هشام الخطيب حاصل على درجة الدكتوراه في الهندسة من أرقى الجامعات العالمية، وعمل رئيسا لمهندسي كهرباء القدس المحتلة ما بين 1959- 1974، وهو من مواليد حيفا، وعمل في القدس وينتمي إليها إنتماء الطفل لأمه، ويعرف محافظة القدس شبرا شبرا، وأنار معظم قرى المحافظة، وهو حاليا متقاعد شأنه شأن من يبلغ الستين في بلادنا.
وهو بذلك استحق لقب "ذي النور" لأنه أخرج الناس هناك من العتمة إلى النور، وها هو مستمر بدوره في الحياة، ولكن بطريقة مختلفة، حيث أنه حول بيته وكذلك بيت ابنه وبيوت شقيقاته إلى معرض لكتب مراجع، تتعلق بالديار المقدسة "الأردن وفلسطين" ومصر والمنطقة والجزيرة العربية، إضافة إلى آلاف الصور والرسومات المائية والخرائط القديمة والمصاحف المترجمة القديمة، ويؤمه الصحفيون الأجانب البحاثة، ليغرفوا وينهلوا مما فيها من معلومات عن القدس وفلسطين والأردن والمنطقة على حد سواء، وربما لا تعرفه الصحافة المحلية، لأنها وعلى ما يبدو غير مهتمة بهذا الأمر، أو للإنصاف لأنه ربما لا يوجد لدينا صحفي بحاث، يكلف نفسه عناء البحث عن المعلومة القيمة، وخاصة تلك التي تتعلق بالقدس وفلسطين والأردن.
بدأ د.م. هشام الخطيب اهتمامه بتراث الديار المقدسة، وهو شاب يدرس الهندسة في لندن، وإشترى أول لوحة عن القدس من أحد أسواق ومتحف لندن بقروش معدودات، وهنا تكمن الدلالات، وهي أنه بدأ حياته في لندن ملتزما مؤمنا بعدالة قضيتة وبمصير أمته، ولم ينحرف شأنه شأن بقية الشباب الذين يضيعون في بلاد الغرب، كما أنه أثبت هذا الإلتزام بتضحيته بالقروش القليلة التي كانت بحوزته لشراء تلك اللوحة، وكلنا يعرف وضع الطالب في الجامعة والذي لا يمتلك ترف الصرف على هكذا أمور، لكنه الولاء والإنتماء وبداية شق الطريق في الحياة، لأن البدايات تقود إلى النهايات، وما يزال هشام الخطيب رغم كبر سنه، مثالا يحتذى في الوطنية والإلتزام وحسن السيرة وطيب الأصل.
هناك دلالة أخرى وهو انه عاش ردحا من الزمن في مدينة الضباب لندن، بعيدا عن بلاد العرب، لكنه كان واضحا في تصرفاته هناك، ونهل من العلم حتى بلغ درجة الدكتوراة، ومع ذلك عاد مسلحا ليس بالمعرفة فقط بل بالإلتزام،ويقيني أن من يعود من الغرب بهذه الصورة يستحق كل الإحترام والدعم وتسليط الأضواء، ليشعر أن بذرته لم تصلها جرثومة الإهمال، بل أينعت تقديرا ودعما لتخفيف العبء الواقع عليه، خاصة وانه يركز في إهتمامه على الأردن التي تشكل جزءا مهما من الديار المقدسة.
يتخوف هشام الخطيب من مآل ثروته التراثية المقدسة، ويتساءل :هل ستصبح إرثا متنازعا عليه ؟ أو تكون ضمن بورصة إلى انخفاض ويشتريها المهتمون بثمن بخس ؟
ويعد الخطيب بأن تؤول هذه الثروة إلى الأردن حتى يتم تحرير القدس ومن ثم يتم نقلها إلى هناك، وهذا يتطلب من الجهات المعنية أن تقوم بالإتصال به وحصر ما لديه، والاتفاق معه على صيغة لنقل هذه الثروة إلى مكان آخر يكون مناسبا أكثر لها، ونوفر لها الخبراء المتخصصين في هذا المجال، ونوجه صحفيينا ليسلطوا الأضواء عليها، فنحن اولى من الصحفيين الأجانب الذين يقطعون الفيافي ويتكبدون عناء السفر، لزيارته وإجراء الأحاديث الصحفية معه، حول كنوزه الثمينة.
عندما تجلس معه، تشعر كم هو متواضع رغم كل ما لديه من علم ومعرفة ومقدرة لا تتوافر عند الآخرين، وعندما يتحدث عن مقتنياته، تشعر أنه يتحدث عن قطعة منه، لصيقة به، إن لم نقل أنها تتخذ من شغاف القلب مكانا، ولكن حسرته تكمن في عدم مقدرته على شراء كل ما يتعلق بالأردن وفلسطين والمنطقة، والتي تحتضنها متاحف الغرب.
كما يشكو هشام الخطيب من عدم اهتمام العرب بالتوثيق وبتراثهم، عكس الآخرين الذين برعوا في هذا المجال وأنجزوا، خاصة وأنهم أصحاب الفضل في حفظ تراثنا بل وإنجازه، فيما نحن لا فضل لنا حتى على أنفسنا، وهذا ما جعلنا نهبا للجميع، وتظهر الحسرة عليه أكثر عندما يتحدث عن يهود الذين يحتفظون بمتحفهم الأغنى في العالم بتاريخنا وتراثنا وما كتب عنا، وكل ما يتعلق بنا، بمعنى أننا أصحاب التاريخ قد أهملنا تاريخنا، بينما هم الذين لا تاريخ لهم زوروا تاريخنا وأبدعوا في عملية التزوير.
معروف أن الدم البشري يحوي كريات الدم الحمراء والبيضاء، لكن قلب هشام الخطيب يهتف على الدوام بحب الأردن وفلسطين، ونذر نفسه لخدمة الأراضي المقدسة من خلال جمع ما يمكن جمعه من تاريخها المكتوب وغير المكتوب رغم قصر ذات اليد. - See more at: