نظم منتدى الفكر العربي، بالتعاون مع مجموعة العمل الإنساني/معهد التنمية الخارجية، المؤتمر الاقليمي لتاريخ العمل الانساني الحديث في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وذلك يومي الاثنين والثلاثاء 15-16 نيسان 2013، برعاية الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه. ويأتي هذا المؤتمر ضمن أنشطة مجموعة العمل الإنساني للمشروع البحثي "تاريخ العمل الإنساني الحديث". ويهدف المشروع إلى تحديد معالم العمل الإنساني في إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتغيرات التي مرت به خلال القرن العشرين.
وبحث المؤتمر على مدار اليومين في تطور الاستجابة للأزمات الأنسانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتأثيرها على أشكال وممارسات العمل الإنساني حاليا، حيث شارك في المؤتمر عدد من الخبراء والأكاديميين والعاملين في المجال الإنساني.
وعرض سموه في إفتتاح المؤتمر أبرز المحطات التي مر بها العمل الانساني التطوعي بدءا بمعركة سولفرينو عام1862 وانشاء الصليب الاحمر بعدها بعام على يد السويسري هنري دونانت الذي دعا الى ايجاد منظمات اغاثة تطوعية وتطوير المعاهدات الدولية من اجل ضمان توفير الحماية لطواقم الاسعاف المحايدة والمستشفيات الميدانية مرورا باتفاقيتي جنيف الاولى والرابعة لحماية المدنيين في اوقات الحروب واتفاقيات لاهاي وليس انتهاء بتأسيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمرِ والهلال الأحمرِ عام1919
واشار سموه الى ان السلوك الانساني لا يقتصر فقط على اوقات الحروب وانما يعد عملية مستمرة، لافتا سموه الى ان الفصلين السادس والثامن من ميثاق الام المتحدة ينصان على حماية السكان من اعمال الابادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الانسانية، داعيا سموه الى تبني نهجا كليا للأمن الانساني ولحقوق الانسان والتحديات التي تواجه الامن العالمي وبناء السلام عند الحديث عن مسؤولية الحماية.
وبين سموه ان العلاقة بين الكرامة الانسانية والاستدامة والامن الانساني لا يمكن لها ان تتحقق دون العمل والحوار المشترك، مشيرا الى ان البنك الدولي في عام1996 بين الرابط بين انتشار الفقر واندلاع النزاعات، مؤكدا سموه ضرورة سد العجز الحاصل للكرامة الانسانية.
واشار سموه الى انه وبالرغم من التقدم الملحوظ الذي تم انجازه لجهة تطوير القوانين والتشريعات الانسانية الدولية الا انه ما زال هناك تجاهل صارخ للمعايير والاعراف الإنسانية، مبينا سموه ان الازمات الانسانية الحالية تؤكد الحاجة الى بلورة اراء وطرق لترجمة جهود الاغاثة قصيرة المدى نحو استراتيجيات بعيدة الاجل لتامين الحماية والرعاية للأجيال القادمة.
وفي ذات السياق اعاد سموه التذكير بما تضمنه كتاب (هل تكسب الإنسانية معركتها) والذي اعدته الهيئة المستقلة الخاص بالقضايا الانسانية في الثمانينيات والذي اشار الى ان معظم الحكومات الوطنية خاصة تلك التي تتعرض اكثر من غيرها الى الكوارث ما زالت استجابتها محدودة لمنع الكوارث او التخفيف من اثارها.
واضاف سموه الى ان غالبية الحكومات تفتقر الى استراتيجيات وطنية ومؤسسات قائمة لإدارة الكوارث تضمن الاستفادة القصوى من الموارد المحلية والتواصل السهل للإغاثة الدولية عند حدوث الكوارث.
وكانت الباحثة في معهد التنمية الخارجية ايفا سفوبودا قدمت الشكر لسمو الامير على رعايته لهذا المؤتمر،مشيرة الى ان هذا المؤتمر يهدف لعرض أهم الأحداث التي استدعت الحاجة إلى التدخل الإنساني في الإقليم، والمفاهيم المختلفة لقطاع العمل الإنساني والتحديات التي تواجهه، والدروس التي يمكن تطبيقها في الإقليم.
وتطرق الباحث توم وورنر باول في المحاضرة الافتتاحية التي القاها الى سيرة القائد عبدالقادر الجزائري والى الطريقة التي كان ينتهجها في معاملة الاسرى والمدنيين اثناء خوضه الحرب مع فرنسا،مشيرا الى ان البعض ينظر الى ذلك القائد اليوم على انه شخص متعصب دينيا وعلى انه شخص مهووس بالجهاد،على ان اتباعه ينظرون الى الحروب التي خاضها كمشروع لاستعادة السلام والعدل لبلد مزقته النزاعات والفوضى والعنف.
وتطرقت استاذة الشؤون الدولية والسياسة العامة في الجامعة الاميركية في القاهرة شادن خلاف الى الخلفيات التاريخية لعمليات النزوح في الشرق الاوسط والى التعقيدات الاقتصادية والاجتماعية التي ترافقها، مشيرة الى الاطر القانونية التي ينبغي التعامل معها في حالات النزوح. واشارت خلاف الى تأثيرات الربيع العربي على حقوق الإنسان وحماية اللاجئين اضافة الى الآثار المترتبة على السياسات وآفاق التوسع في اللجوء والعمل الانساني محذرة ان قضية اللاجئين تم احيانا تسيسها من قبل البعض وتحول من البعض الاخر الى مسالة تجارية في احيان اخرى.
وتحدث الباحث في جامعة هارفرد اشر اوركابي، في اليوم الثاني من المؤتمر، في ورقته حول الحرب الاهلية اليمنية 1962-1968 ، عن الاهمية التاريخية والاستراتيجية لليمن قبل بداية الحرب ما جعلها طمعا للتدخلات الخارجية، حيث تطرق في ورقته الى الاحداث التي سبقت حدوث الحرب وما رافقها من تداعيات سلبية ما زالت البلاد تعاني منها حتى الان .
وأشار سمير الهواري من مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية الى اهمية التاريخ والحاجة للتعلم من التجارب السابقة في العمل الانساني في دول المنطقة والذي برأيه يتطلب تضافر جهود العديد من الجهات، لافتا الى ان هنالك ادارك متزايد من قبل المنظمات الانسانية الدولية الى اهمية اشراك اللاعبين من الشركاء المحليين في جهود الاغاثة المختلفة .
وأشار سمو الامير الحسن في مداخلة له في الجلسة الختامية الى بعض النماذج الناضجة والمجربة في العمل الانساني، حيث تبرز اهمية العمل بنظام الزكاة وما لها من اثر ايجابي على حياة ما يزيد عن 150 الف رجل وامرأة في السودان على سبيل المثال من خلال استفادتهم من بعض البرامج والمنح التي وفرها لهم ، مشيرا الى ان الثروات العربية الكبيرة والتي يتم استثمارها في اماكن مختلفة من العالم تعتبر دليلا على ان مديروها ما زالوا الى الان غير مقتنعين بأهمية وجدوى الاستثمار في استقرار هذه المنطقة.
وقال الامين العام للمنتدى الدكتور الصادق الفقيه في كلمته الختامية ان مفهوم التاريخ يختلف في هذه المنطقة عن سواها من اقطار العالم من حيث ان البشر في هذه المنطقة يعيشون التاريخ لحظة بلحظة وهو الذي يجمعهم ويفرقهم.
وأشار الى ان حالة من انعدام الثقة عند الحديث عن حالات ونماذج من التدخل الانساني الاجنبي، حيث يظهر التاريخ في اوضح صوره وتجلياته، حيث يتم الحديث دائما في هكذا حالات عن المسؤولية التاريخية لأولئك ممن قدموا لتقديم يد العون والمساعدة، مشيرا الى انه هنالك العديد من الحالات الايجابية في مجال العمل الانساني ولكنه ليس كافيا .
وهذا جرى في المؤتمر مناقشة العديد من اوراق العمل حول عمليات النزوح في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ونظرة الاسلام حول الزلازل والتنمية المستدامة اضافة الى موضوعات تتعلق بالزكاة في فلسطين والاغاثة الامريكية في فلسطين ولبنان وجهود الاغاثة التركية في اليونان خلال الحرب العالمية الثانية .
ويذكر أن مجموعة العمل الأنساني هي جزء من معهد التنمية الخارجية الذي يعد أحد أهم المراكز الفكرية في العالم، التي تعنى بالعمل الإنساني.