نُظم المنتدى بالتعاون بين الجمعية العربية الكورية، ومنتدى الفكر العربي، ومعهد جيجو للسلام/ كوريا، بدعم من وزارة الشؤون الخارجية في الجمهورية الكورية. وألقيت كلمات في حفل الافتتاح شارك فيها أ. شونغ يونغ- شل، الأمين العام للجمعية العربية الكورية، الذي عبَّر عن رغبة الشعب الكوري في تعزيز علاقاته بالشرق الأوسط، وخاصة الشباب الذين يهتمون بالثقافة العربية والإسلامية. وأشار إلى أن هذا المنتدى يعتزم تأسيس شبكة لقادة المستقبل من الجانبين.
ومن جانبه قال د. الصادق الفقيه: إن مثل هذه اللقاءات تسهم في إقامة الفهم المشترك بين كوريا الحاضرة اقتصادياً وبالفعالية والرغبة الملحة في الحضور الثقافي والسياسي والاجتماعي. وأن العالم في الوقت الحالي يشهد تداخلاً كما تشهد قضاياه تداخلاً أيضاً، مما يجعل عملية الفهم تبدو صعبةً، الأمر الذي يوجب عقد مثل هذه اللقاءات، متمنياً مواصلتها وبناء الرؤى لتعزيزها، حتى يتعرف الجميع إلى الجميع، ويتسنى لهؤلاء واؤلئك فهم قضاياهم المشتركة بوضوح.
وتطرق أ. يونغ بيونغ سي، وزير الخارجية الكوري، في كلمته إلى المشكلات التي يعانيها العالم العربي، الذي انفتح فيه "صندوق باندورا" فظهرت المشكلات متوالية، كما في غزة وفلسطين، وداعش وأحداث سوريا والعراق، والتنمية في إفريقيا، والمعاناة الإنسانية المقلقة في الشرق الأوسط، وتدفق اللاجئين، موضحاً أن مشكلات الحوكمة والفقر من أهم أسباب هذه المشكلات في الشرق الأوسط، وتمتد إلى العالم. وأضاف أن كوريا بدأت تأخذ مكانها في الشرق الأوسط، حيث تستورد 90% من الطاقة من هذه المنطقة، وهناك سعي للتعاون بين الجانبين في مجالات تكنولوجيا المعلومات وتعزيز الطاقة المتجددة، فضلاً عن سعي كوريا بتعزيز سيادة السلام في هذا الإقليم من العالم، ومن ذلك المشاركة في الجهود الدولية لإعمار المناطق المدمرة، وفي مقدمتها غزة. كما أنه جرى إطلاق هيئات حوارية مع الجامعة العربية مثلاً.
وقال الوزير الكوري إن العالم الإسلامي قاد العالم نحو نزاهة الإنسان وكرامته، وأن التجارب الكورية لديها تجارب مشابهة لتجارب العرب والمسلمين.
وألقى د. إبراهيم سيف، وزير التخطيط والتعاون الدولي في الأردن، كلمة بالإنابة عن أ. ناصر جودة، وزير الخارجية وشؤون المغتربين، استعرض فيها أوجه التعاون الأردني الكوري والاتفاقيات المعقودة بين البلدين، والتعاون في تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة والبناء والصناعات الإلكترونية.
وتناول أ. خالد حباس، مستشار وممثل الأمين العام لجامعة الدول العربية د. نبيل العربي، الحرص العربي على الاستفادة من التجارب الآسيوية، وفي مقدمتها التجربة الكورية التي تحتل المرتبة 13 في الاقتصاد العالمي، وأن الجامعة العربية تتابع الخطة الثلاثية الاقتصادية التي تبنتها كوريا الجنوبية في مجال الإصلاح والابتكار الاقتصادي، موضحاً أن حجم التبادل التجاري مع كوريا بلغ في العام الماضي 170 مليار دولار.
الجلسة الأولى: "التحوّل في الشرق الأوسط وتأثيره على العلاقات الكورية والشرق الأوسط"
تناولت هذه الجلسة محوري: "مستقبل الشرق الأوسط واستراتيجيات الاستقرار"، الذي قدم ورقته د. جواد العناني، عضو المنتدى، و"إعادة التفكير في السياسة الكورية في الشرق الأوسط"، وقدمه د. جانغ جي يانغ، من مركز أسان ASAN للدراسات في كوريا.
ودار النقاش حول نقاطٍ تركزت على الكيفية التي يمكن لكوريا من خلالها أن تنخرط في مزيد من التعاون مع الشرق الأوسط، لتكون جزءًا من عملية إقرار السلام وتحقيق الاستقرار في المنطقة، وتوفير الكرامة الإنسانية لشعوبها.
وأبرز المتحدثون أهمية ارتباط منطقة الشرق الأوسط بالعالم، ولا سيما من حيث المعابر المائية وحركة التجارة. وأشار د. جواد العناني إلى أنه على الرغم من كثرة المزايا في المنطقة إلاَّ أن هنالك قلّة في الاستفادة منها، وخاصة على مستوى التجارة العربية البينية.
وفيما يتعلق بتحولات الربيع العربي وتداعياتها، يتضح أن الفقر والبطالة وُجِدا قبل أحداث الربيع العربي، وما زالت معدلات البطالة في الدول العربية ضعف المعدل العام العالمي، وهنالك شعور متزايد بالظلم أحد أهم أسبابه افتقاد علاقة التواصل بين الأجيال. ومع أن هذا يمكن أن يعد شرطاً من الشروط الضرورية لحصول الإرهاب، غير أنه ليس شرطاً كافياً. وينبغي الأخذ بالاعتبار أن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية في المنطقة باتت تشكِّل خطراً على العالم كلّه، ومنها أيضاً الأبعاد والكلفة المترتبة على تدفق اللاجئين والمهجّرين، مما يستوجب إقامة مركز إقليمي فاعل ومؤثر لتدارك الأخطار في هذه المنطقة، واقترح د. العناني أن تكون عمّان مقراً لهذا المركز كونها المكان الذي يمكن أن يلتقي فيه الجميع.
وتعرض الحديث إلى مدى العمق الذي يحدثه افتقاد الحوار في زيادة الفجوات بين الأطراف وتفاقم المشكلات، وإلى التشوهات التي يحدثها الفكر والاقتصاد الرعوي في العالم العربي على المجتمعات، ومطالبة القوى العظمى في العالم بالكفّ عن إشعال الحروب في المنطقة بالإنابة.
وأوضحت الطروحات أنه طالما بقيت المشكلة الفلسطينية دون حلّ، فإن هذا سينجم عنه العديد من المشكلات في المنطقة. ومن جانب آخر دعا البعض كوريا إلى المبادرة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما من شأنه تحسين فرصها في المنطقة للتعاون مع دولها.
وأبرز الطرح الكوري في النقاش معالم السياسة الوسطية التي تتبعها كوريا في الشرق الأوسط، ورغبتها في الإسهام بتوحيد الجهود المحلية والدولية من أجل استقرار المنطقة. ومن جهة أخرى على صعيد الطاقة، فإن كوريا تسعى إلى إنتاج الطاقة النووية مع حرصها على مراعاة سلامة البيئة.
ترأس هذه الجلسة د. مون شنغ إن من جامعة يو نسي/ كوريا، وشارك في المناقشة كلٌّ من: د. علي الرويلي/ السعودية؛ د. فيصل الرفوع/ الأردن؛ د. حسين باجسي/ تركيا؛ د. إن نامسك/ كوريا؛ د. موسى بريزات/ الأردن؛ أ. سمير الناعوري/ الأردن.
الجلسة الثانية: "توسيع التعاون الاقتصادي بين كوريا والشرق الأوسط"
تركز الحديث في هذه الجلسة حول طبيعة وكيفية فهم الروابط الاقتصادية بين كوريا والشرق الأوسط. وأشار المتحدثون إلى أن كوريا تؤدي دوراً دولياً كسفير بين الدول النامية. كما عرض عددٌ من مقدمي الأوراق والمناقشين لأهم ما حققته كوريا على المستوى الريادي في الاقتصاد العالمي، بعد معاناتها جراء الاحتلال؛ ومن ثم الصعود في سلَّم النهوض.
كما أن من أكبر التحديات التي واجهت كوريا فيما يتعلق بالقوى العاملة ارتفاع نسبة كبار السنّ. وشدد بعض المتحدثين على أن أفضل شريك للاستثمار والتعاون بالنسبة لكوريا هو الدول العربية، وخصوصاً دول الخليج.
وأشار متحدثون إلى أهمية البحث في كيفية انعكاس الخبرة الكورية على المجتمعات العربية، ولا سيما في مجالات مثل عدالة معاملة العمّال الكادحين، والصناعات العسكرية.
وعن تأثير الأوضاع الحالية في المنطقة، أبرز متحدثون أن الربيع العربي خلق حالة ستدخل المنطقة العربية في غليان يطول أمده قبل أن تستقرّ الأمور على حالها.
وحول تقييم العلاقات السياسية والاقتصادية بين كوريا والدول العربية، رأى البعض أنها علاقات محايدة وأقلّ من المطلوب، وأن العلاقات الاقتصادية ما تزال علاقات يشوبها بعض الخلل، بعد أن كانت بدايتها بتسلل منتجات كورية ذات نوعية أقل من المطلوب، ثم أخذت هذه النوعية تتحسن لكن بشكل تدريجي. وما يزال الميزان التجاري بين الطرفين يرجح لصالح كوريا إذا حيّدنا النفط. والخشية أن يُترجَم هذا الخلل بشكلٍ سياسي، إلاَّ أن تدارك ذلك يأتي بتصحيح العلاقة وجعلها علاقة تبادلية حقيقية، عدا عن فتح الأسواق الكورية أمام المنتجات العربية.
ترأس هذه الجلسة أ. صادق أوناي، مدير البحث الاقتصادي في مؤسسة SETA بتركيا، وساهم في تقديمها: د. باسل البستاني/ العراق؛ د. حسين العماش/ سوريا؛ د. كم ده هون/ كوريا. وشارك في النقاش: د. هاشم حسين/ البحرين؛ د. لي كوان- هاينغ/ كوريا؛ د. سعيد صقلاوي/ عُمان.
الجلسة الثالثة: "الثقافة والناس- أُسس التعاون الكوري مع الشرق الأوسط"
ناقش المتحدثون في هذه الجلسة العديد من النقاط المتعلقة بالأسس الثقافية لبناء التعاون الكوري مع الدول العربية، وطرحوا أسئلةً تتعلق بماهية وصفة النجاح في التنمية كما يراها الجانب الكوري، وما الذي يمكن أن تعيره الثقافة الكورية للثقافة العربية في هذا الصدد؛ إذ إن المقاربة بين الثقافتين تمتلك مزايا وافرة، فالثقافة الكورية هي ثقافة شرقية، وكوريا دولة غير مستعمِرة وتتميز بسياسة ناعمة في التعامل مع محيطها الدولي.
وحول ارتباط الأساس الثقافي بالعلاقات الاقتصادية، طُرحت تساؤلات نقاشية عن مدى إحساس كوريا بتعميق العلاقات الثقافية مع العالم العربي، ذلك أن هذه العلاقات تحتاج إلى أكثر من التعامل مع زبائن للصناعات. وإذا كان حجم التبادل التجاري مع الدول العربية قد بلغ 170 ملياراً، فما هو العائد على هذه المنطقة نتيجة ذلك. فالمُنتَج الحقيقي هو الذي يغدو جزءاً من حياة الناس وذوقهم جراء مساهمته في إيجاد البيئة الثقافية الملائمة لانتشاره.
وتحدث البعض عن ضرورة معرفة القيم الكامنة وراء ثقافة الإنجاز الكورية، وأيضاً نُظم التربية والتعليم، وكيفية تشغيل هذه المنظومة، ووجهة النظر الكورية إزاء الحلول المتعلقة بأزمة البطالة.
وأظهر النقاش أهمية بناء نوع من الفهم والتفهم والتقدير في كثير من القضايا ذوات البُعد الثقافي، وخاصة ما يسمى قضايا صِدام الحضارات.
المتحدثون الكوريون أوضحوا أن العلاقات الكورية العربية مع العرب ومنطقة الشرق الأوسط بالتحديد تعود إلى 1500 عام، وقد تواصلت عبر التاريخ مع توارد التجار المسلمين عبر طريق الحرير، والطرق البحرية إلى الشرق الآسيوي.
تضمنت الجلسة عرضاً حول تعزيز الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، قدمة مندوب المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (إيسيسكو) د. علي رحّال، وأشار فيه إلى اهتمام المنظمة بالحوار بين أتباع الأديان، وتأكيدها مبادىء احترام الآخر وتقبله، كذلك اهتمامها بإزالة الصور النمطية المغلوطة في المناهج الدراسية عن الإسلام والمسلمين والعرب، ودور الشباب في نهضة الأمّة، وكسر الكثير من الحواجز النفسية وحتى اللغوية التي تحول دون الانفتاح والتواصل مع العالم الإنساني.
وأكد مناقشون أنه مثلما بنينا قراءاتنا لتاريخ العلاقات الكورية العربية- الإسلامية على الحقائق، فينبغي أن نبني المستقبل على القراءات والمعطيات الواقعية، التي تجعل من المقترحات واقعية أيضاً وقابلة للتطبيق، وخاصة أن المنطقة تشهد حالات صراع كبرى، وهنالك مشروعات تهدف للتغيير تتصادم مع مشروعات محافظة تحاول الحفاظ على الوضع.
وضمن مقارنة بعض التجارب في المنطقة مع التجربة الكورية، أشار مناقشون إلى أن الحكّام في هذه المنطقة انشغلوا بالسياسة عن السياسات، فيما ركَّز الكوريون على التعليم، ومع أن مسألة استلاف النماذج غير عملية لأنها محكومة بالتطبيق في بيئة مختلفة عن مصدرها، فإن هنالك حاجة إلى مزيد من التقارب لفهم الثقافتين الكورية والعربية من كلا الطرفين. فقد تحدث الكوريون برغبتهم في سد الفجوة المعرفية لديهم حول الثقافة العالمية، بما فيها الثقافة العربية الإسلامية، وأشاروا إلى مثل هذه الحوارات عدا عن تبادل المطبوعات (ومنها مجلة كوريانا)، تتطلب من الخبراء بالشرق الأوسط زيادة جهودهم لتقديم الثقافة العربية للشعب الكوري، وبالتالي سدّ مشكلة الفجوة المعرفية.
ترأس هذه الجلسة د. الصادق الفقيه، الأمين العام لمنتدى الفكر العربي بالنيابة عن د. عدنان بدران، المستشار الأعلى لجامعة البترا ومجلس أمنائها. وشارك في التقديم: د. لي هيي سو/ كوريا، و د. صبري ربيحات/ الأردن، وساهم في النقاش كلٌ من: د. علي رحال/ الإيسيسكو- الإمارات؛ أ. كفاح كريم/ كردستان- العراق؛ د. صلاح الدين الزين/ قطر؛ د. يو هان- سيوك/ كوريا.
الجلسة الختامية: "الجيل القادم: مستقبل التعاون الكوري مع الشرق الأوسط"
تضمنت هذه الجلسة عدداً من العروض التي قدمها طلبة كوريون وأردنيون حول الانطباعات المتبادلة عن الثقافتين المجتمعيتين؛ الكورية والعربية، وبعض المقترحات لتطويرها وتحسينها بما يخدم توثيق أواصر التعاون والتبادل بين الطرفين.
قدم العروض من الطلبة والدارسين: أ. شو إن وان/ كوريا؛ أة. إيناس طه الخطيب/ الجامعة الأردنية؛ أة. كيم يونغ- يه/ كوريا- الجامعة الأردنية؛ أة. سارة أبو شمّاله/ الأردن- جامعة سيؤل الوطنية.
واختتُم المنتدى بجلسة تحدث فيها أ. مون تي- يونغ، رئيس معهد جيجو للسلام/ كوريا، موضحاً أهمية التركيز على تعاون كوريا مع الشرق الأوسط والعالم العربي، الذي بدأ عملياً منذ عام 2005، مؤكداً وجود إمكانات جيدة لتعزيز العلاقات بين الطرفين على مختلف الصُّعُد.
كما تحدث د. جواد العناني، مندوباً عن صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، الذي أكد أن العلاقات الكورية مع دول الشرق الأوسط تتجاوز النواحي الاقتصادية والسياسية، مشيداً بالالتزام العالي لدى الكوريين بعلاقاتهم مع العرب وحرصهم على نقل الخبرات الكورية إلى الدول العربية. وقال إنه لا يمكن الاعتماد على الاقتصاد وحده في العلاقة بين الطرفين، بل لا بد من تكاملية العلاقة من خلال الانفتاح الكامل على الثقافة الكورية. وأضاف: إن أصدقاءنا الكوريين أدركوا التغيير الحاصل في الدول العربية، الذي يشبه التغيير الذي حصل في الدول الأوروبية قبل تطورها، مؤكداً أهمية التعاون بين الدول العربية وكوريا في ظل حقيقة وجود دورات اقتصادية، مشيراً إلى أن اليابان كانت موجودة في المكان الذي توجد فيه كوريا حالياً، لذا فإن التعاون أصبح مطلوباً للحفاظ على التطور في الصناعات الكورية.
أعد التقرير: كايد هاشم/ مساعد الأمين العام لمنتدى الفكر العربي