لممارسة
السلطة، وھذا ھاجس شرعي وحقيقي، وآخرون من داخل التنوع الاجتماعي يريدون اعترافا أكبر بما يوازي أعدادھم ونفوذھم.
من يزيل ھذه الأسوار الصلبة سيدخل الكويت في تسابق بين طامحين يريدون الوزارة البرلمانية التي تحول النظام السياسي الى تشكيلة شبيھة
بنظام دوقة لكسمبرج.
ومن مدرسة الرئيس السابق أحمد « مسلم البراك » ولاعجب، طالما نسمع كثيرا عن ھذا المنحى من مفردات تخرج من مجموعة النائب السابق
السعدون ومن آخرين استعذبوا الفكرة سياسيا مع اليقين منھم بأنھا مستحيلة حتى مستقبلا، لكن الشجرة دائما وليدة فكرة وبھذا المنطق يكثر
التكرار.
ويعرف مھندسو ھذه التبدلات بأن تحقيقھا صعب جدا الآن، لكنھم يطرحونھا كفكرة لعلھا تسير في المناخ السياسي وتفتح آفاقا ما زالت مغلقة.
ھذه الاستراتيجية تطرحھا مجموعة المعارضين من باب المرغوبات في ظاھرھا لكنھا لدى أصحابھا تبقى من المعقولات في السنوات القادمة
اعتمادا على ضجر شعب الكويت من ضياع الانجاز وغياب التنمية وتردد الحكومة في فرض القرارات الساخنة، وتوددھا للمعارضين الذين لھم
أجندات من أولوياتھا تقليص صلاحيات النظام السياسي ومحاصرة الوزراء وشن الاشاعات والاستخفاف في القيادة وتصوير ھذه القيادة في رفضھا
التبدلات كأنھا في عزلة سياسية وفكرية عن طموحات الناس، مع الاستعراض الشعاراتي في ندوات ولقاءات تقدم فيھا آليات سياسية يتصورون
بأنھا تقضي على الفساد وتخرج البلد من الجمود وتنشله من العاجزين في القيادة المھتمين بالشكليات والمواكب المربكة لحركة السير والباحثة عن
امتيازات مشيخية.
لا أرى احتمالات التبديل ولا أتحمس لھا وغير المقبول ان يستند نائب المفاجآت نبيل الفضل على مجادلات قانونية واعتبارات سكانية تفتح السد
الصامد الذي يؤلفه الدستور، ويغرق الكويت في فوضى سياسية عارمة، وما دام نتكلم عن أسلوب الحكم، فالأجدر ان ندعو الى ممارسة السلطة
بوسائل وآليات العصر الراھن، وجوھرھا الخروج عن الالتزام بادارة البلد بأسلوب الجمعيات الخيرية وبيوت الزكاة وبالقيم الانسانية التي نمارسھا
في حياتنا الاجتماعية وتعاملنا مع الآخرين بالنھج الانساني المرتفع.
ليس بھذه الوسائل تدار السلطات، فادارة الأوطان لھا مواصفات فيھا الحزم وفيھا القرار الغليظ وفيھا القسوة وفيھا التسامح والعفو عند
الضرورات، وليس فيھا محرمات، فكل شيء في سبيل الأوطان شرعي، كل ذلك من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار وسيادة الوطن واستقراره.
وكل دول الخليج تخلط في آليات حكمھا، بين مجموعة القيم الانسانية وبين الفنون في ادارة الدول التي يمكن ان يمارس فيھا الخداع ويوجد داخلھا
الغش ويخيم عليھا الوجوم في علاقاتھا مع الجوار وتدخل في ترتيبات فيھا سلاح وحروب وفيھا تجسس وتنصت وفيھا سجن وأحكام وحرمان
واعدام، وفيھا قرار بوقف الاسراف في ھدر المال العام وفي ارضائيات النواب المتحمسين لتأمين رضا ناخبيھم.
ويصر النابغة ابن خلدون في شرح الترف كسبب للانحطاط وعن البذخ الذي يھيج النزعة الاستھلاكية وبدلا من خلق المجتمع المنتج والمخترع
والمبدع، ينتقد ابن خلدون اساليب الحكم التي تفرز مفاھيم تتضجر من العمل الشاق وتترفع عن المعاناة وتتقوقع في اتباع نھج ناعم في الحكم
يخلط بين قيم الانسانية وبين فنون الحكم.
شيء من ھذا القبيل موجود في النھج السياسي الخليجي..لا تحتاج الكويت الى استحداثات تضاف الى الدستور، وانما الالتزام والولاء له، مع
اعجابنا بخزان الابتكار الذي يملكه النائب نبيل الفضل، ونذكرة بالأسطورة التي تتحدث عن صندوق باندورة Pandora Box وھي سيدة أرسلت
لھا الآلھة صندوقا مع تعليمات بعدم فتح الصندوق، لكن السيدة باندورة في فضول قاتل، فتحت الصندوق فأكلتھا الشياطين التي خرجت من ذلك
الصندوق، وصارت الأسطورة مثالا في الأدب السياسي الذي يتعامل به النائب المحترم.
بقلم : عبدلله بشارة