EN | AR
ملتقى المنامة للحوار العربي – التركي .. ربط الماضي بأحداث الحاضر
الاثنين, أكتوبر 26, 2015
د. عبد الإله بن سعود السعدون

لم تكن مصادفة دعوة السلطان العثماني سليم الأول وأمره بتحويل وجهة جيوشه من مواقعها بالغرب والاتجاه بها نحو حدود إيران بعد توغل جيوش الصفويين بقيادة إسماعيل الصفوي داخل الأناضول واقترابه لمعقل السلطنة العثمانية آنذاك وكانت معركة جالديران عام 1514م حاسمة بانتصار جيوش العثمانيين على الصفويين ودحرهم حتى وسط فارس عند تبريز، وشكلت هذه المعركة المفصلية درعا واقيا لأهل السنة من هبوب التشييع القسري والدموي الذي كان جنود إسماعيل الصفوي يفرضونه بالقتل والاغتصاب والنهب والسلب لكل من يعارض اتجاههم الطائفي من أتباع المذاهب الإسلامية الأربعة وبدت بعدها مرحلة التوحد العربي التركي ضمن السلطنة العثمانية والتي تحولت تحت مسمى الخلافة الإسلامية إثر تنازل الخليفة العباسي المتوكل بالله للسلطان سليم الأول وإعلانه أول خليفة للمسلمين في عهد الدولة العثمانية وأصبح العرب والأتراك والأحباش والبلقان والبلغار والصرب وأجزاء عديدة من أوروبا الوسطى حتى جدار فيينا يحمل مواطنيها هوية واحدة هي المواطنة العثمانية حيث ذابت القوميات المتعددة هذه تحت مظلة الدولة الموحدة بمسمى الخلافة الإسلامية العثمانية.
وانطلقت الفتوحات الإسلامية غرباً وشرقاً تنشر الدين الإسلامي في أوروبا وآسيا وإفريقيا في عهد الخليفة سليمان القانوني لتكمل عقد الفتوحات الأموية والعباسية في قارات العالم آنذاك وأصبحت الدولة والمواطن العثماني القوة الوحيدة والموحدة في تلك الفترة من العهد العثماني وعمت رياح العدالة والمساواة والحرية لكل أتباع الدولة الفتية وتميزت بالثقافة والزراعة والتجارة والصناعات الحربية وحماية الطرق البرية والبحرية من الخارجين عن القانون وقراصنة البحار وعم الأمن والأمان كل أطراف وثغور دولة الخلافة العثمانية.....
وقد يكون لمنهج تسابق الأحداث الماضية بالحاضر المتشابه لنهاية دولة الخلافة الإسلامية العثمانية والتي سماها أعداؤها الغربيون بالرجل المريض وسعوا حثيثين لتقاسم إرثه وهو يحتضر بتقسيم أطرافه أولاً إثر انهزام الجيوش العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام (1914-1918)م أمام جيوش الحلفاء وبتوقيع معاهدة سايكس بيكو تم إشهار شهادة وفاة الرجل المريض وتشظت الأمة العربية وتحولت إلى مستعمرات ومحميات بريطانية فرنسية ومعهما اعطيت فلسطين والأحواز العربيتين لليهود وللإيرانيين مكافأة لهما نظير المساعدات الاستخباراتية واللوجستية المقدمة من الصهيونية والماسونية وإيران للحلفاء والتي سهلت سقوط دولة الخلافة الإسلامية..
وما أشبه الأمس باليوم حيث تتكالب القوى الإقليمية مع حلفائها من الدول الكبرى في عالمنا الحاضر لاختيار بلاد العرب في العراق وسوريا واليمن كساحة لتصفية صراعاتهم ومطامعهم التوسعية على حساب الدم والجغرافية العربية.. وخلق الأجواء التقسيمية لسايكس بيكو جديدة، فالمشروع الإيراني الروسي ومحاولة إشراك الصين وكوريا الشمالية فيه لجعل سوريا والعراق مسرح عملياته الحربية ومقابلة التحالف الدولي الذي تتزعمه أمريكا ومعها اثنان وستون دولة، والظاهر المعلن رغبة المشروعين الروسي والأمريكي الاشتراك في اتجاه للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي والذي ولد من رحم الاستخبارات الدولية، وللمشروعين الروسي والأمريكي أيضاً وأعوانهما الدور الواضح والعميق في خلق نواة عصابة داعش الميكروبية.
وقد استضافت مملكة البحرين مشكورة في المنامة, مؤخراً، وللمرة الثانية ملتقى الحوار العربي التركي، وكان افتتاحه مهيبا بحضور كبار المسؤولين والمفكرين ورجال الاعلام في مملكة البحرين، وألقت رئيسة منظمة الحوار العربي التركي الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة كلمة وافية عرضت من خلالها أهداف وخطط الملتقى من اجل التضامن والتقارب المرجو بين الشعبين العربي والتركي، وأوضح الاستاذ أرشد هورموزولو أمين عام الملتقى في كلمته مراحل تأسيس هذه المنظمة الإقليمية لتحقيق التفاهم والتعارف ثقافيا واقتصاديا وفنيا بين الشعبين الشقيقين، وشارك أمين عام منتدى الفكر العربي بعمان الدكتور محمد أبو حمور بكلمة وافية عن اسس التلاقي بين الملتقى والمنتدى والاستعداد المطروح للتعاون الجدي من اجل تحقيق التعاون والقوة للشعوب الإسلامية كافة.
وكان جدول أعمال الملتقى غنياً بالأوراق البحثية التي توجه نحو اللقاء بين الشعبين الشقيقين التركي والعربي والذي كان في يوم مضى شعبا واحداً موحداً تحت راية الإسلام الحنيف، ودارت المناقشات والحوارات الإيجابية للوصول إلى أفضل السبل والوسائل لتحقيق الحلم بالتعاون الاستراتيجي المميز بين دول خليجنا العربي والجمهورية التركية للوقوف صفاً واحداً أمام التحديات الطامعة والمحيطة بمنطقتنا الإقليمية، ورفع كل المشتركين في ملتقى المنامة كل الشكر والامتنان لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة -نصره الله- وحكومته الرشيدة والشعب البحريني النبيل للدعم المستمر المثمر وكرم الضيافة البحريني الخليفي الاصيل، لتحقيق أهداف الملتقى ومن أجل لقاء الشعبين العربي والتركي لخير ومنعة الشعوب الإسلامية كافة...
ونحن أبناء وأحفاد الموروث العثماني في الأمتين العربية والتركية نتطلع وبجدية في كل انشطة ملتقى الحوار العربي التركي إلى إزالة كل ضبابية خلقتها وأحسنت تربيتها ونشرها المنظمات والقوى المعادية للأمة الإسلامية أمثال الصهيونية العالمية ووليدتها غير الشرعية إسرائيل وأحفاد التفرقة القومية والطائفية والمحرضين لها أمثال القوى العالمية الطامعة بثروتنا الطبيعية ومعهم حليفهم الدائم دولة ملالي إيران، وهذا الجهد ليس سهلاً ولا يتم بالسياحة أو متابعة المسلسلات المتقابلة عربية وتركية واللقاءات المتبادلة بل لا بدَّ أن يترجم كمشروع سياسي واقتصادي يحيط من بداخله بالأمن والأمان ويشكل تكتلاً إقليمياً ودولياً مهابا يبعدنا عن مخاطر المدافع الدولي بالنيابة عنا والذي أثبتت الأحداث المتسارعة أخيراً تصدع قوة مقياس ثقته وانحراف بوصلته مع التوقيع على اتفاقية الملف النووي الإيراني وإطلاق العنان لظهور الأطماع الإيرانية في العالم العربي من جنوب لبنان حتى طهران مروراً بدمشق وبغداد قلبي العروبة النابض وتحويل هذه المنطقة بأسرها إلى دولة فارسية تحت غطاء محاربة الإرهاب الإسلامي المتطرف وهم صناعوه وداعموه.
أمام الأحداث المتداعية السريعة وظهور مشاريع وتكتلات إقليمية ودولية تستهدف أمننا القومي وسيادتنا الوطنية والتلويح بمشاريع تقسيمية لأوطاننا ومحاربة وحدتنا القومية بالتدخل السافر بشؤننا الداخلية وزرع عملاء متآمرون على أمننا ومكاسبنا السياسية والاقتصادية كل هذا وغيره يدعونا إلى اليقظة والحذر والتهيؤ الاستباقي من الأخطار المحيطة بنا من كل جهة والعمل الجاد من قبلنا مواطنين ودولا نحو تشكيل مشروع عربي تركي باكستاني يكون نواة قوة مشتركة لصون أمن واستقرار وسلام منطقتنا الإسلامية تحت مظلة التضامن الإسلامي والذي تشرفت قيادة بلادي المملكة العربية السعودية بإعلان رايته منذ تأسيسها والنداء لكل الدول الإسلامية للتضامن ووحدة القرار السياسي منادين بالسلام والأمن العالمي وإيقاف كل المشاريع الإقليمية والدولية العدائية والتوسعية وإنقاذ شعوب المنطقة من شرور الحروب والتوسع الجغرافي والفتن الطائفية والتي تمارسها التكتلات الإقليمية والدولية بتنفيذ نظرية الأرض المحترقة لأرضنا العربية في سوريا والعراق والرغبة في ابتلاعهما والتلويح بالتمدد للأمام حتى البحر الأحمر لا سمح الله.
* عضو هيئة الصحفيين السعوديين 
عضو الهيئة التأسيسية للحوار التركي العربي
عضو منتدى الفكر العربي.

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©