د.خمش: مفهوم المواطنة يتجاوز الجنسية وينبغي تعزيز مفهوم المواطنة وترسيخ الهوية الوطنية الجامعة
د.أبو حمّور: ضرورة تطبيق مفهوم المواطنة الحاضنة للتنوّع كنهج وطني ضمن إطار منظومة حقوق الإنسان والدولة المدنية
النجار: رسالة عمّان نموذج أردني يدعو للتسامح والوحدة ويعزز مفهوم المواطنة في عالمنا
د.التل: ضرورة تعزيز العناية بالأمن الاجتماعي والاقتصادي من خلال توزيع الثروات الوطنية بشكل عادل
المهتدي: العولمة عمّقت أزمة الهوية الوطنية في المجتمعات العربية وابعدتها عن مرتكزاتها المبنية على الثقافة والبيئة العربية
عمّان - عقد منتدى الفكر العربي، لقاءً حوارياً عبر تقنية الاتصال المرئي، حاضر فيه أستاذ علم الاجتماع والسياسات الاجتماعية الأستاذ الدكتور مجد الدين خمش حول "المواطنة والهوية الوطنية في الأردن والوطن العربي" وهو موضوع كتاب له سبق أن فاز بجائزة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين للإبداع، وشارك بالمداخلات في هذا اللقاء الذي أداره الوزير الأسبق والأمين العام للمنتدى د. محمد أبو حمّور، وزيرة الثقافة السيدة هيفاء النجار، وأستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية د.رعد التل، والباحثة الأستاذة عبلة المهتدي، وحضر اللقاء عدد من المهتمين.
أوضح المُحاضِر د.مجد الدين خمش أن مفهوم المواطنة يتجاوز الجنسية، فهو يتضمن حمل جنسية الوطن الذي يكون فيه الفرد عضواً، ويتمتع بالحقوق والحريات والخدمات العامة، ويتضمن أيضاً الانتماء للوطن والمشاركة الفاعلة اجتماعياً وسياسياً على قدم المساواة مع المواطنين الآخرين للحفاظ على بناء المجتمع والدولة، وأشار إلى أن الهوية القومية العربية استخدمت للتوحيد والتحشيد لمقاومة الاستعمار الأوروبي والتخلص من تبعاته، وأن النهوض في المنطقة العربية يحتاج إلى نوع من الوحدة الاندماجية.
ناقش المتداخلون في هذا اللقاء مفهوم المواطنة والهوية الوطنية في الأردن وفي الوطن العربي، كما عرضوا بعض النماذج المعاصرة من تطبيق المواطنة في عدد من الدول العربية، مؤكدين أهمية أن تتوافر الترتيبات المؤسسية المناسبة لضمان حصول المواطنين على حرياتهم وحقوقهم المنصوص عليها في الدساتير والقوانين والأنظمة، والعمل على تعزيز مفهوم المواطنة والقيم المجتمعية الوطنية، والتعددية الاجتماعية والثقافية في المناهج الدراسية.
التفاصيل:
أوضح المحاضر د.مجد الدين خمش أن مفهوم المواطنة يتجاوز الجنسية، حيث أنه أكثر شمولاً وعمقاً في معناه ومضامينه من الجنسية، فالمواطنة تتضمن حمل جنسية الوطن الذي يكون فيه الفرد عضواً، ويتمتع بالحقوق والحريات والخدمات العامة القانونية تبعاً لذلك، ويلتزم بقيامه بالواجبات نحو الدولة والمجتمع، ويتضمن أيضاً الانتماء للوطن، والولاء لقيادته السياسية، والمشاركة الفاعلة اجتماعياً وسياسياً مع المواطنين الآخرين لضمان استقرار المؤسسات، والحفاظ على بناء المجتمع والدولة.
وقال د.خمش: إن الهوية الوطنية توجد على مستويين متكاملين: مستوى الهوية الذاتية للأفراد، ومستوى الهوية الوطنية الجامعة. فالفرد يمتلك هوية سياسية وطنية ذاتية تنتج عن ارتباطه بالدولة ومؤسساتها، وبالمجتمع وجماعاته المختلفة، كما أنه يمتلك هويات ذاتية أخرى، كالهويات القرابية، أو المهنية، أو العمرية، أو الهويات العضوية في تنظيمات المجتمع المدني، إلا أن هوية المواطنة هي الأقوى والأشمل، فهي التي تنظم الهويات الأخرى ضمن مسارات الولاء والانتماء للدولة، والمجتمع، والقيام بالالتزامات نحوهما قانونياً وأخلاقياً.
وأضاف د.خمش أن الهوية الوطنية العربية بدأت بالتكون خلال فترة عصر النهضة العربية في بدايات القرن التاسع عشر، واستخدمت الهوية القومية العربية للتوحيد والتحشيد لمقاومة الاستعمار الأوروبي والتخلص من تبعاته في الجوانب كافة، وأن النهوض في المنطقة العربية يحتاج إلى نوع من الوحدة الاندماجية، وأن الهوية الوطنية الأردنية الجامعة انبثقت بشكل أساسي من مبادئ الثورة العربية الكبرى.
وأشار د.خمش إلى مقومات المواطنة والمبادئ التي تقوم عليها، وهي: الحريات والحقوق والخدمات العامة، والواجبات الفردية، والمساواة بين المواطنين، والمشاركة الاجتماعية والسياسية، وإلى مفهوم المواطنة متعدّدة الثقافات، كما بَيّنَ أثر العولمة على المواطنة وإضعاف الخصوصية الثقافية للدول، مؤكداً أهمية تعزيز مفهوم المواطنة الصالحة، وترسيخ الهُوية الوطنية الجامعة، والاستمرار في تطوير المناهج في ضوء الدراسات التربوية المتخصصة والقيم المجتمعية الوطنية، والتعددية الاجتماعية والثقافية.
ومن جهته بَيّن د.محمد أبو حمّور أهمية تعزيز مفهوم المواطنة ونبذ الخلاف وتأكيد أهمية العيش المشترك، وضمان حق المواطنين في العيش الكريم القائم على أساس العدل والمساواة، مشيراً إلى أن هذا ينسجم مع ما دعا إليه جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين في الأوراق النقاشية الملكية، وخصوصاً في الورقة السادسة المتضمنة البناء على ما هو مشترك، ونبذ الخلافات، وترسيخ سيادة القانون لتشمل جميع مؤسسات الدولة وأفرادها دون استثناء.
وأشار د.أبو حمّور إلى دور منتدى الفكر العربي في طرح قضية المواطنة ومناقشتها من خلال عدد من الأنشطة المهمة، ومنها مؤتمر (المواطنة الحاضنة للتنوع في المجال العربي: الإشكالية والحل)، الذي عقده المنتدى في شهر آب من عام 2020، تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، والذي تحدث عن أهمية تعزيز مفهوم المواطنة الحاضنة للتنوّع من زواياه المختلفة وتطبيقها كنهج وطني، وضمن إطار منظومة حقوق الإنسان والدولة المدنية المتعددة الثقافات، وبما يحقق المصالحة الوطنية في محددات واقعنا العربي الراهن.
ومن جانبها أوضحت السيدة هيفاء النجار أن المواطنة والوطن مفهومان لا يمكن الفصل بينهما، وأنه لا يمكن الحديث عن المواطنة دون الحديث عن المواطن ودوره في التفكير العقلاني والنقدي في المجتمع من خلال التزامه بالواجبات، وكفالة القوانين والتشريعات لجميع حقوقه، ذلك أن المواطنة مسؤولية جماعية وتشاركية، مشيرةً إلى إنجازات الدولة الأردنية في المئوية الأولى وأهمية البناء عليها من خلال تقديم سردية وطنية أردنية مبنية على الصمود الوطني الأردني والقيم الحضارية والتاريخية، والنظر إلى رسالة عمّان كنموذج أردني يدعو إلى التسامح والوحدة ويعزز مفهوم المواطنة.
وبدروه بين د.رعد التل أهمية العناية بالأمن الاجتماعي والاقتصادي ضمن مفهوم المواطنة، وذلك من خلال توزيع الثروات الوطنية بشكل عادل، وتعزيز قدرة الدولة على حماية حقوق الفرد المادية والمعنوية، وتنظيم العلاقة بين المصلحة الخاصة والعامة في تحقيق الانتماء الوطني والتفاعل الإيجابي بين أفراد المجتمع الواحد، كما أشار إلى مفهوم المواطنة الناقصة، وإلى عدد من مقومات المواطنة الصحيحة، وبَيّن بعض جوانب القصور في العلاقة بين الحكومات المتعاقبة والمواطنين، وذلك من أجل الاسترشاد بها مستقبلاً لبناء علاقة صحيحة وصحية تقوم على أساس المواطن.
وقالت السيدة عبلة المهتدي: إن هناك تحديات عديدة تواجه المنطقة العربية، وأهمها العولمة التي صُدرت من العالم الغربي بأشكال وأهداف متعددة وأثرت على مجتمعاتنا العربية من خلال تعميق أزمة الهوية الوطنية، وإبعاد الأمة عن مرتكزاتها الأساسية المبنية على الثقافة والبيئة العربية، وهيمنة القوى العظمى على الدول العربية واقتصادها بما يتناسب مع مصالحها ومصالح مجتمعاتها، وأكدت المهتدي أن المواطنة ليست منهجاً فكرياً وتدريسياً وحسب بل هي فكرة وأقوال يرافقها جملة من الأعمال الجادة لتحقيقها على أرض الواقع، وأن العبء الأكبر لتحقيق مفهومها وترسيخ مبدأها يقع على عاتق الدولة ومؤسساتها من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة.
هذا وجرى نقاش موسع بين المتحدثين في اللقاء والحضور حول القضايا التي طُرحت.
يمكن متابعة التسجيل الكامل لوقائع هذا اللقاء بالصوت والصورة من خلال الموقع الإلكتروني لمنتدى الفكر العربي www.atf.org.jo وقناة المنتدى على منصة YouTube.