EN | AR
أوتار أبي تمام... تزهو في مراكش
الثلاثاء, نوفمبر 4, 2014
عبدلله بشارة

وسط جو عال من الرقي في التنظيم والحضور، بدأت فعاليات مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للابداع الشعري في مدينة مراكش في
جنوب المغرب، وبحضور لا يقل عن أربعمائة شخص جاؤوا من جغرافيا متعددة ومن مشارب متنوعة مدفوعين بالرغبة في المشاركة لرفع
الھمة وزيادة التصميم في المسيرة التي تحتفل بربع قرن على ميلادھا.
وكنت من ضمن الموجودين كمشاھد لأول مرة ومتابع منذ مدة، ومنتسب من زمان لھذه المؤسسة النابضة بالطموح والاصرار على التفوق،
وقد أعجبتني قدرة المختصين من الأساتذة من مصر والأردن على تحليل الشاعر أبوتمام الطائي المشھور بالبحث عن البيان والاعجاز
وكلاھما مؤسس لمدرسة الحبكة الشعرية المعقدة. ،John Donne - والابداع، يذكرني بالشاعر الانجليزي جون دون
ويستحق كل من الدكتور عبدلله المحارب والدكتور عبدلله التطاوي والدكتور عبدالقادر الرباعي الثناء الجزيل للقدرة في الالمام على مكونات
شعر أبي تمام العسرة..
لتخصيص جلسة للاستماع الى مختلف المواھب من الشعر العربي الجديد والكلاسيكي، وللاستماع الى موسيقى الطرب « أبوتمام » اتسعت دورة
المغربي، وأتاحت لنا الالتقاء بأصدقاء قدماء والتعرف على مبدعين جدد ومواھب متمكنة، لكن الذي يثير اعجابي أكثر ھو النزعة الخيرية لدى
صاحب المؤسسة الفاضل عبدالعزيز سعود البابطين، الذي يجل الشعر ويرعى الابداع ويحتضن الموھبة وينشر قيم التعايش والتآلف الانساني.
وجوھر المأمورية التي اختارھا راضيا وتحمل ثقلھا ھو الحوار بالكلمات لا بالصدمات ولا باللكمات، في دعوة نقية للتحاور بين مختلف
الحضارات مع التأكيد على الوسطية والاعتدالية في الاسلام ونشر القيم الانسانية العالمية التي يدعو لھا الدين الحنيف لاسيما في فض
المنازعات بالحسنى وبالوسائل السلمية في تبادلية الاحترام والمنافع، فلا اكراه في الدين.
كنت أشاھد أعضاء ادارة المؤسسة وأتصورھم حاملين شيئا من غاندي في انسانيته وسلميته وكثيرا من الحاتمية في سخائھا ونسبة عالية من
الكواكبية التي شيدھا المصلح عبدالرحمن الكواكبي في بداية القرن الماضي، فقد تبنى أعضاء الھيئة الاصلاح وصاروا دعاة له، وآمنوا
بالثقافة كجسر للتعارف والتداخل بين الشعوب، واستجابوا لأعبائھا ومتطلباتھا.
وقد أعجبني البرنامج الثقافي المعرفي الذي تبنته المؤسسة في بناء المدارس لتعليم اللغة العربية وثقافتھا وتوفير المنح الدراسية لمختلف
الطلاب من جمھوريات اسلامية وأفريقية كلھم يدرسون في معاھد عربية متنوعة، بالاضافة الى ايفاد مدرسين متخصصين الى تجمعات
اسلامية وأفريقية لشرح معاني الاسلام العظيم.
وتتعھد المؤسسة بكل المصاريف والاشراف على جميع الترتيبات مدفوعة بالنخوة الاسلامية والعربية المتأصلة، منسجمة مع سلوكيات
. المصلحين العاملين بھدوء والساخين بالايمان والمتناغمين مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر من المجتمع العالمي في عام 1948
لا جدال بأن السيد عبدالعزيز البابطين أسس صندوقا للتنمية الثقافية عابرا للقارات متجاوزا الحدود قاصدا الانسان وآدميته والرقي بھا وتعظيم
ذاته، موظفا محتويات القوة الناعمة في التخاطب والحوار والتسامح والارتفاع بالقيم الانسانية، وبالمبادئ التي تدعو لھا الديانات.
وبالطبع فإن المسؤولين عن المؤسسة يدركون ضرورات المصداقية والالتزام بالجدية، وعدم التوقف لأي سبب، مع التواصل الدائم، وھي أھم
عناصر ھذه الجدية.
ولعل أھم ما يريح الانسان ھو بھجة الأحلام السعيدة، وشعرت من وجودي في مراكش ومتابعتي للمداولات بالاھمية الكبيرة التي تمنحھا
المؤسسة لدور الثقافة ولھيبتھا في ترابط الشعوب وفي الدفع نحو الحلول السلمية وفي تجذير المعرفة بين الشعوب، وربما يتصور البعض بأن
الكثير من الأھداف والأدبيات التي تسعى لھا المؤسسة فيھا الكثير من الأحلام البعيدة عن الواقع.
وعلينا ان نتذكر أن الأمم المتحدة ھي منظمة عالمية حكومية رسمية يلتقي في اطارھا زعماء العالم ويخطبون مع وعود نيرة، وقد لا ينفذون
منھا شيئا، لكنھا تبقى الصوت العالمي المعبر عن صرخة الشعوب في الحياة الكريمة، وفق ما تدعو له الأھداف التي جسدھا ميثاق الأمم
المتحدة، وأھم شروطھا نقاوة الأھداف وتجاوز العقبات لخلق مجتمع التسامح الانساني المفعم بالقيم الانسانية المشتركة، فالكل يريد السلام
والكل يريد التنمية والاطمئنان.
ويمكن القول إن مساعي مؤسسة البابطين تشبه كثيرا مسار الأمم المتحدة في التواصل دون انقطاع لغرس بذرة الصفاء في المجتمع العربي
والاسلامي عبر الالتزام بالقيم الانسانية المشتركة.
وأتذكر أنني أشرت في اجتماع مصغر لمكتب الأمناء تم ترتيبه خلال الدورة إلى أن المھم في حياة المؤسسة الحفاظ على التزامھا بالقيم
الانسانية العالية والسير في مجرى الانسانيات التي تدعو اليھا ظاھرة العولمة لاسيما أن المؤسسة تتحمل مأمورية ثقافية تاريخية ذات رسالة
سامية، وصار لھا حضور عربي-اسلامي-انساني.
نعرف صلابة التحديات وصعوبة تحقيقھا، ونعرف أن بناء واحة فيھا استقرار واطمئنان في مناطق خرب الارھاب سكينتھا، وحل مكانه الدمار
المعبأ بالتشنج القبلي والغلو الطائفي والجفاف الفكري وفقدان الأمل في آفاق المستقبل أمر يحتاج الى ارادة فولاذية وتصميم المندفع، ونعرف
أن العمل في المسار الانساني المثالي صعب والحصيلة بطيئة والثمار قد تتأخر لكن ھذه طبيعة المھمة التي تنشد مجتمعا من دون
أيديولوجيات، صافيا من الشقاوة ومن العدوانية ومن غريزة الأنانية، كما نقرأھا في ميثاق الأمم المتحدة وكما تسعى اليھا مسيرة مؤسسة
البابطين، لكن لا مجال للتوقف.
ذكرت في مداخلتي في مراكش أن لجنة نزع السلاح في الأمم المتحدة تتداول منذ عام 1946 موضوع الحد من سباق التسلح وتوظيف الأموال
للتنمية، وما زالت تعمل وحصيلتھا قليلة على الرغم من مثابرتھا، لكن لا ننسى مع ذلك أن أبرز نتائجھا اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية
ومنع تجاربھا في الفضاء، ومسعاھا لا يتوقف لأنھا تواصل المأمورية على أمل الوصول الى مرتكزات للتفاھم بين أعضاء المجتمع العالمي.
تبقى التحديات أمام مؤسسة البابطين واسعة ومعقدة وأبرزھا الانتشار العالمي بالوصول الى الأمم المتحدة وتعريف المسؤولين فيھا بأھداف
مؤسسة البابطين الانسانية وبناء علاقات عمل مع مركز حوار الحضارات في فيينا الذي جاء من مبادرة خادم الحرمين الشريفين وبرعاية
خاصة منه، مع التركيز على ما يشغل الناس والتقليل من الالتصاق بالموضوعات النخبوية.
ولحسن الحظ فان الدورة القادمة للمؤسسة ستكون في حضن جامعة أكسفورد العريقة في مسعى مستمر لاكتشاف آفاق جديدة اضافية لحوار
الحضارات، يسھم في ازالة بعض من سوء الفھم.
تستحق مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الانتشار ويستحق المؤسسون الاعجاب للمثابرة والثناء للسخاء والتقدير لنبل الأھداف، ومن خلال
المؤسسة يتكاثر عطاء الكويت وتضيف الى رصيدھا الطيب في نشر فضيلة التآخي والتآلف عبر آليات القوة الناعمة التي رافقت مجتمع
الكويت منذ ولادته...
عبدلله بشارة...
 

 



exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©