عمان - بترا - اطلق منتدى الفكر العربي برعاية رئيسه سمو الامير الحسن بن طلال، مساء امس الاحد "الميثاق الاقتصادي العربي" الذي يشكل مدخلا تحليليا للواقع التنموي في الوطن العربي وآفاقه المستقبلية. ومن ابرز الأسباب الموجبة للميثاق، الإدراك العميق لأهمية التصدي لتحديات المستقبل التي تتطلب شراكة حقيقية تقوم على اسس العدل والمساواة في الفرص والحاكمية الجيدة والنزاهة.
وتركز مبررات وأسباب الميثاق على ضرورة وصول القرار الاقتصادي العربي الوطني والمشترك الى "عقلانية مستقرة تحيّد السياسة ومنعطفاتها، وتحافظ على استقرارية الإنجاز الاقتصادي وديمومته".
الامير الحسن بن طلال وفي كلمته في حفل الإطلاق قال "ان هذا الميثاق يعد وثيقة عملية تتضمن رسالتين اساسيتين؛ الاولى هي ان للعالم العربي خيارا بأن نكون اتكاليين وضعفاء للسنوات الخمس عشرة القادمة بحيث تنمو الدولة الامنية، وتهدد مراتع البؤس الاقتصادي قيمنا وما ورثناه عن اجدادنا, أو ان نعترف بأن السنوات الخمس عشرة القادمة يمكن ان تكون غير مريحة الى حد بعيد".
اما الرسالة الثانية للميثاق فهي، "ان من الواجب علينا ان نجد في انفسنا القدرة على تجاوز تاريخ من التقسيم والحكم الاستعماريين، والبدء في التصرف ككتلة اقتصادية واحدة".
وزاد الامير الحسن، إن التنمية المستدامة تبحث دوما عن حلول حقيقية لقضية الامن الاساسي وليس بمفهومه التقليدي بتأمين الطاقة والسلاح، وإنما بتأهيل الكفاءات العربية وتطويرها وليس بتعبيد الطريق امامها للهروب والهجرة، مشيرا الى ان الفرصة ما تزال متاحة لإعادة توجيه الطاقة الكامنة العربية نحو البناء وعدم هدرها وتركها للأهواء التطرفية.
ولفت الى ان الدول العربية تعاني اليوم من نمو اقتصادي مكبوح نتيجة للأوضاع التي تجعل اقتصادات هذه الدول من ذوات الدخل المتوسط, فمصر والمغرب وتونس والاردن على سبيل المثال تقع ضمن ما يسمى "بمصيدة الدخل المتوسط"، إذ يتراوح الدخل القومي الاجمالي بالنسبة للفرد بين 5 الى 10 آلاف دولار.
واضاف، ان هذه المصيدة تجعل من الصعب على الدول العربية ان تتنافس مع الدول ذوات الدخل المنخفض من حيث العمالة الرخيصة، فيما لا تستطيع في الوقت نفسه التنافس مع الدول الصناعية المتقدمة من حيث التكنولوجيا والابداع.
وقال، ان ما يجعل من الصعب الحديث عن التكامل الاقتصادي العربي "غياب التفاعل بين الكفاءات والقدرات العربية وبين الصناعة والانتاج".
ودعا سموه الى بناء مؤسسات إنسانية كمؤسسة الزكاة بوجود ابوابها الثمانية، الامر الذي يمكنها من تحقيق الكفاءة في العيش لملايين من ابناء الوطن العربي, موضحا أن على الإنسان العربي ان يتفهم بأن الطاقات متاحة شريطة وجود مبادرات عالمية من هذا النوع.
واشار الى ان الدول المستوردة للبترول مزودة برأس المال البشري والفكري الذي يمكن ان يقود تنمية اقتصادية اكبر واكثر عدالة في الاقليم إذا قيض لها الادارة والتوزيع بشكل مناسب، خصوصا مع وجود مبالغ ضخمة من رأس المال مع امكانية تحويل طموح المواطن العربي التنموية الى واقع وحقيقة.
ويتضمن الميثاق ابوابا للحالة العربية والأسباب الموجبة، ونهوض الدولة الوطنية، اضافة الى النهوض الاقتصادي العربي المشترك.
وكرم سمو الامير الحسن المؤسسات الداعمة. بدوره، قال الأمين العام للمنتدى الدكتور محمد ابو حمور، ان الميثاق الاقتصاديّ العربي "أحد حلقات المُنجَز الفكريّ المُنتَمي في إطار الرؤيةِ الشاملة للنهوض العربيّ، وتمكين الشعوب العربية من أخذِ زِمام المبادرة في خياراتِها التنموية، ووضعِ أجندتها بنفسها لبناءِ المستقبل، على أُسسٍ من الوعي بدورِها ومكانتِها في المحيط الإنسانيّ والاقتصاديّ العالميّ، وحقِّها في الانتقال إلى الاقتصاد الإنتاجيّ، الذي يمكّنها من التشكُّل ككتلةٍ اقتصاديةٍ واحدة، لها قواسِمُها المشتَرَكة، وجغرافيتها المتّصلة، وتتشابه على الإجمال في معدلات النمو، كما تتقارب مواقِعُها في سلَّم التقدّم.
واضاف، إنَّ واقعيّة النظرة إلى الاقتصادات العربيّة التي صيغَت وَفْقها هذه الوثيقة، تمهيداً للرؤية الشاملة، من خلال المبادئ المرجعية لإمكانات التطبيق، اتجهت إلى جذر مشكلات التنمية، وفي الوقت نفسه أخذت بالاعتبار التمكين للاقتصادات الوطنية ليتسنّى لهذه الاقتصادات أن تتكامل فيما بينها أولاً، ومن ثمَّ لتصبح كتلةً قويةً قادرةً على المنافسة مع الكتل الاقتصادية الدولية. وبين أن هذا التدرّج المنطقيّ يفرضه واقع الحال في كون تلك الاقتصادات ما تزال تعتمدُ على الزراعة والخدمات، وما تزال ثرواتُها الطبيعية غير موظفة بالمستوى المطلوب لدخول مرحلة التصنيع ورفع القيمة المُضافة للثروة، حتى يتسنى تأسيس قاعدة صلبة للاقتصاد.
واوضح ابو حمور أنَّ هذه الإشكالية تضعُنا أمام تحدي التغيير العميق في المجال الاقتصادي – الاجتماعي إزاء تهديدات سبق "للميثاق الاجتماعيّ العربيّ" (الذي أعلنه المنتدى في العام 2012)، أن أشار إليها، ومنها مسائل مثل البطالة والفقر، والفجوة بين الفقراء والأغنياء، وتدنّي الإنتاجيّة، والفئات المهمّشة، وإهمال تنمية القرى والبوادي والأرياف، وظواهر الفساد والمحسوبية والواسطة، ومستوى الحاكمية، وضَعف تنمية الموارد البشرية، والعجز في المعرفة التكنولوجية، فضلاً عن مشكلات المياه والطاقة والبيئة والتجارة البينية والاستثمار. وعن خطة المنتدى بين ابو حمور، انه وبعد اطلاق الميثاق الاجتماعيّ سابقا، ومع إطلاق الميثاق الاقتصاديّ، سنعملُ على إصدار ميثاقٍ ثقافيّ عربيّ، متطلعين الى أن يكون من وسائل الاستنارة والتمكين والإسناد الثقافي الضروريّ للتنمية العربية الشاملة بمختلف جوانبها. وسيستمر المنتدى في الوقت ذاته في مبادراته ومشروعاته الكبرى التي تأخذ بالأبعاد المتنوعة، ومن أبرزها "مشروع أطلس الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف"، وقاعدة البيانات حول هذه الأوقاف، خدمة للحقوق العربية والإسلامية في المدينة المقدّسة، بحسب ابو حمور.
كما سنعمل على متابعة أنشطة الحوارات العربية- العربية، والعربية- العالمية، والمؤتمرات الشبابية، وبحث قضايا أساسية مثل التربية والتعليم، والمواطنة، والإصلاح والديمقراطية، وتوسيع شبكة التعاون والتنسيق مع العديد من مراكز البحوث والجامعات والمؤسسات الثقافية والفكرية، عربياً وعالمياً، فضلاً عن الأنشطة الجارية من محاضرات ولقاءات حول موضوعات الساعة، والكتب والإصدارات الحديثة.
وقدم كل من الدكتور جواد العناني والدكتور ابراهيم بدران عرضا لأبرز محاور الميثاق، حيث قال العناني "إن سنوات النمو المرتفعة في الناتج القومي الإجمالي في مختلف الأقطار العربية، والتي سبقت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، تزامنت تلك الطفرة في النمو مع توزيع أسوأ للثروات والمداخيل، وارتفاع في نسب البطالة وبخاصة في صفوف الشباب، وزيادة في نسبة الاقتصاد غير الرسمي، وتراجع في الأداء الإداري للحكومات، ممثلاً بكبر حجم القطاع العام، وتراجع التنافسية والإنتاجية، وزيادة الهشاشة في البنى الإنتاجية، وضعف الترابط والتبادل الاقتصادي العربي، وبخاصة في المجالين الاستثماري والتجاري".
واشار الى ان الخلافات السياسية تعطل التعاون الاقتصادي العربي، وان تشابه البنى الإنتاجية يقلل من فرص التبادل التجاري، فيما الدول العربية مقسومة إلى دول مصدرة للعمالة وأخرى مستوردة لها.
ودعا الى ضرورة تطوير الدراسات العربية, فهنالك مشكلات مشتركة بين الأقطار وهي جميعًأ تعاني من عدم كفاءة إدارة الموارد البشرية والطبيعية والمالية، وتعاني من بطالة بين الشباب، وافتئات على حقوق المرأة، وتراجع في البيئة، وعجز مزمن في المياه، وهشاشة البنى الإنتاجية, ويعاني معظمها من الربحية المفرطة، واعتماد غالبية الناس على القطاع العام في معاشهم, الامر الذي يحتم ضرورة تعزيز الاقتصاد العربي حتى يتصدى لمشكلاته الاقتصادية باقتدار. وقال "انه لم يعد التهميش في الوطن العربي مشكلة رفاهية يمكن تأجليها للغد، ولم إرجاء التعاون المشترك مقبولاً، ولا الشرذمة المالية في عالم صارت التحالفات الاقتصادية والجغرافية فيه طريقة حياة، وأسلوبًا لتعزيز الموقف التفاوضي للأمم فيما بينها". بدوره قال الدكتور ابراهيم بدران ان فلسفة الميثاق تقوم على ركائز أساسية أربعة هي, ان نهوض الدولة الوطنية وبناء اقتصادها هو الأساس لأي تعاون عربي, وأن التشارك والتشابه بين الأقطار العربية في عدد من المفردات سيكون عامل دعم لزيادة الكتلة الحرجة في عدد من القطاعات, مؤكدا أن تصنيع الاقتصاد هو البوابة الرئيسية للنهوض وبناء اقتصاد عصري, وأن تشارك الفرقاء جميعا، وهم القطاع الرسمي والقطاع الخاص والقطاع الاهلي والاكاديمي، بالتكافؤ هو الضمانة الوحيدة للنجاح.
واضاف، ان الاقطار العربية تدرك أنها وعلى المدى البعيد تسعى للتحول الى كتلة اقتصادية متماسكة ربما بحلول عام 2040 وسيكون التكتل العربي دعما للقوة الاقتصادية للدولة الوطنية وللدول العربية من خلال التشارك في المشاريع والاستثمارات والاسواق ومراكز الابحاث والتكنولوجيا وتعزيز الرأسمال البشري في الاتجاهات المختلفة.
واشار بدران الى ان الاقطار العربية على يقين راسخ بأن التحول الى الاقتصاد الصناعي الاجتماعي هو حجر الزاوية لاستقرار الدولة الوطنية منفردة والدول العربية مجتمعة وتقدمها لتكون جزءا فاعلا في الحضارة الانسانية لا مستهلكة لمنتجاتها، ولا يتحقق كل ذلك الا بالمشاركة المجتمعية وبالتوافق والتكافؤ بين مختلف الشركاء والقوى حيث يستحيل على الحكومات أو أية قوى سياسية منفردة الاضطلاع بمهام النهضة والتحديث.
واكد ان على السياسيين والمفكرين والعلماء والمثقفين ومنظمات المجتمع المدني والإعلام دورا تاريخيا في تعزيز مفاهيم هذا الميثاق، والعمل على تنفيذه بالصورة الافضل حتى يكون للمنطقة مستقبل اكثر ازدهارا واعلى شأنا.
كــــلمـــة
معالي الدكتور محمد أبو حمّور
الأمين العام لمنتدى الفكر العربي
بسم الله الرحمن الرحيم
وأصلي وأسلم على رسوله الكريم
وعلى آله وصحابته ومَنْ والاهُ أجمعين
صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، حفظه الله ورعاه،
أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة والسعادة،
الإخوة الضيوف من خارج الأردن،
السيدات والسادة أعضاء منتدى الفكر العربيّ،
الحضور الكِرام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يُسعِدُني ونحن نبدأُ هذا الحَفل لإطلاقِ "الميثاق الاقتصاديّ العربيّ"، أن أشكرَ لكم تفضُلكم بمشارَكةِ منتدى الفكر العربيّ في هذهِ المناسبة المباركةِ بإذنِ الله، تعبيراً عمّا نتطلَّع إليه جميعاً؛ بل ما تتطلّع إليه الأمّة بأسرِها من فتح نوافذِ الضوء والأمل من جديد نحو صَلاحِ الحاضر، وامتلاك تقريرِ مستقبلِ أجيالها الحالية والقادمة، مستهديةً بالإيمانِ بأنها أُمّةٌ حَمَلت إلى البشريةِ جمعاء رسالةً من أسمى الرسالات؛ روُحاً وحضارةً وفكراً وعِلماً، وكانَ لها إسهامُها المؤثِّر في تقدُّم الحضارة الإنسانيةِ، وفي فتحِ الآفاق الفكرية أمام العَالمِيْن لتكونَ الحضارة سلاماً واستقراراً وإبداعاً وتنوعاً في المشاركة؛ لا صِداماً وتفتيتاً لطاقاتِ الإنسان، وتشتيتاً للعقولِ.
ذلك قبل أن يكون الصدام والنزاعات تشريداً للبشر وتقطيعاً لأوصال الإنسانية والأوطان، مما نشأَ عنه في عالم اليوم هذا الضياع للثروات، والتفريط بِهبات الخالق – جلَّت قدرتهُ – على هذا الكوكب.
مِن وحي هذه المعاني، التي لخّصها شعار المنتدى بكلمتيّ "الانتماء والإنماء"، منذُ تأسيسهِ قبل أكثر من ثلاثين عاماً، انطلقت المشروعات والمبادرات التي نهضَ بها، متجاوزاً ظروفاً دقيقةً وحساسة مرَّت بها مِنطَقَتُنا العربية والإقليم والعالم، ومراحلَ وأوضاعَ كادَ اليأسُ أن يطفىء فيها جذوة الآمال.
لكنَّ شعلة الفكر لا تخبو، فظلَّ هذا المنتدى، بجهود أعضائه المخلصة وتوجيهات رئيسه وراعيه صاحب السموّ الأمير الحسن بن طلال – حفظه الله – ومشاركته ومتابعته المباشرة، منارةَ حوارٍ، وخليةَ أفكارٍ ورؤى، ومعهدَ بحثٍ ودرسٍ واستشرافٍ للقضايا المصيرية في الوطنِ العربيّ، على مختلِف الصُّعدِ وفي كلِّ المجالات.
وما "الميثاق الاقتصاديّ العربي" سوى إحدى حلقات المُنجَز الفكريّ المُنتَمي في إطار الرؤيةِ الشاملة للنهوض العربيّ، وتمكين الشعوب العربية من أخذِ زِمام المبادرة في خياراتِها التنموية، ووضعِ أجندتها بنفسها لبناءِ المستقبل، على أُسسٍ من الوعي بدورِها ومكانتِها في المحيط الإنسانيّ والاقتصاديّ العالميّ، وحقِّها في الانتقال إلى الاقتصاد الإنتاجيّ، الذي يمكّنها من التشكُّل ككتلةٍ اقتصاديةٍ واحدة، لها قواسِمُها المشتَرَكة، وجغرافيتها المتّصلة، وتتشابه على الإجمال في معدلات النمو، كما تتقارب مواقِعُها في سلَّم التقدّم.
إنَّ واقعيّة النظرة إلى الاقتصادات العربيّة التي صيغَت وَفْقها هذه الوثيقة، تمهيداً للرؤية الشاملة، من خلال المبادىء المرجعية لإمكانات التطبيق، اتجهت إلى جذر مشكلات التنمية، وفي نفس الوقت أخذت بالاعتبار التمكين للاقتصادات الوطنية ليتسنّى لهذه الاقتصادات أن تتكامل فيما بينها أولاً، ومن ثمَّ لتصبح كتلةً قويةً قادرةً على المنافسة مع الكتل الاقتصادية الدولية.
وهذا التدرّج المنطقيّ يفرضه واقع الحال في كون تلك الاقتصادات ما تزال تعتمدُ على الزراعة والخدمات، وما تزال ثرواتُها الطبيعية غير موظفة بالمستوى المطلوب لدخول مرحلة التصنيع ورفع القيمة المُضافة للثروة، حتى يتسنى تأسيس قاعدة صلبة للاقتصاد.
إنَّ هذه الإشكالية تضعُنا أمام تحدي التغيير العميق في المجال الاقتصادي – الاجتماعي إزاء تهديدات سبق "للميثاق الاجتماعيّ العربيّ" (الذي أعلنه المنتدى في العام 2012) أن أشار إليها، ومنها مسائل مثل البطالة والفقر، والفجوة بين الفقراء والأغنياء، وتدنّي الإنتاجيّة، والفئات المهمّشة، وإهمال تنمية القرى والبوادي والأرياف، وظواهر الفساد والمحسوبية والواسطة، ومستوى الحاكمية، وضَعف تنمية الموارد البشرية، والعجز في المعرفة التكنولوجية، فضلاً عن مشكلات المياه والطاقة والبيئة والتجارة البينية والاستثمار.
تلكَ قضايا رأى معها الميثاق الاقتصادي أن الحاجة أصبحت ضروريةً إلى مؤسسات جديدة في بعض هذه المجالات، وإلى إعادة تعريف دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للجامعة العربية وغيره من المؤسسات، ومن منطلق إصلاحيّ لا تثويريّ، قائم على العقلانية وإعادة المؤسسية إلى العمل العربي المشترك.
السيدات والسادة،
صحيحٌ أن هذا الميثاق وسابقه "الاجتماعي" جاءا خلال حِقبة يمكن أن تسمّى سنوات "الربيع العربيّ" وتداعيات مرحلة انتقالية للمجتمعات العربية، واستمرار الاضطراب وعدم الاستقرار في أجزاء متعددة من الوطن العربيّ، وفي ظلِّ هواجس من مستقبلٍ ضبابيّ تزيدُ في حدّتها الأطماع الخارجية والفتن الداخليّة.
لكن علينا أن ندركَ أنَّ صنع المستقبل لا يمكن أن يكون قُطرياً، ولا يمكن لدولة أن تبقى بمعزلٍ عن تأثيرات ما حولَها.
وليس تأكيدنا في هذا الميثاق وسواه من أدبيّاتِ خطابنا الفكريّ على "العمل العربيّ المشترك" إلا من باب الواقعيّة لا الأحلام المجنّحة، والدعوة القائمة على أساسٍ من تفكير وتدبّر في أنَّ الاقتصاد هو محورٌ رئيسيّ في استقلال القرار العربي على المستويات كافة، والضمانة لتحقيق ما نرنو إليه من عدالة اجتماعية وتقدمٍ وكرامةٍ إنسانية.
إنّنا نضعُ كلّ هذه الاعتبارات ضمن رؤية معرفية واسعة تعبِّرُ عنها أهداف منتدى الفكر العربيّ وفلسَفتُها، وطبيعة الأنشطة التي ينهضُ بها.
فبعد الميثاق الاجتماعيّ، وهذا الميثاق الاقتصاديّ، سنعملُ على إصدار ميثاقٍ ثقافيّ عربيّ، متطلعين أن يكون من وسائل الاستنارة والتمكين والإسناد الثقافي الضروريّ للتنمية العربية الشاملة بمختلف جوانبها.
وفي نفس الوقت، فإنَّ المنتدى مستمرّ في مبادراته ومشروعاته الكبرى التي تأخذ بالأبعاد المتنوعة، ومن أبرزها – على سبيل المثال لا الحصر- "مشروع أطلس الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف" وقاعدة البيانات حول هذه الأوقاف، خدمة للحقوق العربية والإسلامية في المدينة المقدّسة.
كما نعمل بدأب على متابعة أنشطة الحوارات العربية- العربية، والعربية- العالمية، والمؤتمرات الشبابية، وبحث قضايا أساسية مثل التربية والتعليم، والمواطنة، والإصلاح والديمقراطية، وتوسيع شبكة التعاون والتنسيق مع العديد من مراكز البحوث والجامعات والمؤسسات الثقافية والفكرية، عربياً وعالمياً، فضلاً عن الأنشطة الجارية من محاضرات ولقاءات حول موضوعات الساعة، والكتب والإصدارات الحديثة.
لا بد لي في خِتام هذه الكلمة من توجيه أسمى معاني الشكر والتقدير لسيدي صاحب السمو الأمير الحسن بن طلال، الذي أطلقَ فكرة هذه المبادرة الحضارية، وكذلك جزيل الشكر لأعضاء لجنة الميثاق الاقتصادي من أهل الفكر والخبرة، الذين تواصلت جهودهم ومساهماتهم للخروج بهذه الوثيقة وإنجازها على هذا النحو المشرّف، وأشكر أيضاً كادر منتدى الفكر العربي على تقديم الدعم اللوجستي لأعمال اللجنة، والمؤسسات الداعمة والمتعاونة في تنظيم هذا الحفل، وكل مَنْ ساهمَ معنا أو شارك في هذاالعمل النبيل.
جزاكم الله جميعاً كل الخير وبارك في جهودكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة الدكتور جواد العناني
إطلاق الميثاق الاقتصادي العربي
عند تكليفنا زميلي الدكتور إبراهيم بدران وأنا من قبل سمو رئيس مجلس أمناء منتدى الفكر العربي لإعداد مسودة ميثاق اقتصادي عربي، كان لا بد لنا من التصدي لعدد من القضايا قبل الولوج في هذه المهمة الثقيلة. فنحن ندرك أن منتدى الفكر العربي برئاسة مفكر كبير كصاحب السمو الأمير الحسن بن طلال، وعضوية عدد كبير من قادة الفكر وأصحاب التجربة في الوطن العربي يجب أن يقدم منتجًا يرقى إلى ذلك المستوى، ويكون أيضًا استجابة للظروف الدقيقة التي يمر بها وطننا العربي، وأن يكون ذا إطلالة استشرافية على مقبلات الأيام والسنين.
وكان السؤال المنهجي الأول الذي بين أيدينا هو لماذا نقدم ميثاقًا اقتصاديًأ عربيًا في هذا الوقت؟ أليس الأجدى بنا أن نتصدى لوضع حلول عملية قابلة للتطبيق في الوقت الحاضر؟ ولكن توجهات سمو رئيس مجلس الأمناء كانت واضحة، فنحن معشر المفكرين يجب أن نبقي جذوة الأمل متقدة مشتعلة حتى في أحلك الظروف وأكثرها ظلمة. وفي الظروف الصعبة التي تهز الوطن العربي أو أقطاره، وتفتح الأبواب مشرعة على احتمالات كبيرة ونظريات متعددة حول صيرورة الأمور واحتمالات التفتت والتشظي، إلا أن الإشكالية الاقتصادية تبقى سببًا فيما نشهد ورمزًا على أداء النظم العربية، وهدفًا لتحقيق حياة أفضل للشعوب العربية، ومن منا لم يلحظ أن سنوات النمو المرتفعة في الناتج القومي الإجمالي في مختلف الأقطار العربية ، والتي سبقت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، قد تزامنت تلك الطفرة في النمو مع توزيع أسوأ للثروات والمداخيل، وارتفاعاً في نسب البطالة وبخاصة في صفوف الشباب، وزيادة في نسبة الاقتصاد غير الرسمي، وتراجعاً في الأداء الإداري للحكومات ممثلاً بكبر حجم القطاع العام، وتراجع التنافسية والإنتاجية، وزيادة الهشاشة في البنى الإنتاجية ، وضعف الترابط والتبادل الاقتصادي العربي، وبخاصة في المجالين الاستثماري والتجاري.
وحيث إن المنتدى كان قد أطلق في شهر كانون الثاني (ديسمبر) من عام 2012 الميثاق الاجتماعي العربي، يصبح من نافلة القول ومن الطبيعي أن يُستكمَل ذلك الجهد بميثاق اقتصادي عربي يؤكد على عمق العلاقة في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، وأنهما في كثير من المشاكل والحلول والأهداف يصبح الجانبان وجهين لعملة واحدة. ومن الأمثلة على ذلك العنف والتطرف، وتآكل الطبقة المتوسطة، والفقر، وسوء توزيع الدخل والثروة، وضعف سوق العمل، والهجرة سواء أكانت بشرية أم طوعية، أو كانت مدفوعة أم مجذوبة، أو كانت جماعية أم فردية.
ولهذا صار من المنطقي، وبعد مرور ما يقارت الثلاث سنوات على إطلاق الميثاق الاجتماعي العربي أن يأتي الميثاق الاقتصادي العربي.
وأما الفرضية المنهجية الثانية التي كان لا بد أن نتصدى لها في قراءة المشهد الاقتصادي العربي بأسلوب جديد، فقد صدرت كثير من الأبحاث عن الاقتصادات العربية، وعلاقاتها الاقتصادية البيئية، وأسباب ضعف التعاون والتكامل البيني، وقد بقيت أدبيات تلك الدراسات تطارد عقولنا لسنوات طويلة. وقد كنا نقول إن الخلافات السياسية تعطل التعاون الاقتصادي، وإن تشابه البنى الإنتاجية يقلل من فرص التبادل التجاري، وإن الدول العربية مقسومة إلى دول مصدرة للعمالة وأخرى مستوردة للعمالة وهلم جرا. وقد وصفت دول النفط بالخليج بالدول الغنية والباقون مقسمون بين دول متوسطة الدخل أو متدنية الدخل. ولعل المحاولة الأولى المتميزة التي جاءت لتصنع استراتيجية التنمية العربية، وعقد التنمية العربية، كانت في تلك الدراسات الرصينة التي أعدها زمرة من الخبراء العرب وانتهت بوثائق أقرتها أول قمة اقتصادية عربية، والتي عقدت في عمّان عام 1980، وكانت المناسبة التي أطلق فيها سمو الأمير الحسن مبادرة إنشاء منتدى الفكر العربي.
ولكن آن الآوان أن نطور نظرتنا ودراساتنا للوطن العربي، فهنالك مشكلات مشتركة بين الأقطار وهي جميعًأ تعاني من عدم كفاءة إدارة الموارد البشرية والطبيعية والمالية، وتعاني من بطالة بين الشباب، وافتئات على حقوق المرأة، وتراجع في البيئة، وعجز مزمن في المياه، وهشاشة البنى الإنتاجية. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن معظمها يعاني من الربحية المفرطة، واعتماد غالبية الناس على القطاع العام في معاشهم. ألا تكفي هذه الأمور أن تكون دافعًا من أجل تعزيز الاقتصاد العربي حتى يتصدى لمشكلاته الاقتصادية باقتدار.
والأرقام واضحة ونحن أمام تحديات المياه بأجلى وأدق صورها. ويشك المرء إنْ - لا سمح الله - جُزيء المجزأ، وقُسم المقسم بين الأقطار أن يستطيع كل قطر أو كيان عربي مواجهة التحديات المستقبلية في تأمين عيش كريم وفرص عمل مجدية، وتجسير للفجوات بين الحاكم والمحكوم، والحفاظ على الكيانات من أن تنفجر من الداخل. ولذلك أصبح التعاون ضرورة قصوى.
ومن هنا نرى أن ظروف الوطن العربي لم تعد كما كانت، بل على المسؤولين وأولياء الأمور أن يدركوا أن التعاون مع الجيران، والتعاضد لحل المشكلات هو الدافع الأنجع.
ولذلك بدأنا في إعداد المياق بتعريف المتغيرات الجديدة والتحديات المشتركة في الوطن العربي.
ومن بعد ذلك تعرضنا لأهم التحديات في القطاعات المختلفة. وهو ما سيتحدث عنه زميلي معالي الدكتور إبراهيم بدران، وكان لا بد أيضًا أن نحدد المسارات الأساسية المطلوبة لتعزيز العمل العربي المشترك، مركزين على المياه، والنقل، والبنى التحتية، والاستثمار المتبادل، وتعزيز المبادرة وروح المخاطرة لدى الشباب.
لم يعد التهميش في الوطن العربي مشكلة رفاهية يمكن تأجليها للغد، ولا إرجاء التعاون المشترك مقبولاً، ولا الشرذمة المالية في عالم صارت التحالفات الاقتصادية والجغرافية فيه طريقة حياة ، وأسلوبًأ لتعزيز الموقف التفاوضي للأمم فيما بينها.
كلمةالدكتور ابراهيم بدران
الميثاق الاقتصادي العربي
تقوم فلسفة الميثاق على ركائز أساسية أربع:
الأولى: أن نهوض الدولة الوطنية وبناء اقتصادها هو الأساس لأي تعاون عربي.
الثانية: أن التشارك والتشابه بين الأقطار العربية في عدد من المفردات سيكون عامل دعم لزيادة الكتلة الحرجة في عدد من القطاعات .
الثالثة: أن تصنيع الاقتصاد هو البوابة الرئيسية للنهوض ولبناء اقتصاد عصري .
الرابعة: ان تشارك الفرقاء (القطاعات) جميعا وهي القطاع الرسمي والقطاع الخاص والقطاع الاهلي والاكاديمي بالتكافؤ هو الضمانة الوحيدة للنجاح.
يعتمد التعاون العربي الثنائي أو الجماعي على نجاح الخطط الوطنية للنهوض اذ يصعب على الدول المتخلفة او المتعثرة او ذات الاقتصادات الهشة ان تجتمع في تكتل اقتصادي قوي ودائم وتقوم فلسفة التعاون العربي على مرتكزين اساسيين:
ان الاقطار العربية على يقين راسخ بأن التحول الى الاقتاصد الصناعي الاجتماعي هو حجر الزاوية لاستقرار الدولة الوطنية منفردة والدول العربية مجتمعة وتقدمها لتكون جزء فاعلا في الحضارة الانسانية لا مستهلكة لمنتجاتها ولا يتحقق كل ذلك الا بالمشاركة المجتمعية وبالتوافق والتكافؤ بين مختلف الشركاء والقوى حيث يستحيل على الحكومات أو أية قوى سياسية منفردة الاضطلاع بمهام النهضة والتحديث . ويترتب على السياسيين والمفكرين والعلماء والمثقفين ومنظمات المجتمع المدني والاعلام دور تاريخي في تعزيز مفاهيم هذا الميثاق والعمل على تنفيذه بالصورة الافضل حتى يكون للمنطقة مستقبل اكثر ازدهارا واعلى شأنا.