EN | AR
تقرير خاصّ برعاية صاحب السموّ الملكيّ الأمير الحسن بن طلال المؤتمر الدوليّ: "الفكر العربيّ في مسارات تلاقي الحضارة العالميّة"
الأحد, سبتمبر 11, 2011

عمّان- أكد سموّ الأمير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربيّ وراعيه، في كلمته الافتتاحيّة لورشات عمل المؤتمر الدوليّ "الفكر العربيّ في تلاقي مسارات الحضارة العالميّة"، الذي نظّمه المنتدى ومجلس الحسن برعاية سموّه ومشاركته (10-11/9/2011)، وبمشاركة دولية واسعة من خبراء وباحثين ومتخصصين أكاديميين، ودعم من مؤسسة فريدرش ناومان والمعهد الثقافي الفرنسيّ، ضرورة أن يتحرَّك العرب والمسلمون بسرعة لتثبيت هُويّتهم ووجودهم الحضاريّ في منطقة البحر المتوسط. وقال: إنهم ليسوا استثناءً في هذه المنطقة، ويجب أن نذكِّر العالم بذلك وأن نضع نموذجنا الخاصّ بنا مهما كانت هنالك نماذج أخرى.

 

وأضاف: إن المنطقة تتجاذبها أربع قوى كبرى هي أمريكا وتركيا وايران وإسرائيل، الأمر الذي يوجب على العرب أن يتحركوا للظهور على الساحة مجددًا، وذلك لكي يحافظوا على أنفسهم إزاء تحديات أسلحة الدمار الشامل وحروب النفط؛ مؤكدًا الحاجة إلى شكل جديد من الأمن الذي يُعنى أساسًا بالكرامة الإنسانيّة.

 

ونوّه سموّه الى أن الصراع العربيّ - الإسرائيلي قد ولَّد صراعًا عربيًا - غربيًا، مع عدم وجود نصوص فلسطينيّة وعربيّة متفق عليها؛ داعيًا إلى تغيير ذهني لكيفية التعامل مع هذه الحالة. وتحدَّث سموّه مطولاً عن ملفّ صراع الحضارات، منوّهًا إلى حالات تلاقي هذه الحضارات في التاريخ، مثل طريق الحرير، وطريق التوابل، وطريق الفكر، وأن ذلك التلاقي كان وديعًا عندما كانت للحضارة العربيّة سطوة عسكريّة، مبينًا أن هنالك من يعتقد أن الغرب هو الغرب الأوروبيّ وحسب، ولافتًا إلى أن هنالك من يسعى لإلغاء الوسطيّة والعقلانية التي نسعى إليهما!

 

ودعا سموّه في هذا المجال إلى التفكير بالاتفاق على نصوص مشتركة تأخذ بالاعتبار القيم والمفاهيم المشتركة لشعوب المنطقة، وإلى الخروج بنموذج عربيّ خاصّ يمثِّل الهُويّة العربية في مقابل الآخر، من خلال الدعوة الى مشاركة مَنْ يشعرون بأنهم مستثنون.

وقال: إن البحر المتوسط بحر البحار، وإن مشروع تلاقي الحضارات لن يتحقَّق إلاَّ بالحوار، مشددًا على أن الشرق والغرب يركبان قاربًا واحد، فإمّا أن يغرقا معًا أو يُبحرا معًا كون الإنسانيّة في نهاية المطاف هي الإطار الجامع لنا بصرف النظر عن الهُويّات والأعراق والديانات، وموضحًا أن تطوير مشروع تلاقي الحضارات بحاجة إلى دعم الجهات الأكاديميّة المعنيّة، وأنه حان الوقت لتسمية الأمور بمسمياتها والاتفاق على مشروع للفهم والتفاهم المشترك. فالأديان ثوابت ولا تتحاور وإنما الذي يتحاور هم أتباع الأديان للتوصل إلى صيغ مشتركة وجوامع بينهم.

 

وأوضح أ.د. فايز خصاونة، أمين عام منتدى الفكر العربي – بالوكالة - في كلمته أن الثقافة تتجلّى في أفضل حالاتها حينما تكون تشاركيّة في طبيعتها في عالم الحضارة، وأن صلابتها مبنية على أسسٍ من القيم والأخلاق. ودعا المشاركين إلى الاسترشاد بذلك في نقاش حرّ مفتوح ومستنير؛ مشيرًا إلى أن الإبداع لا يستند فقط على وظائف الذكاء التحليليّ، لكنه يستند أيضًا على جرأة استجواب الأفكار

والتحيُّزات والمفاهيم السائدة، واحترام الرأي الآخر. وأضاف: إن هذا المؤتمر يسعى إلى إلقاء الضوء على الفكر العربي بوصفه جزءًا أصيلاً من الحضارة الإنسانية.

 

ثم بدأت أعمال المؤتمر بتقديم لها قدَّمه د. ماريو كوزا، من الجامعة الأمريكية في بيروت، الذي أشار إلى أن الحوار يتطلَّب أفكارًا واضحة وقدرة على تحديد الأهداف للوصول الى درجة من الفهم المشترك في إقليم المتوسط، وأن هذا المؤتمر يهدف إلى تسليط الأضواء على جوانب هذه القضية برمتها من دون أفكار جاهزة مسبقة، ومن خلال استخدام جديد للمقاربات والمصطلحات، من أجل حوار ثقافيّ بنّاء بين مجتمعات حوض المتوسط.

 

وأشار إلى أن الحوارات الأكاديمية لا تكفي لتوفير الفهم المشترك، وهنالك حاجة إلى توسيع الإطار لاستيعاب مفاهيم تساعد على تلقيح الأفكار والموضوعات التي يختارها الخبراء ووضعها في سياقاتها الواقعيّة الراهنة. كما أشار إلى أن هذا المؤتمر يسعى إلى بلورة مشروع كتاب يشرح تلك المفاهيم ويوضحها بطريقة جذابة للقراء غير المتخصصين في مختلف المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية.

 

قدَّم عددٌ من الخبراء والباحثين عروضًا ومداخلات حول أطر موضوعات النقاش التي توزّعت عليها ورشات العمل. فتناول د. سامي زبيدة، أستاذ السياسة وعلم الاجتماع في جامعة لندن، في مداخلته التمهيديّة الحدود والبيئات المجتمعيّة بين أوروبا والعالم العربيّ؛ من النواحي الدينية والثقافية في الممارسات؛ موضحًا أطوارًا من التحوّلات العالميّة التي ألقت بظلالها على هذه الممارسات، لا سيما العولمة وتأثيرها على التوجهات الثقافيّة للأجيال الناشئة، داعيًا إلى النظر إلى منطقة البحر المتوسط بوصفها منطقة تعاون وتفاهم لا منطقة حرب بين الحضارات والثقافات، وموضحًا أنه من غير الصواب اعتبار الغرب وحدة واحدة في مقابل وحدة الوجود العربيّ والإسلاميّ، لأن الغرب يمتلىء بالتيارات والتوجهات التي من ضمنها الوعي بعدالة القضيّة الفلسطينيّة.

 

تبع ذلك جلسة نقاش أشرف عليها د. فيصل الرفوع، وزير الثقافة الأردنيّ الأسبق ورئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الأردنية حاليًا. وتعرض المشاركون في هذه الجلسة إلى قضايا تركزت حول مسألتي الفهم والاستيعاب المتبادلين بين الشرق والغرب، وأثر المواقف السلبية للغرب إزاء القضايا العربية في ردود الفعل المعطلة للتفاهم.

 

وتناول د. ديفيد بولافيا، أستاذ تاريخ البحر المتوسط في جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة، موضوع فهم المتوسط من منظور تاريخيّ؛ مستعرضًا جوانب مختلفة من العلاقات التاريخيّة بين شمال البحر المتوسط وجنوبه، بما في ذلك الاتصال الحضاري بين المسيحيين الشرقيين والغربيين من جهة، وبين المسلمين والمسيحيين في الغرب من جهة أخرى. كما تحدَّث حول دور العلاقات التجارية والاقتصادية بين ضفاف المتوسط في العمل على التقليل من التوترات بينهما كما تدلّ على ذلك دروس التاريخ.

 

واعتبر الباحث أن منطقة البحر المتوسط ظلَّت منطقة التقاء وتبادل وتنازع بين شعوبها منذ أقدم العصور؛ ما يؤكد أن تاريخها العريق هذا يوفِّر فرصًا ملائمة باستمرار للحوار والتواصل والتبادل الثقافي والتعايش. واتخذ من التلاقي في الأندلس وصقلية وتأثيره الحضاريّ في أوروبا نموذجًا على ذلك.

 

وفي جلسة النقاش التي أعقبت هذا العرض، والتي أشرفت عليها د. نادية الشيخ، من قسم التاريخ وعلم الآثار في الجامعة الأمريكيّة ببيروت، أشار عدد من المشاركين إلى ضرورة أن يفهم الناس ما هو تفكير الآخر وطريقة تفكيره، وليس فقط تفكير فئة بعينها، فالغربيون بحاجة لأن يفهموا الإسلام بشموليته، كذلك أن يفهم العرب تفكير الغربيين، وهذا يساعد على الحد من سوء الفهم، فضلاً عن ضرورة فهم معيقات

الحوار والعمل على تذليلها ليتسنى التعامل مع الواقع بما يعود على مصلحة الجميع، ويؤدي إلى إلغاء التهميش الحاصل ضد جماعات من الطرفين.

 

كما جرى مناقشة المزيد من الأفكار والطروحات التي أسهم بها المشاركون في جلسة خُصِّصت لتحديد الأولويات المشتركة، أشرف عليها د. غونتر ماير، مدير مركز الأبحاث حول العالم العربيّ في جامعة ماينز بألمانيا، و دة. حنان يوسف، أستاذة الإعلام الدوليّ بجامعة عين شمس بالقاهرة. وقدَّم د. ماريو كوزا عرضًا حول الأورومتوسطيّة بين الاتجاهات الثقافية. ثم ناقش المشاركون قائمة الموضوعات الرئيسية والفرعية التي يمكن أن تتعمق في بحثها مجموعات العمل بعد أن قدَّم الميسِّر د. محمد الفحّام، مدير مركز الدراسات والبرامج الخاصّة (CSSP) بمكتبة الاسكندرية ملاحظات تتعلَّق بها.

 

وتوزَّعت مجموعات العمل لمناقشة العديد من الموضوعات التي توافق المشاركون على بحثها، والتي دارت حول حقوق الإنسان وقيم العمل الجماعيّ، والأبعاد التاريخيّة، والتأثيرات الجيوسياسيّة على التجمعات الإنسانيّة، والمعتقدات الدينيّة والثقافة والحضارة، والفضاءات المعماريّة، والابتكار والمعلومات والمستقبل.

 

شارك في الإشراف على هذه المجموعات عددٌ من المتخصصين هم: د. محمد أمين ميداني، رئيس المركز العربيّ للقانون الدوليّ الإنسانيّ وتعليم حقوق الإنسان في فرنسا؛ و د. أحمد دلال من الجامعة الأمريكية في بيروت؛ و أة. فاطمة مالكي بن سلطان، رئيسة رابطة تونس والبحر الأبيض المتوسط؛ و د. جوزيف مايلا، رئيس مديرية تخطيط السياسات في وزارة الشؤون الخارجية الفرنسيّة؛ و د. المهندس بديع العابد من جامعة فيلادلفيا بالأردن؛ و د. ياسر سليمان من جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة؛ و د. الصادق عبدالله الخبير السياسي في وزارة الخارجية بقطر.

 

وفي كلمةٍ عقَّب بها سموّ الأمير الحسن على مجمل المناقشات دعا سموّه إلى تأكيد مبدأ التشاركيّة في الثقافة في منطقة البحر المتوسط، والانتقال من مفهوم صراع الثقافات إلى مفهوم التنوع الثقافيّ؛ مشيرًا إلى خطورة هيمنة الثقافات الفرعيّة على السياسة، ما يؤدي إلى الإقصاء والتهميش. وتساءل: ماذا عن الإسلام من دون المتوسط. وقال: إن الحروب الدينيّة في الماضي أدت دورًا أساسيًا في بسط الهيمنة الاقتصاديّة في هذه المنطقة.

 

وأضاف سموّه: إنه من المهم أن نحمل في أذهاننا بعض المصطلحات المتعلِّقة بأخلاقيات التضامن الإنسانيّ، ذلك أن الموضوعات التي تعني النظام العالميّ، سواء التنمية أم معالجة الفقر أم الإرهاب أم غيرها، هي موضوعات تنطبق على منطقة البحر المتوسط، وقد آن الأوان لأن يرتبط ذلك في أذهاننا بقوى التغيير وحركات الشعوب والنساء والشباب والإعلام.

 

وقال سموّه: يجب أن نلاحظ أن هنالك تحالفات جديدة تنشأ وأمم آخذة بالتطور. ويجب أن نكون على استعداد لأن نتحدث بقوة في موضوع النظام الإنسانيّ. وأشار في هذا الصدد إلى ما اشتمل عليه تقرير الهيئة المستقلة الخاصة بالقضايا الإنسانيّة في العالم "هل تكسب الإنسانيّة معركتها؟"، الذي كان سموه أحد مقرّريها، وأوضح أن القضايا التي تعرّض لها التقرير ما تزال بعد عشرين عامًا قضايا ساخنة، ومنها حماية الجماعات الضعيفة كالأحداث وأطفال الشوارع، واللاجئين، والمهمشين، والمجتثين، واللاجئين، والمهجرين، والمهملين. كذلك قضايا الكوارث من صنع الإنسان، وقضايا الغذاء والمجاعات والبيئة والتصحّر ومخاطر الطاقة النووية التجارية.

 

وشدّد سموه على أهمية الاستثمار برأس المال الإنسانيّ، مؤكدًا أن المسألة ليست مسألة كلفة بقدر ما هي مسألة ثقة، وهنالك رسالة فكرية ينبغي أن تُبنى بهدف

مساعدة بعضنا البعض ومساعدة الملايين من الناس على تأكيد الحق في العيش وفي الحياة.

 

تم عرض نتائج مناقشات مجموعات العمل في جلسة عامة في اليوم الثاني للمؤتمر، أدارها السيد رالف إربل، الممثل المقيم لمؤسسة فردريش ناومان بالأردن. كما نوقشت بعض الأمور المتعلقة بتعزيز الاتساق بين الموضوعات التي سيتضمّنها مشروع الكتاب المفاهيمي لثقافة البحر المتوسط.

 

وتحدث في هذا المجال السيد محمد عبد العزيز، نائب الأمين العام في منتدى الفكر العربيّ، الذي أكد أن انعقاد المؤتمر يمثِّل مرحلة مهمة في اتجاه تحقيق أهدافه، وفي تعرُّف المشاركين لمهماتهم ومساهماتهم المتوقَّعة وخريطة الطريق لهذا المشروع الواعد. وأشار إلى أن المنتدى سيعمل على إنجاح المشروع من خلال وسائل عدة من بينها إنشاء موقع إلكترونيّ يمكن للمشاركين أن يتواصلوا ويتحاوروا ويقدموا أفكارهم ومبادراتهم عبره.

 

كما قدّمت السيدة كارين جنجوا، مسؤولة البرامج والعلاقات الخارجيّة في مجلس الحسن، وصفًا لخطة العمل المنبثقة عن المؤتمر في ضوء ما توافق عليه المشاركون والخطوات التي يُنتظر اتخاذها وفق جدول زمنيّ للتنفيذ.

 

 

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©