عمان - الدستور - حمدان الحاج
أوصى تقرير «حال القدس 2012» بضرورة العمل على تشكيل مظلة دعم وتعزيز عربي وإسلامي للموقف الأردني الراعي للمقدسات في مواجهة التهديد بنزع الحصرية الإسلامية عن المسجد، وتعزيز الموقف الأردني بصفته ممثلاً للعالم العربي والإسلامي في حماية المقدسات.
وأوصى التقرير، الذي أعدته مؤسسة القدس الدولية وحصلت «الدستور» على نسخة منه، بمتابعة ملف تلة المغاربة في اليونيسكو ومحاولة دفعه للجمعية العامة للأمم المتحدة، واستخدام كل الوسائل السياسية والدبلوماسية والشعبية المتاحة لمنع سلطات الاحتلال من إكمال هدم التلة. وكذلك الدعوة الى تبني استراتيجية دعم لصمود المقدسيين في القدس وتوجيه المال العربي والإسلامي بشكل واقعي فعال لدعم هذا الصمود في المجالات الحياتية الحيوية من تعليم وإسكان ودعم اقتصادي واجتماعي.
وجاء في التقرير أن عام 2012 شكل محطة فارقة في تصاعد عمليات التهويد التي طالت القدس والمسجد الأقصى سواء من حيث الاقتحامات التي طالت المسجد الأقصى أو ارتفاع وتيرة البناء الاستيطاني الذي بلغ حدًّا غير مسبوق.
وأضاف التقرير أنه بتتبع مسار الأحداث خلال العام الفائت، حاول استقراء ما ستسير عليه الأمور خلال المرحلة القادمة. ويعرض التقرير أبرز التطورات التي عصفت بالقدس خلال العام المنصرم والتحديات التي تواجه المدينة وأهلها ومقدساتها، كما يرصد أبرز سمات الموقف العربي والإسلامي علاوة على ملامح الموقف الدولي وتطوراته فيما يتعلق بالقدس. ويبني التقرير على تراكم الأحداث ليحدد أبرز الاتجاهات العامة المتوقعة خلال عام 2013 ثم يخلص إلى جملة من التوصيات التي تشكل الحد الأدنى اللازم للوقوف في وجه مشروع التهويد الذي يسير بوتيرة متسارعة ليبلغ أقصى مداه.
وتاليا أبرز ما جاء في التقرير..
تصاعد الضغوط وتصاعد خيار المواجهة
تتكثف الضغوط على المقدسيين من كل الاتجاهات نتيجة سياسة التضييق والدفع إلى الهجرة «الطوعية» التي تتبعها سلطة الاحتلال بشكل منهجي آخذ بالتعمق، وخلال عام 2012 تكثفت الضغوط في الاتجاهات الآتية:.
1. الاتجاه المستمر لتزايد نسبة الفقر لدى المقدسيين، من 60% من الأسر تحت خط الفقر عام 2008 إلى 69% عام 2009 وصولاً إلى 77% عام 2010، فيما 84% من أطفال القدس هم أبناء أسر تعيش تحت خط الفقر.
2. سياسة الإفقار التي تمارسها بلدية الاحتلال، إذ تخبر الأرقام التي كُشف عنها خلال 2012 بأن 75% من أرباب الأسر المقدسية مدينون لبلدية الاحتلال، التي فعّلت على مدى السنوات الماضية ملاحقتها للمقدسيين لتسديد الغرامات والضرائب، وباتت تستنزفهم بتقسيطها بفوائد عالية.
3. إغلاق حاجز رأس خميس في 19/9/2012، وهو أحد الحواجز التي تربط ضواحي شمال القدس بالجزء الواقع داخل الجدار من المدينة، وإكمال بناء الجدار مكانه، ليصبح معبر شعفاط «الدولي» الممر الوحيد لنحو 55,000 مقدسي يقيمون في الأحياء الشمالية المعزولة على أقل تقدير. هذه الحقيقة تعني بكل بساطة أن هؤلاء سيكونون أمام خيارين على مدى السنوات المقبلة: إما أن ينتقلوا للسكن في أحياء داخل الجدار، وهي أحياء تعاني أساسًا من أزمة سكن خانقة، أو أن ينسوا حقهم بالإقامة في المدينة.
4. استحواذ المتطرفين اليهود على عقارات جديدة في عمق الأحياء العربية، واستحداث بؤر احتكاك وتوتر جديدة، حيث شهد عام 2012 تعمقًا لهذا الاتجاه إذ أخلت الشرطة الإسرائيلية منازل في الطور شرقًا، وفي بيت حنينا شمالاً وجبل المكبر جنوبًا، لتسلمها إلى مستوطنين يدّعون ملكيتها، لتستحدث بذلك نقاط احتكاك جديدة تضاف إلى سلوان وراس العمود والبلدة القديمة، ولتزيد من التواجد الثقيل والدائم للشرطة الصهيونية في عمق الأحياء العربية.
5. اقترن هذا كله مع تصاعدٍ في موجة جرائم الكراهية والاعتداءات الوحشية من المستوطنين على السكان المقدسيين تجاوز عددها 17 حادثة خلال عام 2012، كان أسوؤها ما حصل للفتى جمال الجولاني الذي اشترك نحو 40 فتى يهوديا في ضربه والتنكيل به في وسط سوق تجاري غرب القدس في 16/8/2012، ليتركوه ملقى في الشارع بين الحياة والموت على مرأى ومسمع المارة والمتسوّقين اليهود، وليعلن أحد المشاركين في ضربه أمام المحكمة بأنه ليس نادمًا على ما فعل، وأنه يتمنى له الموت.
6. يضاف إلى ذلك التهديد الدائم باقتحام المسجد الأقصى في كل عيد ديني أو قومي يهودي، والذي بلغ ذروته في شهور 2 و5 و7 و10 من عام 2012.
7. لم تسلم المقدسات المسيحية من الضغوط والاعتداءات الإسرائيلية خلال عام 2012، وقد بلغت الضغوطات أوجها مع الحجز على أملاك الكنيسة الأرثوذكسية، وهي إحدى الطوائف الثلاث التي تتولى خدمة كنيسة القيامة. قرار الحجز هذا نفذته شركة «جيحون» للمياه وذلك على خلفية فواتير مياه متراكمة على كنيسة القيامة بلغت ملايين الشياكل، مع العلم أن الأماكن المقدسة لطالما كانت معفاة من دفع فواتير المياه منذ العهد العثماني. كما استمر ما يعرف بحملات «جباية الثمن» التي تمثلت بخطّ عبارات معادية للمسيحية والسيد المسيح عليه السلام على جدران الكنائس والأديرة في شرق القدس وغربها على حد سواء.
8. جاء إضراب الأسرى في شهر أيار 2012 وما رافقه من تحركات وفعاليات تضامنية جماهيرية، وتلاه معاودة اعتقال الأسير المقدسي المحرر سامر العيساوي في شهر تموز 2012 ودخوله في إضراب مفتوح عن الطعام منذ يوم 1/8/2012، والحصار الذي فرضته قوات الاحتلال على بلدته العيسوية، وما تعرضت له عائلته من انتقام وتنكيل للضغط عليه، ثم هدم منزل شقيقه في 1/1/2013، ليضاف إلى كل ما سبق من اعتداءات.
9. كانت سنة 2012 قد بدأت باختطاف النائب محمد طوطح ووزير القدس السابق خالد أبو عرفة باقتحام خيمة الاعتصام داخل مقر الصليب الأحمر في 23/1/2012، واقتيادهم إلى السجن ومحاكمتهم، حيث ما زالا قيد الأسر حتى الآن.
هذه الأحداث والاتجاهات مجتمعة، قادت إلى تصعيد كبير للضغوط والاحتكاكات، وإلى اتجاه متزايد لدى المقدسيين نحو خيار المواجهة أمام كل هذا الاضطهاد، عبّر عن نفسه على شكل هبّات شاملة عمّت أنحاء المدينة وصلت إلى ذروتها في 30/3 بالتزامن مع مسيرة القدس العالمية وذكرى يوم الأرض التي سقط خلالها شهيد في المدينة، وبين 16-20/11 بالتزامن مع معركة حجارة السجيل في غزة، كما تجلى على شكل بؤر دائمة للتوتر تكاد لا تهدأ، كانت العيسوية أكثرها سخونة إذ شهدت 21 مواجهة بالحجارة والمولوتوف مع قوات الاحتلال، تلتها سلوان بـ14 مواجهة، فمخيم شعفاط بـ12 والبلدة القديمة ومحيطها بـ11 مواجهة، وحاجز قلنديا بـ10 مواجهات. وبلغ عدد المواجهات بالحجارة والقنابل الحارقة التي شهدها عام 2012 في مختلف أحياء المدينة 78 مواجهة، بالإضافة إلى 6 عمليات طعن بالسكين و21 عملية أخرى قادت إلى إصابات في صفوف الاحتلال، سواء باستخدام القنابل الحارقة أو الضرب أو الحرق.
ولقد شهد شهرا حزيران وتموز 2012 حربًا من نوعٍ جديد، إذ كانت النيران تندلع في كل مكان في المدينة تقريبًا، وأبدت الشرطة الإسرائيلية بوضوح اعتقادها بأن الحرائق التي تعم القدس مفتعلة وبأن أسبابها «قومية»، واعتقلت عدة شبان بهذه التهمة. لقد شهد يوم 24/6 وحده نشوب 15 حريقًا معظمها في أحياء يهودية في المدينة، فيما قالت شرطة الاحتلال إنها تعاملت مع 124 حريقًا خلال بضعة أسابيع، بعضها جاء في محيط الثكنة العسكرية المركزية في القدس، وفي محيط مستوطنة غيلو. ويبدو أن حرب النيران هذه لم تكن من طرف واحد، إذ أتت النار على محال مقدسية كانت مستهدفة بالإخلاء مقابل باب العمود، فأكلت كل ما فيها من بضائع في 24/6 كذلك.
حي البستان: كرة النار
أخيرًا، لا بد من التوقف مطولاً أمام حالة حي البستان، فهذا الحي هو ثاني الأحياء المستهدفة بالتهجير الجماعي بعد حي الشيخ جراح، وهو أكبرها وأقربها نحو مركز المدينة، وأكثرها أهمية على أجندة المتطرفين اليهود. كانت سلطات الاحتلال قد اتخذت في عام 2009 قرارًا بهدم 88 عقارًا في الحي، وقد اتخذ أهالي الحي إجراءات قانونية أمام محاكم الاحتلال للاحتجاج على القرار، لكنهم شكلوا في الوقت عينه حالة شعبية احتجاجية، وأقاموا خيمة دائمة للاعتصام باتت محجة دائمة، وأقاموا فيها صلوات الجمعة، وكان تحركهم هذا مصدر أزمة حقيقية للاحتلال. بدأت بلدية الاحتلال باستخدام وسائل متعددة لكسر هذا التحرك الشعبي، فحاولت إشعال الفتن والخلافات بين أهل الحي، وطرحت تسوية تهدف في ظاهرها إلى تخفيف خسارتهم لكنها تهدف في حقيقتها إلى تفريقهم وكسر شوكتهم، إذ اقترحت هدم 29 عقارًا فقط، بمقابل أن يتشارك السكان معًا بقية العقارات. علاوة على ذلك، استهدفت قوات الاحتلال ناشطين في هذه اللجنة بعينهم، مثل الشيخ موسى عودة، الذي حكمت عليه بالسجن لثلاثة شهور خلال عام 2012 لرشقه جنود الاحتلال بالحجارة، كما تعمدت التنكيل بابنه الأصغر مسلم (12 عامًا) إذ اعتقلته 12 مرة حتى كتابة هذه السطور.
كل هذه المحاولات، ولعل هناك ما لم يصل منها إلى الإعلام، لشقّ صفّ التحرك الشعبي في البستان، وإدخال قاطنيه في خلاف داخلي، لم تجدِ نفعًا حتى نهاية عام 2012، فلجأت البلدية إلى التهديد والتهويل، إذ صرح مسؤولون فيها بأنهم سينفذون الهدم الجماعي في شهر أيلول 2012 كحدٍّ أقصى إن لم يستجب السكان للتسوية المطروحة. ومع حلول المهلة، عادت البلدية لترفع الأمر في 10/9 إلى «الكنيست»، الذي ناقش القضية بدوره ثم أعلن أن اللجنة الخاصة بمراقب عام الدولة فيه ستجري جولة في الحي في 26/10 لبحث تطبيق قانون «البناء والتنظيم» عليه. وفي ظل هذا التهديد المتكرر، أرسلت بلدية الاحتلال طواقمها أكثر من 15 مرة إلى سلوان وحدها خلال عام 2012 ليوزعوا أوامر هدم، أو يصوروا ويأخذوا قياسات تمهيدًا للهدم، لكنها لم تتمكن من هدم منزل واحد في حي البستان خلال السنة.
ويبدو واضحًا أنّ هدم حي البستان أشبه بكرة نار تتقاذفها البلدية والحكومة و»الكنيست»، دون أن يجرؤ أحد على البت بشأنها خوفًا من أن تحمل معها الانفجار القادم. ولعلّ الضمانة الوحيدة لاستمرار حالة التقاذف وانعدام القرار هذه تكمن في المحافظة على وحدة أهالي الحي وموقفهم، وإدامة احتجاجهم الشعبي وتعزيزه، بل وتعميمه مثالاً يحتذى في مواجهة آلة الاحتلال في المدينة.
القدس في معسكر التهويد
استمرار الصعود السياسي والقضائي لفكرة «المعبد»:.
تشهد فكرة «المعبد» صعودًا مطردًا لأصحابها في المنظومة السياسية الصهيونية، وبعد أن كان مؤيدو بناء «المعبد» مكان المسجد الأقصى مجموعة هامشية في المنظومة السياسية الصهيونية في مطلع تسعينيات القرن الماضي، باتوا اليوم قوة أساسية تسهم في تشكيل الحكومات، وباتت مكانتهم تتعزز أكثر فأكثر في كل موسم انتخابي. ويبدو أن انتخابات عام 2013 ستكون قفزة غير مسبوقة لهم في هذا المجال، إذ جاء أعضاء الليكود الذين يقودون اقتحامات المسجد مثل داني دانون وموشيه فيغلين وزئيف ألكين ضمن المواقع الـ20 الأولى على قائمة الليكود، وقد يتقلدون مناصب وزارية أو قيادية في «الكنيست» المقبل. وقد قال فيغلين بعد نتيجة الانتخابات الداخلية في الليكود في 27/11/2012: «هذه بداية الطريق التي ستقود إلى بناء المعبد».
أما في السلطة القضائية، فيبدو أن فكرة «المعبد» قد باتت من المسلمات، ففي 17/7 أعلن المستشار القانوني للحكومة يهودا فينشتاين بأن «جبل المعبد جزء لا يتجزأ من الدولة، وينطبق عليه القانون الإسرائيلي، لا سيما قانون الآثار وقانون التنظيم والبناء». وأرسل فينشتاين تقريره هذا إلى الحكومة والبلدية والشرطة قاصدًا تعطيل الترميمات التي تجري في الأقصى، ومحاولاً الضغط على الأوقاف لتطلب الموافقات من السلطات الإسرائيلية، وتخضع أعمالها لرقابة سلطات الاحتلال. أما في 4/10، فقد قالت قاضية محكمة الصلح في القدس إنه يتوجب على الشرطة السماح لليهود بالصلاة في الأقصى، وذلك في معرض نظرها قضيةً تتعلق بمنع مستوطن يهودي من أداء طقوس دينية علنية داخل المسجد.
الاستيطان والتطرف في القدس: إصلاح ما أفسدته غزة:
بعد حرب «عمود السحاب» على غزة وفشلها في تحقيق أهدافها، بدا واضحًا لجوء نتنياهو وفريقه الوزاري إلى التطرف والتشدد في موضوع القدس في الموقف المعلن والتطبيق للتعويض عن هذا الفشل، ولاستعادة ما أفقدتهم إياه الحرب من شعبية. ومنذ إعلان قبول فلسطين كدولة غير عضو في مجلس الأمن وحتى نهاية 2012، أعلنت الحكومة الصهيونية عن بناء نحو 5,496 وحدة سكنية في القدس وفي المنطقة الواصلة بين القدس ومعاليه أدوميم. بل إن أحزابًا أخرى، مثل حزب الائتلاف الوطني، أجرت انتخاباتها التمهيدية في مغارة الكتان شمال البلدة القديمة، التي تتخذ في هذه الأيام منطلقًا لحفريات شمال البلدة القديمة.
عام 2012 شهد بالعموم طرح مناقصات لبناء 2,386 وحدة سكنية مقابل معدل 726 وحدة للسنوات الأخيرة، بالإضافة إلى إقرار 6,932 وحدة أخرى أحيلت إلى الإجراءات التنفيذية. وقد ترافق ذلك كله مع تصريحات رسمية، لا سيما من نتنياهو، تؤكد أن الاستيطان في القدس غير قابل للتفاوض أو النقاش وأن الحكومة ماضية في مخططاتها بصرف النظر عن أي انتقاد في هذا الصدد.
مواقف اللاعبين الدوليين
تطور الموقف الأمريكي:.
شهد عام 2012 تطورات مهمة في الموقف الأمريكي من القدس، خصوصًا أنه كان عام انتخابات، وشكل فرصة سانحة للابتزاز الصهيوني وتحصيل المزيد من التنازلات. ويمكن إجمال هذه التطورات بما يلي:.
1. انتقد تقرير حرية الأديان الصادر في 31/7/2012 عن وزارة الخارجية الأمريكية ما أسماه «سياسة حكومية [إسرائيلية] متبعة منذ عام 1967 أيّدتها المحكمة العليا في غير مناسبة وتنفذ بشكل روتيني من قبل الشرطة لأسباب أمنية تحرم غير المسلمين من أي فرصة لأداء شعائرهم الدينية في [المسجد الأقصى]». كما انتقد التقرير «تقييد دخول غير المسلمين إلى المسجد الأقصى وقبة الصخرة» ويقصد التقرير هنا المسجد القبلي، كما أنه انتقد «حظر ارتداء الرموز الدينية غير الإسلامية في الحرم الشريف». وقد أثار هذا التقرير ردات فعل عربية وإسلامية ما استتبع توضيحات أمريكية تفيد بأن الفقرة المتعلقة بالمسجد الأقصى هي مجرد توصيف للوضع القائم دونما انتقاد لهذه السياسة أو اقتراح توصيات بشأنها، إلا أن ورود هذا «الوصف» في تقرير ينتقد الحريات الدينية حول العالم لا يفيد إلا معنى الانتقاد.
لقد كان هذا التقرير متقدمًا على موقف الحكومة الإسرائيلية نفسها في هذا الشأن، ووضعها في موقع «الدفاع» عن نفسها و»تبرير» سياساتها في منع غير المسلمين من الصلاة في المسجد، ولعل أخطر ما في هذا التقرير هو أن كل انتقاداته تنطلق من مسلّمة اعتبار المسجد موقعًا مشتركًا بين الأديان، وعدم التسليم بحصريته الإسلامية.
2. كان لافتًا أيضًا صدور البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي خاليًا من الإشارة إلى القدس كعاصمة لدولة الاحتلال، ثم استدراك أوباما وطلبه من حزبه إعادة إدراجها وذلك في محاولة لامتصاص ردات الفعل التي أثارها إسقاط هذا البند من البرنامج الانتخابي لدى إعلانه. ولم يخلُ برنامج المرشح الجمهوري من هذا البند الذي يكاد يكون أقرب إلى المسلّمات في برامج مرشحي الرئاسة من كلا الحزبين.
3. إدراج مؤسسة القدس الدولية، كبرى المؤسسات الشعبية العربية والإسلامية العاملة في نصرة القدس، على لائحة الإرهاب في 4/10/2012، وما حمله هذا القرار من أبعاد تهدف إلى قطع أي مددٍ عربي وإسلامي لمدينة القدس وأهلها. وقد عكس هذا القرار الانسجام الكبير بين مواقف الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية، حيث سبق أن صنّفت سلطات الاحتلال مؤسسة القدس الدولية ضمن المؤسسات الخارجة على القانون.
الموقف الروسي:
لا يبدو الموقف الروسي منسجمًا مع ذاته، ولا مع الحقائق التاريخية في القدس المحتلة. ففي 26/6، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حائط البراق وارتدى القلنسوة اليهودية مصرّحًا أنه «هنا نشاهد كيف أن التاريخ اليهودي محفور في حجارة القدس». ومن جهة أخرى يشكل الاستنكار والشجب لازمة دائمة لدى المسؤولين الروس ضد سياسات الاحتلال الاستيطانية. وقد صدرت جملة من الإدانات عن الخارجية الروسية لإعلانات الاستيطان المتتالية في كانون الأول 2012. زيارة بوتن لحائط البراق الواقع في الشطر الشرقيّ المحتل من القدس، وتصريحه بأنه يشاهد التاريخ اليهودي هناك يعتبر تراجعًا في الموقف الروسي. ويكتسب هذا التطور في الموقف الروسيّ أهمية خاصة نظرًا لأن روسيا جزء من اللجنة الرباعية الدولية المعنية بإحلال «السلام»، وما يمكن أن يتبع ذلك من تبني لوجهة النظر اليهودية فيما يتعلق بالقدس ومقدساتها.
الموقف الأوروبي:
تحافظ الدول الأوروبية بشكل دائم على نقدها لسياسة الاستيطان الإسرائيلية في القدس، ولم يشكل عام 2012 استثناء عن هذه القاعدة، سوى أنه شهد تصاعدًا لهذه الإدانات في شهره الأخير نتيجة الإعلانات الاستيطانية «الانتقامية» التي أطلقتها الحكومة الصهيونية بعد الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة. ويبقى الشجب والإدانة ظاهر الموقف الأوروبي أما في حقيقة الأمر، فيبدو الاتحاد الأوروبي داعمًا للاستيطان وذلك بالنظر إلى حجم التبادل التجاري بين دوله ومستوطنات الضفة الغربية بما فيها شرق القدس، حيث تشير آخر التقديرات إلى أن واردات الاتحاد الأوروبي من المستوطنات تصل إلى 300 مليون دولار سنويًا، أي 15 ضعفًا مقارنة بقيمة ما تستورده من الفلسطينيين.
وفي الوقت عينه، حافظت أوروبا على سياسة عدم توجيه المساعدات إلى القدس، واقتصر ما قدمته لمشروعات القدس خلال عام 2012 على 8 ملايين يورو من أصل مئات الملايين التي تقدمها للسلطة سنويًا.
أبرز الاتجاهات العامة المتوقعة خلال عام 2013
بناءً على ما تقدم من النقاش، يمكن توقع الاتجاهات العامة الآتية:.
1. من المتوقع أن تتعزز الجهود الإسرائيلية لتقسيم المسجد الأقصى، وأن تحظى بدفعة حقيقية خلال انتخابات مطلع 2013، وأن تصبح أكثر جرأة وعلنية، ومن المتوقع أن يواصل الرباط في المسجد دوره كدرع أساس للحفاظ على المسجد، مع احتمالية حصول تآكل نسبي لهذا الدور.
2. قراءة حركية المواجهة في المدينة تشير إلى أنها قد تكون مرشحة لانفجار كبير، وأن الديناميكيات الدافعة نحو هذا الانفجار تتعزز وتتعمق، وأن احتمالات الانفجار ستتزايد مع مرور الوقت خصوصًا مع تزايد الأصوات المنادية بالقدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال والمتمسكة بالاستيطان، ولعل أحد أبرز الأسباب التي تعيق هذا الانفجار أو تؤخره هو عدم تهيّؤ الحاضن القريب في الضفة الغربية له.
3. بالإضافة إلى تعزيز الوضع الاستراتيجي في غزة كإحدى نتائج معركة حجارة السجيل، فإن وصول صواريخ M75 المحلية الصنع إلى القدس من شأنه أن يرسم أفقًا جديدًا لخيار المقاومة معززًا بالمقاومة الشعبية التي تمثلت مؤخرًا في إقامة القرى الافتراضية في القدس كرد على عمليات التهويد والاستيطان كقرية باب شمس وقرية الكرامة. لكن يبقى هذا الاتجاه محدودًا في ظل تكبيل يد المقاومة في الضفة. 4. لا يوجد ما يشير إلى أن الفصائل الفلسطينية، أو السلطة، أو الدول العربية أو الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ستتمكن من الخروج من حالة عجزها المزمن تجاه المدينة على المدى القريب المنظور، ولعل التوجه المطلوب هنا هو منع تهاوي سقوفها أمام تصاعد السقف التهويدي الإسرائيلي.
التوصيات
1. العمل على تشكيل مظلة دعم وتعزيز عربي وإسلامي للموقف الأردني الراعي للمقدسات في مواجهة التهديد بنزع الحصرية الإسلامية عن المسجد، وتعزيز الموقف الأردني بصفته ممثلاً للعالم العربي والإسلامي في حماية المقدسات.
2. متابعة ملف تلة المغاربة في اليونيسكو ومحاولة دفعه للجمعية العامة للأمم المتحدة، واستخدام كل الوسائل السياسية والدبلوماسية والشعبية المتاحة لمنع سلطات الاحتلال من إكمال هدم التلة.
3. تبني استراتيجية دعم لصمود المقدسيين، تُعرّف الصراع في القدس بوصفه صراع تحرّر في وجه احتلال، وتوجيه المال العربي والإسلامي بشكل واقعي فعال لدعم هذا الصمود، في المجالات الحياتية الحيوية من تعليم وإسكان ودعم اقتصادي واجتماعي. 4. تبني موقف رسمي واضح تجاه تقسيم المسجد، وإعادة تأكيد الحق الإسلامي الخالص في المسجد بكامل مساحته.
5. المطلب الأول أمام علماء الأمة هو التأكيد على إجماع الأمة بأن المسجد الأقصى هو كل ما دار عليه السور، وأن قداسة شجرة فيه هي كقداسة محرابه، وتوجيه الجهود باتجاه دفع الخطر الحقيقي المحدق بالمسجد، وهو خطر التقسيم.
6. لا بد للحركات والأحزاب والقيادات من تخصيص هيئات شعبية في كل بلد تتفرغ للدفاع عن المسجد الأقصى، ومتابعة أوضاعه، وتدعو للتحرك الشعبي الفعال إزاء أي اعتداء يتعرض له. 7. توجيه الجهود نحو الهدف المشترك وهو مواجهة التهويد، وتجنب أي موقف أو عمل من شأنه نقل التناقض إلى الساحة الداخلية بدل أن يكون تناقضًا واضحًا على هويتها مع الاحتلال