د.بوعيطة: الحالة الثقافية العربية كان ينقصها العديد من الخصائص ومشروع النهضة جاء في سياق متأخر عن الغرب
د.أبو حمّور: غياب الاستراتيجيات الواضحة للتعامل مع التحديات المفروضة والتغيرات السريعة أدى إلى قيام أزمة مرتبطة بالثقافة والفكر
د.صعب: ضرورة العمل على إدخال الفكر النقدي إلى الثقافة العربية المعاصرة ومحاربة التلقين في التعليم ومقاومة الفكر الغيبي والرجعي
د.عبيد: أهمية العمل على جعل الماضي جزءاً من الوعي التاريخي الذي يبلور وعي الحاضر وذلك من أجل تقدم المجتمع وتطوره
د.شومر: المشروع الحداثي العربي الجديد ينبغي أن لا ينطلق من المركزية الأوروبية وأن يتجاوز إخفاقات المشروع الحداثي الأوروبي
د.توفيق: أهمية إعادة فاعلية العلم والتوفيق بين التراث العربي الإسلامي والحداثة الغربية وإعلاء قيمة الأداء في العمل النهضوي
عمّان - عقد منتدى الفكر العربي، لقاءً حوارياً وجاهياً وعبر تقنية الاتصال المرئي، حاضر فيه الكاتب والأكاديمي والناقد المغربي د.سعيد بوعيطة حول "خطاب النهضة في الفكر العربي المعاصر: زكي نجيب محمود أنموذجاً"، وشارك بالمداخلات، في هذا اللقاء الذي أداره الوزير الأسبق وأمين عام المنتدى د. محمد أبو حمّور، كل من: الفيلسوف والأكاديمي اللبناني د.أديب صعب، وأستاذة الفلسفة في الجامعة اللبنانية د.ماغي عبيد، وأستاذ الفلسفة في الجامعة الأردنية د.توفيق شومر، ورئيس جمعية النقاد الأردنيين وأستاذ الفلسفة في جامعة فيلادلفيا د.زهير توفيق.
أوضَح المُحاضر د.بوعيطة أن مشروع النهضة في الفكر العربي المعاصر جاء في سياق متأخر عن الغرب، وأن الحالة العربية الثقافية والفكرية في ذلك الوقت كان ينقصها العديد من الخصائص، وأهمها الوضوح والثقة وضبط المعنى، مما أنتج حقلاً من الالتباس الفكري وشيوع الخرافة.
وأشار د.سعيد بوعيطة أن زكي نجيب محمود يعد أنموذجاً عربياً لما يعانيه المفكر العربي الذي أدرك حجم الهوة ودرجة الفرق والتفاوت بين العالم العربي والغرب، وأنه من مؤسسي منهج توظيف المذهب الوضعي المنطقي في الفكر التنويري، وأن له مساهمات فعّالة في معالجة الحالة الثقافية والفكرية العربية.
ناقش المتداخلون مراحل تبلور الخطاب الفكري النهضوي، وتناولوا مفاهيم الحداثة والتنوير وأهميتها في النهضة، مؤكدين أهمية العلم والتعليم في الوصول إلى الحداثة والنهضة والتطور، والحفاظ على الماضي والاعتزاز بالهوية العربية والإرث الثقافي في خضم التطورات السريعة التي يشهدها العالم والتحديات التي تواجه المنطقة العربية، كما أشاروا إلى الإنتاجات الفكرية للفيلسوف والكاتب د.زكي نجيب محمود.
التفاصيل:
أوضَح المُحاضر د.سعيد بوعيطة أن مشروع النهضة في الفكر العربي المعاصر جاء في سياق متأخر عن الغرب، حيث كان للاستعمار الفرنسي المتمثل بحملة نابليون على مصر والشام أثر كبير في تعزيز الشعور الوطني والقومي، وأن المشروع قام من خلال عدة مراحل كان أولها إبان القرن التاسع عشر على يد رفاعة الطهطاوي، ثم الموجة الثانية التي أدخلت مفهوم الحداثة إليه، وذلك في النصف الأول من القرن العشرين، وأخيراً تمثل بقيام مشروع نهضوي عربي شامل على يد عدد من المفكرين العرب الذين كان لهم الدور البارز في بناء الفكر التنويري العربي، وركائز التطوير الحضاري للمجتمعات العربية.
وأشار د.بوعيطة إلى دور الفيلسوف والكاتب المصري الدكتور زكي نجيب محمود (1905-1993)، في المشروع الفكري النهضوي المعاصر، وذلك من خلال دعوته إلى الاهتمام بالجانب العلمي، وتبنيه المنهج الوضعي المنطقي القائم على المعرفة المسبقة والإدراك لجميع أشكال التفكير اللاعلمي الذي كانت تعيشه المنطقة العربية عامةً، نتيجة المراحل التاريخية التي سبقت الاستقلال، وانعدام حرية الرأي، وسلطة الماضي على الحاضر، والتفكير غير العقلاني والمنطقي، والتي أدت بدورها إلى تدهور الأوضاع الفكرية والثقافية والاجتماعية.
وأضاف د.بوعيطة أن د.زكي نجيب محمود حاول توظيف المذهب الوضعي المنطقي لصالح الفكر التنويري، ومعالجة الحالة الثقافية والفكرية في المنطقة العربية، مبيناً أن الحالة الثقافية والفكرية العربية في ذلك الوقت كان ينقصها الوضوح والثقة وضبط المعنى، مما أنتج حقلاً من الالتباس الفكري وشيوع الخرافة، الأمر الذي عزز أهمية استخدام المنهج الوضعي المنطقي لكونه أكثر الفلسفات إيماناً بأهمية العلم والمعرفة، وأن محمود قدم من خلال تبنيه لهذا المشروع رؤى ونظريات أكثر إتساقاً وانسجاماً مع الواقع الثقافي والاجتماعي والفكري، ودعا إلى المشاركة والتفاعل مع الحضارة الإنسانية مع الحفاظ على الهوية العربية التي تتضمن اللغة والتاريخ والدين والتراث.
وبين د.بوعيطة أن د.زكي نجيب محمود يُعد أنموذجاً عربياً لما يعانيه أي مفكر عربي أدرك حجم الهوة ودرجة الفرق والتفاوت بين العالم العربي والغرب، وأنه لقب بأديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء، وأنه أول مفكر يدخل الاتجاهات الوضعية المنطقية إلى الساحة الفكرية العربية، مشيراً إلى حياته وتدريسه للفلسفة في جامعات الكويت ومصر، وإلى أنه أنتج العديد من الأعمال، وأهمها "تجديد الفكر العربي"، الصادر عام 1971، وكتاب "نحو فلسفة علمية" الذي صدر عام 1985.
وبدوره قال د.محمد أبو حمّور: إن غياب الرؤية الواضحة والشاملة والصراعات الأيديولوجية، والأزمات الداخلية في بعض دول المنطقة العربية، وعدم وجود استراتيجيات واضحة للتعامل مع التحديات المفروضة والتغيرات السريعة في العالم كالثورة الصناعية الرابعة، والرقمنة أدت إلى وجود أزمة مرتبطة بالثقافة والفكر والهوية والموائمة بين الماضي والحاضر في المجتمعات العربية، الأمر الذي انعكس على العمل العربي المشترك عموماً، وعلى مشاريع النهضة الفكرية العربية.
وأشار د.أبو حمّور إلى دعوة سمو الأمير الحسن بن طلال التي تهدف إلى تطوير وتجديد الخطاب الفكري العربي بناءً على الأوضاع الجديدة وتحديات العصر القائمة، وذلك من خلال صنع السياسات المبنية على الأدلة، وتعزيز الفكر النقدي التحليلي، والقبول بمساحة الاختلاف والتدافع الفكري، للنهوض بالفكر العربي المعاصر وجعله متوائماً مع الآخر ومنفتحاً عليه مع الحفاظ على التراث والهوية.
وأوضح د.أديب صعب أن د.زكي نجيب محمود من الفلاسفة الرواد الذين أدخلوا الفكر النقدي إلى الثقافة العربية المعاصرة، وحاربوا التلقين في التعليم والتربية، وقاوموا الفكر الغيبي والرجعي في المنطقة العربية، مشيراً إلى نشاطه الفكري في مصر، وحواراته الخمس مع مجلة "الأزمنة" الفكرية الثقافية اللبنانية حول الفلسفة، ونظرته السلبية إلى الميتافيزيقا من خلال كتابه "خرافة الميتافيزيقا"، مبيناً أن محمود تميز بوضوح المفاهيم واللغة في الثقافة العربية المعاصرة، على الرغم من انفتاحه على الفلسفة التحليلية البريطانية خلال دراسته في جامعة لندن.
ومن جهتها بَيّنت د.ماغي عبيد دور السجال حول إتباع النهضة والاستقلال كما عند د.زكي نجيب محمود، مشيرةً إلى أنه تجاوز ذلك من خلال توجهه إلى الفلسفة البراغماتية، معتبراً أن ما يجب العمل على إحيائه من الماضي هو ما يستطيع الإنسان سلوكه وممارسته في حياته الراهنة، وأما ما لا يتفق وروح هذه الحياة فيجب إهماله وتركه، ويكون ذلك وفق طرق تحفظ للماضي حضوره، وتجعل من الحاضر متقبلاً للماضي كجزء من الوعي التاريخي الذي يبلور وعي الحاضر، مؤكدةً بأن هذه العملية تؤدي إلى تقدم المجتمع وتطوره، وتحقق الأهداف والغايات الإنسانية.
ولفت د.توفيق شومر إلى مفهوم الحداثة وأهميته في المجتمعات العربية، موضحاً أن جذوره تعود للقرنين الثالث والرابع الهجريين، وذلك من خلال الفنون والآداب وانتشار علم الكلام وغيرها من صنوف الإنتاج المعرفي التي ازدهرت في تلك الفترة، وأنه لا يمكن لتأثير الحداثة أن يعود من جديد في المجتمعات العربية إلا من خلال الأفعال الاجتماعية المنظمة والعقلانية، والتنوير العام، وإصلاح نظام التربية، مؤكداً بأن المشروع النهضوي العربي لا يمكن أن يتم إلا من خلال العودة إلى مشروع حداثي عربي جديد لا ينطلق من المركزية الأوروبية ويتجاوز إخفاقات المشروع الحداثي الأوروبي، ويسعى إلى حركة تنوير عربية فعّالة تخرجنا من حالة الجَزر الثقافية.
وأشار د.زهير توفيق إلى أن إعادة فاعلية العلم والتوفيق بين التراث العربي الإسلامي والحداثة الغربية، وإحلال العمل الجاد، وإعلاء قيمة الأداء والعقل من أهم آليات العمل النهضوي في العالم العربي، وأن غياب الحرية، وسلطة الماضي على الحاضر يعد جزءاً من إشكالية النهضة وجدليتها في العالم العربي، مشيراً إلى أهمية الإطلاع على التراث الفكري العربي وفهمه لما يزخر به من قيم علمية وفكرية مهمة لحياتنا المعاصرة، وأن ما تبناه د.زكي نجيب محمود من أفكار المدرسة الوضعية في البداية أفقرت مفهوم العلم ووظيفة الفلسفة في المجتمع.
يمكن متابعة التسجيل الكامل لوقائع هذا اللقاء بالصوت والصورة من خلال الموقع الإلكتروني لمنتدى الفكر العربي www.atf.org.jo وقناة المنتدى على منصة YouTube.