عمّان- عقد منتدى الفكر العربيّ يوم الأربعاء 16/11/2011 في مقرّه بعمّان، بالتعاون مع المعهد الملكي للدراسات الدينيّة وجامعة العلوم الإسلاميّة العالميّة/ الأردن، ندوة بعنوان "المشتركات الفكريّة بين الصابئة المندائيّة والأديان السماويّة الأخرى"، بمشاركة عدد من الباحثين العرب، وأعضاء في المنتدى، ورجال دين مسلمين ومسيحيين، وممثلين عن طائفة الصابئة المندائيين في العراق والمهجر، ودبلوماسيين من بعض السفارات العربيّة. كما شارك في الندوة سمو الأميرة وجدان الهاشمي، وأ.د. عبد السلام العبادي، وزير الأوقاف والشؤون والمقدّسات الإسلاميّة في الأردنّ.
وقال أ.د. فايز خصاونة، أمين عام المنتدى بالوكالة، في كلمة ألقاها خلال الجلسة الافتتاحيّة للندوة ونقل فيها بعض أفكار سموّ الأمير الحسن بن طلال، رئيس المنتدى وراعيه، حول هذه الندوة وترحيبه بالمشاركين فيها: إننا نريد أن نقول للعالم إنّ التعدّديّة في منطقتنا هي نمط حياة فُطِرنا عليه ولا نقبل ببتره. إننا نُشاهدُ حملةً شرسة ومسعورة لإلغاء هذه التعدّديّة لأهداف سياسيّة، لتشكيل هذه المنطقة بصورة كيانات عرقيّة دينيّة متجانسة؛ بل كيانات عرقيّة مذهبيّة متجانسة ضمن الدين الواحد. وهذا بحدّ ذاته يؤسّس لنزاعات مستقبليّة كانت تحول دونها وتمنعها التعدديّة التي عاشتها منطقتنا لأجيالٍ وقرون.
وأوضح أنّ التعدّديّة ليست فقط أحد مصادر صلابة ثقافتنا، بل هي أيضًا إشعاع آخر ينبثق من هذه المنطقة لينير الطريق أمام الحضارة الإنسانيّة، ويشكّل نموذجًا متقدّمًا من نماذج بناء الدولة المدنيّة ونماذج اجتثاث الصراعات بين الأمم والشعوب. وهذه التعدديّة، التي نُحافظ عليها ونحرسها من عبث العابثين لا تقتصر على التعدّديّة في العِرق أو في اللون بل تتعدّاها لتشمل التعدّديّة في المعتقد.
كما أوضح أنّ هذه المنطقة من العالم كانت عبر الحقب والعصور مهدًا للحضارة الإنسانيّة في شتى مناحيها، وخاصة في الجوانب الروحانيّة منها حيث إنها مهد الديانات السماويّة. فقد اختصّها الباري عزّ وجلّ بأن تكون مبعث الأنبياء والرُّسل.
وأضاف: إن الرسالة كانت واحدة، لكنها جاءت بلغات أقوام هذه المنطقة، فخاطبَ كلّ نبي ورسول قومه باللغة التي كانوا يتكلّمون بها. ومع تعدّد الرُّسل وتعدّد المسمّيات بقيت الرّسالات واحدة في ما ميّزها عن غيرها من الديانات؛ إذ انطلقت من وحدانيّة الخالق عزّ وجلّ وتوحيد عباده له.
وقال أ.د. فايز خصاونة: لقد خلقنا الله شعوبًا وقبائل لنتعارف، ولم يميّز شعبًا عن غيره ولا قبيلة عن غيرها إلاّ بتقواه، ولو شاءَ خالقنا لجعلنا جميعًا أمّةً واحدة لكنه في حكمته جعلنا أُممًا وأنطقنا بألسن متعدّدة. فإذا كان التعارف بين الشعوب وبين أتباع الديانات مقصدًا من مقاصد هذه التعدّديّة، فإنّ هذه الندوة منذورة لذلك التعدّد، ولا يجوز أن تكون للخروج عن مشيئة الباري عزّ وجلّ وحكمته ومقصده في خلقه عندما فطَرَنا على تلك التعدّديّة.
وأشار إلى أن بعض الباحثين والمحلّلين ذهبوا إلى القول بأنّ بنية الوطن تتشكّل من مفهوم المواطَنة، والمواطَنة تستندُ في جوهرها على عقد تشاركيّ بين أفراد متساوين متكافئين متكافلين هم الجماعة/ المواطنون. فنحن في هذه المنطقة مواطنون متشاركون في تعاقدنا مع بعضنا بعضًا، وتشاركنا هذا هو تثبيت للتعدديّة التي فُطِرنا عليها في معتقداتنا الدينيّة، وإلغاء لمدلول الأقليّة والأكثريّة الذي دخل على فكرنا ... كأنّ بعضًا منّا نحن أبناء هذه الأرض هم طارئون عليها، فأطلقنا عليهم صفة الأقليّات، فيما هم أبناء هذه الأرض شركاء فيها وشركاء في الحكمة التي نبعت منها. وإخواننا من كافة المعتقدات مواطنون وليسوا أقليّات بالمفهوم الغربيّ الدخيل مهما قلّ عددهم.
وأوضح أمين عام المنتدى أنّ هذا اللقاء هو للتعارف فيما بيننا، ذلك أنّ عنوان الندوة يُشير إلى المشتركات بين الأديان السماويّة. وأردف قائلاً: قد يكون أكثرنا عالمًا بالمشتركات بين الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة، لكننا اليوم نُضيف إلى دائرة معارفنا المشتركات مع الصابئة المندائيّة.
وفي الجلسة الأولى للندوة، التي ترأسها أ.د. فايز خصاونة، قدّم الشاعر أ. عبد الرزاق عبد الواحد/ العراق ورقة بعنوان "الصابئة المندائيّون: التاريخ والعقائد"، تحدَّث فيها حول تجربته في نقل الكتاب المقدّس للصابئة المندائيين من اللغة المندائيّة إلى اللغة العربيّة (الكنزا ربّا)، مُشيرًا من خلال بعض نصوص استشهد بها من هذا الكتاب إلى مدى التقارب والتجاذب والتحابب بينه وبين الكتب السماويّة الأخرى.
كما تحدَّث حول تاريخ الديانة المندائيّة التي يُجمع الصابئة المندائيّون على أنها أقدم ديانة موحِّدة في التاريخ وينسبون كتابهم المقدّس (الكنزا ربّا) – أي الكنز العظيم – إلى آدم عليه السلام، الذي يعتبرونه أوّل الأنبياء لديهم، ويعتقدون أن سام بن نوح عليه السلام هو جدّهم الأعلى. وقارن بين جهود الباحثين العرب والمستشرقين في تعريف المندائيّة، مؤكدًا أنّ المستشرقين كان لهم دور كبير في التعريف بهذه الديانة بما بذلوه من جهود ميدانيّة كبيرة في تقصّي عقائدها وطقوسها من خلال الكتب المندائيّة نفسها ومن خلال حوارات بعضهم مع عدد من رجال الدين المندائيين. إلاّ أن هذه الجهود من الباحثين عربًا ومستشرقين ومندائيين افتقدت إلى المقارنات العلميّة بين الإرث الدينيّ المندائيّ والأديان العراقيّة القديمة، على الرغم من معرفة الباحثين بأنّ بيئة هذه الأديان هي البيئة الروحيّة والثقافيّة والدينيّة نفسها التي ظهرت ضمنها هذه الطائفة وعاشت إلى يومنا هذا، وهو ما يمكن أن يضيء الكثير من تاريخ الديانة المندائيّة وجوانبها ويضعها في سياقها التاريخيّ الصحيح، ويكشف بالتالي عن عناصرها الأصيلة والدخيلة، ويضع كلاً في مكانه الطبيعيّ.
وتناول أ. عبد الرزاق عبد الواحد في ورقته بعض ملامح علاقة الديانة المندائيّة بأديان العراق القديمة، والتأثير الغنوصيّ اليونانيّ، كذلك التأثيرات الثقافيّة اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة التي مرّت بها. وأشار إلى الجواهر اللاهوتيّة لهذه الديانة المتمثّلة بالماء والنور والظلام. وأشار أيضًا إلى ملامح تاريخ الصابئة المندائيين وأصولهم في المنطقة. وتطرّق إلى أبرز معالم العقائد الصابئيّة والمشتركات بينها وبين الأديان السماوية.
وفي الجلسة نفسها، قدَّمَت الباحثة أة. أشواق نصرت جاسم، المدرِّسة في كلية اللغات بجامعة بغداد، ورقة حول "المشتركات اللغويّة بين اللغة المندائيّة واللغات الشرقيّة الشقيقة"، ذكرت فيها أنّ أقدم النصوص المكتوبة بهذه اللغة تراتيل دينيّة ربما تعود إلى 272م، وتتمثّل في الكتاب المقدس (الكنزا ربّا)، وبعض التراتيل الدينيّة، وكتاب يحيى بن زكريا؛ إضافةً إلى أواني الأحراز، ولفائف الرصاص.
وأشارت إلى أنّ دراستها للمشتركات اللغوية هي دراسة مقارنة بين اللغة المندائيّة وشقيقاتها مثل الأكديّة، وآراميّة العهد القديم وآرامية التلمود، والعبريّة، والسريانيّة، والعربيّة.
واستهلت الباحثة ورقتها بمقدّمة تعريفيّة عن اللغة المندائيّة التي تعدّ إحدى اللهجات الآراميّة الشرقيّة، وقد ازدهرت منذ القرن الثالث الميلاديّ في بلاد وادي الرافدين، ثم تحدثت عن عددٍ من الجوانب الرئيسيّة في هذه اللغة، ومنها الإبدال والإدغام، والألفاظ الأساسيّة، والأضداد والنحت، وغيرها. ومن ضمن ما أوضحته الباحثة في الاستنتاجات أنّ اللغة المندائيّة، وعدد حروفها 22 حرفًا، خالية من التنقيط، ويُستعمَل فيها نظام التعبير عن الحركات بالحروف الأصليّة، وتشترك مع شقيقاتها اللغات الشرقيّة، ولا سيما اللغة العربيّة، في أوزان الفعل الرئيسية وتاء الافتعال.
وفي الجلسة الثانية، التي ترأسها أ.د. زياد أبو حمّاد، عميد كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة العلوم الإسلاميّة العالميّة مندوبًا عن رئيس الجامعة أ.د. عبد الناصر أبو البصل، تحدَّث الأب رفعت بدر، مدير إعلام بطريركيّة كنيسة اللاتين (الروم الكاثوليك) للأردن والديار المقدّسة وقبرص، عن "المشتركات الدينيّة بين المندائيّة والمسيحيّة". وفي هذا السياق أشار إلى اجتماع رؤساء الأديان والمذاهب في العالم، الذي شمل غير المؤمنين أيضًا، في 7/10/2011، استجابة لدعوة قداسة البابا بندكتس السادس عشر في إسيزي بإيطاليا، لإحياء ذكرى مرور 25 سنة على عقد لقاء إسيزي الأوّل، الذي دعا إليه البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1986. وقد عُقد لقاء إسيزي مؤخرًا تحت شعار "حجاج الحقيقة – حجاج السلام" بمشاركة 300 مشارك من جميع أنحاء العالم، وجميع ديانات الأرض، ومن بينهم ممثل عن رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم كنزبرا ستار جبار حلو.
وقال الأب رفعت بدر إن أتباع الديانات ورؤسائها جددوا في لقاء إسيزي التزامهم للمضي قدمًا في سبيل السلام والعدالة ونبذ الحروب التي تُخاض باسم الدين والكتب السماويّة.
وحول المشتركات بين المسيحيّة والصابئة، عدد الأب بدر مجموعة من الاعتقادات والشعائر والطقوس التي تشترك فيها الديانتان، ومنها عبادة الله الواحد، وأن آدم أصل البشريّة، وإبراهيم أبو المؤمنين، ونبوة يحيى (يوحنا المعمدان)، كذلك العمّاد، والطهارة، والرجاء بعد الموت، وغيرها. ومن أسس التعاون بين المسيحيّة وغيرها من الديانات؛ بما فيها الصابئة المندائيّة، أن الدين أداة سلام وحوار، والمعاناة المشتركة من الشتات، وإدانة أعمال العنف والقتل والتنكيل والتهجير، وحقوق الأقليات الدينيّة ومشاركتها في الحياة السياسيّة، والمشاركة في المنتديات العالميّة، والتعاون في المجال الإعلاميّ.
وتطرق الأب بدر في حديثة إلى بعض الحوارات واللقاءات في حاضرة الفاتيكان مع وفود وممثلي طائفة الصابئة المندائيين منذ عام 1990.
وفي الجلسة الثالثة برئاسة أ.د. كامل أبو جابر، مدير المعهد الملكيّ للدراسات الدينيّة، تحدَّث أ. د. عبد الرحمن المراكبي، الأستاذ في قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين في جامعة العلوم الإسلاميّة، في ورقته "المشتركات الدينيّة بين المندائيّة والإسلام"، عن المبادىء الإسلاميّة التي أرساها الإسلام للتعامل مع غير المسلمين، خاصة أنه سما فوق كلّ الاعتبارات البشريّة من أجناس وأعراق ووطنيات وقوميات ولغات ولهجات ... إلخ، مما رأى فيها تضييقًا وتحديدًا ينافيان عالميته وعموم رسالته بوصفه دينًا إلهيًا عالميًا يريد خير البشريّة جمعاء. وعدَّد الباحث المبادىء التي قررها الإسلام لضمان سيادة العدل والأمن والسلام، وفي مقدّمتها الدعوة إلى الإيمان بإلهٍ واحد هو الله – عزّ وجلّ – ليمثِّل العالم بذلك وحدة بشريّة عابدة أمام أحديّة إلهيّة معبودة؛ والدعوة إلى أخوة إنسانيّة عالميّة من منطلق أن البشر هم جميعًا أبناء أبٍ واحد وأم واحدة، فلا تفاضل بينهم بالأعراق والأنساب. كما قرّر الإسلام أن الاختلاف في الألوان والأشكال واللهجات واللسان (اللغات) آية من آيات الله في خلقه وهو دليل على عظيم قدرته وبالغ حكمته وبديع صنعه في تنوّع الخلق.
وناقش د. المراكبي النظرة الإسلاميّة إلى الصابئة، ورجَّح أنّ إقرار المسلمين للصابئة على دينهم بعد الفتح الإسلاميّ، وأخذ الجزية منهم، واعتبارهم من أعقاب الحنفاء، جعل حكمهم كحكم أهل الكتاب اليهود والنصارى. وأكد وجود مشتركات عامة بين الصابئة وغيرها من رسالات السماء، بما فيها الإسلام، نظرًا لاشتراكها في مصدرها الأساسي وهو الله سبحانه. وقال: إن ما أصابها من تقدّمٍ عما كانت عليه هو ما أصاب غيرها من الديانات الكتابيّة. ومن المشتركات العامة ذكر د. المراكبي العقيدة في الله، والصفات الإلهيّة، والإيمان بالملائكة، والعقيدة في النبوّة والأنبياء، والإيمان باليوم الآخر والحساب والجزاء.
وقدَّم أ.د. خالد إسماعيل، الأستاذ الجامعيّ المتخصص في اللغات الشرقيّة القديمة من العراق، ورقة حول "مساهمة الصابئة المندائيين في عصور النهضة العربيّة"، أوضح فيها أن كلمة (صَبَغَ) باللغة المندائيّة تقابلها باللغة العربيّة كلمة (صبأ)، وهي كلمة تشترك لفظًا مع الكلمة العربيّة التي تعني ارتد أو خرج. فكلمة صبأ في سياق هذه الديانة لا تعني الخروج عن الديانات الأخرى، وإنما التعميد بالماء، وما زالت كلمة (صباغة) تدلّ على العمّاد في العقائد المندائيّة. وأشار إلى أنّ الصابئة المندائيّة فرقة موحّدة عرفانيّة نشأت كما تشير المصادر التاريخيّة في فلسطين والأردن قبيل ظهور النصرانيّة. ويطلق عليهم المؤرخون والفقهاء العرب اسم (المُغْتَسِلة) لكثرة استعمالهم للماء الجاري. وقد عاش الصابئة المندائيون في العراق في مناطق انتشار المياه، وهم صابئة البطائح. وهنالك صابئة حرّان أحد المراكز الحضاريّة المرموقة زمن الآشوريين (ق.م).
وتحدَّث د. إسماعيل عن عددٍ من أعلام الصابئة في العصور الإسلاميّة، ومنهم أبو الحسن ثابت بن قرّة الحرّاني (توفي 365 أو 369هـ)، الذي أسلم، وكان من أشهر الأطباء في زمانه؛ والطبيب أبو إسحاق إبراهيم (توفي 309هـ)؛ وأبو علي المحسن الملقَّب بصاحب الشامة (توفي 401هـ)؛ وأبو الحسن هلال بن المحسن الصابي (توفي 448هـ) مؤلِّف كتاب "رسوم دار الخلافة"، الذي تُرجِم إلى لغات عدّة شرقيّة وغربيّة لقيمته البالغة في وصف الحضارة العربيّة الإسلاميّة في القرنين الرابع والخامس الهجريين.
واختُتِمَت أوراق الندوة بورقة قدّمها كنزبرا (الشيخ) أ.د. بريخا ناصورايا، الأستاذ في علم اللاهوت من العراق/أستراليا، بعنوان " فلسفة العقل، الأنماط المعرفيّة والتوحيد المُطلَق في الدين الصابئيّ المندائيّ: مشتركات فكريّة بين الأديان السماويّة"، تناول فيها وسائل فهم أسرار ديانة الصابئة المندائيين والمشتركات الفكريّة مع الأديان السماوية الأخرى، التي قال إنها تشترك مع هذه الديانة في الكثير من الأمور الجوهريّة.
وبيّن د. بريخا أن الديانة الصابئيّة هي ديانة معرفيّة/ عرفانيّة باقية على قيد الحياة منذ العصور القديمة التي سبقت المسيحيّة، ويعتبر الصابئة المندائيون أنفسهم حراسًا أبديين لحقيقة الكمال (القسط المقدس) وعقيدة التنوير، فهم يتوارثون تعاليم النور والحياة، التي حُفِظَت في الصحف المقدّسة لآدم والأنبياء الأوّلين مثل شيت ونوح وسام ويحيى بن زكريا، وذلك للحفاظ على نقائهم وعلاقتهم بالله وبعوالم النور.
وأردف أنّ توحيد الله الواحد وعبادته واتباع شريعته التنويريّة في الطهر والصلاح والمعرفة والحكمة تشكِّل النقطة المركزيّة التي يدور حولها جوهر الدين الصابئيّ المندائيّ، وما يتعلَّق به من أمور عقائديّة تخصّ العبادات والمعاملات وما بينهما. وأضاف: إنّ الصابئة المندائيين يؤمنون بأنّ الله، الذي ليس له بداية ولا نهاية، هو الحيّ الذي لا يموت، خالق كلّ شيء، وهو المصدر والعلّة الأولى.
وتحدَّث د. بريخا حول بعض المفاهيم الباطنيّة والصوفيّة المتصلة بالعقيدة المقدسة وفلسفة العقل والأنماط التنويريّة وما يرادفها في الأديان السماويّة الأخرى. وقال: إنّ مبادىء الأخوّة والمحبّة والسلام والإيمان هي المنقذ لأبناء آدم وحواء مهما اختلفت أفكارهم ودياناتهم. وهذا ربما يكون من شأنه أن يوضح بعضًا من معاناة الصابئة في الآونة الأخيرة، خاصة في الشتات. فهم يواجهون تحديًا خطيرًا للحفاظ على هُويّتهم وتعزيز أسلوب حياتهم بين الآخرين، ولا سيما في هذه المنطقة.
وفي تعقيبه على مجمل أعمال الندوة، أشار أ.د. كامل أبو جابر في كلمته في الجلسة الختاميّة للندوة، إلى بعض المفاهيم المشتركة بين الأديان؛ مؤكّدًا دور المخيلة الإنسانيّة في استنباط أسباب السعادة لأبناء البشريّة. وقال: إننا بصدد الشروع في حملة فكريّة لترويج الأسس والمبادىء التي نصَّت عليها "رسالة عمّان" لتكون أرضيّة مشتركة بين أتباع الأديان، مؤكدًا أن الأردن سيظل بلد العدل والاعتدال.
كما تحدث عن دور المسيحيين العرب في النهضة العربيّة، وقال: إنّ المفكّرين المسيحيين العرب تبنّوا مفهوم القوميّة عن وعي بعد أن انحرفت الحضارة الغربيّة بالمسيحيّة منذ القرن السادس عشر لأغراض سياسيّة، فلم يجد المسيحيون العرب بدًا من تبني المفهوم القوميّ لأنه هو الذي يجمعهم بإخوانهم المسلمين في هذه المنطقة.
وأضاف: إنّ مشكلة الغرب مع المسلمين والعرب سببها الصهيونيّة، وإنّ إسرائيل لها إصبع في العمل على تهجير المسيحيين وأتباع الديانات الأخرى من فلسطين والعراق.
وأكد مدير المعهد الملكيّ للدراسات الدينيّة ضرورة أن تتمكن الدولة العربيّة من التلاؤم مع متطلبات المستقبل الإنسانيّ في التعامل مع التنوّع الثقافيّ والدينيّ حتى يعود المجتمع إلى أصل تشكّله وفق فكرة القبول بالآخر.
ومن جهته، أشار أ.د. فايز خصاونة إلى أن هذه المنطقة ستظلّ منطقة إشعاع روحيّ، وأنّ مثل هذه الندوة التي يحصل فيها التعرف على جوانب الثراء والتنوّع في تراث المنطقة الثقافيّ والدينيّ من شأنه أن يساعد على بلورة أفكار التفاهم والانسجام والسلم في المجتمعات، وأن يحذرنا من محاولات تهجير أتباع الديانات غير الدين الإسلاميّ من هذه المنطقة بتخطيط شيطانيّ.
وألقى أ. عبد الرزاق عبد الواحد في ختام الندوة قصيدة من شعره عكست معاني العيش والاحترام المتبادَل بين الأديان.