د. محمد أبو حمور يشارك في مؤتمر "صناعة التطرف .. والمواجهة الفكرية"
وتوقيع مذكرة تعاون ثقافي بين منتدى الفكر العربي ومكتبة الاسكندرية
الاسكندرية- أكد الدكتور محمد أبو حمور، الأمين العام لمنتدى الفكر العربي، على دور الفكر الحر والمستنير في دراسة أسباب ظواهر التطرف والإرهاب التي تشهدها أجزاء متعددة من العالم العربي اليوم. وقال في ورقته التي شارك بها في مؤتمر "صناعة التطرف ... قراءة في تدابير المواجهة الفكرية"، الذي نظمته مكتبة الاسكندرية في رحابها (3-5/1/2016): إن عزل الفكر ولو جزئياً عن إمكانات أداء دوره المفترض في بلورة المشروع النهضوي العربي المستقبلي، سيحدّ من المناعة إزاء ما تحمله الأجندات الخاصة الداخلية والخارجية من مخاطر على مستقبل الأمة، وأنه إذا لم تكن لدينا خطة سنصبح جزءاً من خطط الآخرين.
وأشار إلى أن سياقات الحديث عن بلقنة المنطقة وتفتيت الوطن العربي على أسس طائفية ومذهبية وإثنية ليس جديداً، وأن الدور الذي تلعبه جماعات التطرف والعنف والإرهاب بات مكشوفاً تماماً في خدمة أجندات استعداء الإسلام، وضرب شرعيات الدول وتقسيمها، واستلاب الثروات المادية والبشرية لشعوب المنطقة بوسائل لا تقرها الشرائع السماوية ولا الوضعية.
وأضاف الدكتور أبو حمور أن هذه الأجندات استفادت من أوضاع الضعف والفشل تنموياً لبعض الأنظمة وما ترتب عليها من ازدياد غربة الشعوب، لتفجر مكامن التطرف والتعصب داخلها، فضلاً عن بعض الممارسات الغربية في سياسة الكيل بمكيالين، ولا سيما فيما يتعلق بقضية العرب والمسلمين المركزية في فلسطين، التي تمثلت على الجانب الإسرائيلي بأبشع أشكال التطرف والتعصب والعنصرية والإرهاب ضد شعب مُحتلّ، حُرم حقوقه الإنسانية، ومورست ضده فظائع القتل والتشريد والتهجير.
كما أشار إلى الأسباب الاقتصادية التي عبرت عن نفسها في أحداث الربيع العربي، وأبرزها مشكلة البطالة التي وصلت معدلاتها في الوطن العربي إلى 30%، فيما هناك 300 مليون عربي أعمار 60% منهم أقل من 30 سنة، موضحاً أن مثل هذه الأسباب تهيء أرضية لنمو التطرف نتيجة الاحتقان، وتساعد العوامل الخارجية على مضاعفة تأثيرها.
وقال الدكتور أبو حمور: إن الفراغ الذي حدث في البيئة الفكرية العربية نتيجة انتكاسة وتراجع المشروع النهضوي الإصلاحي العربي، الذي كان آخذاً بالتبلور في وعي النهضويين العرب منذ أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، جعل الساحة نهباً لتيارات أخرى متعددة لم ينجح أي منها على الاطلاق في تحقيق طموحات الأمة، وأن النجاحات الجزئية في الوحدة والتضامن حوصرت استعمارياً، وأحياناً بسبب الصراعات السياسية بين تلك التيارات، وكذلك بسبب تسييس الفكر، مما أدى إلى فشل العمل العربي المشترك في كثير من الحالات، وإخفاق الجهود التنموية وتغيير مساراتها، وتفكك الصف العربي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وزيادة التبعية للغرب، والحيلولة دون بناء المؤسسات وفق صيغة تكاملية عربية تحقق للشعوب تطلعاتها.
وأضاف أن جماعات التطرف والإرهاب استغلت معاناة الشباب العربي من مأزق الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحيرة وافتقاد أفق الوحدة، لتسوق أفكارها وتسرق أحلامه بمسميات ومفاهيم جذابة، وتقحم الدين في السياسة وتشوه الدين الحنيف بممارساتها المرفوضة دينياً وأخلاقياً وحضارياً، ودون التفات إلى ميزة الإسلام الكبرى في مراعاة مصلحة الناس، وحكم العقل، والخبرة الإنسانية، ونمو المعرفة العلمية.
وفي سياق تحليله لتأثيرات التطرف على الفكر، أوضح الدكتور أبو حمور أن أحادية الرؤية ذات النهج الاستبدادي للتيارات المتصارعة على الساحة العربية أوجدت أحاديات مقابلة مضادة، تفاعلت بدورها لتنتج أشكالاً من الصراع الفكري الذي استغرق طاقات العقول في مجادلات عقيمة، مما شتت الجهود وأثار الخلافات والتعصبات، وأفقر الفكر ودفع به أحياناً لأن يصبح مجرد سلوك عدواني، يرفض الحوار وحق الاختلاف وفكرة التسامح، بل ساعد ذلك على ظواهر احتكار الحقيقة وإقامة أسوار عازلة للفكر المستنير واجتهاداته.
ودعا الدكتور أبو حمور إلى ترسيخ المنهج الوسطي في التفكير، والحوار في الممارسة، مشيراً إلى أن المشروع النهضوي العربي ينبغي أن يتصدى للتهديدات القائمة على مستقبل الأمة وأجيالها القادمة، من خلال إعادة تعريف العلاقة بين السلطة والمواطن، ومبدأ المواطنة المتكافئة والمشاركة، واحترام التنوع الثقافي واتخاذه ميزة إثراء لا وصمة تهميش وإقصاء، مع احترام الفروق وتعظيم الجوامع، والانفتاح الثقافي على الآخر وفق ثوابتنا الحضارية، ورفض امتهان كرامة الإنسان وعقله والتلاعب بمقدراته، وأن تبنى المجتمعات على الديمقراطية والعدالة، والسلم الاجتماعي والأمن الإنساني، وقيم التفكير الحر والناقد والمبدع.
كما دعا إلى تطوير الخطاب الثقافي والإعلامي والتعليمي والديني على أسس علمية ومؤسسية، وربط ذلك بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، للحفاظ على التضامن الاجتماعي وروح التآلف بين مختلف الشرائح المجتمعية، ومن أجل إبقاء جذوة التقدم الثقافي والحضاري مشتعلة في إطار تنمية شاملة، وبما يتناسب مع روح البحث المعرفي، التي تعد من أهم السمات المميزة لحضارتنا العربية والإسلامية، والتي هي حضارة انفتاح وتفاعل ما تزال قادرة على رفد الحياة العربية بأسباب القوة والمنعة والتقدم، وليست حضارة انغلاق وتصادم بدأت وانتهت حيث هي كما حضارات أخرى في العالم القديم.
الجدير بالذكر أنه شارك في مؤتمر "صناعة التطرف: قراءة في تدابير المواجهة الفكرية" باحثون وخبراء في مجالات التطرف والإرهاب، وعلم الاجتماع، والعلوم السياسية، والاقتصاد، والعلوم الإسلامية، من 18 دولة عربية، ناقشوا محاور تناولت نقد خطابات التطرف، والإعلام ومواجهة التطرف، والأمن القومي، والتعليم والتطرف، والإرهاب الداخلي في أوروبا.
من جهة أخرى، تم توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الثقافي خلال الجلسة الختامية للمؤتمر بين منتدى الفكر العربي ممثلاً بأمينه العام الدكتور محمد أبو حمور، ومكتبة الاسكندرية ممثلةً بمديرها الأستاذ الدكتور إسماعيل سراج الدين، وتضمنت هذه المذكرة بنوداً لتعاون الطرفين في تنظيم فعاليات مشتركة في مجالات الأنشطة الثقافية ذات الاهتمام المشترك، وتبادل المطبوعات، والقيام بأنشطة بحثية مشتركة، على نحو يعزز الاستنارة، ويدعم حركة التنوير والثقافة العلمية، والعلوم والآداب والفنون، وكذلك تبني مبادرات أو مشروعات ثقافية مشتركة.