عمّان- دعا البروفسور جورج تامر، رئيس قسم الدراسات الشرقية في جامعة إرلنغن نورنبرغ بألمانيا، إلى التدريب على التفكير التحليلي الناقد في المدارس والجامعات العربية؛ وإلى التعليم بطريقة تفاعلية. وقال: إن إعادة القدرة للعقلية العربية على التفكير العملي الناقد تحتاج أيضًا إلى وسائل تحفيزية تثير فضول الطلاب لكي يتعرفوا الحقيقة، إضافة إلى توفير مناخ الحرية للمفكرين من أجل تطوير أفكارهم بمعزل عن الأدلجة والتسييس. فالفكر والعقل لا يتطوّران إلا من خلال الحرية المطلقة، كما ينبغي أن تؤمَّن لهؤلاء الوسائل الضرورية والمصادر اللازمة لعمليات البحث والتفكير، بما في ذلك المكتبات والتمويل.
وأضاف في محاضرة له في اللقاء الشهري السادس بمنتدى الفكر العربي، تحت عنوان "الفكر العربي ومحفّزات الإبداع"، إن أحد أهم دعائم نهضة الإبداع في الفكر العربي هي الترجمة، التي من شأنها ضخّ دماء جديدة وتأمين مناخ صحّي من التفاعل الإيجابي والإخصاب المُتَبادَل. كذلك التفاعل بين المفكرين العرب أنفسهم ليبدعوا ويطوروا أفكارًا جديدة، ذلك أن الفكر هو تراكم خبرات وتراكم معرفي لا ينشأ من فراغ، والأجيال اللاحقة تتغذى بما أنتجته الأجيال السابقة.
واستعرض البروفسور تامر في محاضرته تطور الفكر العربي عبر التاريخ؛ مشيرًا إلى دور الترجمة في الحضارة الإسلامية وأثرها في التواصل مع الحضارات الأخرى. وقال: إن المسلمين أدركوا مدى الحاجة إلى دم جديد يحيون به جسدهم الفكري، ومن خلال التفاعل مع الفكر اليوناني والترجمة التي اضطلع بها التراجمة من المسيحيين السريان في المشرق، استطاعوا أن ينتجوا فكرًا عربيًا منطقيًا فلسفيًا، تأثر باليونان إلى درجة معينة، لكنه تجاوز الفكر اليوناني بمراحل. وأشار إلى أن الفارابي في كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة" تجاوز "الجمهورية" لأفلاطون؛ إذ نظر الفارابي إلى المحيط الذي يحيا فيه وخاطب الفضاء الثقافي الإسلامي. كما أشار إلى آثار ابن سينا وابن رشد الفكرية، التي تجاوزت بتأثيرها العالم العربي والإسلامي إلى أوروبا، بل إن أفكار ابن رشد خصوصًا في أوروبا تجاوزت كثيرًا ما فعلته في المحيط العربي.
وكان أمين عام منتدى الفكر العربي د. الصادق الفقيه، الذي أدار اللقاء، قد قدم في البداية نبذة عن المحاضر الذي عُرِفَ في الأوساط العلمية بتخصصه في الفلسفة والفكر والدراسات الإسلامية، وتنوّع اهتماماته في هذه المجالات، ما جعله حجّة فيها. وأشار إلى أهمية ربط موضوع الفكر العربي بمحفزات الإبداع، واستلهام ما قدمه هذا في الفكر عبر مراحل التاريخ الإنساني من موقع الريادة والقيادة والمباداءة، ومن ذلك الفكر العربي الأندلسي الذي كان محفزًا من حوافز التفكير والنهضة في أوروبا.
دار نقاش موسع بين حضور اللقاء والمحاضر حول عدد من القضايا التي تناولها في محاضرته.