EN | AR
مـؤتـمـر التاريخ العالميّ للعمل الإنسانيّ الحديث
الاثنين, أبريل 15, 2013

"دراسة إقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"
(منتدى الفكر العربيّ ومجموعة السياسة الإنسانيّة/ معهد التنمية الخارجية؛ عمّان؛ 15-16/4/2013)
(خلاصة عامّة)

انعقد المؤتمر حول تاريخ العمل الإنساني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العاصمة الأردنية عمّان، خلال الفترة 15-16 نيسان/إبريل 2013. وقد جاء هذا الحدث نتاجًا لشراكة بين مجموعة السياسات الإنسانية/معهد التنمية الخارجية من جهة ومنتدى الفكر العربي من جهة أخرى، في إطار مشروع بحثي للمجموعة بعنوان "تاريخ عالمي للعمل الإنساني الحديث"، وهَدَفَ إلى تحديد وفهم التغيرات الأساسية في السياسة والممارسة والبنية المؤسسية التي شهدها القطاع الإنساني على مدى القرن العشرين.
كما هَدَفَ المؤتمر إلى تحسين فهم تاريخ العمل الإنساني في أرجاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والأحداث المهمّة التي أوجدت الحاجة الإنسانية، وأنواع الاستجابات، والأطراف المشاركة، وكيفية تغيُّر هذه الأمور مع مرور الوقت، والقوى الراهنة المؤثرة في العمل الإنساني. ويهدف المؤتمر والمشروع إلى ضمان تحليل أكثر شمولاً لتاريخ القطاع الإنساني وأكثر تمثيلاً لوجهات النظر الإقليمية. وعمد هذا الحدث على البناء على أعمال الاكاديميين والخبراء الذين انخرطوا في البحوث والممارسات الإنسانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفيما يأتي ملخص للنقاشات التي جرت على مدى يومين.

الكلمة الرئيسية والمحاضرة الافتتاحية:
افتتح صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه، كلمته الرئيسية بتقديم نبذة مختصرة حول التطورات داخل القطاع الإنساني، ابتداءً من إنشاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي أعقبها إنشاء الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وانتهاءً بإقامة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وإلى جانب هذه التطورات المؤسسية جاء اعتماد الأنظمة والقوانين للتخفيف من آثار الحروب، غير أننا ما نزال نشهد تجاهلاً صارخًا للقانون الإنساني الدولي. 
وعبّر سموه عن أسفه لغياب القدرات المؤسسية الإقليمية لعرض وجهة نظر المنطقة في منظمات مثل الأمم المتحدة أو مؤسسات "بريتونوودز". وهناك حاليًا أكثر من (20) مليون شخص مقتلعين من أراضيهم في منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، وذلك في نزعة من غير المرجح أن تتوقف. ومع ذلك، وبالرغم من قضايا مثل المقتلعين وتأثير ذلك على مجتمعات المنطقة، إلاَّ أن هناك نقصًا في المعرفة والوعي. وأشار سموه إلى الحاجة لتطوير قاعدة معرفية إقليمية من أجل معالجة بعض القضايا التي تؤثر على المنطقة سلبًا؛ مؤكدًا أن ما يبعث على القلق، أكثر من الفجوة في قاعدة المعرفة، يتمثَّل في العجز في الكرامة الإنسانية. وأوضح أنه يُمكن لمؤسسات مثل مؤسسات الوقف والزكاة معالجة التحديات التي يثيرها هذا العجز. وبالرغم من الطبيعة المتطوّرة لمفهوم الزكاة وتطبيقاته على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، فإن سموّ الأمير الحسن أعاد التأكيد بأن هذا المفهوم هو مفهوم عالميّ أيضًا. وعبَّر سموه في الختام عن أمله في أن تساعد التصوّرات والتوجّهات الجديدة في ترجمة استراتيجيات الأمد القصير إلى مكاسب على الأمد البعيد.
وألقى توم ورنر- باول، من جامعة أكسفورد، محاضرة بعنوان "سرد لما قبل تاريخ العمل الإنساني في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، تضمَّنت عرضًا لحياة الأمير عبد القادر، في رحلة عادت بالمشاركين إلى القرن التاسع عشر. ويبدو من المناسب بالنسبة لمؤتمر حول الإنسانية اختيار شخصية تُذكر في الجزائر بطريقة تعاملها مع الضعفاء، وحماية الأبرياء، والحض على الصبر والعفو حتى في خضم الحرب والمعاناة. كما أن اختيار هذه الشخصية جاء مناسبًا نظرًا لأن الوقائع التي تحدَّث عنها المحاضر كانت سابقة لإنشاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر وصياغة مواثيق جنيف. وهذا يعني أن تلك الوقائع جرت قبل ظهور ما يُعرف بـ"النظام الإنساني". فقد كان الأمير عبدالقادر يُصرّ على ضرورة معاملة السجناء بطريقة إنسانية؛ إذ أصدر أوامره إلى جنوده للعمل بموجب ذلك. واستخدم خبرته ومكانته ومهاراته الدبلوماسية والعسكرية عندما دخلت دمشق والمنطقة برمتها في دوامة من العنف الطائفي، وتمكَّن من منع خروج المنطقة عن السيطرة وإنقاذ آلاف الأرواح، ليحظى بالإشادة ليس من جانب السكان المحليين فحسب، بل وأيضًا من جانب شخصيات بارزة آنذاك مثل ملك سردينيا، والرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن، والملكة فكتوريا. وأدى وصف أعماله، من جانب معاصريه وكذلك من المراقبين، بأنها "من أجل الإنسانية"، إلى إثارة شكوك حول بناء "العمل الإنساني" الذي جاء من وجهة نظر أوروبية وتاريخية محضة.
الجلسة الأولى: تطوّر مفاهيم العمل وأشكاله 
قدمت شادن خلاّف محاضرتها بملحوظة حزينة بقولها إن منطقة الشرق الأوسط/ شمال أفريقيا ليست غريبة على النزوح. ويزخر تاريخ الشرق الأوسط المعاصر بالصراع؛ الأمر الذي يُفاقم التقلبات السياسية والتعقيدات الاجتماعية- الاقتصادية مما يُعتبَر سبب النزوح المزمن والمتكرِّر. وفي الوقت نفسه، هنالك تقليد طويل أيضًا لمنح اللجوء في الإسلام، يظهرُ جليًا في التضامن وحُسن الضيافة والتعاطف الذي تلقّاه النازحون على مدى القرون. وفي الوقت الذي يتعيَّن فيه عدم التقليل من شأن هذا التقليد، فإنه من الأهمية بمكان كذلك تعزيز الإطار المعياري الذي يُعتبر حاليًا في وضع غير مناسب في الكثير من دول المنطقة. ولطالما ارتبط مصطلح "لاجئ" على الأغلب باللاجئين الفلسطينيين، إلاَّ أن هذا الأمر تغيَّر حاليًا. 
واختتمت السيدة خلاّف محاضرتها بملاحظة إيجابية أشارت فيها إلى أن التغييرات في ذروة النزوح وتدفق النازحين أجبرت المنظمات الدولية على البحث عن المعرفة المحلية وتطويرها؛ ما يقود إلى درجة أعلى من الشراكة مقارنة مع ما كان عليه الوضع حتى وقت قريب.
وركَّز محسن غفوري- اشتياني من المعهد الدولي لهندسة الزلازل في طهران على وجهة نظر الإسلام حول الزلازل والتنمية المستدامة. وتمثَّل الهدف من المحاضرة في ربط المفاهيم الإسلامية الرئيسية مع مبدأ تقليص المخاطر من أجل تطوير توجّه فاعل للتوعية والتثقيف حول هذه المخاطر، خاصة في أوساط المجتمعات التقليدية والمتدينة. وقد أشار إلى أنه في الوقت الذي نمتلك فيه الكثير من المعرفة غير أننا لا نستخدم هذه المعرفة بشكل كاف. كما أكد أنه بالإمكان جَسر الهوة بين المعرفة والتطبيق من خلال القيادة والتحليل الشامل والمتكامل، ونشر المعرفة والتعاون والإدارة الجيدة، وأشار إلى أن المفاهيم الرئيسية في تعاليم الإسلام تُشجع على الاحترام والأعمال الصالحة والسلامة واحترام البيئة وتقليص المخاطر، وفي حال استُخدِم ذلك بشكل حكيم وصحيح، فإن بالإمكان تجنب الكثير من الضرر. وعلى سبيل المثال، يمكن تجنُّب وقوع ضحايا فيما لو جاءت إقامة المباني بطريقة مسؤولة وسليمة إلى جانب المواءمة بين المباني والبيئة. وأوضح المُحاضر أن الزلازل لا تقتل الناس؛ بل إن ما يؤدي إلى ذلك هو الضعف في الإعداد وإتخاذ القرارات غير المناسبة، ما يُفضي إلى ممارسات بناء سيئة. وقدم في هذا المجال أمثلة من القرآن الكريم حول مفاهيم مثل الزلازل والسلوك المسؤول والإشراف العام، وبالتالي تحقيق "الحيوية" والتنمية المستدامة.
من جانبه ركز إيمانويل شوبلن، من جامعة أكسفورد، على الطريقة التي عَمِلَت من خلالها التقاليد الإسلامية على ظهور المؤسسات الاجتماعية الإسلامية، مثل لجان الزكاة. وقال إن هذه المؤسسات تطوّرت بعيدًا عما يوصف اليوم بـ "النظام الإنساني الحديث"، حتى إن كان هناك ما يعد تواصلاً بينها. وأشار إلى أنه في حين أن المؤسسات الاجتماعية الإسلامية استفادت في الماضي، على سبيل المثال، من تقليد الوقف الإسلامي، غير أنها شهدت تغيرًا في إعادة توزيع الثروة التقليدية على مدى القرن العشرين. فمثلاً، كان يُنظر إلى لجان الزكاة على أنها "أشكال إسلامية للرفاه" مقارنة "بالرفاه أو المساعدات المدنية الحديثة". كما تطرق المُحاضر إلى المعاني المتعدّدة للزكاة وممارساتها ومصارفها، وكيفية تغيُّر هذه العناصر مع مرور الزمن. وقدم شوبلن توضيحًا حول بعض هذه التغيُّرات من خلال تقديم لجان الزكاة الفلسطينية مثالاً على ذلك، والنظر بالتحديد إلى الزكاة على أنها أداة للسياسة العامة، وكيف قاد هذا إلى خلافات، خاصة بعد وصول حركة "حماس" إلى السلطة في غزة. 
تناول النقاش الذي أعقب ذلك مفهوم "اللاجئ" ومدى أهمية كسر "دائرة اللجوء". وناقش المشاركون بشكل مستفيض إمكانية انتقال مفاهيم مثل حُسن الضيافة والمسؤولية تجاه الباحثين عن اللجوء والعمل الإنساني بشكل عام، ومن خلال ثقافات وتقاليد مختلفة. وأُشير إلى أنه في حين تتوافر إمكانية نقل المفاهيم، بيد أن التغيُّر المطلوب في الثقافة والسلوك يستغرق وقتًا أطول بكثير. وليس ذلك فحسب؛ بل إن الأمر يتطلَّب قادة وأطرافًا فاعلة أيضا لتعزيز المفاهيم وقيادة التغيير. كما تم تأكيد أهمية جَسَر الهوّة بين التعليم الأكاديمي والعمل الميداني. 
وتم طرح أسئلة تحتاج إلى مزيد من البحث والنقاش مثل:
•    هل يتم بالفعل تطبيق الدروس المستفادة من سنوات النزوح؟
•    ما هي أوجه الاختلاف والشبه بين التقاليد الإنسانية والإسلامية فيما يتعلق بتوفير الإغاثة؟
•    كيف يمكن تعزيز الشراكات مع الأطراف المحلية؟
الجلسة الثانية: تحدي الحدود – من المحليّ إلى الدوليّ
قدَّم كيث ديفيد واتنباه، من جامعة كاليفورنيا في ديفيس، ورقة حول جهود الإغاثة في المنطقة خلال الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918)، ركَّز فيها على بحث السبب الذي تُصبح من أجله بعض المجموعات الضعيفة عُرضة لحملات الإغاثة الدولية – مثال: سكان القدس وبيروت الذين كانوا يعانون من المجاعة – في حين لا يحصل الآخرون على الاهتمام نفسه، كما هي الحال مع ضحايا المجاعة في بغداد. وللمساعدة في توضيح عملية الاختيار هذه طرح فكرة "الخيال الإنساني" كطريقة للإشارة إلى السبب الذي يُنظر من أجله إلى بعض المجموعات على أنها تُمثل هدفًا مناسبًا لجهود المساعدات، في حين أن آخرين يعانون من عدم الاهتمام بأولويات احتياجاتهم من جانب آخرين. كما لفتت الورقة الانتباه إلى الطريقة التي تعكس فيها عادة عمليات منظمات الإغاثة الإنسانية خليطًا من الثقافة المحلية التي تعمل هذه المنظمات من خلالها جنبًا إلى جنب مع أجندات أو أساليب تفكير أجنبية أو دولية.
وتحدث ايلتشن ماجار، من جامعة يلدز الفنية في تركيا، حول أعمال الإغاثة التي قدمتها تركيا إلى اليونان خلال تجربة المجاعة المدمِّرة التي مرت بها الأخيرة إبّان الحرب العالمية الثانية. فقد أُرسِلَت، خلال فصل الشتاء 1941 -1942، عشر شحنات من الأغذية ورزم مساعدات خاصة وأدوية وملابس عبر تركيا مُقدَّمة من جانب العديد من الحكومات والهلال الأحمر التركي وأفراد أتراك. ووصف المُحاضِر جهود الإغاثة التركية بأنها إنسانية نظرًا لأنها جاءت بدافع القلق إزاء معاناة الشعب اليوناني، وفي إطار تضامن أوسع بين البلدين وحسابات استراتيجية من جانب الحكومة التركية التي كانت أيضًا تواجه نقصًا في الغذاء، من أجل الحدّ من تدفق اللاجئين القادمين من اليونان. وتناولت الورقة دور حشد التأييد والشهادة فيما يخص هذه الأزمة، في الوقت الذي حاول فيه عمّال الإغاثة الذين شهدوا المجاعة، توليد قوة ضغط لإنخراط سياسي أكبر لمعالجة أسباب هذه المجاعة. كما سلَّطت الورقة الضوء على السؤال المتعلق بإمكانية تعزيز أو تجاهل الذاكرة أو الوعي التاريخي لجهود إنسانية معينة من جانب أولئك الاشخاص المنخرطين في تلك الجهود. 
مناقشات
بحثت النقاشات التي جاءت في أعقاب هذه المحاضرات، فكرة الخيال الإنساني، وما إذا كان بالإمكان تطبيقها على النظام الحالي في ضوء تطوّرات مثل إنشاء الصندوق المركزي للاستجابة للطوارئ، الذي يهدف إلى توفير الدعم للأزمات الأقل شهرة. وأثارت هذه المحاضرات تساؤلات حول ما إذا كان بالإمكان القول إن عمل النظام الرسمي قد تطوّر أو تحسَّن منذ النصف الأول من القرن الماضي. وشكل قرار قبول الإغاثة والجهة التي تقدمها وطريقة تقديمها (كبادرة إنسانية أو تضامنية أو استراتيجية) محورًا رئيسيًا للنقاش. 
وبرزت في النقاش أسئلة المتابعة الآتية، إلى جانب أسئلة أخرى:
•    هل الفصل بين  المحلي والدولي واضح دومًا من الناحية التاريخية، أم أنها طريقة مفيدة للتفكير في المؤسسات؟
•    ما الذي ينطوي عليه تاريخ العمل الإنساني، وكيف يتماشى تاريخ العمليات مع تاريخ الأفكار؟
•    هل تغيَّرت هُويّة الذين يقومون بأعمال انسانية، وإذا كان الجواب بنعم، كيف؟
الجلسة الثالثة: الصراع والعمل الإنسانيّ في عهد ما بعد الاستعمار
عمد آشر أوركابي، من جامعة هارفرد، إلى تحليل الحرب الأهلية اليمنية (1962– 1968)، وركَّز على الطابع الدولي لهذه الحرب من خلال التدخل العسكري لكلٍّ من مصر والسعودية، إلى جانب تدخّلات أخرى من قبل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وإسرائيل. وعانت بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في اليمن التي جاء تشكيلها لمراقبة انسحاب القوات المصرية والدعم السعودي المناهض للثورة، من قضايا هيكلية وتشغيلية، غير أنها كانت قادرة على الادّعاء بتحقيق مستوى مُحدَّد من النجاح نظرًا لتفويضها المحدود. ولفت أوركابي النظر إلى العديد من العيوب في تلك المهمة، مثل فشل البعثة في الانخراط في حوار مباشر مع اليمنيين أنفسهم، والنقص في التمويل (اعتمدت البعثة على موارد من مصر والسعودية)، والتدريب السيء، وانخفاض الروح المعنوية لدى أفراد البعثة وقيادتها، والضعف العملي والتشغيلي. وقدمت الورقة وصفًا حول العودة إلى الحرب في أعقاب إنتهاء عمل البعثة في أيلول/ سبتمبر 1964، وأشارت إلى الطرق المختلفة التي فسَّرت من خلالها أطراف الصراع والجهات المساهمة في بعثة الأمم المتحدة هذه الأحداث.
وتطرقت ديما دي كليرك، من جامعة باريس 1 بانثيون-سوربون، إلى عمليات النزوح الناجمة عن الحرب اللبنانية (1975 – 1990) التي شهدت فرار أو تهجير (800) ألف شخص بالقوّة من منازلهم، والاستجابة التي تَلَت الصراع من جانب الحكومة اللبنانية من خلال وزارة المهجَّرين. وتمثلت مهمّة الوزارة في ضمان حصول النازحين على تعويض أو إعادة توطينهم. وتناولت قضية جبل لبنان الجنوبي الذي شهد قتالاً شرسًا بين المجموعات الطائفية المتجاورة من الدروز والمسيحيين، ومذابح بحق المدنيين، ونزوح السكان المسيحيين بأكملهم من المنطقة. وبدأت عملية "مصالحة"، خاصة في تلك المنطقة، من أجل تعزيز عملية إعادة توطين المسيحيين، وفي الوقت نفسه تجنُّب عمليات الثأر. وجاء هذا على حساب العدالة، سواء على مستوى التصرفات الفردية، أوالحقيقة فيما يتعلق بالأعمال خلال الحرب، ومصير المفقودين. وبالرغم من تناولها لدور المنظمات غير الحكومية وأطراف أخرى في أعقاب الصراع، غير أن الورقة ركَّزت على القوى التي صاغت الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع الاحتياجات الإنسانية وتطوير أولوياتها الخاصة للمصالحة. 
وتطرق النقاش الموسَّع الذي أعقب ذلك إلى تفصيل أكبر للقضايا التي أثارها التدخل الدولي في الصراع، إضافة إلى المشاركة في أنشطة حفظ السلام، والدوافع المختلفة لأشكال التدخّل. وتناول النقاش كيف أدت الأشكال المتباينة من العنف، وجرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية، إلى ظهور ردود أفعال مختلفة، إلى جانب  المعوقات التي تظهر عند التعامل مع قضايا مثل استخدام الأسلحة المحظورة (غاز الخردل) في اليمن، أو الجرائم الفردية على نطاق واسع في لبنان. كما تطرق النقاش إلى العلاقة بين الحقيقة و/أو عمليات المصالحة بالردود الإنسانية تجاه المعاناة التي يتسبب بها الصراع. 
واشتملت الأسئلة المطروحة على الآتي:
•    ما هي الدروس المُستفادة من الجهود السابقة لما بعد الصراع، التي يمكن أخذها بعين الاعتبار في عمليات الاستجابة للصراع في الوقت الراهن؟
•    كيف عملت المنظمات الدولية المتعددة الأطراف أو المنظمات غير الحكومية مع/أو بالتكامل مع عمليات الاستجابة الحكومية؟
•    ما هو تأثير الاطار الجيو- سياسي على المواقف المتغيِّرة للأمم المتحدة؟ 

جلسة عامّة
شارك في الجلسة العامة أربعة متحدثين: سمير الهواري من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في القاهرة، وكيث واتنباه، وشادن خلاّف، وآشر أوكابيفي، في حين ترأس الجلسة توم ورنر– باول. وتمثَّل الهدف من هذه الجلسة الأخيرة في استخلاص بعض الأفكار الرئيسية التي تبلورت خلال المؤتمر. وتمت الإشارة إلى أن النظام الغربي الإنساني بحاجة إلى الانخراط بشكل أكبر وبناء الثقة مع أطراف أخرى تُسمّى عادة "جديدة" أو "ناشئة"، لكن التاريخ يبيِّن أنها تمتلك تاريخًا طويلاً من توفير الإغاثة. ويمكن لمعرفة المرء بتاريخه، إلى جانب معرفته بتاريخ "الآخر"، أن تُفضي إلى المساعدة في تقليص المفاهيم الخاطئة وإقامة علاقات أكثر تكافؤًا. كما يُمكن للبحث الأكاديمي الإسهام بشكل كبير في تحقيق فهم أفضل لأصول بعض المفاهيم الخاطئة هذه، غير أن تطبيق تلك المعرفة في العمل الميداني مهم أيضًا. وقد بُحِثَت هذه الموضوعات والأفكار بتفصيل أكبر خلال المناقشات بين المتحدثين والمشاركين. وتم الاعتراف بأن ساحة العمل الإنساني متنوعة، إضافة إلى أن فهم وتطبيق المفاهيم قد يختلف، لكن ما يوحِّد الأطراف المختلفة المشاركة يتمثل في الهدف الشامل للإنسانية.
نظرة مستقبلية – الخطوات المقبلة
سيتم إعداد نشرة حول أعمال هذا المؤتمر ونتائجه من خلال التعاون بين طاقم البحث في مجموعة السياسات الإنسانية والمتحدثين. وسيسعى مشروع مجموعة السياسات الإنسانية الذي جاء هذا المؤتمر للمساهمة فيه – تاريخ عالمي للعمل الإنساني الحديث -لإجراء مزيد من البحث حول بعض الأسئلة التي تم طرحها على مدى اليومين. كما ستوفِّر الدراسات الإقليمية المستقبلية مادة للمقارنة مع دراسة الشرق الأوسط/شمال إفريقيا، ودراسة شرق/جنوب شرق آسيا التي جرت بالفعل.     
 

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©