EN | AR
ندوة خاصة في منتدى الفكر العربيّ حول أثر تفكيك الدولة في مجاعات الصومال وغياب الدور العربيّ تدعو إلى تغليب العمل الإغاثي والإنسانيّ ومحاولات تحقيق المصالحة الوطنيّة
الثلاثاء, سبتمبر 27, 2011

عمّان- عقد منتدى الفكر العربيّ مساء يوم الثلاثاء 27/9/2011، ضمن سلسلة اللقاءات الشهريّة، ندوة خاصة بعنوان "أثر تفكيك الدولة في مجاعات الصومال وغياب الدور العربيّ"، شارك فيها السفير والعين السابق/ عضو منتدى الفكر العربي الأستاذ فالح الطويل، والباحث والإعلامي الأستاذ إبراهيم غرايبة، وأدارها أمين عام المنتدى بالوكالة الأستاذ الدكتور فايز خصاونة، الذي استهل الندوة بكلمة تناول فيها الجانب الإنساني والقومي من مأساة الصومال؛ مشيرًا إلى أن هذه الأرض المعذّبة وشعبها المجروح محطة أخرى من محطات العذاب والألم ... على شريط طويل من العذابات التي تمتدّ من المحيط إلى المحيط وتغوص في الداخل إلى جروحٍ نازفة نكأتها قوى الظلم والظلام خلال القرن العشرين، الذي استحق بكل جدارة أن يسمّى قرن الآلام العربية.

وأشار إلى أنه حين يقسو الإنسان على أخيه الإنسان، فإن قسوة الطبيعة تصبح أشد إيلامًا، وتصبح قدرة الناس على مواجهتها أقلّ كفاءة وكفاية. كما أشار إلى أثر الاستعمار في تدمير الصومال، التي تقاسمتها في الماضي دول استعمارية ثلاث هي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ولم يخرجوا منها إلاّ بعد أن أسسوا لتدمير كامل لكيانها، وزرعوا من العداوات المحلية والإقليمية ما يحبط أي محاولة نهضوية قريبة. وقال: ها نحن اليوم نشهد صورًا من الإلغاء المبرمج لشعب ووطن، ظاهره يعود لمواسم الجفاف وحقيقة أمره تُختزل في غياب كامل للعقل والرشد والمؤسسية.

وحول غياب الدور العربي في الصومال قال أ.د. فايز خصاونة: في الوقت الذي كثرت فيه آلامنا نحن العرب، ربما جنحنا إلى إلغاء الصومال من فكرنا واهتمامنا، وهان علينا أن نصمّ آذاننا عن عويل الجائعين وبكاء المعذبين وأن نبرّر سباتنا بما يثقلنا من هموم قريبة لنا؛ مشيرًا إلى أن دولاً إسلامية مثل تركيا وإيران سارعت إلى نجدة الشعب الصومالي في محنته، فيما بعض الميسورين من العرب قدموا إثر ذلك بعض المساعدات، لكنها لا تكاد تسدّ رمق الجوع أو العطش في الصومال.

واختتم الأمين العام للمنتدى كلمته بتأكيد أن مثل هذا اللقاء لا يُسعف مريضًا أو يُطعِم جائعًا، لكن ربما يُساهم في إدراك حجم الألم والعذاب، وأن نشر ما يدور في اللقاءات من هذا النوع ربما يلامس آذان الصالحين أو ينقل استغاثة المستغيثين إلى من لديه غيرة مثل غيرة عمر أو نخوة مثل نخوة المعتصم، وذلك أضعف الإيمان.

 

من جهته بيَّن الأستاذ فالح الطويل في الورقة التي قدَّمها أن الضعف في مركز الدولة بالصومال، وفشل الدولة في مدّ سلطتها على كامل إقليمها، وتنازع المليشيات وأمراء الحرب على السلطة هو السبب الرئيس وراء المصائب التي تنهال على هذا البلد العربيّ، وآخرها كارثة الجفاف.

وقال: إن غياب الدولة في الصومال غيابًا كاملاً، وانتشار الفوضى في كلّ أرجاء هذا البلد، والصراع على الموارد القليلة المتوافرة، وتدهور قيمة العملة، وانعدام الأمن، وانكفاء الناس كلٌّ في إقليمه وبين أهله وعشيرته، وانكفاؤهم أيضًا على ما يملكون ومنعه عن غيرهم تحسبًا من الفاقة أو من غوائل مجهولة، وفقدان الناس الثقة بأي شيء غير قوّتهم الذاتية، كلّ ذلك وسم الصومال بسمات الدولة الفاشلة.

وأشار إلى أن الصراعات في الصومال تراكمت عبر أكثر من أربعين عامًا من القتال، سواء أكان ذلك في حروبٍ مع دول الجوار أم في حروبٍ داخلية وانقسامات لم تنته حتى اليوم. وتناول في هذا المجال أثر جغرافية الصومال، التي تبلغ مساحتها 637.500 كم مربعًا ولديها أطول حدود بحريّة بين دول القارة الإفريقية، في جعلها موضع طمع قوى كبرى؛ إذ لدى الصومال مصائد أسماك غنيّة تقوم أساطيل الصيد التابعة للشركات الأجنبية بكنسها من مخزونها، بينما يتعرَّض الشعب الصومالي للجوع؛ الأمر الذي تسبب في نشوء ما يسمّى القرصنة على سواحل الصومال من جانب ميليشيات الشباب. عدا أن موقع الصومال الجيوستراتيجي عبر التاريخ وسيطرتها على الخطوط البحرية التي تمرّ منها وعلى تجارة الذهب والتوابل والعاج والأسماك، جعلها مطمعًا للدول الكبرى التي قامت على تمزيقها في ما بعد.

وتناول المتحدِّث محطات تاريخية مختلفة من تاريخ الصومال وأزماتها المعاصرة، منها حرب أوغادين 1977-1980، التي نشبت بين الصومال وإثيوبيا المدعومة من موسكو، والتي انتهت بهزيمة الصوماليين، وكان من تداعياتها إضعاف الحكم الصومالي وفقدانه السيطرة جراء عدم الرضى الداخلي، والصعوبات الاقتصادية، وانعدام البنية التحتية والخدمات، فضلاً عن انعدام الأمن، وفقدان الصومال أهميته لدى الدول الكبرى؛ ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات قاسية منها عمليات الخطف، خاصة تجاه المعارضين، وأدى ذلك إلى تدهور الأوضاع الإنسانية والمجاعات منذ ذلك الحين، وظهور ميليشيات عشائرية مسلحة وانفصال أحادي للجزء الشمالي من البلاد المسمّى اليوم جمهورية أرض الصومال.

واشتملت ورقة الأستاذ فالح الطويل على عرض تاريخي مفصَّل لتطورات الأوضاع الصومالية، بما في ذلك قرارات الأمم المتحدة ومواقف المجتمع الدولي المتعلقة بذلك، واختتمها بالإشارة إلى أن 350 ألفًا من الصوماليين يتعرضون لسطوة الطبيعة، وارتفاع نسبة وفيات الأطفال يوميًا، حيث يصعب إيصال المعونات لمحتاجيها بسبب انقطاع المواصلات، لا سيما في منطقتي باكول وشبللي في جنوبي الصومال، وهما الأكثر معاناة من المجاعة، بسبب سيطرة ميليشيات الشباب عليهما وتعرّض المتطوّعين الدوليين للخطر فيهما. كما أن السلطات في مقاديشو، التي يُطلَب تقديم المعونات إليها، غير قادرة على إيصال هذه المعونات لمحتاجيها باستثناء الذين يعيشون في المخيمات بالعاصمة نفسها.

وقال: إن المساعدات الإغاثية العربية والإسلامية ومساعدات أكثر من خمسين هيئة إنسانية دولية قد تكون كافية لتقديم الطعام للذين يطلبونه في مخيمات اللجوء الصومالية، لكنها مساعدات لا تصل في الوقت المناسب، وحتى لو وصلت فستكون إغاثات مؤقتة لن تمنع من تكرار المجاعات هناك.

واقترح بخصوص الدور العربي في انقاذ الصومال من أزماته أن يُعقَد مؤتمر قمة عربي يدعى إليه ممثلون عن المحاكم الإسلامية وميليشيات الشباب، إضافة إلى ممثلين عن الحكومة الانتقالية في هذا البلد المنكوب، على أن تعمل هذه القمة على تسوية الخلافات بين هذه الأطراف المتنازعة والتوصل إلى اتفاق يحافظ على الصومال أرضًا وشعبًا، وإلى مصالحة وطنية شاملة تقوم على تعميق فكرة أن الإصلاح الحقيقي يأتي تراكميًا ومع الزمن وعلى أرضية من السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي. ودعا إلى أن يعمل العرب والمسلمون جميعًا داخل الصومال على نشر الوعي بهذه الفكرة وتدريسها في المدارس والمساجد، والمساعدة في الحفاظ على ثروة الصومال للصوماليين والوقوف أمام شركات الصيد العالميّة ومنعها من نهب الثروة السمكية، والتقدُّم بمشروع إلى الأمم المتحدة وإلى مجلس الأمن يتعلَّق بهذا الموضوع لاستصدار قرار أُممي ملزم فيه.

كما دعا المُحاضر إلى أن تشكِّل جامعة الدول العربية وفودًا من مؤسسات دينية مرموقة تذهب إلى مناطق الصومال النائية تحمل المعونات وتشرح للقبائل الصومالية أهمية الوحدة الوطنية وفصلها عن الخلافات العقائدية، والطلب من منظمة المؤتمر الإسلامي القيام بعمل مماثل. كذلك اقترح على منتدى الفكر العربي أن يعقد ندوة عربية حول موضوع الصومال تشارك فيها مؤسسات المجتمع المدني بهدف تقديم المعونات للشعب الصومالي.       

 

وفي تعقيبه على موضوع الندوة تحدّث الباحث والإعلامي الأستاذ إبراهيم غرايبة محللاً أزمة الصومال التي وصفها بأنها معقَّدة وفريدة من نوعها. وقال: لا تبدو أزمة الصومال في محاولة البحث عن حل أو مخرج منها أو التفكير في مستقبلها مشابهة للأزمات السياسية والإنسانية القائمة اليوم على الخريطة أو تلك الأزمات التي أمكن حلّها، مثل البوسنة والهرسك وكوسوفا وتيمور الشرقية، أو ساحل العاج ورواندا والكونغو، أو السودان أو الشيشان وتركستان الصينية، لكنها على قدر من التعقيد وسوء الحظ؛ ما يجعلها تحتاج لأجل حلّها إلى تفكير إبداعي ومعقَّد.

وأوضح أن الصومال ليس بلدًا فقيرًا في موارده، ولعله ضحية موارده الطبيعية الواسعة، المتمثلة في سواحله الطويلة والاستراتيجية والغنية بالثروة السمكية، وأراضيه الشاسعة التي تحتوي على ثروة معدنية وزراعية وحيوانية هائلة، وهو متجانس سكانيًا في الدين والإثنية إلى درجة كبيرة يُفتَرض أن تشكِّل قاعدة اجتماعية وسياسية متماسكة. لكن هذه المزايا نفسها ستجعل الدول الإقليمية المجاورة له تعيش قلقًا دائمًا من نهضته وكبوته؛ لأنها تحتلّ أجزاء من أراضيه، وتهيمن على بعض شعبه، ولا أمل لها بالمحافظة على ما استولت عليه إلاّ ببقائه ضعيفًا وممزقًا. فالصومال مرشح لأن يصبح دولة قليمية مهمة، وسيظل ينظر إلى الدول المجاورة على أنها دول احتلال لأراضيه. وهذه مسألة وطنية وعاطفية يصعب التخلّي عنها، وفي الوقت نفسه ستجعل الدول المجاورة مصدر قلق وتهديد بدلاً من مساعدته على الاستقرار وتجاوز أزمته.

وأشار الأستاذ إبراهيم غرايبة إلى أن أزمة الصومال أنشأت مع الزمن الطويل المتراكم واقعًا جديدًا ومصالح جديدة لدول وشركات وقوى اجتماعية وسياسية، ستجعل إعادة بناء الصومال وسيادته مصدر تهديد لهذه الشركات التي تنهب ثروته السمكية وموارده الأوليّة الخام. وتلك القوى الاجتماعية، التي صعدت في أثناء الأزمة وأنشأت واقعًا ومصالحًا، يتناقض وجودها مع وجود دولة ذات سيادة وقوانين.

وتطرَّق المتحدِّث إلى جهود العمل الإغاثي والإنساني، التي تواجه تعقيدات كثيرة تمنع النجاح والخروج من الأزمة، وقال: إنه في غياب الأمن والسيادة وتعدّد الجماعات والقوى المسيطرة وتناقضاتها، لا تستطيع المنظمات الإغاثيّة والإنسانية أن تعمل بحرية وأمان. وفي حالة نشوء قوى وعصابات للنهب والسيطرة على الأرض والموارد فإنه يصعب التفاهم والترتيب للعمل الإنساني والتنموي، وفي الوقت نفسه فإن فرض الأمن والسيادة يحتاج إلى قوّة مركزية عظيمة في عددها وإمكاناتها، وأن تكون مقبولة لدى معظم الصوماليين، وليست مضطرة لخوض حروب وصراعات عسكرية مع القوى والجماعات المتمردة أو الأصولية أو الرافضة للتدخّل. ولأن الصومال بلد واسع المساحة ويزيد عدد سكانه عن عشرة ملايين، فإن قوة عسكرية وأمنية كافية لبسط السيادة والأمن يجب أن تكون كبيرة جدًا؛ إذ لم تعد الدول والجيوش والمجتمعات اليوم في مزاج يتقبَّل الحروب والخسائر والتضحيات البشرية، خاصة إذا كانت نسبة كبيرة ومؤثرة من الصوماليين ترفض التدخل الخارجي، وهي قادرة على حشد الناس وتعبئتهم ضد التدخل العسكري والأمني حتى لو كان لأهداف إنسانية.

وأضاف: إن هذا المشهد القاتم لا يلغي الأمل في حلّ الأزمة الصومالية، وربما يكون للتقبُّل الصومالي لدور عربي وإسلامي، وللخبرة الطويلة والجيدة للمؤسسات الإغاثية والإنسانية العربية والإسلامية، أثر كبير في مشروع إنساني وسياسي رائد وكبير يدعمه العالم أيضًا، خاصة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والدول الغنية والمتقدّمة، ولا سيما أن الربيع العربي أوجد مزاجًا معقولاً لحضور دولي وغربي في الصومال لأهداف إنسانية أو سياسية مُتقَبّلة.

وقال الأستاذ إبراهيم غرايبة: ربما يجب أولاً أن يساعد الصوماليون أنفسهم ويساعدوا الآخرين على مساعدتهم. فلا يمكن العمل والتعاون في الصومال إلاّ بوجود كتلة سياسية واجتماعية كبيرة قادرة على التعاون مع الدول والمنظمات الصديقة وحمايتها أيضًا. وفي المجال السياسي والإقليمي يحتاج الصوماليون إلى كسب ود الدول المجاورة وتعاونها؛ أي إثيوبيا وكينيا وإرتيريا، وقد يقتضي ذلك تنازلاً مؤلمًا عن طموحات تاريخية عظيمة، كما فعل الأكراد في العراق والكوسوفيون على سبيل المثال. فمن دون التخلّي عن أحلام الوحدة والأمة الألبانية في الحالة الكوسوفية، أو الأحلام نفسها في الحالة الكردية لم يكن ثمة مجال للتعاون الدولي.

ودعا المتحدِّث المنظمات الإسلامية إلى التركيز على التنمية والإغاثة، وأن تتخلّى عن البرامج والمشروعات الدعوية والتبشيرية والخلافات المذهبية والفكرية، وأن تتعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات الأجنبية، فلا تحرِّض عليها أو تعاديها، وأن تشارك في بيئة عالمية ودية وتعاونية قائمة على الإغاثة والتنمية من دون تسييس أو تديين العمل الإنساني والدولي.

وأوضح أن المجتمع الدولي يحتاج إلى تشكيل بيئة جديدة واقعية تتجاوز الأزمات والأفكار السابقة، قائمة على التعاون مع الواقع السياسي القائم، وتقبَل الجماعات القائمة كلّها بصرف النظر عن وضعها السياسي والفكري؛ ما دامت هذه الجماعات تملك تاثيرًا ونفوذًا على الأرض والسكان ومستعدّة لوقف العنف والأعمال العدائية ضدّ المنظمات والجهود الدولية والإنسانية، أو مستعدة للتعاون. ويجب أن تُظهِر الدول والمنظمات حيادًا مثاليًا في النزاع القائم، وعدالة مثالية في الإغاثة والعمل، لأن ثقة الصوماليين بهذه المشروعات تشكِّل الأساس لنجاحها، ولأن الشعور بالانحياز يهدمها من أساسها.

واختتم حديثه بالقول إن الدول والمجتمعات والمؤسسات الإعلامية ما تزال تُبدي إهتمامًا غير كاف بالأزمة الصومالية، وهذا لا يساعد على النجاح، بل يقلِّل من فرص التأثير وجمع الموارد والتبرعات، وإنشاء بيئة مشجعة على المشاركة السياسية والإنسانية في حل الأزمة الصومالية. لكن ستظلّ مشكلة العصابات المسلحة غير السياسية التي تدير أعمالاً للنهب والخروج على القانون والاعتداء على الناس والمنظمات الإغاثية مشكلة عظيمة، وإذا أمكن إنشاء قوة مُساعدة وجماعات تطوعية صومالية لمواجهة هذه العصابات والحدّ من تأثيرها، فسوف تحقِّق الدول والمنظمات إنجازًا أساسيًا عظيمًا يؤسِّس للعمل السياسي والإنساني في الصومال.

 

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©