لقاء في منتدى الفكر العربي يناقش كتاب د. باسل البستاني
نحو رؤية تنموية عربية
عمّان- قال أ.د. عدنان بدران، المستشار الأعلى لجامعة البترا ومجلس أمنائها؛ رئيس لجنة الإدارة بمنتدى الفكر العربي: إن أكبر مشكلات التنمية في العالم العربي تتمثَّل في التناقضات القُطرية والخلافات العربية، مما أصبح معه القرار الاقتصادي يخضع للسياسة، على عكس ما يحدث في دول العالم الأخرى الطامحة إلى تنمية حقيقية من تطويع السياسة للاقتصاد. وأوضح أن الاقتصادات القُطرية بعثرت مقدرات الأمّة ومقوماتها، وسرَّعَت في .زيادة العزلة بين الأقطار العربية.
وأشار خلال ترؤسه لقاءً لمناقشة كتاب "نحو رؤية تنموية عربية: الإطار الفكري والتحليلي" للدكتور باسل البستاني، في منتدى الفكر العربي، مساء الثلاثاء 3/3/2015، إلى أن الآمال التي كانت معلقة على وحدة اقتصادية عربية يتكامل فيها كل قطر مع الآخر، باتت تواجه صعوبات جمة في تحقيقها واقعياً، لأن التنمية القطرية لا يمكن أن تكتمل إلا بتنمية شاملة، وهناك متطلبات للنهوض الاقتصادي الذي يقوم على الحريات في الإبداع والابتكار والاختراعات، وعدم الإقصاء والتهميش والتطرف، وإزالة الاستبداد والهيمنة، وترسيخ مفاهيم الاقتصاد المعرفي المستندة إلى استثمار الإنسان والعقل والخامات معاً. فضلاً عن عدالة توزيع الدخل وتكافؤ الفرص.
وفي عرضه لمحتوى كتابه، قال أ.د. باسل البستاني، الأكاديمي وعضو المنتدى ومستشار التنمية البشرية في البنك الدولي سابقاً، حول الاختلالات في الواقع العربي، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وأمنياً وثقافياً، إنها جميعها تحتم المواجهة الجدية والمباشرة، مشيراً إلى أن الرؤية التي يقدمها من واقع خبراته وتجاربه، عربياً ودولياً، تهدف إلى التأسيس لبناء القاعدة الرصينة لهذه المواجهة، وتشكِّل العروبة هُويّة هذه الرؤية، والوحدة وجهتها، والتنمية حاضنتها، وفي هذه العلاقة العضوية يكمن جوهر الخصوصية العربية. فتجاوز الاختلالات يحتم التنمية الوحدوية.
وأضاف أن من أخطر النتائج التي أفرزتها حالة التناقض عربياً بين الأمّة والشعب هي "النفسيّة الثنائية" التي تولَّدت لدى الفرد العربي، باعثةً فيه بالتالي حالة من دوام القلق وعدم الاستقرار، وحالة الانشطار النفسي هذه تتمثل في حقيقة أن الفرد العربي أضحى متأرجحاً بين قطرية حياته اليومية، وقومية انتمائه وتطلعاته. وهذه الحالة المركبة والمستعصية لا يلغيها إلا توافق الجوهر مع وجوده. وأن "خصوصية الرؤية" تبقى قائمة ما دام الانفصام قائماً في الكيان القومي، وحين حصوله تنتفي الحاجة إلى تميزها، حيث تصبح الأمة العربية باندماجه واحدة شكلاً ومضموناً كغيرها من الأمم، مما يحيّد خصوصية الرؤية ويؤدي إلى إمكانية تعميم تطبيقها على هذا الصعيد لدول أخرى متقدمة ونامية، فمرحليّة المضمون لا تلغي حيوية استمرار وجودها.
وبيَّن أن الهيكل العام للرؤية يقوم على ثلاثة حقول متوازية، وهي: الثوابت التي تشمل الموقع الجغرافي، والعوامل الطبيعية، والسكان والموارد والهيكل الاقتصادي، ثم المرتكزات التحليلية أو الثنائيات، وتشمل المرتكزات الدافعة من بناء القدرات واستخدامها، والمانعة أي النمو والعدالة التوزيعية، والرافعة وتعني المشاركة والديمقراطية، والجامعة وهي التنمية البشرية والاستدامة. أما المتغيرات فتشمل السياسات الكلية، والأسواق، والمؤسسات، والمجتمع المدني، والقوانين والتشريعات، والقطاع الخاص، ورأس المال الاجتماعي، والتماسك الاجتماعي، وثقافة التنمية، والإعلام.
وكان الأستاذ محمد نور الشريدة، المدير التنفيذي في المنتدى، قد أشار في كلمة قدم بها اللقاء إلى أن كتاب د. باسل البستاني يعد إسهاماً علمياً وفكرياً ينسجم مع ما ينهض به المنتدى من مشروعات لتقديم رؤى استشرافية للمستقبل العربي، تؤشر على مكامن القدرات الذاتية لبناء التنمية المنشودة في بلداننا، والتمكين لها على أُسس وخُطط مُحكَمة التصوّر، ودقيقة التخطيط والتنفيذ، إذا أُحسِن تنفيذها.
من جهته، ركَّز الدكتور خالد الوزني، رئيس هيئة المديرين لشركة إسناد للاستثمارات وعضو المنتدى، في مناقشته لمضمون كتاب "نحو رؤية تنموية عربية"، على الحقوق الإنسانية في التنمية، مثل حق المعرفة، وحق العمل، وحق المساواة أو التشاركية، وحق الرأي. وقال: لنسأل أنفسنا أين موقع هذه الحقوق في الواقع العربي في متوسط الأشياء، وأين المشاركة والديمقراطية؟ وأضاف إننا في الأردن نأتي على رأس القائمة في السعي لإحقاق هذه الحقوق، لكن في بقية العالم العربي ما تزال الأمور على غير هذا الحال، ويخشى أن التنمية العربية أصبحت في حكم المعجزات، مع الشعور بأنه لا يوجد رغبة عربية حقيقية للتعاون والعمل المشترك، فهناك خروقات مثل استيراد عمالة آسيوية في بعض الأقطار حتى تظل أعداد العمالة العربية فيها محدودة ومقننة، فيما تسطحت الطبقات الوسطى في العالم العربي أكثر من اللازم، وعلى سبيل المثال فإن النسبة الأكبر من الطبقى الوسطى في الأردن باتت هي الأقرب إلى خط الفقر. ويخشى في ظل الفُرقة على الصعيد العربي أن نتحدث في المستقبل عن اقتصادات ودول بضعف العدد الحالي للأقطار العربية.
وشدد د. خالد الوزني على أنه لا تنمية حقيقية دون استثمار الطاقات البشرية. وقال هنا: لو أن الإنسان كان عبئاً على التنمية، لأصبحت الصين أول دولة مصدِّرة للبشر في العالم وبالملايين، لكنها عندما استثمرت طاقاتها البشرية بالشكل الصحيح غزت دول العالم بمنتجاتها. وبين أن وجود نمو اقتصادي كبير بحجمه رقمياً لا يعني نوعية تنموية، ولا توجد تنمية من دون قاعدة حقيقية وبشرية لإنماء الثروة، ويجب عدم الانسياق وراء النمو دون اعتناء بالتنمية.
وفي إشارته إلى مضمون دراسة د. باسل البستاني ورؤيته لتحقيق التنمية العربية، قال د. الوزني إن الإبداع في الكتاب يتجلّى في التركيز على شيء واحد هو الإنسان في التنمية، ذلك أن من لا يعتقد بأن الإنسان هو محور العملية التنموية سيكون مخطئاً تماماً.
دار نقاش موسع شارك فيه الحضور من اقتصاديين ورجال أعمال وأكاديميين متخصصين ودبلوماسيين، تناول مختلف القضايا التي أثارها المتحدثون.