نشرت لي مجلة المنتدى التي يصدرها منتدى الفكر العربيّ بعمّان في عددها الممتاز الصادر في كانون الثاني من هذا العام 2015، دراسةً بعنوان «نحو ميثاق ثقافيّ عربيّ» اشتملت على مشروع مفصل لميثاق ثقافيّ يجتمع عليه العرب، انطلاقاً من النظر إلى الثقافة على أنها الأساس المتين والبداية التي لا مناص عنها لضمان نجاح أي مشروع من مشاريع التعاون العربيّ
واشتمل هذا المشروع عدة نقاط أهمّها النظر في اللغة العربيّة على أنها أهمّ جامع مشترك بين العرب في سائر أقطارهم، وأنّه لا بدّ من التنسيق بين الدول العربيّة في احترامها وتعزيز مكانتها داخل أقطارها وانتشارها خارج أقطارها، ووضع قانون لحمايتها
ومن العناصر الأساسيّة للميثاق الذي تقترحه هذه الدراسة احترام التنوّع الثقافيّ داخل المجتمع العربيّ وداخل كلّ مجتمع من مجتمعات الدول العربيّة، والعمل على الاستفادة من هذا التنوّع في إغناء الحضارة العربيّة وتطويرها. ويدعو الميثاق المقترح كذلك إلى جعل الحوار الخيار الأوّل للتعبير عن الاختلاف في الأفكار والمعتقدات، إذ لا يمكن تغيير رأي أحد بالقوّة
ويرى الميثاق المقترح ضرورة المحافظة على تراث الأمّة المادّي وغير المادّي وصيانة الآثار التاريخية وعدم التقصير في التنقيب عنها وإظهارها وترميمها، وتحريم المساس بالآثار أو تدميرها أو الاعتداء عليها خلال المنازعات والحروب، إذ لا تقلّ جريمة تدمير الآثار عن جريمة الإبادة والتطهير العرقي. وفي هذا الإطار يدعو الميثاق أيضاً إلى جمع المخطوطات العربيّة والبحث عنها وصيانتها وترميمها وفهرستها وتحقيقها ونشرها
كما يدعو هذا الميثاق إلى عدم المساس بالمقدّسات الإسلامية والمسيحية أو الإساءة للرموز الدينية تحت أي ذريعة من الذرائع، واستبعادها من دائرة الحروب الأهلية والخارجيّة، لأنّ الأماكن المقدّسة هي عوامل توحيد للأمّة والجمع بين قلوب أبنائها
ويدعو الميثاق إلى مراعاة قيم العدالة والحرية والمساواة وحقوق الإنسان والمحافظة على البيئة
كما يدعو الميثاق الدول العربيّة لوضع خطط للحدّ من هجرة العقول والمحافظة على المبدعين والمتفوقين والمتميزين في مختلف المجالات وتوفير فرص نجاحهم وتقدّمهم والاستفادة من طاقاتهم
إنّ الميثاق المقترح ينحاز إلى الدم العربي ويدعو إلى حقنه وتحريمه، وينحاز إلى الكرامة العربيّة ويدعو إلى صيانتها، وينحاز إلى العقل العربيّ ويدعو إلى تفعيل دوره، وينحاز إلى الحلم العربيّ بالوحدة ويدعو إلى شدّ الأيدي على هذا الحلم، وينحاز إلى العدالة والحريّة والمساواة وحقوق الإنسان ويطالب بمراعاتها بكلّ الوسائل المتاحة
وقد كتب المفكر المصري المعروف يحيى الجمل مقالة في مجلة المصري اليوم مطلع هذا الأسبوع علّق فيها على هذا المشروع، مشيراً إلى أنّ موضوع الميثاق العربيّ قد أثير أكثر من مرّة في اجتماعات القمّة العربيّة وفي دهاليز الأمانة العامّة لجامعة الدول العربيّة، إلاّ أنّ هذا الموضوع لم يأخذ طريقه إلى التفعيل الجدّي إلى الآن. ولذلك يرى في دراستي المذكورة أعلاه دراسة علميّة وعمليّة بامتياز
ولذلك فإنني أغتنم فرصة نشر هذه الدراسة وتعليق الأستاذ يحيى الجمل عليها، لأدعو كلاً من وزارة الخارجية ووزارة الثقافة ومنتدى الفكر العربيّ إلى رفعها بالطرق الرسميّة إلى جامعة الدول العربيّة وطرحها للنقاش واتخاذ القرارات المناسبة بشأنها
salahjarrar@hotmail.com
الخميس 2015-05-07
http://www.alrai.com/article/712917.html