تطور مفهوم المواطنة على مر الزمن الى ان وصل كما هو معلوم الى تعريف اعتمد كله او بعضه لدى كل دولة، وفي العلاقة بين الدول حيث اصبح العالم يتحدث عن المواطنة العالمية، على كل نترك تفصيل هذا المفهوم الى الاساتذة المشاركين في هذا المؤتمر، الا انه لا بد من القول ان "المواطنة هي صفة المواطن التي تحدد حقوقه وواجباته الوطنية ويعرف الفرد حقوقه ومؤدى واجباته عن طريق التربية الوطنية، وتتميز المواطنة بنوع خاص من ولاء المواطن لوطنه وخدمته اوقات السلم والحرب، والتعاون مع المواطنين الآخرين عن طريق العمل المؤسساتي والفردي والرسمي والتطوعي في تحقيق الاهداف التي يصبو لها الجميع، وتوحد من اجلها الجهود وترسم وتوضع الموازنات".
فالبقدر الذي يكون فيه معنى المواطنة شاملاً وواسعاً وليس ضيقاً يكون السلم الاهلي متيناً لا تؤثر فيه العواصف من اي جهة اتت ومن هذا المعيار نؤسس لشرح تحديات هذا السلم الايجابي والسلبي.
وبالقدر الذي تكون فيه المواطنة مقتصرة على بعض الحقوق للمواطن، او محصورة هذه الحقوق بفئة دون اخرى من الاطياف الاجتماعية على صعيد اللون او القومية، او الدين والمذهب او المنطقة.... يكون السلم الاهلي هشاً ومدعاة لنشؤ بؤر تؤدي الى زعزعته فتضيع الدولة ويضيع الوطن والمواطن.
وان التداعيات التي مرت بها البشرية في كل بقعة من بقاع الارض لجهة السلم او الحرب او الاضطرابات والتي كان من نتائجها اما الازدهار والنهضة والتقدم، واما الهجرة والتهجير والدمار والقضاء على البشر والحجر.
وان المواطنة في بلادنا، التي نريدها، لها خصوصية تختلف عنها في باقي الامم حتى لا يصيبنا ما اصابنا من سايكس بيكو ومن وعد بلفور مما يقتضي معه ان لا نحصر مفهوم المواطنة داخل حدود كل دولة من الدول العربية التي مزقها سايكس بيكو بل يقتضي ان يشمل مفهوم المواطنة في بلادنا حق النضال من اجل تحرير الامة من المغتصب الصهيوني لارضنا في فلسطين ويكون ذلك في تعميم ثقافة المقاومة واعتبارها جزءً لا يتجزأ من مفهوم المواطنة.
اولاً- التحديات الايجابية للسلم الاهلي بتأثير المواطنة:
أ- لقد انتجت ثقافة المواطنة الدساتير والمواثيق والمعاهدات الدولية التي اصبحت في هذا العصر نصوصها ملزمةً ادبياً واخلاقياً وقانونياً لجميع المجتمعات والدول من حيث المبدأ، لكن التطبيق كله او بعضه والمحاسبة والمساء له بشأنه تبقى هي الطريق نحو السمو بالمواطنة الى مراتبها العليا.
ب- ان تمتين ركائز المواطنة في الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة ينعكس ايجاباً على المواطن ليقدم جهوداً في تطوير بيئته ومناحي الحياة في وطنه وفي الدفاع عنه بوجه الطامعين بأرضه وثرواته.
ج- ان ثقافة المواطنة تعزز الانتماء للهوية، والولاء للوطن، والالتزام بالحقوق والواجبات والمشاركة في المسؤوليات وفي الشأن العام للامة، وتحويل منحى الاختلاف والاشتباك الى الحوار، وتوفير الامان، وتحقيق الذات، وبناء القيادات.
د- ان ثقافة المواطنة العالمية تستدعي من المؤسسات السياسية والتربوية في الدولة ان تهتم بها مما يؤمن للامة موقعاً متقدماً بين الامم على الرغم من تمسك الدول الكبرى بحق القوة بدل من قوة الحق.
ه- ومن التحديات الايجابية ايضاً للمواطنة تعميم السلام حيث ان السلم الاهلي يعني فيما يعني المحبة، والاتفاق والتضامن والتكافل والتعاون بين افراد الشعب الواحد وبين الشعوب في العالم مما يحد من الحروب والتآمر والطغيان ويساعد في البناء الانساني.
و- وفي تعميم ثقافة المواطنة تتحقق النتيجة في الدولة بكل مناحي الحياة فيها مما يضعها في مصاف الدول المتقدمة.
ز- وفي تعميم ثقافة المواطنة ما يعزز الحوار المؤدي الى تقوية التضامن الاجتماعي، ويعزز تعلق المواطن بوطنه ودولته، ويحد من الفتن.
ح- وفي تعميم ثقافة المواطنة ايضاً والتي يشمل مفهومها حق النضال والتحرير نستطيع ان نحرر ارضنا ونبني انساننا العربي بعيداً عن الجهل والفقر والبطالة والفردية والتعصب.
ثانياً- التحديات السلبية للسلم الاهلي في غياب المواطنة:
أ- غياب ثقافة المواطنة يؤدي الى عدم احترام الحقوق والحريات والتنكيل بالانسان وحقوقه، بل بالدولة وحقوقها في الحرية والاستقلال والسيادة، من اجل ذلك نرى الحركات النضالية والتحررية تهب لتحقيق تلك الحقوق.
ب- غياب ثقافة المواطنة يؤدي الى الظلم والتمييز في المجتمع الاهلي بكل اشكاله وينتج خضات وهزات وحروب طاحنة من الصراع بين الثقافات والديانات المختلفة بسبب عدم الاعتراف بها، كما يمكن ان تؤدي الى التطرف والعنف والارهاب سواء بفعل من الداخل او بتحريض وتشجيع وتمويل وتسليح من الخارج.
ج- غياب ثقافة المواطنة يؤدي ايضاً الى الصراع على الهويات الفرعية، وغياب لروح الانتماء الى المجتمع مما يؤدي الى عدم القدرة على استرداد الكفاءات الى الوطن من الخارج بل بالعكس فانه يؤدي الى هجرة هذه الكفاءات، كما يؤدي ايضاً الى تعميم الفساد مما يضر بالمال العام ويبدده، ويعم وضع اليد على الاملاك العامة لمصالح شخصية، ويخرب تلك الاملاك وغيرها من المرافق وبذلك تتحول الدولة من دولة القانون والمؤسسات الى دولة تسود فيها شريعة الغاب ويطبق المثل القائل: "حارة كل مين ايده له".
د- في غياب ثقافة المواطنة يستبدل الانتماء للدولة والامة بانتماءات اخرى يلجأ اليها المواطن لحماية نفسه من الظلم والاستبداد.
ه- في غياب ثقافة المواطنة تستشري الواسطة والمحسوبية في كل مؤسسات الدولة الرسمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجامعية والثقافية، وفي المؤسستين الاخيرتين كارثة الكوارث.
و- في غياب ثقافة المواطنة تغييب القدرة على وضع استراتيجية وطنية للوقوف بوجه الارهاب والتطرف والعنف.
في الختام،
ان التربية على المواطنة امر مهم جداً وذلك للتداعيات الايجابية بوجودها وللتداعيات السلبية بغيابها كما ذكرناها آنفاً، خاصة وانها تؤمن التوازن بين ما هو وطني وما هو عالمي وتؤكد على الخصوصية الثقافية للوطن وبها يؤكد الانتماء الشخصي والحضاري للمواطن كي لا يتحول الوطن الى حقيبة والمواطن الى مسافر، وعلينا دائماً واجب المشاركة في وضع المواثيق والمعاهدات الدولية التي تعنى بحقوق الوطن والدولة والتحرك بعدها للمصادقة عليها من الجهات الرسمية المعنية بالدولة، والضغط الدائم للعمل بموجبها على الصعيد الوطني والاممي.