إشهار كتاب "جمهوريتي" للدكتور نزار يونس في منتدى الفكر العربي
الأمير الحسن بن طلال يدعو إلى نظرة استشرافية تعكس الواقع في بعض الدول العربية
د. نزار يونس: الحديث عن الثقافة هو تأكيد لدورها في مناعة المجتمعات التعددية
د. محمد أبو حمور: الكتاب حالة حوارية فكرية في قضايا الهوية والدولة المدنية العصرية
د. صلاح جرار: الكتاب جهد في الفكر الإصلاحي جوهره في تأكيد دور الثقافة والحرية
عمّان- ضمن لقاءات نادي الكتاب، وبرعاية سمو الأمير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه، نظم المنتدى في مقرّه مساء الأربعاء 3/2/2016 حفل إشهار كتاب "جمهوريتي" للمفكر والسياسي اللبناني الدكتور المهندس نزار يونس، أداره الدكتور محمد أبو حمور الأمين العام للمنتدى، وتحدث فيه معقباً على الكتاب الدكتور صلاح جرار عضو المنتدى.
ودعا سمو الأمير الحسن في كلمته إلى نظرة استشرافية تعكس الواقع الذي تعيشه بعض الدول العربية في الوقت الراهن؛ مشيراً إلى سعي المنتدى لإعداد ورقة بحثية لكل دولة عربية حول الرؤية المستقبلية التي تسهم في نهضتها.
وأضاف أن الإصلاح ضرورة حتمية لكونه يمثل الصالح العام للجمهور وذلك لتحقيق المشروع النهضوي؛ مؤكداً أن الإصلاح البرامجي يجب أن يوضع بأبعاده لكافة المشاركين في عملية الإصلاح؛ مشيراً إلى ضرورة التركيز على التعليم بمستوياته المختلفة داخل الوطن وخارجة.
وأشاد الدكتور المهندس نزار يونس بالتطور الذي يعيشه الأردن، وقال: إنه قيّض لقادة هذه البلاد أن يستلهموا تاريخ أمجاد تليدة وتراكمات حكمة وتجارب دهرية وقيماً إنسانية ودينية في التراحم والانفتاح والعيش المشترك، وإن احتضان صاحب السمو الملكي الأمير الحسن لمنتدى الفكر العربي يجسد التراث الأصيل الذي صان المجتمع الأردني من خطر الانزلاق في متاهات الفكر المنحرف والمضلَل والمضلِّل. وأضاف لقد أهديت كتابي "جمهوريتي" إلى ما عتبرته أغلى الغوالي: الحرية والثقافة، ولو استلهمت تراث الأرومة الهاشمية الكريمة لأضفت الحكمة والشجاعة.
وحول مضمون كتابه، أوضح الدكتور نزار يونس أن لبنان كان في تصوّر المؤسسين الأوائل مشروع ثقافة وحرية، وكان قدره أن يتحول إلى مختبر إنساني لالتقاء الأديان والحضارات والثقافات لتعارفها وتآلفها وتلاقحها لاحتواء بعضها بعضاً. وأن الإنسانية لم تكن أكثر حاجة في أي وقت مضى إلى هذا المختبر لنشر ثقافة العيش المشترك من الآن، فلم يعد خيار المؤسسين شأناً لبنانياً خاصاً؛ بل غدا حاجة لمستقبل الحضارة العالمية واستمرار توهجها، كما بات شأناً وجودياً للعرب وتاريخهم ولمجتمعاتهم التي أصبحت تعاني من التنكر للتعددية وللتنوع ولثقافة العيش معاً، هذه السمات التي جسدت جوهر الحضارة العربية في وقت لم تكن شائعة في أي مكان آخر في العالم.
كما أوضح أن الكلام عن الثقافة في كتاب "جمهوريتي" جاء لتأكيد دورها في مناعة المجتمعات التعددية، وفي الحفاظ على تماسكها في مواجهة المؤثرات التفكيكية؛ مؤكداً أن الثقافة وحدها توفر العصب التوحيدي للمجتمعات في وعيها لوجودها الإنساني في مواجهة إشكالية التنوّع والتمايز وتنامي الهواجس والمخاوف الفئوية. وأن الرهان على عودة الوطن العربي ومستقبل أجياله محكوم بقدرة النخب العربية الاجتماعية والثقافية على تجنيد طاقاتها وتوحيد صفوفها للعبور بالإنسان العربي من تراكمات الفكر الخرافي إلى رحاب العقل وجوهر الإيمان الديني.
وقال د. محمد أبو حمور، الأمين العام للمنتدى: إن كتاب "جمهوريتي" ينطلق في الرؤية والمشروع من واقع قطر عربي وتجربة عميقة وطويلة للمؤلِّف د. المهندس نزار يونس في العمل الوطني ببلده وضمن إطار خصوصية التجربة اللبنانية، إلا أن هذا الكتاب لا يخلو من فوائد استشرافية وتحليلية في البُعد العربي، ويمكن أن يكون نموذجاً في الفكر السياسي النهضوي، الذي يؤسس لحالة حوارية، وجدل عقلي، ووعي جديد فيما يتعلق بقضايا وتحديات قائمة في الواقع العربي، أصبحت تتغلغل في يوميات الحياة العربية وأسئلة الحاضر الصعبة، في موضوع الطائفية، وإشكالات الهوية، والتشابك بين الدين والدولة، والتعددية والمساواة والمواطنة المتكافئة، وربط كل هذه القضايا بإطلاق الطاقات البشرية لتحقيق تنمية اقتصادية وثقافية مستدامة.
وأضاف أن المؤلِّف د. المهندس نزار يونس وضع أكثر من إصبع على جرح إعاقة نهوض الدولة المدنية العصرية، بالدعوة إلى تجاوز نظام المحاصصة الطائفية، الذي لم يكن في أصل نشوئه نابعاً من الطبيعة الحقيقية لتكوين المجتمع اللبناني وتطلعاته وتاريخه الحضاري، بقدر ما كان يخدم أجندات ومصالح الهيمنة الخارجية، سواء في العهد العثماني أو في عهد الانتداب. وقد أنتج هذا النظام على مدى الحقب التاريخية اللاحقة تقسيمات وصدامات وتجاذبات وتفسيرات متضاربة، ساهم الخارج في صياغتها، وساعد على تحقيقها.
وقال د. أبو حمور إن لبنان هذا البلد الصغير مساحةً، الكبير الغني بإرثه الحضاري الممتد في أعماق التاريخ، وبإسهامه المركزي في النهضة العربية الحديثة، وفي رفد الثقافة العربية المعاصرة بعطاء لا ينضَب من الفكر والفنون والإبداع، لن يعجز عن استعادة دوره وتقديم النموذج الذي تتطلع إليه القلوب والعقول معاً في دولة تقوم على أساس تعاقد وثيق لتحقيق إرادة العيش المشترك بين مختلف الأطياف والجماعات، وفق خريطة إصلاحية ذات رؤية شاملة تحقق النهوض الاقتصادي والاجتماعي المأمول للبنان وطن الثقافة والحرية.
من جهته، وصف د. صلاح جرّار، عضو المنتدى، كتاب "جمهوريتي" بأنه كتاب قيم ونفيس ويمثل جهداً إصلاحياً مهماً، وهو لا يقف عند حدود الدعوة للإصلاح بل يشتمل على برنامج إصلاحي شامل للوضع الراهن في لبنان في أبعاده الثلاثة السياسي والاقتصادي والثقافي، ويستند في هذا البرنامج على معلومات ومعطيات ومواثيق وتجارب وخبرات ومطالعات بالإضافة إلى فكر مستنير ورؤية عميقة شاملة.
وأشار إلى أن الكتاب يتميز بجاذبية تغري القارئ في متابعته بدءاً من عنوانه ومروراً بمقدمته ومحتواه وانتهاء بخاتمته، فقد جاءت المقدمة على صورة سيرة شخصية فيها تفاصيل ومعلومات عن المؤلف، وهي سيرة تشد القارئ لمتابعة القراءة دون ملل. ولعنوان الكتاب "جمهوريتي" جاذبية خاصّة، لأنها تطرح مباشرة سؤالاً أمام القارئ: هل أراد المؤلف أن يحاكي أفلاطون في جمهوريته المثالية المتخيلة، أم أنه يشير إلى الجمهورية اللبنانية، أم أراد مزيجاً من الاحتمالين: أي أنه يقصد أن يرسم صورة لجمهورية لبنانية مثالية متخيلة تسهم في إخراج لبنان من أزماته التي يعاني منها.
وأضاف د. جرّار أن من مصادر جاذبية الكتاب تلك اللغة الجميلة العذبة والدقيقة والرصينة التي كتب بها المؤلف كتابه وتدل على تمكنه من الأفكار التي يطرحها. وقد توقف المؤلف عند دور الثقافة وأهميتها في نجاح برامج الإصلاح السياسي والثقافي والاجتماعي، ويرى أن لبنان هو مشروع ثقافة وحرية، وأن مشروع إعادة لبنان وطناً معافى إمّا أن يكون في جوهره مشروع ثقافة وحرية أو لا يكون. ويرى بأن النهوض الثقافي من شأنه أن يوفر المناعة والتماسك اللازمين للمجتمع في مواجهة التجاذبات والتناقضات الناجمة عن التطورات والتغيرات المتسارعة. كما توقف المؤلف عند موضوع (الفَرادَة) في الثقافة اللبنانية، وهو يقصد بذلك توظيف الخصوصية الثقافية للبنانيين في توحيد صفوفهم.
ووصف د. جرّار المؤلف، كما يظهر لنا في هذا الكتاب، بأنه ليس شخصية سياسية فحسب بل هو سياسي ومثقف معاً، ومشروعه الإصلاحي وإن بدا ذا وجه سياسي واقتصادي واجتماعي إلاّ أنه في جوهره مشروع ثقافي، وهذا ما يضمن نجاحه في حال تطبيقه والأخذ به، لأن أيّ مشروع نهضوي وحضاري لا يستند إلى الثقافة مآله الإخفاق؛ موضحاً أن الكتاب يتحدث عن لبنان إلاّ أن ما ورد فيه من البرامج الإصلاحية قابل للتطبيق في سائر المجتمعات العربيّة التي تعاني ظروفاً مشابهة للظرف اللبناني.
واختتم د. جرار تعقيبه بالقول إن كتاب "جمهوريتي" واحد من الجهود الإصلاحية البارزة التي تستحق التنويه والإشادة والاستفادة ممّا يشتمل عليه من رؤى وأفكار وبرامج ومقترحات.