قال الباحث والمحلِّل السياسي اليمني الأستاذ عبد الناصر المودع إن أسباب الأزمة اليمنية تعود إلى عوامل موضوعية مزمنة ومرتبطة بطبيعة الدولة، واسهم التاريخ والجغرافيا والمناخ والثقافة في صياغتها، إضافة إلى عوامل راهنة ناتجة عن فشل التسوية السياسية والانقلاب الحوثي، وما أفرزه ذلك من حرب وفوضى.
وأضاف في محاضرة القاها في منتدى الفكر العربي مساء اليوم بعنوان "الأزمة اليمنية والسيناريوهات المحتملة"، وأدارها الدكتور محمد أبو حمور الأمين العام للمنتدى، بحضور أكاديميين ودبلوماسيين وكُتّاب وإعلاميين أن أسباب الأزمة تعود إلى تباين البنيات الاجتماعية السياسية الاقتصادية والثقافية بتأثير اختلاف الطبيعة الجغرافية في اليمن، وعدم توفر الموارد الضرورية لقيام سلطة قوية ومستقرة، تمتد سلطتها الحقيقية إلى جميع المناطق، سواء مناطق الفائض أو الكفاف والندرة.
ورأى الموذًع أن الموقع الجغرافي لليمن أسهم في عزلته عن التفاعلات الحضارية العالمية مشيراً إلى أن الشحّ المزمن للموارد والاعتماد على الدعم الخارجي والموارد غير المستقرة، أديا إلى الضعف في الهوية السياسية الجامعة، وغياب مصدر الشرعية السياسية، والانكشاف على العالم الخارجي.
وعلى الصعيد ذاته قال إن النمو السكّاني المفرط بتضاعف سكّان اليمن كلّ عشرين عاماً، عدا عن ندرة المياه، وتنامي قوة الجماعات الإرهابية، وانتشار السلاح، وبروز الحركات الانفصالية وتنامي قوة الجماعات المسلحة المتمردة، وتأثير التباين في البنية الاجتماعية أسهمت في ضعف الكيان السياسي اليمني.
وأوضح أن الحرب في اليمن الناتجة عن فشل التسوية السياسية والتدخلات الإيرانية والإهمال الإقليمي والانقلاب الحوثي، أفرزت مظاهر تمثلت في انقسام الأطراف المتحاربة على طيف واسع من القوى ذات الأجندات الداخلية والخارجية، والنزعة الشمولية لمعظم القوى المتصارعة وخياراتها الصفرية، وغياب الحدود الجغرافية الواضحة لمناطق نفوذ هذه القوى، والجمود العسكري، وضعف السلطة، وهيمنة القوى السياسية، وغيرها من الأسباب المتعلقة بواقعية الحلول المطروحة لحل الأزمة.
وحول السيناريوهات المحتملة للأزمة، أشار الأستاذ المودع إلى أربعة سيناريوهات تتمثل باستمرار الحرب وفق الوتيرة الحالية، أو التسوية الهشة، أو التسوية الناجحة، أو سيناريو الدولة الفاشلة؛ موضحاً أن عوامل التسوية الناجحة تتطلب استئناف العملية السياسية من حيث تمرير الدستور وإجراء انتخابات لسلطات الدولة.
وفي السياق ذاته أكد أهمية استسلام الانقلابيين أو هزيمتهم، وتوحيد مؤسسات الدولة، محذراً مما تحمله باقي السيناريوهات من فشل جولات الحوار، واستمرار الجمود العسكري، وتعدد أجندات الدول المؤثرة في الشأن اليمني.
وحذر المودع من استمرار انقسام مؤسسات الدولة، وضعف الحكومة المركزية، وتعدد اللاعبين الخارجيين، وتراجع الاهتمام الدولي، وارتفاع وتيرة العنف المذهبي والجهوي، وسيطرة القوى الإرهابية على مناطق حيوية، والانهيار الاقتصادي وانتشار المجاعة.
من جانبه قال الدكتور محمد أبو حمور إن موضوع الأزمة في اليمن الشقيق بتداعياتها وأبعادها العربية والإقليمية هي موضع اهتمام الفكر، ليس بوصفها أزمة بلد وحكم وشعب في التوصيف السياسي وحسب، ولكنها كما باقي الأزمات التي يعانيها الوطن العربي في سورية والعراق وليبيا، تشكل خللاً في جسد الأمة الواحدة، لا يقتصر الألم فيه على بقعة جغرافية محدّدة.
ودعا النخب الثقافية والفكرية العربية إلى النظر في وسائل معالجة الواقع الراهن، وتحليل الأسباب التي أدت إلى حدوثه بعمق وبشكل علمي هادىء وموضوعي، وبما تمليه مصلحة الحفاظ على وحدة هذا البلد واستقراره وتوفير الأمن الإنساني لشعبه والتوافق والتآلف بين مختلف فئاته وأطيافه، وبما يحقق مصلحة الأمة والحيلولة دون تفشي حالة التشرذم والتفتت في المشهد العربي.
وأشار إلى أن خصوصيات الأزمات القُطْرية لا تحول دون النظرة الشمولية إليها في إطار التداخلات الإقليمية والتأثيرات العالمية في المنطقة، والأخذ بالاعتبار عاملي التزامن والتشابه في جوانب متعددة من تلك الأزمات التي نشبت في مرحلة ما سمّي الربيع العربي؛ موضحاً أن بعض ظواهر هذه المرحلة جاءت أيضاً لتشكل تهديداً لمكونات الأمة ووحدتها وهويتها الجامعة وثرواتها البشرية والمادية ومستقبل أجيالها، نتيجة استغلال الأجندات الخارجية لأوضاع الاضطرابات خلال الأزمات.
ودعا إلى أن يتصدى العمل الثقافي والفكري للبحث عن أنجع الوسائل لتحقيق الأمن القومي العربي في مختلف مجالاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية، وإلى التعاون والحوار والتفاهم وتبادل الأفكار والتجارب التي تسهم في إيجاد رؤى مشتركة لقضايا الوطن العربي؛ مشيراً إلى أن منتدى الفكر العربي يواصل أنشطته ويكثفها في هذا الاتجاه، استجابة لمتطلبات الوعي بمختلف القضايا المصيرية في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة من تاريخنا المعاصر.