في لقاء لمنتدى الفكر العربي مثقفون وأكاديميون يناقشون دراسة د. محمد الدروبي حول
بواكير الأصوات الثقافية والفكرية والأدبية الأردنية
د.الدروبي: قدوم الملك المؤسِّس عبد الله الأول وتأسيس الدولة الأردنية ساهما في تنشيط حركة الكتابة الأردنية في المجلات العربية
د.أبو حمّور: مناسبة مئوية تأسيس الدولة تعبِّر عن دور المبادئ العظيمة للنهضة ودور الثقافة والتعليم كأساس لها
د.العموش: توثيق الصورة الثقافية والأدبية المنتجة خلال تأسيس الدولة ينبثق من أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية
د.الجالودي: ضرورة دراسة البنى الفكرية ونوعية التعليم والبيئة الثقافية التي ساهمت في صقل فكر الروّاد الأوائل
د.عبيد الله: تأسيس النظام السياسي الأردني على يد أديب وشاعر ومثقف كالملك المؤسس شكل بؤرة ثقافية ممتازة
هاشم: تفاعل النشاط العقلي والإبداعي في الأردن مع تيارات الفكر الوافدة على الثقافة والهوية عزز الوعي الحضاري والحداثة
د.السالم: جمع مادة الأدب الحديث لكل من الأردن وفلسطين في مدونة ضرورة مرجعية للباحثين وطلبة الدراسات العليا
عمّان - عقد منتدى الفكر العربي، يوم الأربعاء 15/12/2021، لقاءً حوارياً عبر تقنية الاتصال المرئي، حاضر فيه أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة آل البيت د.محمد الدروبي حول "بواكير الأصوات الثقافية والفكرية والأدبية في المجلات العربية (1921-1946)"، وشارك بالمداخلات، في هذا اللقاء الذي أدراه الوزير الأسبق وأمين عام المنتدى د. محمد أبو حمّور، كل من: أستاذة اللغة العربية في الجامعة الهاشمية د.خلود العموش، وأستاذ التاريخ في جامعة آل البيت د.عليان الجالودي، وأستاذ الأدب والنقد وعميد كلية الآداب والفنون في جامعة فيلادلفيا د.محمد عبيد الله، ونائب الأمين العام للشؤون الثقافية في منتدى الفكر العربي كايد هاشم، وأستاذة الأدب العربي في جامعة الشرق الأوسط د.جمانة السالم.
أوضَح المُحاضر د.محمد الدروبي أن نشاط الحركة الكتابية الأردنية في المجلات العربية التي تصدر خارج الأردن تزامن مع قدوم الملك المؤسس عبدالله الأول، وتأسيس إمارة شرقي الأردن سنة 1921م، وأن عدداً من الكُتاب الأوائل كانوا من رجال الملك المؤسس، مما يدل على دوره الرئيس في حفز هؤلاء الكُتاب وتشجيعهم على الكتابةِ والإبداع، وارتياد مسار جديد من مسارات النشر المحدودة آنذاك.
وأشار د.الدروبي إلى أن حركة النشر المحلية في ذلك الوقت كانت ضعيفة بسبب عدد من العوائق والمشكلات، مما كان سبباً لتوجه جيل الرواد إلى الكتابة والنشر في الأقطار العربية المجاورة كسوريا وفلسطين ومصر ولبنان كونها أقصر السُبل النشر المتاحة وأشدها اتساعاً.
ناقش المتداخلون بدايات تأسيس الحركة الثقافية في الأردن، والمنجز المعرفي والأدبي والحضاري والتحولات التي طرأت عليه، مشيرين إلى دور الملك المؤسس واسهاماته في ميدان الثقافة بالأردن، والأسماء الأدبية الأردنية التي تركت أثراً في الأدب والثقافة ونشرت نتاجاتها الأدبية والفكرية والثقافية في عدد من المجلات العربية المختلفة.
أكد المتداخلون ضرورة دراسة تاريخ الحركة الأدبية والثقافية للأردن ودورها المهم في الحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية الأردنية، وأشاروا إلى ضرورة عمل دراسات تتناول تطور الحياة الأدبية والفكرية الأردنية لتكون مرجعاً ثقافياً للطلبة والباحثين، وذلك من خلال ما نشر في المجلات والكتب عن الكُتّاب ومسيرتهم الثقافية والأدبية والفكرية.
التفاصيل:
أوضَح المُحاضر د.محمد الدروبي أن نشاط الحركة الكتابية الأردنية في المجلات العربية التي تصدر خارج الأردن تزامن مع قدوم الملك المؤسس عبدالله الأول، وتأسيس إمارة شرقي الأردن سنة 1921م، واستقرار الأوضاع السياسية والإدارية في البلاد، وأن عدداً من الكُتاب الأوائل كانوا من رجال الملك المؤسس، مما يدل على دوره الرئيس في حفز هؤلاء الكُتاب وتشجيعهم على الكتابةِ والإبداع، وارتياد مسارات جديدة من مسارات النشر آنذاك.
وأشار د.الدروبي إلى أن من أهم أسباب ضعف النشر في الأردن وتأخر انطلاق الحركة الثقافية والأدبية والفكرية إبان تأسيس الإمارة ضعف حركة التعليم في أواخر عهد الدولة العثمانية قياساً بالبلدان المجاورة، فرغم أهمية المنطقة إلا أن التعليم آنذاك لم يجد ما يعزز دوره في نشر الثقافة والوعي بين صفوف السكان، إضافة إلى قلة التواصل بين المثقفين العرب مما جعل المشهد الثقافي العربي شبه غائب عن كثير من أهل الأردن، والعدد المحدود للمجلات التي كانت تصدر قبل مئة عام وتصل أحياناً إلى الأردن .
وبين د.الدروبي أن أقصر سبل النشر المتاحة وأشدها اتساعاً للكُتّاب والأدباء الأردنيين في ذلك الوقت كان النشر في المجلات الصادرة في الأقطار العربية المجاورة كسوريا ومصر وفلسطين ولبنان، وأن كتابات الكُتّاب الأردنيين قد تنوعت، وتعددت مساراتها الثقافية و الأدبية والفكرية، وتباينت مضامينها على نحوٍ يدل على اتساع آفاق الكتّاب، وقدرتهم على تناول الموضوعات الأدبية والنقدية والتاريخية والفكرية والفلسفية والتربوية، وغيرها من المجالات، مما يدل على دورهم الكبير في النهضة الجديدة، وسعيهم إلى تقديم صورة محببة عن وطنهم، وسد الفجوة الثقافية والخروج من العزلة.
وقال د.الدروبي: إن عدد الكُتّاب والأدباء الأردنيين الأوائل الذين شاركوا في حراك النشر في المجلات العربية آنذاك يبلغ أكثر من أربعين كاتباً قدموا معارفهم في اثنتين وعشرين مجلة، أهمها مجلة "الرسالة" المصرية التي شكلت حاضنة للكتابات الأردنية خلال العقدين الثالث والرابع من القرن الماضي، وأشار إلى أنه بالنظر إلى معيار النشر ووفرته نجد أن مستويات النشر لدى الكُتّاب الأردنيين قد اختلفت خلال تلك الفترة التي تغطيها الدراسة، فمنهم من كان مُقلاً أمثال: عبد الرحمن العواملة، وصُبحي أبو غنيمة، وسعد جمعة، وفرحان شبيلات، ومنهم من تراوحت مشاركاتهم بين السبع وخمس عشرة مشاركة مثل: سعيد الكرمي، وعبد الحليم عباس، ويعقوب العودات، وبشير الشريقي، وجورج العزيزات، وأخيراً من كثرت كتاباتهم ومساهماتهم وفي مقدمتهم أديب عباسي، والذي يُعد من أغزر الكُتّاب إنتاجاً، إذ نجد له قرابة خمسين مشاركة، ويليه عدد من الكُتّاب منهم: روكس العُزيزي، وعيسى الناعوري، وخليل الطوال، وحسني فريز، ومحمد سليم الرشدان.
وبدوره أشار د.محمد أبو حمّور إلى أن الإنتاج الأدبي في الأردن كان مقتصراً قبل تأسيس الإمارة على الشعر البدوي، وأن الملك المؤسس عبدالله الأول أولى الثقافة بعمومها اهتماماً بالغاً، وكانت توجهاته منصبة على نشر الثقافة والأدب في المجتمع، فمع وصوله إلى عمّان أسس صحيفة "الحق يعلو" والتي تُعد امتداداً لجريدة الثورة العربية الكبرى "القبلة"، وهو ما جاء منسجمًا مع مشروع تأسيس الدولة، كما أنه عمل على تشجيع النشر والصحافة والثقافة والأدب وتم جلب أول مطبعة في عهد الإمارة عام 1922، وتبع ذلك ظهور مطابع أخرى، مبيناً أن الحراك الأدبي الذي قاده الملك المؤسس عبدالله الأول لم يكن إلا بداية لحث الطاقات الإبداعية والفكرية على النهضة، فدولة ناشئة في منطقة ملتهبة بالأحداث لن تقوم إلا إذا بُثّ فيها العلم والعمل معاً، وعليه فقد استقطب الأدباء والشعراء العرب الذي كان لهم دورهم الثقافي، لإدراكه دور الأديب المهم في توجيه الأنظار نحو القضايا الوطنية، وترسيخ الانتماء الحقيقي للوطن، وتعزيز قيم المواطنة والقومية؛ مؤكداً أن مناسبة مئوية تأسيس الدولة الأردنية تعبِّر عن المبادئ العظيمة للنهضة والتي اتخذت التعليم والعلم أساسأ لها.
من جانبها قالت د.خلود العموش: إن توثيق تاريخ الدولة الأردنية والصورة الثقافية والأدبية المنتجة خلال مرحلة تأسيس الدولة الأردنية تنبثق من أهمية الحفاظ على الهوية الوطنية وإظهارها لمن يشكك في كينونة الدولة، مشيرةً إلى أن عملية التوثيق ليست بالأمر السهل وإنما تحتاج إلى رصد وتحليل وتتبع للمعلومات الواردة عن المنجز الثقافي والأدبي في النثر، والبحث في الوثائق والسجلات والمجلات المؤرشفة التي تعود إلى الأعوام (1921-1946)، مشيرةً إلى الإسهامات الهاشمية في تنشيط الحركة الأدبية والثقافية في الأردن، ودور المجلات العربية القديمة في الوحدة العربية ونشر الثقافة العربية الجامعة، وبيّان حالة التعايش ودور الكُتّاب المسيحيين في تجذير المواطنة، وحركة التنوير والنهضة الأدبية الأردنية.
ولفت د.عليان الجالودي إلى أن الإمارة في بداية العشرينات والثلاثينات استقطبت عدداً كبيراً من المثقفين والأدباء العرب الذين ساهموا بنشاط في تأسيس الحركة الفكرية في الأردن، ومن هنا ينبغي توثيق مساهماتهم في نشأة هذه الحركة. ودعا إلى العمل على توسيع الدراسات المتعلقة بالحياة الفكرية في الأردن وفلسطين، ذلك أن الكثير من الدراسات اقتصرت على ذكر أسماء الأدباء والمثقفين دون أن تتطرق إلى ما انتجه أصحاب هذه الأسماء في المجلات إلا في محاولات قليلة، مبيناً أهمية نشر المقالات الأدبية التي كتبوها وخاصة في مرحلة تأسيس الدولة ضمن عمل موسوعي يتضمن ما نشره الأردنيون في الصحف والمجلات العربية والمهجر، بالإضافة إلى دراسة البنى الفكرية ونوعية التعليم والبيئة التعليمية التي ساهمت في صقل فكر هؤلاء الكُتّاب.
وأشار د.محمد عبيد الله إلى أن الأردن قد عانى من قلة عدد المدارس وانتشار الأمية وضعف اللغة العربية خلال العهد العثماني، وأن تأسيس النظام السياسي الأردني على يد أديب وشاعر ومثقف كالملك المؤسس عبدالله بن الحسين شكل بؤرة ثقافية ممتازة جعلت من الثقافة والتعليم عنصرين مميزين في نشأة الأردن الحديث، كما أوضح أن قلة ظهور الأصوات النسوية يرجع إلى الأوضاع الاجتماعية والتعليمة للمرأة الأردنية، وأن بدايات النشر النسوي لم تكن سهلة، إذ بدأت تحت أسماء مستعارة، وأن الكثير من المجلات الثقافية العربية أسسها مسيحيون في بلاد الشام ثم انتقلت إلى مصر، ويرجع سبب ذلك إلى أن الرواد المسيحيين ارتادوا مجال الأدب والفكر بكثرة، وإلى نوعية التعليم والمدارس التي نشطت فيها الإرساليات الأجنبية في أواخر العهد العثماني.
وبين كايد هاشم أن الفترة ما بين نهاية الحرب العالمية الأولى ونهاية الحرب العالمية الثانية اتسمت بأنها فترة نشطة في الثقافة العربية كامتداد لليقظة العربية الحديثة، وأن تفاعل النشاط العقلي والإبداعي في المشرق العربي بما فيه الأردن الذي كان يعيش في مرحلة تأسيس الدولة الناشئة مع تيارات الفكر الوافدة على الثقافة والهوية والمجتمع ساهم في تعزيز وعي الذات الحضارية، وأبرز دور العلم والمعارف في توسيع آفاق الرؤية تجاه قضايا العصر والقضايا العروبية، وساعد على تطور النقد محلياً، والاتصال بالآداب الأجنبية وحركات التجديد في الأدب العربي، وأشار إلى ضرورة فهرسة وتكشيف المجلات الثقافية الأردنية المبكرة والمتأخرة بالإضافة إلى الصحف الأردنية والعربية، واتاحة أرشيف هذه الصحف والمجلات للباحثين والطلاب على الأنترنت، ودراسة دورها لمعرفة نوعية مصادر الثقافة ووسائل الاتصال الثقافي التي كانت موجودة، مؤكداً أن الثقافة والتعليم شكلا قاعدة أساس في تعزيز تأسيس الدولة والوعي والحداثة في الأردن.
وبدورها بينت د.جمانة السالم أهمية العمل على توثيق تاريخ الأدب والثقافة في الأردن من جميع جوانبه للوصول إلى دراسة غنية، من خلال الاستعانة بالمجلات والصحف التي كتب فيها أوائل الأدباء والمثقفين الأردنيين، ومضامين الكتب المنشورة، واللجوء إلى أقربائهم وأبنائهم لاستجلاء المعلومات كاملة عنهم مما يعد سبيلاً إلى تقديم دراسة اجتماعية تاريخية ثقافية تبين حال الأدب في نشأته وتطوراته، والمجلات التي كتب فيها الرواد الأوائل، كما أشارت إلى ضرورة جمع مادة الأدب الحديث لكل من الأردن وفلسطين وإغناء محتواها وتقديمها بالصورة الصحيحة للحفاظ على الهوية، وعمل مدونة تضم كتابات الأردنيين في المجلات العربية كافة لتكون مرجعاً للطلبة والباحثين.
يمكن متابعة التسجيل الكامل لوقائع هذا اللقاء بالصوت والصورة من خلال الموقع الإلكتروني لمنتدى الفكر العربي www.atf.org.jo وقناة المنتدى على منصة YouTube.