EN | AR
الواقع العربي الجديد.. أين نحن الآن وإلى أين نسير؟
الأحد, يناير 26, 2014

 

 

أدار الندوة: عادل بدوي

■ نحتاج إلى عدالة انتقالية ومساءلة دون كيدية أو ثأر عن كل الذي جرى في السابق ويجري في الحاضر
■ الفقر والحرمان من المشاركة السياسية حركا الربيع العربي من القواعد الشعبية
■ المجتمع المصري قاوم الإخوان بسرعة مذهلة.. والمقاومة كانت من جسد الشارع
■ فرص التنمية متاحة عربيا .. وأهل الاقتصاد دائما ينظرون إلى المشكلات كفرص
■ رأس المال لن يبتعد أبدا.. سيبقى دوما صانعا ومؤثرا  في الإعلام
■ الثقافة والإبداع يقومان على أساس الحرية الاجتماعية وهذا ما لم يتوافر عند الإخوان
■ الأحزاب التي ظهرت في مصر بعد 25 يناير بلغت 83 حزبا وهذا دليل انقسام
■ نتحدث عن الديمقراطية بملء أفواهنا ولا أحد يؤمن بما تفرضه علينا من التسامح وقبول الآخر
■ الناس في مصر أكثر نضجا من النخب السياسية والشارع أسبق وهو الذي يقرر في النهاية
■ الربيع العربي امتداد للموجة التي جاءت لأوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية

الكويت عاصمة المؤتمرات، فخلال فترة وجيزة استضافت الكويت القمة الآسيوية، ومن بعدها القمة العربية-الأفريقية، ثم مؤتمر المانحين لدعم سوريا، وغيرها من المؤتمرات والندوات الفكرية، «الكويتية» استضافت خمسة من المفكرين والأكاديميين والإعلاميين العرب لبحث الواقع العربي الجديد من عدة وجوه ومحاور، واستشراف المستقبل القريب في ظل التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط بالعديد من البلدان العربية، سواء التي شهدت ثورات فيما يعرف بالربيع العربي، أو تلك التي تسرع الخطى نحو الإصلاح.
في الجزء الأول من ندوة «الكويتية» تحت عنوان «الواقع العربي الجديد.. أين نحن الآن وإلى أين نسير» يتصدى المفكر العراقي د.عبدالحسين شعبان لملف حقوق الإنسان في العالم العربي، ويحدد مقومات العدالة الانتقالية التي تضمن محاسبة دون ثأر عن كل الذي حدث في السابق أو الذي يحدث الآن.
ويرصد د. أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية آداب القاهرة سابقا ظاهرة الربيع العربي اجتماعيا، وآثار الصراعات المذهبية والفكرية على المجتمع والأسرة العربية، وهل نحن أمام إعادة تشكيل للأسرة والمجتمع؟
وفيما يعرض الأمين العام لمنتدى الفكر العربي د. الصادق الفقيه لأبرز تحديات التنمية في الوطن العربي، مشددا على أن التنمية منتج استقرار، وإذا كان من الصعب جدا الحديث عن التنمية في وضع غير مستقر، غير أنه يؤكد أن المساعي مستمرة، وأن منتدى الفكر العربي وضع رؤية للعالم العربي عام 2025 بالتعاون مع الأسكوا، وعن الثقافة والفنون والأدب في ظل تجربة حكم جماعة الإخوان المسلمين، يتحدث الأستاذ شريف الشوباشي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي سابقا، ووكيل وزارة الثقافة، ويؤكد أن الثقافة بروافدها من الفن والإبداع لا يجتمعان مع جماعات الإسلام السياسي، التي أظهرت موقفا سلبيا واضحا منذ البداية، الأمر الذي لم يطقه الشعب المصري، وثار عليهم وعزلهم بسرعة مذهلة.
وعن الإعلام العربي وهمومه يتحدث الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، الذي يشغل حاليا مدير عام ورئيس تحرير قناة العرب الإخبارية، الذي ينفي أن الإعلام صانع ومحرك للأحداث العربية، ولكنه ساهم في تثقيف الشعوب، وبفضل التقنية الحديثة كان للإعلام الفضل في استمرار الزخم..
 الكثير من التفاصيل حول الواقع العربي الجديد في سياق النص التالي:
 
•«الكويتية»: العالم العربي يعيش الآن ما يشبه الصراع بين «الإسلام السياسي» و«الليبرالية الديمقراطية».. أين حقوق الإنسان في كل ما يحدث حولنا في الدول العربية، لأول مرة نرى الإنسان العربي تقطع أشلاؤه ويتعرض لعمليات وحشية على شاشات التلفزة.
 
المفكر العراقي د.عبدالحسين شعبان يسلط الضوء على ملف حقوق الإنسان في العالم العربي؟
 
- د.عبدالحسين شعبان: أود أن أعيد صياغة السؤال على نحو مختلف، لا أظن أن هناك صراعا بين الإسلام السياسي وما يسمى الليبرالية الديمقراطية، ربما هناك جزء من المشهد العام، وجزء من الصراع الذي يدور في المنطقة بين الإسلام السياسي وبين قوى متعددة ومتنوعة ومختلفة، فضلا عن ذلك هناك تحديات خارجية وداخلية لعل أبرزها التحديات الداخلية التي تتعلق بظاهرة الإرهاب واستشراء العنف في المنطقة على نحو سافر، واستمرار تفاوت الدخول وعدم التوزيع العادل للثروة بين المحرومين والمتخمين، واستمرار ظاهرة التخلف والأمية التي تبلغ أكثر من 70 مليون إنسان عربي، هذه تحديات ربما تواجه الفكرة الكونية لحقوق الإنسان في العالم العربي بما لها من خصوصيات، هناك أيضا خصوصية أخرى للعالم العربي أنه يعاني من الاستتباع، ويعاني من سياسات فرض الهيمنة والتأثير على القرار السياسي، فضلا عن ذلك تعاني الدول العربية من عدوان وصراع مستمر منذ ستة عقود ونيف من الزمان، دون أن يكون هناك حلول سياسية عادلة ومشروعة، ولاسيما للشعب العربي الفلسطيني، هذا كله ينعكس على حالة حقوق الإنسان في العالم العربي، علما بأن الحكومات العربية تركزت على الصراع الخارجي لكي تقايض قضية الإصلاح والديمقراطية، بزعم أن العدو الخارجي يدق على الأبواب.
 
ضاعت الأرض
 
 بعد ستة عقود ونيف من الزمان ضاعت الأرض، وقضية فلسطين زادت تعقيدا، وجرى تقزيم الأراضي بالتدريج وضم القدس والجولان، وهناك محاولات لضم الأغوار، ولكن يجرى تعديل في ملف الديمقراطية وملف حقوق الإنسان وملف التنمية المستدامة، الأمر الذي يزيد من حالة الازدراء لفكرة حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي كان دافعا حقيقيا لحركة الناس واحتجاجها فيما سمي بالربيع العربي تحت شعارات ثلاث رئيسية، الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهي حركة نابعة من طول معاناة الشعوب العربية إزاء هدر الحريات، وهدر حقوق الإنسان وتعليق قضية التنمية، بزعم أن هناك صراعا خارجيا وأريد أن أقول إن هذا الملف سيبقى ملفا شائكا ومعقدا ربما لسنوات غير قليلة بحكم الإرث طويل الأمد، وبحكم غياب سيادة القانون، وبحكم عدم وجود استقلالية للقضاء وعدم فصل للسلطات وغياب التداولية السياسية التي كانت واحدة من المطالب الأساسية لحركة الاحتجاج أو التغيير التي شهدتها البلدان العربية، بالإضافة إلى شح الحريات وغياب أو ضعف دور الرأي العام ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات الحرة، دفع لاستمرار حالة هدر حقوق الإنسان في العالم العربي.
 
•«الكويتية»: عفوا د.عبدالحسين عنوان ندوتنا هو «الواقع العربي» نريد أن نسقط ما تفضلت به على الواقع الحالي، في ليبيا واليمن وسوريا، الإنسان العربي الذي تعرض للهتك الجسدي في مشهد تندى له جبين الإنسانية، أين دور الحقوقيين؟ هل هناك توثيق لملف ضحايا الربيع العربي؟ وهل هناك توجه لدى الحقوقيين العرب بمتابعة هذا الملف قضائيا، ذلك أن جرائم مثل هذه لا تسقط بالتقادم؟
 
- د.شعبان: البلدان العربية تعيش مرحلة انتقالية قد تطول ربما لعقد أو عقدين من الزمان، توثيق الانتهاكات السابقة والحالية أمر يطول أيضا، وهذا الملف يكبر باستمرار، ما نحتاج إليه وربما ما تحتاج إليه البلدان العربية، تلك التي وصفتها التي عاشت حالة احتجاج وتعيش الآن مرحلة انتقالية، سواء في مصر أو ليبيا أو تونس أو في اليمن، ومستقبلا ربما في سوريا، ما نحتاج إليه هو ما نطلق عليه «العدالة الانتقالية»، وعندما نقول العدالة الانتقالية فإننا نقصد بذلك كشف الحقيقة كاملة عن كل الذي جرى في السابق والذي يجري في الوقت الحاضر.
 
ونحتاج أيضا إلى المساءلة، وهي ركن أساسي من أركان العدالة الانتقالية، دون كيدية أو دون انتقام وثأر، ونحتاج أيضا إلى جبر الضرر وتعويض الضحايا، كل ذلك على أمل إصلاح الأنظمة القانونية والقضائية والأمنية في هذه البلدان، وصولا لما يمكن أن نطلق عليه المصالحة الوطنية، بمعنى الانتقال من شكل نظام حكم إلى شكل نظام حكم آخر، في إطار الأسس التي ذكرتها وهي التداولية والتداول السلمي للسلطة، وحكم القانون واستقلال القضاء، وإشاعة الحريات وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية بإجراء انتخابات حرة ونزيهة في إطار من الشفافية والمساءلة.
 
الأسرة العربية
 
•«الكويتية»: المشهد العربي الحالي يموج بإشكاليات اجتماعية عدة، ليس فقط على مستوى الفرق والجماعات التي تتصارع فكريا ومذهبيا، ولكن هذا الصراع امتد إلى ذات البين في الأسرة العربية، بين الشقيقين في الأسرة الواحدة، ما هي رؤية د.أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع، وعميد كلية آداب القاهرة سابقا للمشهد الاجتماعي العربي، وهل نحن أمام إعادة تشكيل للأسرة العربية؟
 
-  د.أحمد زايد: لكي نفهم المشهد الحالي لابد أن نكون على خلفية لفهم التبعات والعوامل والأسباب التي أدت إلى ظهوره، ونفهم أن المجتمعات العربية التي شهدت الربيع العربي كان فيها ظروف متشابهة تقريبا، فتونس واليمن وليبيا كان فيها تقريبا ظروف متشابهة، وهي وجود نخبة متسلطة على قمة السلطة في سدة الحكم، تحيط بها نخب متعددة أخرى تدور كلها في فلك واحد، وتحاول تقديم رؤية للتنمية من وجهة نظرها، ولكن هذه الرؤية للتنمية لم تكن ناجحة، ووصفت هذه الرؤية بأنها فاشلة في التقارير الدولية، وحتى عوائد التنمية التي تحققت في دولة مثل مصر لم يحصل عليها الفقراء الذين كانت أعدادهم تتزايد باستمرار، وفي نفس الوقت الذي كانت تتزايد لديهم معدلات الحرمان، حتى الحرمان من المشاركة السياسية، كان هؤلاء الناس ينفتحون على عالم العولمة والتعليم والإنترنت، كل هذا أدى إلى شكل من أشكال الاحتجاج القادم من أسفل، وهذا الاحتجاج شامل وكان موجودا في داخل الأسر، ويتعاطى مع المتغيرات الفاعلة في المجتمع، هذه المتغيرات كانت فاعلة، وأنا هنا أتحدث عن صلب سؤالك، كانت هناك تيارات دينية تنتشر وتستخدم الدين بطرق وأساليب مختلفة لإقناع الناس، كمحاولة استخدام الدين بالمعنى السياسي، والبعيد عن صلب الدين بالمعنى البراجماتي العملي، وجماعات أخرى ليبرالية متعددة المشارب ومتعددة الأهداف ومنقسمة على نفسها وحتى في الاتجاهات الدينية، كان هناك انقسام في مصر على سبيل المثال، هناك السلفيون والإخوان المسلمون وحتى الإخوان ليسوا كتلة واحدة، بل هناك بينهم بعض الانقسامات الطفيفة وأصحاب السنة والجمعية الشرعية، أيضا على المستوى المدني الليبرالي هناك انقسامات مختلفة وكبيرة بين الاشتراكيين والليبراليين، وهناك انقسام داخل الليبراليين أنفسهم، بعد الثورة وصل عدد الأحزاب التي كونها الناس إلى حوالي 83 حزبا، وهذا دليل على أن هناك انقساما في المجال العام.
 
صراع إيجابي
 
• «الكويتية»: هل انعكس هذا الانقسام في الشأن السياسي العام على الأسرة والعلاقات الاجتماعية بين الناس؟
 
 - د.أحمد زايد: عندما نترك هذا المجال العام ونذهب للأسرة بلا شك سينعكس الانقسام الموجود في المجال العام بشكل آخر على المجال الخاص، ولذلك حصل انقسام في داخل الأسرة، فأحدهما يصوت للتيار الديني، والآخر يصوت لغير الديني، وأحدهما يقول نعم والآخر يقول لا، وعلى أي حال أنا لا أرى هذا الانقسام غير وظيفي، بالعكس له وظائف إيجابية أكثر منها سلبية، لأنه يعلمّ الناس التعددية التي نحتاج إليها في مجتمعاتنا العربية، إلى فهم عميق لمعنى هذه الكلمة، لأن التعددية عندنا آراء مختلفة، وكل رأي يعتبر الآخر عدوا، وبدلا من أن يتراشقوا بالأفكار يتراشقون بالأحجار، والأفكار ليست أحجارا، الأفكار تذهب وتأتي وتتفاعل فيما يطلق عليه علماء الاجتماع القائم على التدبر العقلي والتفكير العملي، أن أفكر في مصالح المجتمع تفكيرا عقليا وأتدبر الأمور لكي أصل إلى اتفاق حول ما يسمى بالصالح العام، هذا الكلام غير موجود في المجال العام، وينعكس داخل الأسرة فتفلسفه الأسرة بشكل أفضل، إنهم يختلفون لكنهم لا يتراشقون ولا يدخلون في صراع، ولذلك في مصر عندنا قناعة أن الناس في حياتهم اليومية أكثر نضجا من النخب السياسية، وأن النخب السياسية لا تتعاطى مع فكرة التعددية، ولا تؤدي الاستحقاقات الموجودة منها بشكل سريع، ولذلك نجد أن الشارع أسبق من النخب وهو الذي يقرر في النهاية، ونحن رأينا بالأمس القريب في الاستفتاء على الدستور، كيف أن الشارع هو الذي حسم كل الأمور، حسم النقاشات حتى الدائرة على مستوى العالم، بأن ما حدث في مصر انقلاب، ولا يوجد تأييد كبير أو أن الطرف الآخر فاعل وقوي، لأنه يثير الضوضاء والشغب، فأثبت الشارع للناس أنكم إذا كنتم اختلفتم على عدد من ذهب إلى التحرير، البعض يقول 30 مليونا والبعض 20 مليونا، فخرج في الاستفتاء 20 مليونا وقالوا نعم، إذن الشارع عنده إحساس عميق جدا وقوي تجاه الأمور السياسية، ونأمل أن يتبلور ذلك في المستقبل بشكل أفضل، وأن يذوب الاختلاف الموجود بين النخب، وينعكس على الشارع، نتمنى أن يأتي بالآخر إلى ما يسمى بالاتفاق العام، وأن تكون هناك منظومة قيم نجتمع حولها جميعا ومجموعة من الأفكار، وهناك إرادة سياسية تجمع المجتمع.
 
وأعتقد أننا بحاجة ماسة في بلدان الربيع العربي إلى أن نفهم أن جزءا من الثورات كان ثورات تفكيكية، بمعنى أنها ظهرت في زمن غير زمن الثورة، لأننا لا نعيش زمن الثورات، نحن في زمن العولمة، والعولمة تفكك العالم وتجعل الكل يختلف، وظهور الثورة في هذا الوقت جعل الثورة لا تتحرك وفق أمور الثورة، ولكن وفق أمور العولمة، فتزيد الأمور تفكيكا وتشظيا، ولذلك نحن في أمس الحاجة للاستقرار ولم الشمل والتجمع، وعلينا أن نفهم الديمقراطية بمعنى مختلف، فهي ليست خلافا وتعددية، ولكنها إنفاذ العدل وتحقيق المساواة بين المواطنين، فنحن نحقق الديمقراطية مع الإجراءات الشكلية لها، وحتى في الكتب الأكاديمية، المعاني العميقة للديمقراطية هي العدل والمساواة والمواطنة وحقوق المواطنين.
 
الردة على الثقافة والفنون
 
• «الكويتية»: تزامن مع حكم تنظيم الإخوان لمصر العام الماضي ما يشبه الردة على الثقافة والفن والموسيقى والسينما، السؤال للأستاذ شريف الشوباشي مدير مهرجان القاهرة السينمائي السابق، ووكيل وزارة الثقافة المصرية، كيف تقيم الحالة الثقافية الآن في مصر، وواقع الثقافة العربية في ظل المطروح الآن من وجود جماعات الإسلام السياسي، التي تنظر نظرة سلبية للثقافة وروافدها بشكل عام؟
 
ـ شريف الشوباشي: الإجابة على هذا السؤال في مضمون السؤال نفسه، فهذه الجماعات لا تتقبل من حيث المبدأ فكرة الفن والإبداع والثقافة والسينما، وأذكر أنني عندما كنت رئيس مهرجان السينما منذ حوالي خمس سنوات واجهت استجوابا في مجلس الشعب، وكانت أسئلة المستجوبين دون المستوى، وهذه قضية أخرى، والوحيد الذي كان يملك رؤية حقيقية كان نائب الإخوان المسلمين ولا أتذكر اسمه الآن، إنما هو أحد هؤلاء الزعامات، كانت لديه رؤية متماسكة أن الأفلام بها عري وكلمات إباحية، وقال أنتم تعلمون الشباب الفساد بمشاهد احتساء الخمر في الأفلام وغيره وأنت المسؤول، كان يوجه الكلام لي بطبيعة الحال، فقلت له إنني لست المسؤول، وبالتأكيد الثقافة والفن لكي يزدهرا لابد أن يكون هناك مناخ من الحرية الاجتماعية أكثر منه حرية سياسية، فعلى سبيل المثال أكبر ازدهار للفن وللمسرح وللفكر في فرنسا كان في أسوأ عصور القمع السياسي في عهد الملك لويس الرابع عشر، الذي أطلق عليه ملك الشمس والطاغية، لكن ظهر في عصره لافونتين وراسين وكولييه وموليير التي تسمى اللغة الفرنسية باسمه كما تسمى الإنجليزية بلغة شكسبير والعربية بلغة سيبويه، إنما الحرية الاجتماعية شيء آخر وكانت هذه مشكلة مصر في السنوات السابقة، حيث ظهر لنا من يخوفنا ومن يروعنا ومن يشير بأصابع الاتهام إلى الفن بمجمله، فإذا خرجت مجلة بها ذراع سيدة مكشوفة يثيرون قضية منها، وبالتأكيد وجود هذه التيارات في الحكم كان سيشكل مشكلة كبيرة، رغم أنهم في البداية تجنبوا المواجهة مع المجتمع، لكن من الواضح أن المجتمع قاومهم وبصراحة كنت متوقعا أن يحدث مقاومة، ولكن ليست بهذه السرعة، فالمقاومة كانت من جسد الشارع المصري، اعتراضا على نوعية الحياة التي أرادوا أن يفرضوها علينا، ممنوع أن ترتدي المرأة «المايوه» وممنوع أن تغني، فهذا هاجس يسيطر عليهم دائما، وجزء كبير من رفض حكم محمد مرسي وأعوانه كان بسبب الردة على الثقافة والفن والإبداع.
 
• «الكويتية»: هل الثقافة والفنون وتيار الإسلام السياسي لا يجتمعان؟
 
ـ شريف الشوباشي: حتى لو وجدت الفنون لديهم فماذا ستكون غير الأناشيد الدينية ومدح الرسول ومدح الصحابة والأئمة؟ لكن هل هذه هي الثقافة؟لا .. الثقافة والإبداع يقومان على أساس الحرية الاجتماعية، وكما قلت «هؤلاء» ضدان لا يجتمعان.
 
التنمية والحكم الرشيد
 
• الكويتية: الدكتور الصادق الفقيه أمين عام منتدى الفكر العربي، كنت مشاركاً على مدار أيام مضت في النقاش حول أزمة التطور الحضاري العربي، في الندوة الفكرية لمهرجان القرين الثقافي الـ 20، ما فهمناه أن هناك شبه إجماع على أننا متخلفون حضاريا، ولم نبدأ بعد في قطار الحضارة والتنمية، برأيك ما معوقات التطور الحضاري والتنمية المستدامة في العالم العربي، تبدأ بالبشر قبل الحجر؟
 
ـ د.الصادق الفقيه: التنمية بكل أشكالها هي منتج استقرار، وما دار الحديث حوله الآن لا يشي بأن هناك استقرارا ينتج ثقافة، ولا حتى استقرار ينتج حكما سياسيا رشيدا، وبالتالي لا يمكن أن تتحدث عن تنمية في وضع غير مستقر ومختلف عليه، فنحن لسنا متخلفين بقدر ما أننا  مختلفون، فالإنسان عندما يمتلك كل أدوات النماء وكل آليات التنمية ولا تتحقق له هذه التنمية، فالقضية ليست قضية تخلف تعوزالإنسان فيه الإمكانية، وإنما هي قضية اختلاف أو تأخر عن اللحاق بالركب الحضاري الإنساني، وخاصة أن الفرصة مهيأة لأن يستفيد الإنسان من التراكم العولمي للتحضر والتنمية، فالإشكالية في العالم العربي إشكالية مركبة من الصعب جدا أن تفصل تطورا عن بقية التطورات الأخرى، جميع الأزمات العربية خلقت كل الفرص المتاحة، الآن هناك فرص كثيرة للتنمية، لكن هناك أيضا معوقات وتحديات أساسية، إذا لم يتم تجاوزها فمن الصعب جدا أن تتحقق التنمية والاستقرار، أنت أشرت إلى كلمة «مستدامة»، وهذه ليست فقط تنمية اقتصادية أو عمرانية صاعدة، ولكن المقصود أن يتكامل كل ما يمكن أن نعتبره تنمية، بما في ذلك البشر والثقافة والحريات والعدالة وحقوق الإنسان، كل هذه الأشياء هي مقتضيات ومتطلبات التنمية المستدامة، التي لا تستطيع أن تتحدث عنها في ظل نظام متخلف سياسيا واقتصاديا وإعلاميا، أو نظام تجتمع به كل أشكال التخلف المعروفة وغير المعروفة، فالأوضاع السياسية الآن مضطربة جداً والعقل الذي يسعى للتنمية تتناوشه الكثير من المشكلات والعقبات، رغم أن الفرص متاحة وأهل الاقتصاد دائما ينظرون إلى المستغل للمشكلات كفرص، ونحن من خلال هذه المشكلات أيضا ننظر إلى فرص كثيرة يمكن أن تتحقق من خلالها التنمية إذا تركنا الاختلاف الذي يعد أهم مشكلة أساسية تواجهنا، فاختلافنا الواسع يجعلنا لا نستطيع حتى أن نتفق على تعريف شيء، نتحدث عن الديمقراطية بملء أفواهنا ولا أحد منا يؤمن بما تفرضه علينا الديمقراطية من متطلبات احترام الآخر والتسامح مع الآخر واحتمال وإعانة الآخر عندما ينتكس، فهذه الأشياء موجودة ولكن يصعب علينا تكييف حالة حضارية من خلالها، يمكن أن تتقدم بالتنمية للأمام، وأن نثق في أن الذي تحقق من تنمية يمكن استدامته إلى ما بعد ذلك.
 
• «الكويتية»: هل هناك مشاريع فكرية في العالم العربي تتبنى ذلك وتمهد إلى تأسيس تنمية مستدامة شاملة؟
 
ـ د.الصادق الفقيه: هناك عدد كبير من المشاريع الفكرية العربية، لأن اللحظة التي نعيشها لحظة قلق، وأول من يقلق هم المفكرون، وهنالك الآن العديد حسب علمي وصلتي المباشرة ببعض المؤسسات، هناك أكثر من مؤسسة عربية جماعية ومؤسسات قُطرية تعنى بهذه القضايا وتجتهد في ظل هذه الأزمات الكبيرة أن تبني أملا، لا أحد يستطيع أن يتأكد تماما من أن المشروع الذي يكتب اليوم يمكن أن يتحقق منه الناتج غدا، ولكن هنالك آمالا واجتهادات. منذ أيام قليلة اجتمعنا مع عدد من الدول العربية لوضع رؤية للعالم العربي عام 2025 بقيادة «ألاسكوا»، هناك فعلا مشروع مقدم التقى حوله عدد من الاستشاريين، ونوقش نقاشا مستفيضا والآن المشروع شبه جاهز كوثيقة ستقدم إلى جامعة الدول العربية، التي تجتهد أيضا من خلال مؤسساتها المختلفة في تقديم رؤى ناظمة لتنمية عربية مشتركة، في ظل هذه الأزمات نحن في منتدى الفكر العربي أيضا انتدبنا مجموعة من المفكرين، وقدموا لنا مشروعا نهضويا عربيا وأصدرنا ميثاقا اجتماعيا عربيا، وننشط الآن لتصدير ميثاق اقتصادي عربي، فقط للتوعية ولا نملك القرار الذي ينزل ما يفكر فيه المفكرون على الأرض، ولكن مجرد التوعية ودفع الفكر أو الرأي العربي للمطالبة بهذه الحقوق. د.عبدالحسين شعبان ساهم معنا مساهمة مقدرة في صياغة الميثاق الاجتماعي العربي، وقد أرسلناه لرؤساء الدول والحكومات وأجابوا إجابة مشجعة جدا، ولكن اعتقدنا أن هذا لا يكفي، الذي يكفي هو أن نذهب بهذا الميثاق إلى الجامعات وإلى الطلاب وإلى مؤسسات الشباب، ونفعل ذلك كل أسبوع تقريبا، لآن الوعي بالحقوق أهم من كتابتها والدساتير العربية حملت الكثير جدا من المضامين الإيجابية، لكن عدم العلم بهذه المضامين الإيجابية بالدستور كان سببه أنها حفظت في أدراج المؤسسات الرسمية، فبالتالي لن يستطيع المواطن أن يعرف حقه ليطالب به، نحن نريد أن يعرف الإنسان ماذا تعني التنمية وما الحق الذي يتأتى له من خلال ما يمكن أن يتحقق من تنمية حتى يسعى مع الجميع في تحقيق أو إحقاق هذه التنمية على الواقع العربي المعاصر.
 
• «الكويتية»: ربما الإعلام العربي يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الصدد؟
 
ـ د.الصادق الفقيه: الإعلام العربي شغلته تفاصيل وطوارئ الأزمة السياسية، فالإعلام كما يعلم الجميع ينفعل دائما بما هو سيئ أكثر مما هو حسن «bad news is always goodnews» والخبر الإيجابي والتنموي لن يصبح في يوم من الأيام خبرا إيجابيا، وهناك وسائل كثيرة يمكن أن تنشّط بها التوعية العامة في ما يلي الحقوق، ولكن لا نتوقع منه في زحمة الأحداث أن يعطينا مجالا أو فضاء نروج من خلاله إلى القيم الإيجابية.
الإعلام غير محايد
 
• «الكويتية»: الأستاذ جمال خاشقجي المدير العام لقناة «العرب الإخبارية»، الإعلام العربي هل هو صانع لأحداث أم مجرد ناقل لما يحدث؟ وهل ينقل الأخبار والأحداث بالحيادية والمهنية المتعارف عليها؟ أم أن رأس المال لا يزال يحرك ويوجه وسائل الإعلام العربية؟
 
ـ جمال خاشقجي: الإعلام العربي لم يصنع اللحظة، بمعنى أنه لم يصنع الربيع العربي، لم يصنع الثورة، والشاب العربي يعرف ماذا يريد وما هي مطالبه وما هي حقوقه، وما هي الديمقراطية  الحقيقة، وما هي الانتخابات النظيفة، وما هو التزوير والغش والفساد، والإعلام العربي أتاح فرصا هائلة للشعب العربي للتعرف على حقوقه، لكن اللحظة لم تأت إلا مع تلك اللحظة الحتمية التاريخية، إذا اتفقنا على تسميتها بالربيع العربي 2011، وكان الشعب يعلم أنها موجة مستحقة ومتأخرة على العرب، هي نفس الموجة التي جاءت لأوروبا الشرقية في التسعينيات، وأميركا اللاتينية، فكان لابد أن تأتي للعرب، فكان الشباب العرب مستعدين لتلك الموجة عندما جاءت، وبالنسبة للإعلام ساهم في التثقيف لكن لم يصنع اللحظة، ولكن التقنية التي جعلت للإعلام حضورا في الميادين والشوارع أدت لاستمرار الزخم، أذكر عندما ترك زين العابدين بن علي تونس، وانتصرت الثورة التونسية، دخلت على الإنترنت لأرى ماذا يقول المصريون في ذلك اليوم، فوجدت تعليقات القراء المصريين تقول «التوانسة عملوها واحنا قادرين نعملها» قبل 25 يناير تكررت تلك الرسالة في أكثر من تعليق، وأنا متأكد أن الشباب المصري كان يتداولها في ما بينهم، هنا ساهم الإعلام، والمساهمة الأخرى هي عرض الحدث بصورة مباشرة على المشاهد، فمثلا لو استطاع مبارك ونظامه أن يطفئ الأنوار في ميدان التحرير، ويطفئ الكاميرات وغابت الأخبار عن الشباب المصريين في القاهرة الهائلة، فلو كنت مثلا في الزمالك ولا ترى التحرير ولا التلفزيونات ولا تتلقى أي أخبار، ساعتها ستتردد هل تذهب لتشارك أم لا؟ لكن عندما نقل خبر مثل موقعة الجمل تحمس الشباب وذهبوا ليساعدوا إخوانهم، وأنا متأكد أن الأمن العربي كان يتمنى أن يطفئ كل الكاميرات لكن لن يستطيع، وعلى العكس من ذلك ما حدث في سوريا عام 1982 والانتفاضة الشهيرة المؤلمة التي حدثت في حماه، لا يوجد لها صور أبدا، فكانت تأتي الأخبار للسوري بعد يوم أو يومين، واستطاع حافظ الأسد أن يقضي على تلك الثورة والانتفاضة ويقتل من يقتل دون أن يشعر به أحد، ونفس الشيء صدام حسين في أكثر من حالة، فهذا هو دور الإعلام الذي ساهم في نجاح التحولات، لكن هل كان موضوعيا؟
 
الجزيرة وإسقاط الأنظمة
 
 كنت دائما أقول إذا كان هدف الجزيرة هو إسقاط الأنظمة فلقد أبلت بلاء حسنا لو قسنا ذلك بمقاييس الإعلام، فهي لم تكن موضوعية، فعندما بثت الأغنية الجميلة لأم كلثوم «أنا الشعب» فهذا جميل جدا ومحرك للنفوس ولكن هذه ليست مهنية، فالمحطة التلفزيونية مهنية لا تبث الأغاني الحماسية لكن المحطة التعبوية تفعل هذا الشيء، الأمر الآخر: هل الآخرون كانوا موضوعيين؟ للأسف لم يكن أحد موضوعيا، ومازال الإعلام في العالم العربي يُستخدم كسلاح وليس كإعلام، فالمؤيد لهذا الحزب يضخ معلوماته لتوجيه العامة إلى هذا الاتجاه، والمؤيد لذلك الاتجاه يضخ معلوماته في الاتجاه المعاكس، لذلك لابد أن نعترف بأن الإعلام موجه ونتمنى أن نسعى إلى إعلام موضوعي، لكن أنا متأكد أن الحرية وانتشار الديمقراطية سوف يؤديان إلى خلق قيم تخلق إعلاما عربيا موضوعيا، صحيح لن يتم هذا الشيء بعد، ولكن أتمنى من أساتذة الإعلام أن يراقبوا الدول التي لاتزال تتمتع بحرية فيها، وهي تونس وليبيا والمغرب، في هذه الدول تحدث تجارب تستحق الانتباه والتأمل وأنا لا أغفل الدول الأخرى، وبالنسبة للمغرب حدث فيها ربيع وحدث انفتاح سياسي وإعلامي ودستوري، ولذلك أضم المغرب لدول الربيع العربي، بالرغم من أننا لم نرها على شاشات التلفزيون، بفضل رعاية الملك وحكمته استطاع أن يجعل الربيع ناعما!
 
• «الكويتية»: هل لدينا مؤهلات لخلق مؤسسات إعلامية تنتصر للمهنية والحيادية وتمارس عملها من دون توجيه من رأس المال؟
 
ـ جمالي خاشقجي: بالتأكيد عندما تبتعد الحكومات عنها.
 
• «الكويتية»: ورأس المال؟
 
ـ جمالي خاشقجي: رأس المال لن يبتعد أبدا.. سيبقى دوما مع الإعلام ومؤثرا في الإعلام، وهذا شيء طبيعي في الدول الرأسمالية إذا لم تجتهد حكومة ما وتخلق نظاما كنظام البي بي سي مثلا، الحكومة البريطانية وبعض الحكومات الأوروبية لديها اختراع عظيم جدا، وهو الهيئة المستقلة التي تؤسس إعلاما مملوكا للشعب وليس تحت توجيه الحكومة، ولكنني أعتقد أننا سنفشل في ذلك في مجتمعنا العربي، فأنا أميل في الدولة العربية الديمقراطية القادمة إلى النموذج الأميركي، وأتمنى أن يتضمن الدستور في هذه الدولة منعا للدولة أن تمتلك وسائل الإعلام، فالحاكم العربي بطبيعته يحب الهيمنة والسيطرة، ومن الأفضل أن تكون هناك مادة في الدستور تمنع الدولة من امتلاك وسائل الإعلام.

 

رابط الفيديو
www.youtube.com/watch?v=8RxpX-UQ1Xw

 

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©