بسم الله الرحمن الرحيم
بيان منتدى الفكر العربي
بمناسبة المولد النبوي الشريف
من أبرز مظاهر التكريم الإلهي للبشريّة أن جعل الله سبحانه وتعالى الناس شعوبًا وقبائل ليتعارفوا (يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) – الحجرات : 13 - فلا يتقاتلوا ولا يتناحروا إنْ أعطاهم حرية الاختيار وليس الإكراه، واعتبر جلَّت قدرته أنَّ التديُّن هو أرقى أنواع الاختيار ، كما جعل ميزان التفاضل بينهم هو التقوى ، وهي مَخَافةُ الله والامتناع عن الظلم، و كذا مقدار ما يقدمه المرء من خدمة للصالح العام .
لقد شاءت إرادته، عزَّ و جَلَّ، أن لا يكون البشر على ملّة واحدة، ولا رأي واحد، ولا مذهب واحد، وجعل اختلاف الألوان والألسن آياَت للعالمين (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ولَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين * إلَّا مَنْ رَحِمَ رَبّك وَلذَلِكَ خَلَقَهُمْ) – هود : 118-119 - وقيلَ خلقهم للاختلاف، وقيلَ خلقهم للرحمة والرحمة فرع المحبَّة ومقتضاها .
وعلى ذلك فما يشهده العالم من تقاتل وتفجير وتدمير هو مُناقض ومَخالف للغاية من الخَلق وهي الرحمة والمحبَّة، ومخالف أيضًا للغاية من إرسال الرُّسل عامة ورسولنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم، وهي تحقيق العدالة الإنسانية والرَّحمة العالمية (لَقدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ والْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) – الحديد : 25 – (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) – الأنبياء : 107 .
كما أنَّ الدعوة إلى التقاتل والتفجير والتدمير ومصادرة الرأي الآخر تتنافى بشكلٍ كلِّيّ مع السُّنن الكونية والقواعد الرَّبانية، التي شاءت إرادته سبحانه وتعالى فيها أنْ يكون الاختلاف أمرًا كونيًّا ولازمًا من لوازم الوجود، ولو غاب هذا الاختلاف لما عادَ للحياة لون ولا طعم، ولفُقِدَت الغاية من العمل وبذل الجهد، وتحرّي الحقيقة والاستكشاف الأمثل للموارد الكونية وتوظيفها بما يحقِّق أهدافها؛ ولعاد الغياب بهذه الصورة على أصل الوجود بالنقض مما يتنافى مع مقاصد الشريعة وغائيّة التشريع ومآلاته، وتحقيق مفهوم الاستخلاف في الأرض وعمارتها لا تدميرها وتبديد ثرواتها.
إنَّ ما شهدناه في الآونة الأخيرة من أحداث تستهدف أماكن العبادة مما هو مرفوض على كل الصعد والمستويات، فيه مناقضة واضحة وصريحة لأبسط المبادئ الإسلامية الخُلقية والإنسانية التي تنهى عن الإفساد في الأرض، وإهلاك الحَرث والنسل، ومن هنا فإن ما يحتّمه علينا ضميرنا الفكري وقيمنا العربية الإسلامية ومسؤوليتنا الانسانية أن نؤكد الدعوة إلى المشترك الإنساني للحوار، ولا بدَّ أيضًا من الدعوة إلى تنزيه المشترك الإيماني بين المذاهب والأديان التي يمكن اعتماد الحوار الهادف والبنّاء فيما بينها لمحاربة الفكر المتطرف .
إنَّ منتدى الفكر العربي يدعو قيادات الأمّة وعلمائها ومفكّريها ومؤسساتها والمؤمنين والعقلاء جميعًا؛ العمل ما وسعهم الجهد على القيام بواجب التعاضد والوقوف معًا لوقف النزيف الدموي في العالم أجمع، ولدى الشعوب الأكثر استضعافًا في الأرض، وأن تكون خطط التعافي الفكري في العالم على درجة التعافي الصحي والاجتماعي والتنموي، وأن نقف وقفة أخوية إنسانية إيمانية من أجل ذلك، والعمل على بناء يقظة فكرية تُعيد العافية لوحدة الأمّة وكيانها في الفضاء الحضاري والإنساني العام .
وإنّنا بهذه المناسبة الكريمة مناسبة المولد النبوي الشريف لنسأل الله عزَّ وجلَّ أن يمدّ المخلصين فكراً وقولاً وعملاً بالعون في السعي لحقن الدماء، وأن يجنب العرب والمسلمين والإنسانية جمعاء كل مكروه وينعم عليها برفاهٍ روحي ورخاء مادي لتحقيق الأمن والكرامة الإنسانية في هذا العالم .
عمّان في 12 ربيع الأول 1443 هجرية
الموافق 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 ميلادية