EN | AR
منتدى الفكر العربي يشارك في الندوة الدولية بقرطبة عن ابن الخطيب التراث الأندلسي المشترك وحوار الثقافات.
الأربعاء, نوفمبر 30, 2011

قرطبة- في إطار التعاون العلمي القائم بين مؤسسة لسان الدين بن الخطيب للبحث والتعاون الثقافي بفاس في المغرب، ومؤسسة براديكما الإسبانية بقرطبة، ومنتدى الفكر العربي، شارك المنتدى بوفد ترأسه الأمين العام د. الصادق الفقيه في الندوة الدولية التي عقدت أعمالها في مدينتي لوشة وقرطبة بالأندلس/ إسبانيا، تحت عنوان "لسان الدين ابن الخطيب والتراث الأندلسي المشترك: حوار الثقافات"، خلال الفترة 18-22/11/2014 ، والتي شارك فيها أيضاً باحثون من المغرب وعدد من الباحثين والمستشرقين الإسبان، واشتملت على زيارات علمية لأشهر المعالم التاريخية الأندلسية في كل من: لوشة، وقرطبة، وغرناطة، والزهراء، وإشبيلية، وساهم في تنظيمها ودعم الأنشطة المرافقة لها جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، وجامعة كومبليتنسة بمدريد، وبلدية قرطبة، وبلدية لوشة، ومجموعة بحث مدن أندلسية تحت الإسلام بغرناطة، والجماعة الحضرية بفاس.

 
وفي كلمته التقديمية لأعمال هذا اللقاء العلمي الكبير، قدم د. الصادق الفقيه الشكر للمؤسسات الإسبانية والمغربية التي ساهمت في إقامة اللقاء، ونقل إليهم تحيات صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال رئيس المنتدى وراعيه، مشيراً إلى أن هذه الرحلة على خطى ابن الخطيب وأعلام الفكر الأندلسي هي استعادة لتاريخ حافل بالأعمال الحضارية الجليلة بين المغرب والأندلس والمشرق، والمسافات التي تُقطَع ما هي إلا مسافات وصل للماضي بالحاضر نحو المستقبل، فالاتصال في هذا الوقت بالذات مطلوب كما كان في الماضي، بل مطلوب بأكثر موثوقية لأن فكر ابن الخطيب وأمثاله من أهل العلم في الأندلس يمثلون قيمة التعدد والمصالحة مع فكرة التعددية، وقد كانوا في إنتاجهم الفلسفي يتخذون الفلسفة موضوعاً وسبيلاً إلى الموضوعية، وبالتالي فإن رسالتهم تستخلص أهم ما نبحث عنه في عصرنا هذا من قيم التعدد والتواصل والحوار والتلاقي، التي ضلَّ عنها الناس، بما في ذلك البحث عن حقيقة الذات الإنسانية المعززة بقيم الحوار الثقافي ومساهمته الأكيدة في البناء الحضاري.

وكان أ. كايد هاشم، مساعد الأمين العام لمنتدى الفكر العربي قد ألقى كلمة بالإنابة في افتتاح الندوة في دار بلدية قرطبة، وبحضور كل من: عمدة مدينة قرطبة، ونائب عمدة مدينة فاس، ونائب والي جهة فاس بولمان، ورئيس مؤسسة ابن الخطيب د. محمد مزين، ومديرة مؤسسة براديكما الإسبانية دة. ماريا خيسوس فيكيرا، جاء فيها أنه "إذا كنا بوصفنا نُخباً مثقفة، ومؤسسات معنية بارتقاء الثقافة، وعقولاً أمينة على رسالة الفكر، فلن يغيب عن بالنا أن في مثل هذه اللقاءات تأكيد يستند إلى واقع تاريخي ندركه في التجربة الأندلسية أكثر من غيرنا، بحكم المشترك الحضاري في المحتوى والمضمون، وهو أن الحوار يظل، مهما كانت الظروف المحيطة به، الوسيلة الأسمى للعلاقات الصحيّة المتسمة بالتوازن والندية، ومبتدأ الطريق نحو إقرار المشترك الصالح بين البشر على اختلاف عقائدهم وأديانهم ومذاهبهم. وأضاف: ومع اعتزازنا بكل مشرقٍ في الماضي، واعترافنا بأن كل ماضٍ لا يخلو من الصراعات والنزاعات، إلا أننا عندما نتأمل مًنْ كان الأصلح للبقاء ليجمعنا للحديث فيه وعنه: النزاعات المادية أم الفكر؟ الحروب أم صروح الحضارة الباقية؟ المصالح الآنية المتضاربة أم الأخلاقيات والقيم المتأصلة في الإنسانية؟ واختتم كلمته بالقول إن الرهان على ثقافة المستقبل يرتبط بالقدرة على توطيد ركائز المشترك الثقافي الذي يتفاعل مع مشكلات الحاضر وتدارسها واستنباط الحلول لها، والمساهمة معاً في بلورة قيم الاحترام المتبادل بين الثقافات والشعوب. 

   
ضم وفد منتدى الفكر العربي أ.د. صلاح جرار، أستاذ الأدب الأندلسي في الجامعة الأردنية وعضو المنتدى، الذي ترأس إحدى جلسات المؤتمر، قدم بحثاً رئيسياً حول الحركة العلمية في قرطبة في عصر الخلافة الأموية وعلاقتها بحوار الثقافات"، أبرز فيه عناية خلفاء بني أمية في الأندلس وملوك القسطنطينة وألمانيا وقشتالة كلّ بما لدى الطرف الآخر من كتب ومخطوطات وتبادلها وترجمتها، وكذلك اهتمام الأندلسيين وجيرانهم الأوروبيين بكتب الطب والهندسة والفلسفة بشكلٍ خاص، وانتشار كتب اليونان بين الأندلسيين والدول المجاورة للأندلس، وظهور الكتب باللغتين العربية واللاتينية، مما ساهم في التأسيس لقاعدة معرفية مشتركة أكدت أن العلم كان أساس التفاعل الثقافي وحوار الحضارات.
من جانبها قدمت دة. رشأ الخطيب، أستاذة الأدب العربي في جامعة الزيتونة والجامعة العربية المفتوحة والباحثة المتخصصة في الدراسات الأندلسية،  بحثاً تناول "جهود المستشرقين البريطانيين في التعريف بلسان الدين ابن الخطيب وأعماله"، مبينةً فيه مظاهر اهتمام هؤلاء المستشرقين بفكر ابن الخطيب مؤرخاً وفقيهاً وفيلسوفاً وسياسياً وأديباً وشاعراً، ولا سيما في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ، باعتباره من أهم الشخصيات الفكرية في عصره التي كان لها أثر واضح في الحوار الثقافي بين الأندلس وأوروبا

.
وشاركت د.جودي البطاينة، أستاذة الأدب والنقد في جامعة جرش وعضو المنتدى، ببحث عنوانه "رؤية جديدة للخرجة في الموشحات الأندلسية: لسان الدين ابن الخطيب أنموذجاً"، رصدت فيه ملامح هذا الجانب الإبداعي في آثار ابن الخطيب الشاعر، وأوجه التشابه الفني واللغوي بين الموشح الأندلسي في الغناء عند الأندلسيين والغناء الشعبي في بلاد الشام، من خلال بعض نماذج التراث الأردني، وصلة ذلك بالشعر الغنائي العربي عموما

توقيع اتفاقية تعاون بين منتدى الفكر العربي ومؤسسة براديكما الإسبانية
من جهة أخرى، وقِّعت في قرطبة اتفاقية تعاون علمي بين منتدى الفكر العربي ممثلاً بأمينه العام د.الصادق الفقيه، ومؤسسة براديكما الإسبانية بقرطبة، التي مثتلها المستشرقة دة. ماريا خيسوس فيكيرا، المشرفة على المؤسسة وأستاذة الدراسات العربية والإسلامية في جامعة كومبليتنسة في مدريد، التي أعربت عن اعتزاز هذه المؤسسة الإسبانية المعنية بالحضارة والتاريخ الأندلسي بالاتفاقية التي تربطها بواحد من أهم المؤسسات العلمية والفكرية في العالم العربي، والتطلع إلى توسيع آفاق الحوار  والتعاون بين مراكز الدراسات العربية والإسبانية

 
ونصَّت الاتفاقية على توثيق أواصر التعاون بين الجانبين في مجال البحوث وتنظيم أنشطة علمية مشتركة، وتبادل الزيارات بين الباحثين والأكاديميين ضمن هذا الإطار وبشكلٍ سنوي لإلقاء المحاضرات ضمن برنامج يتم الاتفاق عليه، وكذلك تبادل المنشورات والدراسات التي يصدرها الطرفان.

 

 

الندوة الدولية- قرطبة

"ابن الخطيب والتراث الأندلسيّ المشترك: حوار الثقافات"

(قرطبة: 20-21 نوفمبر 2014)

كلمة: الدكتور الصادق الفقيه

الأمين العام لمنتدى الفكر العربيّ/ الأردن

 

سعادة عمدة قرطبة وعمدة فاس

سعادة نائب رئيس جهة فاس بولمان

الدكتورة ماريا جيسوس فيكيرا من جامعة كومبليتنسة

الدكتور محمد مَزين، رئيس مؤسسة ابن الخطيب

السيدات والسادة المشاركون     أسعد الله مساءكم الأندلسي هذا في قرطبة، العراقة والحضارة وسموّ الثقافة والفكر بنموذجها الإنساني الرفيع، الإسباني- العربي في تاريخنا المشترك. نلتقي بها اليوم على خطوات لسان الدين بن الخطيب، وأمثاله من مفكري الأندلس العظماء، الذين أضاءوا الكون بأبعاد فكرهم المستنير وأقباس التجربة الحضارية الغنية على هذه الأرض، التي يجمعنا وإياكم، أيها الإخوة الإسبان، الاعتزاز بما أنتجته للعالم من فوائد التلاقي والحوار بأجلّ المعاني، والتي يحتاجها هذا العالم اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى.      ويشرفني في هذا المقام أن أنقل إلى كل واحد منكم تحيات صاحب السموّ الملكي الأمير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه، وتمنيات سموّه لكم بكل التوفيق والنجاح لهذه الندوة، وثنائه على أهدافها النبيلة، وشكره لجهود القائمين عليها من الزميلات والزملاء العرب والإسبان.

     في العام الماضي كان لقاؤنا الأول بفاس، في المغرب العزيز، حيث الامتداد الحضاري مع الأندلس، في الضمير قبل أن يكون امتداداً تاريخياً وجغرافياً، وحينها ذكرتُ في كلمتي عبقرية المكان في سيرة ابن الخطيب، وأثر هذه العبقرية في تشكيل معالم السفارة الثقافية الناجحة لأعماله الفكرية، بين ثقافته العربية الإسلامية وسواها من الثقافات في عصره. واستكشف الباحثون في ندوة فاس قيمة من القيم العليا في الاجتماع الإنساني متمثلة في تلك الأعمال المهمة؛ هي التسامح، الذي علّمتنا التجربة الأندلسية أنها نتاج الفكر الحرّ، وطلاقة الرأي والقول، والحوار الحقيقي المتكافىء، في بيئةٍ صالحة لا تقبل الإقصاء أو الاحتكار أو التمييز أو استبعاد الآخر والتطرف معه.

      وإذا كنّا بوصفنا نُخباً مثقفة، ومؤسسات معنية بارتقاء الثقافة، وعقولاً أمينة على رسالة الفكر، فلن يغيب عن بالنا أنَّ في مثل هذه اللقاءات تأكيد يستند إلى واقع تاريخيّ ندركه نحن هنا ربما أكثر من غيرنا، بحكم المشترك بيننا في المحتوى والمضمون، وهو أن الحوار الوسيلة الأسمى حضارياً للعلاقات الصحيّة المتّسمة بالتوازن والنديّة، ومبتدأ الطريق نحو إقرار المشترك الصالح بين البشر.

      فمنذ تأسس منتدى الفكر العربيّ قبل أكثر من اثنتين وثلاثين سنة، ومبدأ الحوار الحرّ والتعاون الإنساني الذي يخدم الصالح العام، يشكِّلان معاً ركناً أساساً في تحقيق أهدافه وفي برامجه وأنشطته، سواء بين العرب أنفسهم، أو بين العرب والدول والشعوب في الإقليم ومحيطه والعالم أجمع.

      ننطلقُ في ذلك من الإيمان بأنَّ التواصل بين الحضارات، والتبادل بين الثقافات والتنوّع بينها، هما من مصادر الإغناء والروافد الضرورية لإدامة المساهمات في بناء الحضارة الإنسانية الجامعة، فلا مكان فيها، ويجب أن لا يكون فيها مكان، لأسباب الاختلاف وسوء الفهم والتفاهم، والتصادُم والفُرقة والتشرذم بين بني الإنسان، والتي هي في كلّ أحوالها عوارض مرضيّة مضادّة لجوهر الحضارات والثقافات ومسؤولية الإنسان في إعمار الأرض وصون هِبات خالقه وخالقها.

      صحيح أننا في هذا اللقاء العلمي نتحدث عن ماضٍ مشرق في جُنبات الفكر والتاريخ، وصحيح أن هذا الماضي لم يخلُ بطبيعة الحال من الصراعات والحروب والنزاعات. لكن دعونا نتأمل مَنْ كان الأصلح للبقاء ليجمعنا ونتحدث فيه وعنه بعد كل هذه القرون: المنازعات أم الفكر؟ الحروب أم صروح الحضارة؟ الأخلاقيات والقيم المتأصلة في الإنسانية أم النزعات العارضة والمصالح الآنية المتضاربة؟

      نستلهم التجربة الأندلسية بأفقها الكونيّ الواسع، لنُعيد معاً ثقافة السلام إلى الضمير العالميّ كفلسفة تكامل تحقِّق مفهوم الإنسانويّة Humanitarianism. وأود هنا أن أستعين بعبارات لسموّ الأمير الحسن بن طلال دعا فيها إلى وضع مدوّنة أو دستور ثقافي عالمي للسلوكات والعادات والأخلاق World ethos، يساهم فيه جميع الشعوب. فمثل هذا الدستور بما يوضح من الحقوق والواجبات " يحثّنا على أن نبدأ بالقواسم المشتركة، مُعظِّمين بذلك الجوامع ومُحْتَرِمين الفروق .. ويحتضن مبدأ عدم الإكراه والتدفق الحرّ للمعلومات .. وتطوير إطار حضاري للاختلاف في الرأي، وقبول المسؤولية عن الأقوال والأفعال .. إنه يؤكد الرابطة بين اللاهوت والمنحى العملي. فالتضامن الإنسانيّ يتطلَّب التقاء شتى الثقافات وتلاقيها في نطاق الحضارة الإنسانية. وفي أي زمان، يمكننا أن نقرّ بعشرة آلاف ثقافة، وحضارة إنسانية واحدة".

    ومع اعتزازنا جميعاً بكل ما يدعو إلى الاعتزاز بالماضي الذي نقبس منه الدروس والعِبر، أقول إن الرهان على ثقافة المستقبل، وقدرتنا بما نقيمه من ركائز على قاعدة التراث المشترك، لصنع ثقافة تتفاعل مع مشكلات الحاضر والتشارك في تدارسها واستنباط الحلول لها، وأيضاً مع الثقافة الكونية، هو ما يعطينا شرعية المساهمة في بلورة القيم الكونية، والتأسيس لاحترام متبادَل بين الثقافات من منظور متساوٍ ضد المخاطر المُهدِّدة للإنسان، وهو ما يجعل عَملَنا في هذا اللقاء وغيره من اللقاءات إضافة نوعية في ثروتنا الفكرية المشتركة وتأصيلها.

      مرة أخرى، أشكركم على الاستضافة الكريمة، وعلى هذه الفرصة الثمينة التي نضع أيدينا في أيديكم لأن تستمر وتتطوّر وتتسع، ولنا أمل أن تكونوا شركاء لنا في الندوة التي يعتزم منتدى الفكر العربي إقامتها بعمّان العام القادم لنتدارس فيها موضوع الهوية والتنوع الفكري في الأندلس، ونستكمل بها معكم هذه السلسلة من التأصيل لحوارنا الثقافي المستمر وتعزيز العلاقات بأبعادها بين الشعوب العربية والشعب الإسباني الصديق.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته        

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©