المشاركون يناقشون التحديات الإقليمية والتعاون الاقتصادي وبناء مجتمع لمستقبل أفضل
د. أبو حمور: نتطلع إلى الاستفادة من تجربة كوريا التنموية في مختلف المجالات
د. أبو حمور: حلول القصور التنموي تتطلب الانفتاح والتعاون والتكامل العربي الإقليمي
أعرب د. محمد أبو حمور، الأمين العام لمنتدى الفكر العربي، عن تقديره لنتائج المنتدى الثاني عشر لتعاون كوريا والشرق الأوسط، الذي نظمه في سيؤل (25-26/10/2015) معهد جيجو للسلام والجمعية الكورية العربية بالتعاون مع منتدى الفكر العربي، وبرعاية من وزارة خارجية جمهورية كوريا الجنوبية. وقال د. أبو حمور: إن هذه الدورة من المنتدى عُقدت تحت عنوان "شراكة من أجل السلام والازدهار والشعوب: توسيع آفاق التعاون الكوري الشرق أوسطي"، وجاءت في ضوء التوصيات المنبثقة عن الدورة الحادية عشرة التي عُقدت في عمّان أواخر العام الماضي، برعاية صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال. وأضاف أن هذا المنتدى بدوراته المتعاقبة يشكل حلقات أساسية في دراسة القضايا ذات الاهتمام المشترك بين كوريا والوطن العربي، بما في ذلك التحديات المتعلقة بالأمن والاستقرار في منطقتنا، والتعاون الاقتصادي، وبناء مستقبل أفضل للجميع.
وأشار د. أبو حمور إلى ما جاء في الكلمة الافتتاحية لوزير الخارجية الكوري السيد يون بيونغ سي من تأكيد على نقاط الشراكة الخمس الأقوى بين كوريا والشرق الأوسط، والمتمثلة في التخطيط لشراكة اقتصادية جديدة لعصر ما بعد النفط، وزيادة مساهمة كوريا في إحلال السلام بالمنطقة، وتفعيل الدبلوماسية الشعبية "من القلب إلى القلب"، مع التركيز بشكل خاص على الناس والجوانب الإنسانية والتبادلات الثقافية، وتعزيز التعاون مع الآليات الإقليمية، وكذلك التواصل الاستراتيجي بوسائل متنوعة.
وكان د. أبو حمور قد قال في كلمته بحفل افتتاح المنتدى التي ألقاها بالإنابة عنه د. نبيل الشريف عضو منتدى الفكر العربي: إن كوريا، البلد والشعب والتجربة، تمثل لنا في المنطقة العربية محوراً رئيسياً في تعظيم المشتركات وإغناء التعاون والتبادل، ليس على المستوى الاقتصادي والتجاري فحسب، وإنما على جميع المستويات التي تتشكّل عبرها ثقافة العمل والإنتاج وبناء الإنسان وتنمية المجتمع. وإن الاهتمام العربي في جزء كبير منه يعود إلى التطلع للاستفادة من التجربة الآسيوية التنموية، وتجربة كوريا بالذات التي تحتل المرتبة الثالثة عشرة عالمياً في حجم اقتصادها، وبالتالي تحتل مكانة هامة ضمن مجموعة الدول الاقتصادية الكبرى في العالم G20، فضلاً عما لكوريا من إنجازات في التخطيط الاستراتيجي للتقدم اقتصادياً وتكنولوجياً وصناعياً، وإصلاحات هيكيلية أثبتت فاعليتها، وتأهيل للموارد البشرية، وغير ذلك.
وأشار في هذا المجال إلى أن سمو الأمير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي، بادر منذ عقود عدة إلى الدعوة للحوار والتعاون بين منطقتنا وشرق آسيا، انطلاقاً من رؤية شموليّة عبر قطرية وعبر إقليمية؛ بل عبر قاريّة لتضييق الفجوة الآخذة بالاتساع بين الجنوب والشمال في عالم اليوم، بسبب النظام الاقتصادي والسياسي الدولي المعاصر، مما يؤكد ضرورة الحوار وتفعيل التعاون بين الجنوب والشمال، وأيضاً وبنفس الأهمية بين الجنوب والجنوب، من أجل عالمٍ إنساني أكثر عدلاً واستقراراً، يستطيع مواجهة التحديات الرئيسية للبلدان النامية والناهضة، من خلال تبنّي جدول أعمال مشترك يعالج جملة تداعيات تفرضها تلك التحديات في الواقع الدولي.
وأوضح د. أبو حمور، مشيراً إلى ما تضمنه "الميثاق الاقتصادي العربي" الذي أعلنه منتدى الفكر العربي في أيلول الماضي، أن إيجاد الحلول للكثير من مشكلات القصور التنموي (كالفقر، والمديونية، والبطالة، والفئات المهمشة، وتنمية الأرياف والبوادي، وضعف الحوكمة، والإصلاح الإداري، والمشاريع الإنتاجية، والمعرفة التكنولوجية، والمياه، والطاقة، والبيئة)، لا تنحصر في مجموعة أقطار يمكنها، على مستوى قطري فقط، معالجة هذه المشكلات، لأن مثل هذه التحديات تفوق قدرات أي قطر على مواجهتها بصورة منفردة، مما يفرض ضرورة التكامل والتعاون بين الجميع عربياً وإقليمياً، ضماناً لسلامة مصالح الشعوب وفرص تقدمها، منوهاً بأهمية التبادل الثقافي والأكاديمي، والتعاون في مجال البحث العلمي الذي تحتل كوريا مرتبة متقدمة جداً فيه، مما يعطي المزيد من الحوافز لبلورة الرؤى والروابط المشتركة بين الشعب الكوري الصديق والشعوب العربية، وتحقيق ما يطمح إليه الجانبين من تعاون وسلام عالمي.
ألقيت في حفل الافتتاح أيضاً كلمتين لكل من الدكتور كيم إن شول رئيس الجمعية الكورية العربية، والسيد مون تاي- يونغ رئيس معهد جيجو للسلام، أشارا فيها إلى إنجازات منتدى التعاون عبر المناقشات التي شهدتها دوراته المتعاقبة، والتي عُقدت في سيؤل وعدد من العواصم العربية، في تعزيز سبل التفاهم المتبادل وتعميق التعاون بين جمهورية كوريا والشرق الأوسط من جانب، ومساهمته المستمرة في توسيع أسس السياسة الخارجية لجمهورية كوريا تجاه الشرق الأوسط والبلدان العربية من جانب آخر.
ناقشت دورة المنتدى الثانية عشرة في سيؤل ثلاثة محاور رئيسية، بمشاركة (250) شخصاً من باحثين ومسؤولين حاليين وسابقين رفيعي المستوى من كوريا والبلدان العربية وعدد من بلدان الشرق الأوسط، وأعضاء من منتدى الفكر العربي، وأعضاء السلك الدبلوماسي في جمهورية كوريا، واقتصاديين، وأكاديميين، وممثلي وسائل الإعلام.
تناول المحور الأول موضوع التحديات في المنطقة، الذي قدم فيه المشاركون تحليلات وتوصيات بشأن قضايا الأمن والاستقرار الإقليمي؛ بما في ذلك الوضع في سورية وأزمة اللاجئين السوريين، والآثار المترتبة على الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، والقضية النووية لكوريا الشمالية. وشارك في هذا المحور السيد أيمن المفلح، الأمين العام للهيئة الخيرية الهاشمية الأردنية، بورقة حول اللجوء السوري في الأردن، وكذلك أ.د. ماتيه ري من الكوليج دي فرانس حول مواجهة آسيا للأزمة السورية، و د. جانغ جي هاينغ من معهد دراسة السياسات في كوريا، والسيد ياسر مراد مساعد وزير خارجية مصر للشؤون الآسيوية حول تداعيات الاتفاق النووي الإيراني. كما شارك في مناقشة أوراق هذا المحور العين د. جواد العناني، عضو منتدى الفكر العربي، إلى جانب أ.د. سونغ يونغ هون من جانغاون الكورية، و د. إنعام مهدي علي السلمان من جامعة بغداد.
وترأس العين د. جواد العناني، الجلسة الثانية التي ناقشت محور التعاون الاقتصادي- التحديات الجديدة والفرص، بما في ذلك سُبل التعاون المالي بعد انخفاض أسعار النفط بورقة قدمها د. لي كوان هايانغ من معهد كوريا لسياسات الاقتصاد العالمي، والتعاون في مجال الخدمات الصحية والطبية بورقة للسيد مون جوينغ من جامعة سيؤل الوطنية. وشارك في نقاش موضوعات المحور د. شاو دو يول، والسيد شانغ شول بوك، و د. محمود القيسي من جامعة بغداد.
أما المحور الثالث، الذي ترأسه السفير الأردني في كوريا السيد عمر النهار، فقد اشتمل على عروض ومناقشات حول سُبل بناء مجتمع أكثر سعادة في المستقبل، وشارك في تقديم مداخلاته كل من: د. هناء القلال وزيرة التعليم العالي السابقة في ليبيا وعضو منتدى الفكر العربي، بورقة حول توسيع حقوق المرأة، و د. شي شانغ غاين عن بطالة الشباب في كوريا الجنوبية، و د. نبيل الشريف عضو منتدى الفكر العربي حول بطالة الشباب في الشرق الأوسط. وشارك في مناقشة موضوعات هذا المحور د. أوم إكران من جامعة دانكوك الكورية، والسيد حميد الحمادي رئيس جمعية الصداقة الإماراتية الكورية، وطالبة الماجستير سارة أبو شمالة في جامعة سيؤل الوطنية، من الأردن.
واختُتم المنتدى بكلمة ألقاها الأمين العام للجمعية الكورية العربية السيد شونغ يونغ شيل.
The 12th Korea- Middle East Cooperation Forum
Seoul/ Republic of South Korea
26/10/2015
Speech of H.E. Dr. Mohammad Abu-Hammour
Secretary General of the Arab Thought Forum
(Opening Ceremony)
our Excellencies,
Ladies and Gentlemen,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
On behalf of the Arab Thought Forum, I would like to thank our partners, the Korea-Arab Society and the Jeju Peace Institute for the warm welcome and the gracious hospitality shown to our delegation.
I would also like to take this opportunity to thank the Korean Ministry of Foreign Affairs and the Korean Embassy in Amman for the support they have provided to the 12th Korea-Middle East Cooperation Forum.
I would like to convey our appreciation for the contribution made by HE Dr. Intaek Han and his team; we could not have planned for this forum without their help, support and collaboration. This has resulted in building a partnership valuable to all partners, which, as HE Foreign Minister YnByung-se said in our meeting last year,is based on shared vision and goals, going beyond the existing areas of cooperation and setting out for collaboration in new areas.
Let me begin by conveying to you the warm greetings of HRH Prince El Hassan bin Talal, Chairman of the Arab Thought Forum and his best wishes for a successful meeting and fruitful discussions.
His Royal Highness has called, over the years, for dialogue and cooperation between our region and East Asia. Prince El Hassan emphasized the need to bridge the gap between North and South caused by the current economic and political situation. There is a need for refocusing on the North-South and South-South dialogue and cooperation, by reflecting on key interconnected patterns of development and the tools needed to empower communities to combat the development challenges facing our regions.
Adopting this vision since its establishment in 1981, the Arab Thought Forum has initiated a series of Arab-International dialogue, including East Asia, with the participation of Arab and international thinkers, academics, institutes and organizations. The dialogue with East Asia highlighted the contribution our organizations could make through developingeffective partnershipsand building bridges between its people, thus serving the real interest of our common humanity. We look to East Asia for inspiration and try to learn and benefit from their experience in sustainable development. We also need to recognize the interdependencybetween East and West Asia which reflects the principle human, geopolitical, economic and strategic factors that influence these regions in particular, and the world in general.
The 11th Korean-Middle East Cooperation Forum held in Amman in December last year focused on the economic relations between Korea and the Arab world. This is attributed to our belief that there are lessons from the East Asian experience in sustainable development, and particularly Korea, that Arab countries could learn from and adapt to their own situations. Post-war Korean economic development has been impressive. Korea was successfully able to overcome challenges and transform its economy andhas become today a significant member of the G-20 with a market economy that ranks 13thin the world. Kang-ho Park, a visiting fellow at Brookings wrote: “Korea’s chairmanship of the G-20 in 2010 represents an opportunity to bring development issues to the forefront of global economic policy discussions, and Korea can serve as a bridge between the developing and developed worlds through its own experience and expertise”[1].
We look forward to further strengthening and expanding our partnership and cooperation with Korea based on shared values and common goals for the benefit of our regions. We can reinforce our partnership within the regional frameworks such as holding regular joint meetings similar to our meeting today, and through research and information exchange on development and humanitarian challenges facing the region, as well as discussing economic opportunities that could havevital impact for a better world. We hope to build a joint vision for better strategies and policies aimed at realizing the core theme of “Partnership for Peace and Prosperity for our People”.
The Arab world is struggling with its worst humanitarian crisis yet. The unraveling situation in the region is leading to the mass displacement of people, leaving refugees and displaced people deeply vulnerable and in need of assistance. Furthermore, The Palestinian issue, the failing of the peace process and the Israeli aggression on Jerusalem and its Holy places,the resort to excessive use of force against defenseless civilians, in addition to sectarian and ethnic dispute, and the emergence of extremists groups are threatening our region. The impact of these threats transcends the Arab world and is a direct challenge to the international peace and security.
When discussing these challenges, we need to consider the link between economics and politics. What may have started asgenuine endeavors by civilians to achieve social, political and economicchange is now being hijacked by the politicized or extremists groups who use unemployment, frustration with the political and economic situation as reasons to attract youth to join their organizations.
The “Arab Economic Charter”, launched by ATF this year states that Arab countries need to provide over 10 thousand new jobs yearly per one million inhabitant, as well as attracting investments that exceeds $250 billion yearly to meet the additional needs of job seekers and labor markets. Moreover, the WANA region embraces 20 million uprooted persons whether seeking refuge in neighboring countries or being displaced in their own country.
We need to analyze the regional challenges facing our countries such as poverty, unemployment, lack of governance, marginalized groups, development of rural and arid lands, administrative reform, environment, and water and energy challenges. These challenges cannot be solved by one country alone; there is a need for regional cooperation to confront challenges to promote peace, stability and prosperity to people of the region.
Even though these challenges maybe significant, the Arab world enjoys considerable natural and human resources that enables it to be a capable and effective economic partner. If we take cooperation relations between Korea and countries like Jordan and United Arab Emirates as an example, then we can strategically think of a future framework for regional cooperation and exchange of expertise in terms of training and rehabilitation, acquiring technical expertise for small and medium enterprises (SME), support of manufacturing industries, promoting tourism and attracting investments.
Furthermore,cultural cooperation and encouraging the dialogue between cultures is essential for bringing people together in hope of building a better, more just and safer world that reminds us of our shared humanity.
I look forward to hearing your insightful thoughts, ideas and suggestions during our discussions today.
Thank you.
المنتدى الثاني عشر لتعاون كوريا والشرق الأوسط
The 12th Korea- Middle East Cooperation Forum
(سيول/ كوريا الجنوبية؛ 26/10/2015)
كلمة معالي الدكتور محمد أبو حمور
الأمين العام لمنتدى الفكر العربي
(حفل الافتتاح)
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
صباح الخير.
يسعدني أن أبدأ كلمتي هذه بتوجيه جزيل الشكر باسم منتدى الفكر العربي، على حُسن الاستقبال والاستضافة إلى شركائنا في تنظيم هذه المنتدى الثاني عشر لتعاون كوريا والشرق الأوسط The 12th Korea- Middle East Cooperation Forum:
واسمحوا لي أن أشكر بشكل خاص وزارة الخارجية لجمهورية كوريا على دعمها القيّم لهذا المنتدى، والتعاون والتنسيق الدقيق اللذين قدمتهما من خلال السفارة الكورية في عمّان.
لقد استمرت الاتصالات بيننا طوال الأشهر الماضية، ومن خلال سعادة Dr. Intaek Han، وهو يستحق والطاقم الذي يعمل معه بالغ الشكر على الجهود الموصولة والمتابعة الحثيثة، وأثمرت أن نتشرف بلقائكم في سيول اليوم، نتيجة هذا الاهتمام المُتبادَل في توسيع آفاق الشراكة العربية- الكورية في مجالات متعددة، والوصول بها إلى أفضل المستويات لصالح شعوبنا وبلداننا.
ويشرّفني في هذه المناسبة أن أنقلَ إليكم جميعاً تحيات رئيس منتدى الفكر العربي، صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال المعظم، وتمنياته الطيبة واهتمامه بنجاح أعمال هذا اللقاء وتحقيق أهدافه. ونأمل في لقاءات قادمة أن يكون بيننا ويُشاركنا في النقاش؛ إذ لم يتمكن في هذه المرة من تشريفنا بالحضور بسبب كثافة برنامج مواعيده.
إن سموّه – كما تعلمون – كان مبادراً منذ سنين طويلة سابقة إلى الدعوة للحوار والتعاون بين منطقتنا وشرق آسيا، انطلاقاً من رؤية شموليّة عبر قطرية وعبر إقليمية؛ بل عبر قاريّة لتضييق الفجوة الآخذة بالاتساع بين الجنوب والشمال في عالم اليوم، بسبب النظام الاقتصادي والسياسي الدولي المعاصر، مما يؤكد ضرورة الحوار وتفعيل التعاون بين الجنوب والشمال، وأيضاً وبنفس الأهمية بين الجنوب والجنوب، من أجل عالمٍ إنساني أكثر عدلاً واستقراراً، يستطيع مواجهة التحديات الرئيسية للبلدان النامية والناهضة، من خلال تبنّي جدول أعمال مشترك يعالج جملة تداعيات تفرضها تلك التحديات في الواقع الدولي.
إن هذه الرؤية التي يتبناها منتدى الفكر العربي منذ تأسيسه في بدايات ثمانينات القرن الماضي، انتجت سلسلة طويلة من الحوارات العربية مع النخب الفكرية في الشرق والغرب على السواء، بما في ذلك - وبشكل رئيسي - منطقة شرق آسيا التي تمثل العلاقة مع بلدانها، والاستفادة من تجاربها في التنمية المستدامة، نموذجاً لحوار الحضارات والثقافات وبناء الجسور بين الشعوب، فضلاً عن التواصل القارّي بين هذا الشرق الآسيوي وغربه، الذي شهد عبر التاريخ – وما يزال - أشكالاً مختلفة من العلاقات ضمن البُعد الاستراتيجي للاستقرار والأمن الإنساني وتداعياته في القارة ككل بشكلٍ خاص، وفي المحيط العالمي عموماً.
في هذا السياق، فإن كوريا الجنوبية، البلد والشعب والتجربة، تمثل لنا في المنطقة العربية محوراً رئيسياً في تعظيم المشتركات وإغناء التعاون والتبادل، ليس على المستوى الاقتصادي والتجاري فحسب، وإنما على جميع المستويات التي تتشكّل عبرها ثقافة العمل والإنتاج وبناء الإنسان وتنمية المجتمع.
في لقائنا الماضي بعمّان (المنتدى الحادي عشر لتعاون كوريا والشرق الأوسط؛ ديسمبر 2014) استأثر الجانب المتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين كوريا والعالم العربي بنصيب واضح من النقاش والأوراق المقدمة، كون الاهتمام العربي في جزء كبير منه يعود إلى التطلع للاستفادة من التجربة الآسيوية التنموية، وتجربة كوريا بالذات التي تحتل المرتبة الثالثة عشرة عالمياً في حجم اقتصادها، وبالتالي تحتل مكانة هامة ضمن مجموعة الدول الاقتصادية الكبرى في العالم G20، فضلاً عما لكوريا من إنجازات في التخطيط الاستراتيجي للتقدم اقتصادياً وتكنولوجياً وصناعياً، وإصلاحات هيكيلية أثبتت فاعليتها، وتأهيل للموارد البشرية، وغير ذلك.
لا شك أن وصف التجربة الكورية بالمعجزة الاقتصادية التي تحققت بعد النهوض من دمار حرب طاحنة (في بداية الستينات)، يدعونا نحن العرب إلى مضاعفة الاهتمام بمصادر غنى هذه التجربة، وبالتالي توسيع آفاق الشراكة والتعاون مع كوريا الصديقة، وإجراء المزيد من البحث والحوار والتحليل حول تأثيرات التحديات الإقليمية، وفرص وتحديات التعاون الاقتصادي، ومن ثم بناء مستقبل أفضل للجميع.
من هنا، نأمل أن يخرج هذا اللقاء/ المنتدى برؤية مشتركة للخطط والوسائل الأفضل التي يمكننا من خلالها أن نحقق شعار "شراكة من أجل السلام والازدهار لشعوبنا".
وإذا كانت المنطقة العربية تمرّ حالياً باضطرابات في بعض بلدانها وأزمات تجاوزت حدودها، وبدأت تهدد مصالحها ومصالح الشركاء في العالم، مثل اللجوء والتهجير القسري، وبروز تنظيمات الإرهاب والعنف، والصراعات الإثنية والطائفية، وكذلك قضية فلسطين، وتعطيل المفاوضات المتعلقة بالعملية السلمية والاعتداءات المستمرة على الأماكن المقدسة من جانب الاحتلال الإسرائيلي، والنهج العدواني العنصري الذي تنتهجه ضد المواطنين الفلسطينيين، والإفراط باستخدام القوة ضد المدنيين وحقوقهم المشروعة ... فإن كل هذا وغيره يدعونا إلى دراسة الأسباب مع النتائج، ضمن عملية معرفية متكاملة.
مثلاً، فإن تحليل هذه القضايا يوضح لنا الترابط بين الاقتصاد والسياسة في كثير من الجوانب المنظورة وغير المنظورة. وينبغى ألا ننسى أن ما يسمى "الربيع العربي" بدأ بمطالب اقتصادية وحقوق مدنية إصلاحية قبل أن تختطفه تيارات التسييس وأجندات جماعات التطرف والإرهاب، والتحريض الإعلامي على التفتت والتشرذم، وبالتالي فإن هذه الجماعات وجدت مع انتشار البطالة بين الشباب بيئة مناسبة لطروحاتها.
وقد أشار "الميثاق الاجتماعي العربي"، الذي أعلنه منتدى الفكر العربي هذا العام (2015)، إلى أن أقطار العالم العربي ستحتاج أكثر من 10.000 فرصة عمل سنوياً لكل مليون من السكان واستثمارات تتعدى 250 مليار دولار سنوياً للإيفاء بمتطلبات الداخلين الجُدد إلى سوق العمل. كما أنه يوجد أكثر من 20 مليون لاجىء ومقتلع من وطنه ومُهجّر في العالم العربي، إما داخل دولته أو في دول مجاورة.
إن نظرتنا إلى الحلول للكثير من مشكلات القصور التنموي (كالفقر، والمديونية، والبطالة، والفئات المهمشة، وتنمية الأرياف والبوادي، وضعف الحوكمة، والإصلاح الإداري، والمشاريع الإنتاجية، والمعرفة التكنولوجية، والمياه، والطاقة، والبيئة)، لا تنحصر في مجموعة أقطار يمكنها، على مستوى قطري فقط، معالجة هذه المشكلات، لأن مثل هذه التحديات تفوق قدرات أي قطر على مواجهتها بصورة منفردة، مما يفرض ضرورة التكامل والتعاون بين الجميع عربياً وإقليمياً، ضماناً لسلامة مصالح الشعوب وفرص تقدمها.
ومع كل هذا، فإن العالم العربي بما يمتلك من ثروات النفط والغاز، وغيرها من الثروات الطبيعية، وإمكانات التبادل التجاري وفتح الأسواق، ما يزال مؤهلاً كشريك اقتصادي فاعل. وإذا اتخذنا من العلاقات المتينة واتفاقيات التعاون بين كوريا وكلٍّ من الأردن والإمارات مثلاً، فإنه يمكننا أن نضع تصوّرات قابلة للتطبيق بشكل موسع مستقبلياً في التخطيط والبناء المؤسسي، والتدريب والتأهيل واكتساب الخبرات التقنية والفنية للمشاريع الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة، عدا تشجيع الاستثمارات والسياحة، ودعم الصناعات التمويلية، ومجالات أخرى كثيرة.
إلى جانب ذلك، فإن للتبادل الثقافي أيضاً أهمية موازية وتأثير مُساند في توثيق الروابط بين الشعب الكوري الصديق والشعوب العربية، والتعرف إلى السمات الإنسانية المشتركة، التي ستعطينا المزيد من الحوافز للإسهام في العمل معاً من أجل تحقيق ما نطمح إليه من سلام عالمي يشمل الجميع على قدم المساواة، ويعود بالخير عليهم.
ونأمل في أثناء جلساتنا اليوم أن نستمع إلى المزيد من الأفكار والمقترحات في هذا المجال، التي من شأنها تقريب وجهات النظر والتفاهم بيننا أكثر فأكثر.
أحييكم باحترام وأشكركم مرة أخرى، متمنياً لمنتدانا هذا أن يكون لقاءاً حيوياً ومثمراً بنتائجه.