أوصى المشاركون في المؤتمر العربي التركي الرابع للعلوم الاجتماعية "الاقتصاد، التعليم والتنمية"، بتفعيل العلاقات العربية التركية، في مختلف المجالات، ولا سيما الاقتصادية والتعليمية والتنموية.
وأكدوا بحضور سمو الأمير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي، أنه يمكن تشخيص آثار العولمة على التربية والتعليم بشكل خاص والتعامل مع تحدياتها مع الحفاظ على الهوية الوطنية، والتماسك الاجتماعي، والحوار وإدامته بين مختلف المكوّنات الاجتماعية، للحيلولة دون بروز ظواهر الاستقطاب والتعصب والتطرف، مبينين أهمية عقد مؤتمرات العلوم الاجتماعية للتقريب بين المتخصصين والباحثين في العلوم الإنسانية والاجتماعية والسياسية.
وركزوا على تنشيط التبادل الثقافي العربي التركي، وتعزيز دور منظمات المجتمع المدني، ودعم إنشاء المراكز التعليمية والمشروعات الهادفة لسدّ النقص في المعلومات ومصادرها، مؤكدين أن مثل هذه اللقاءات تشكل رصيداً غنياً لتبادل الخبرات والمعارف بين الباحثين انطلاقاً من التجارب الغنية لبلدانهم.
وأوضح المشاركون في المؤتمر الذي نظمه منتدى الفكر العربي، ومعهد التفكير الاستراتيجي/ تركيا، وجامعة البترا، بالتعاون مع الوكالة التركية للتعاون والتنسيق، ومؤسسة عبد الحميد شومان، وصندوق الترويج التركي، أن التنمية ليست واقعاً اقتصادياً فحسب، بل تتطلَّب أيضاً الاهتمام بتنمية رأس المال البشري، اجتماعياً وثقافياً، والاستثمار في الإنسان لزيادة قيمة دور رأس المال البشري لدول في المنطقة، وتمتين أُسس العلاقات المشتركة بين المجتمعات في مختلف المجالات.
وأكد سمو الأمير الحسن بن طلال في الجلسة الختامية للمؤتمر أن أولويات التفكير الاستراتيجي تتم بدعم البحث العلمي، مؤكداً ضرورة التركيز على الكفاءة والمهارة لرعاية الإبداع في مجالات البحوث العلمية، وإيجاد الحلول لمشكلات القطاعات الاقتصادية والاجتماعية"
وقال إن تراجع التعليم النوعي والمعرفة يتطلب تعاوناً مع دول الجوار مثل تركيا وإيران وأوروبا، عبر حوار متعدد الأطراف، مشيراً إلى أن التراجع النوعي في التعليم والتربية هو تراجع نوعي في الخطاب الاجتماعي.
وأشار إلى أن اعتماد التعليم حالياً على الفرد أدّى إلى هجرة الكفاءات من العالم العربي، مستشهداً ببعض الأمثلة خلال لقاءاته الخارجية مما يسمعه من المسؤولين بأنهم تمكنوا من "خيرة الخيرة لدينا".
وبيَّن أنه في ظل المنافسة المحتدمة بين الدول للوصول إلى معدلات نموّ جيدة، لا بد أن نتعلم "تعليم التفكير" الذي يتم بإصلاحات متداخلة بين النظام البيئي والاجتماعي.
وأشار إلى ما تضمّنه الميثاق الاجتماعي العربي الذي صدر عن مفكرين عرب وما يسعى إلى تحقيقه الميثاق الاقتصادي العربي، ويوماً ما الميثاق الثقافي، وهي سلسلة متكاملة، يجري العمل عليها من جانب منتدى الفكر العربي وتهدف إلى وضع رؤية واضحة تخدم المواطن العربي.
وأكد الدور الذي تضطلع به تركيا؛ إذ تعد منطقة واصلة يمكن أن تُسهم في بناء جسور ثقافية جديدة من خلال إيجاد نفوذ لأوروبا في آسيا والعكس صحيح، في ظل إنجازات عديدة حققتها في مختلف الميادين، مشيراً إلى الجسر الذي عملت على بنائه بين هاتين القارتين.
وأوضح أن تركيا توجَّهت لدعم التعليم المهني "البوليتكنيك"، في حين أننا لم نغيِّر النظرة للتعليم المهني، وإنه لا بد من التغلب على المثلث الصعب (الطاقة، والتكنولوجيا والبيئة)، مشيراً إلى أن الأتراك أبدوا استعداداً لبناء قدرة تحمليّة للإقليم لمواجهة هذا المثلث، إذا "حددنا القدرة المطلوبة في المنطقة"، مقدماً العديد من الحقائق (نحو 45 مليون إيراني يواجههم تحدّي الجفاف، ونحو 45 مليون مصري يواجهون تحدّي ارتفاع نسب مياه المتوسط".
وقال سموه: إن العالم يعاني الاحتباس الحراري، بينما نعاني نحن الاحتباس الإرادي، متسائلاً "أين نحن من تأسيس صندوق الزكاة العالمي"؛ إذ إن "الزكاة وسيلة لزيادة الأمن، ولماذا لا نقرر مصيرنا المؤسسي بالانتماء لثقافاتنا وقيمنا". وأضاف أن التعليم والبيئة الإنسانية هما أهم قضيتين في ظل الأزمة والجشع المتزايد الذي يتسبب بارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ما يفرض أهمية مبادرة منتدى الفكر العربي الاجتماعية والاقتصادية.
وبيّن سمو الأمير الحسن أنه حضر الاحتفال بمكتبة الرئيس الأسبق سليمان ديميريل، واستفاد من الاطلاع على حقبة خمسين عاماً من تطور تركيا الحديثة، قائلا ً:"أُقدّر للجمع الكريم الذين شاركهم رئيس الأمة التركي الألفة والتصميم ونقل التجربة الحضارية التركية للإقليم خدمة للصالح العام".
وقال سمو الأمير الحسن: "أذكِّر نفسي وأذكّركم بأن المهم ليس نحن الموجودين هنا، بل النفوس المعذبة في الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها الذين يموتون يومياً بسبب حماقاتنا".
وقدَّر سموه لتركيا في ذلك الوقت المساهمة الفاعلة بإقامة المؤتمر الإسلامي ومؤسساته نظراً للكارثة التي حلَّت بالمسجد الأقصى، "في حال لم نسارع بإنقاذ الفضاء الديني من الاعتداءات وما تمثله القدس ببعدها الديني، مشيراً إلى أن "الوقف الرشادي الذي حمل ذلك الاسم نسبة إلى السلطان الذي حماها في ذلك الوقت".
وأكد سموّه أن"هناك هيمنة للثقافة الغربية على العالم، من عادات وتقاليد ونواميس وعلوم طبيعية وإنسانية، وهذا يتطلب مخاطبة بعضنا بعضاً في ظل ما يجمعنا من جذور في الثقافات المتقاربة والمتجاورة"، متسائلا "أين حق الجار على الجار؟ فأقول ما جمعنا هنا اليوم يذكرنا بالأزمة الأخلاقية العالمية التي نعيش، إذ جمعنا الخلق الذي لا يفسد للموضوعية قضية".
وختم سموّه حديثه قائلاً: "لا يأس مع الأمل، وأصدقكم إن قلت أنني لست من عشاق هذه الحياة المهينة للأمة، وعندما نتحدث عن إحكام منظومات النشء والشباب والفتية والأطفال والنساء، فإننا نطالب بالتمكين القانوني والمساواة في الفرص بين الجميع".
وكان سمو الأمير الحسن بن طلال قد وجّه رسالة باللغة التركية حيّا فيها المشاركين الضيوف من الأتراك في المؤتمر، مشيراً باعتزاز إلى الحوارات العربية التركية التي كان سموه قد دعا إليها في ثمانينيات القرن الماضي، وانطلقت منذ سنوات عبر برامج وأنشطة منتدى الفكر العربي، الذي أصبح عضواً في المنظمة الدولية للحوار التركي العربي عام 2013 لبناء جسور الفهم والتفاهم بما يسهم في تطوير الجوانب الفكرية والثقافية في العلاقات العربية التركية.
من جهته قال نائب رئيس مجلس منتدى الفكر العربي، أ. طاهر المصري: "نتطلع إلى التعاون بين تركيا والدول العربية عموماً والأردن بشكل خاص، وتوثيق العلاقات، إذ نحن بحاجة إلى تكثيف الجهود لمحاربة الإرهاب وتنمية المنطقة".
وبيَّن أن تركيا جزء مهم من المنطقة، وقد كانت محترفة عندما قررت التعامل مع جزئها الأوروبي وجزئها الشرقي على قدم من المساواة والتفاعل، إذ تشكل تركيا قوة اقتصادية صاعدة برزت خلال السنوات الماضية. فالديمقراطية التركية تضمن لها النجاح وتعتبر قدوة يجب اتباعها في دول العالم الثالث.
ودعا المصري إلى "تقوية العلاقات مع تركيا، التي تدعم المطالب بنقل المعرفة للبلدان العربية، مبيناً أن هناك دوراً سياسياً لتركيا ليعود العالم العربي إلى سابق عهده رغم الصراعات الموجودة في المنطقة".
وقال د. جواد العناني، عضو المنتدى:" إن المنتدى أصدر وثيقة مهمة هي "الميثاق الاجتماعي العربي"، وهو بصدد إصدار "الميثاق الاقتصادي العربي"، فالاقتصاديون يفسّرون ظواهر الفقر والبطالة بأمور محددة، بينما الاجتماعيون يختلفون عنهم، في حين أن الحل الشامل يتطلب توحيد الأفكار".
وأشار إلى "مشكلة الشعور بالتهميش بسؤال "هل الجيل السابق يساعد الجيل الصاعد أم يضيق عليه"، مبيناً أن نسب البطالة مرتفعة بين الشباب ضعف ما هي عليه بين الكهول. وتعمل زيادة الأجور على تقليل فرص الشباب بالعمل، ونحمّلهم عبء المديونية والمشاكل المالية، رغم كل أحاديثنا عن التنمية المستدامة".
وبيَّن العناني أن "الشعور بالتهميش دفع الشباب الأكفاء إلى مغادرة البلدان العربية، إذ تقدر كلفة هجرة العقول بحوالي 50 مليار دولار، في حين أن المبلغ أكبر من ذلك، فقيمة هجرة العقول من الأردن عام 1982 كانت 16 مليار دولار".
وأكد أهمية التعامل مع تركيا في مختلف المجالات، مشيرا" إلى أنه يجب على تركيا تحديد ما إذا كانت تنوي التعاون مع الدول العربية مجزأة، أم تنوي التعامل مع الوطن العربي متكاملاً، وهو سؤال مفتوح، إجابته مرهونة بالدولة التركية".
وقال نائب رئيس الوزراء التركي الأسبق، أ.د. أمر الله أشلر: "تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحولات جذرية، وكان الربيع العربي واجهة التغيير، إذ استطاعت الأنظمة المتسلطة الوقوف في وجه التغيير لعقود عدة رغم حركات الحرية التي قادها الكادحون، في حين أن المواقف الثابتة للشعب رغم الهجمات المضادة زادت الآمال بمنطقة أفضل".
وبيَّن أهمية ألاَّ تؤدي الثورات في المنطقة إلى استقطابات طائفية أو دينية أو عرقية والحفاظ على السلم الاجتماعي للدول، فهناك تحديات كبيرة تواجه المنطقة تتطلب بذل نضال مشترك للوقوف ضد الصراعات القائمة، فالشرق الأوسط متعدد الأديان والثقافات والطوائف التي تشكل نموذجاً للتفاهم والمحبة.
وبيَّن أن العصر الحالي يحمل تهديدات للعالم الإسلامي والعالم العربي كالطائفية والعنصرية والإقصاء، خصوصاً أن المآسي والفوضى والموت التي تُلقي بظلالها على العالم الإسلامي تجعل المسلمين أمام تحديات جسيمة.
وقال د. أشلر :"يجب على المسلمين الواعين مواجهة الألاعيب التي تقتلهم عبر جماعات متطرفة من دون سبب، ولا بد من العمل لدرء المخاطر المترتبة على ذلك، والبلدان الإسلامية يجب أن تحارب الأفكار المتطرفة لامتلاكها القدرة على العمل المشترك في ظل الأواصر التي تجمعها عبر التاريخ".
وبيَّن أن تركيا تولي اهتماماً لاستقلال بلدان الربيع العربي وحق الشعوب في امتلاك مرحلة الإصلاح، وتأمين الدعم اللازم لها، مشيراً إلى أهمية وجود مقاربة بعيداً عن التمييز الديني، إذ ساعدت تركيا اللاجئين السوريين والعراقيين، مقدراً دور الأردن في قضية اللاجئين، وقضايا المنطقة.
وقال أ.د. إبراهيم بدران، عضو المنتدى: إن موضوع جوار الدول قضية حتمية لا خيار للدول فيها، وينبغي ألاَّ تخضع العلاقات بين الدول للمتغيرات السياسية الطارئة، متسائلاً "هل العلاقات مع تركيا تتأثر بالسياسة أو لدى تركيا بعد استراتيجي للتعامل مع الدول العربية".
وتساءل: "إلى أي مدى يمكن الاستفادة من تركيا في ظل شحّ المياه في العالم العربي، وشحّ مصادر الطاقة إلا في دول محددة، وتركيا لديها القدرة الاقتصادية للتعاون مع الدول العربية".
وبيَّن د. بدران أن الآخرين ينظرون إلينا من منطلق أفعالنا، فالمسلم المعاصر يجب أن يدخل في صلب الحياة اليومية للآخرين والافتخار بالحضارة السابقة والإنجاز المعاصر بعيداً عن التطرف، ذلك لتغيير نظرة الآخرين مما يحدث في المنطقة والنظرة إلى المسلمين.
ودعا أ.د. بيرول أقجون مدير معهد التفكير الاستراتيجي في أنقرة، ، إلى تعزيز أواصر العلاقات العربية التركية في المجالات المختلفة، وأهمها التبادل الثقافي والتعليمي وإقامة فعاليات المؤتمر المقبل في المغرب تحت عنوان "النواحي الأمنية والجيوسياسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط".
كما دعا إلى إحياء وتفعيل التبادل الثقافي العربي- التركي، والعمل على تعزيز دور منظمات المجتمع المدني لدعم العلاقات المشتركة بين الطرفين، وإنشاء مراكز تعليمية متخصصة، وزيادة حجم الدعم لها، مع إيجاد مشاريع تهدف إلى سد الفجوة في المعلومات ومصادرها.
وأكد تعزيز العلاقات العربية- التركية في مختلف المجالات، والمساهمة في نشر التعليم الإلكتروني المشترك، والاستثمار في الإنسان لرفع قيمة العلاقات المشتركة والعمل على تدعيم نشر اللغتين العربية والتركية.
شارك في المؤتمر باحثون من الأردن، وتركيا، ومصر، والعراق، والسعودية، ولبنان، والبحرين، وتونس، والمغرب، والجزائر، والسودان حيث ناقشوا في (14) ورشة عمل، بمشاركة حوالي مئة باحث ومختصّ وخبير ورجل دولة، وإعلاميين من تركيا والعالم العربي، موضوعات تناولت: التعليم والتنمية، وتجارب التنمية، والتجربة التركية في التحديث والإصلاح، والعولمة والتنمية، والعلاقات العربية التركية، والتكنولوجيا والبحث العلمي والتنمية المستدامة، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن العلاقات الثقافية والأكاديمية بين تركيا والعالم العربي، والاقتصاد التنموي، ودور المرأة والشباب في المجال التنموي، والبطالة والفقر، والحضارة والتنمية.
يذكر أن المؤتمر الأول في سلسلة مؤتمرات العلوم الاجتماعية عقد في أنقرة 2010، والثاني في مصر 2012، والثالث في استانبول 2013