متخصصون يناقشون أثر المتغيرات الدولية والإقليمية على المالية العامة وأزماتها وآفاق الحلول
البشير: المعالجة الحقيقية للمديونية لا يمكن أن تنجح إلا بانتعاش اقتصادي شامل
الدرعاوي: أكبر تحدٍ يواجه الاقتصاد الوطني استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة العربية
د. أبوحمور: إيجاد بيئة استثمارية ملائمة وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لمواجهة التحديات
عمّان- ناقش متخصصون في لقاء منتدى الفكر العربي، مساء يوم الأحد 11/2/2018، عدداً من القضايا المتعلقة بأزمات المالية العامة وحلولها، وأثر المتغيرات السياسية والاقتصادية على الساحة العالمية في التوجه نحو اقتصاد السوق، وما تبع ذلك من سياسات مالية واقتصادية وتعديلات على التشريعات وتأثيرها على أركان المالية العامة.
شارك في اللقاء الباحث الاقتصادي والمحاسب القانوني الأستاذ محمد البشير والكاتب الصحفي الاقتصادي الأستاذ سلامة الدرعاوي، وأداره الأمين العام للمنتدى الدكتور محمد أبوحمور، الذي أشار في كلمته إلى أن الحلول المنفردة للأزمات الاقتصادية للدول لن تكون مجدية؛ مشيراً إلى توقعه بأن يكون العام 2018 صعباً على صعيد الأوضاع الاقتصادية بسبب تأثير الأزمات الإقليمية في العراق وسوريا وفلسطين وما تتطلبه من وقت لإيجاد الحلول لها. لكنه من جهة أخرى دعا إلى إيجاد بيئات استثمارية مناسبة للتغلب على تضاؤل نسبة الاستثمارات العربية البينية التي لا تتجاوز حالياً 20% من مجمل الاستثمارات العربية في العالم، وكذلك دعا إلى تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص بوصف هذه الشراكة توفر فرصاً للعمل وتحد من البطالة، وتساعد في إقامة مشاريع البنية التحتية للاستثمارات، وتوفير خدمات أفضل وأقل كلفة على المواطنين؛ مؤكداً أهمية الاستنارة برؤى جلالة الملك عبدالله الثاني في تحويل الفرص إلى تحديات، وتأسيس صندوق استثماري أردني، وفي تعزيز المبادرات التنموية التي تمثل النهج الإصلاحي للقيادة الأردنية وحرصها على تحقيق العدالة الاجتماعية والمستقبل الآمن للوطن وأبنائه.
وأوضح الأستاذ محمد البشير أن المالية العامة في الأردن تعرضت لضغوطات متزايدة عبر السنوات العشرين الماضية بسبب المتغيرات الجوهرية التي حدثت في العالم على كافة الصعد السياسية والاقتصادية وتالياً الاجتماعية، وخاصة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي ولحاق الكثير من الاقتصاديات العالمية ومنها الاقتصاد الاردني بالاقتصاد الرأسمالي (اقتصاد السوق) عبر سلسلة من السياسات المالية والاقتصادية، وتعديلات جوهرية على التشريعات التي لها مساس بالاقتصاد، والتي تأثرت بها الأركان الثلاثة للمالية العامة وهي النفقات العامة والضرائب والمديونية.
ودعا البشير إلى معالجة جذرية وهيكلة جريئة للنفقات المتعلقة بالرواتب في الوحدات المستقلة ورواتب الفئة العليا، ومعالجة التخفيض الملموس للنفقات الرأسمالية لحساب النفقات الجارية مما كان قد خفض من واردات الخزينة من الأنشطة الاستثمارية، أو التي كان مأمولاً منها تخفيض أعباء الضرائب على المكلفين والمديونية؛ مؤكداً ضرورة رفع النفقات الرأسمالية، ودراسة رواتب الوظيفة العامة سواء أكانت متعلقة بالعقود والإنشاءات أو نفقات الوحدات المستقلة أو غيرها، وخاصة منها الرواتب ومزاياها من خلال تقليص هامش الفروقات من جهة ومعالجة مشكلة الرواتب المتعددة لآلاف المتقاعدين، مما فيه مصلحة وطنية وضرورة إصلاحية كمدخل لتحقيق العدالة بين أبناء الوطن.
كما دعا إلى إعفاء بعض القطاعات الاقتصادية من الضرائب كالقطاع الزراعي من ضريبة الدخل وضريبة المبيعات على مدخلاته، ومراعاة القطاع الصناعي بالنسبة للضريبة على الدخل بحيث تقل عن النسب الضريبية على الخدمات، وإعفاء تعويضات نهاية الخدمة التي فرضتها التشريعات الضريبية على المكلفين، ومراعاة إعفاء تعويضات الطبقة الوسطى من الاستخدام بطرح بدائل تتعلق بفرض ضريبة دخل على تعويضات نهاية الخدمة التي تزيد عن (20) ألف دينار مثلاً ودخل المتقاعدين الذي يزيد عن (3) آلاف دينار، مع خفض واسع للضريبة العامة على مبيعات السلع ذات المساس الواسع بذوي الدخول المتدنية ورفعها بالنسبة للسلع مرتفعة القيمة وذات المساس بذوي الدخول المرتفعة، انسجاماً مع حاجة الحكومة إلى توفير موارد مالية مستمرة شهرياً.
واقترح لحل مشكلة التهرب الضريبي اعتماد نظام الفوترة من خلال اعفاءات مرتبطة بالفواتير الصادرة عن مقدمي الخدمات المختلفة، حيث ستوفر هذه السياسة قاعدة معلومات هائلة قد تساهم في الحد من التهرب الضريبي وفي محاسبة المكلفين مقدمي الخدمات بشكل عادل وصحيح.
وفيما يتعلق بالمديونية وما يثيره التعديل على النسب الضريبية من ردود فعل شعبياً لارتباط ذلك بالظروف المعيشية للمواطنين، أشار البشير إلى أن الثغرة ما بين الإيرادات والنفقات كانت في اتساع، ما جعل الحكومات تلجأ إلى الوظيفة الثانية لهذا الركن (المديونية) والمتمثلة في الاستدانة لتسديد عجز الموازنة حتى وصلت المديونية الى حدود (27) مليار دينار بنسبة (95%) من الناتج المحلي الاجمالي بعد أن كانت تبلغ (11,5) مليار دينار عام 2010.
وفي هذا الصدد استعرض البشير تطور المديونية عبر السنوات العشر الماضية، وأشار إلى أن المعالجة الحقيقية للمديونية لا يمكن أن تنجح إلا بانتعاش اقتصادي شامل مع السيطرة على النفقات الجارية وتعظيم النفقات الرأسمالية، وانتهاج سياسات ضريبية متفقة مع المادة (111) من الدستور، وبحيث تحقق النفقات الرأسمالية غاياتها في مشاريع إنتاجية تعود على الخزينة بالنفع العام، فضلاً عن محاربة جادة لكل مظاهر الفساد والمحسوبية من خلال خطة استراتيجية تعيد للمواطن ثقته بمؤسساته المختلفة.
من جهته، قال الكاتب الاقتصادي سلامة الدرعاوي : إن مشروع قانون موازنة 2018 يهدف لتحقيق نمو اقتصادي حقيقي نسبته 2,3 بالمائة، وهو معدل نمو متواضع يشير بوضوح إلى استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي الوطني الذي يتعرض لضغوطات داخلية وخارجية كبيرة تحد من فاعلية القطاعات الإنتاجية المختلفة، ولم تستطع الخطة المالية إيقاف نمو النفقات الجارية بنسب تتلاءم مع النمو المتواضع للاقتصاد، بل ونمو النفقات التشغيلية بنسبة 6%، نتيجة عوامل مختلفة مثل النمو الطبيعي لرواتب العاملين في القطاع العام ومتقاعديه المدنيين والعسكريين على حد سواء. لكن الملاحظ هو نمو فوائد الدين بمقدار 70 مليون دينار لتصل في مجموعها العام 1,02 مليار دينار، وهذا النمو في الفوائد جاء أيضاً كنتيجة طبيعية لارتفاع الدين في الفترة الأخيرة خاصة بعد حصول الأردن على مليار دولار جرّاء طرح سندات اليورو بوند.
وأضاف: إن معدل التضخم المقدر لسنة 2018 حوالي 2,5% مقارنة مع 2,2% للعام الحالي، وهنا يطرح التساؤل حول واقعية هذه النسبة مع الأخذ بعين الاعتبار أنه تم فعلا رفع الدعم عن الخبز و136 سلعة تم رفع ضريبة المبيعات عليها ، إضافة إلى ارتفاعات أسعار النفط العالمية الذي من المتوقع أن تتراوح أسعاره بين 60-70 دولاراً للبرميل.
وأوضح أن موازنة 2018 تتوقع أن ترتفع الصادرات الوطنية بنسبة 5,5% وهو أمر يواجه تحدٍ في ظل الأوضاع الإقليمية السلبية التي تلقي بظلال قاتمة على الاقتصاد الوطني وإغلاق الحدود مع الجوار، ومحدودية التدفقات السلعية إلى العراق التي ما زالت تواجه الصادرات الوطنية عراقيل عدة هناك، ولا يوجد في الأفق ما يوحي بتغيير إيجابي بهذا الخصوص؛ مشيراً إلى أن سنة 2018 استمرار لتحديات 2017، والوصول إلى الأهداف والأرقام المقدرة في الموازنة العامة هو أكبر تحدٍ أمام الحكومة خاصة في مسألة الإيرادات المحلية، وهنا يبدأ التحدي الأول في إيرادات ضريبة الدخل التي قدرت الحكومة نموها بنسبة 3,2 بالمائة علماً بأن نتائج الربع الثالث للشركات تشير إلى تراجع أرباحها بنسبة 11% تقريباً. ناهيك عن أن ضريبة المبيعات هي الأخرى مهددة بأن لا تصل إلى ما قدرته في الموازنة بنمو نسبته 18,2% نتيجة تنامي حالة فقدان الثقة في الشارع وسيطرة حالة عدم اليقين على سلوكيات الكثير من القطاعات الاقتصادية المختلفة، وتراجع الأنشطة التجارية المحلية.
وأشار إلى أن التحدي الآخر أمام الحكومة في سنة 2018 هو تمرير قانون الضريبة، لكن يظل أكبر تحدٍ قد يواجه الاقتصاد الوطني هو استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة وتراجع الأنشطة الاقتصادية فيها وتصاعد الأعمال العسكرية، ما يؤثر على استقرارها بشكل عام، ويشكل عبئا كبيرا على الجهود الرسمية في جذب الاستثمارات والسياحة والحفاظ على تدفقات معقولة وآمنة من حوالات المغتربين في الخارج، لا بل قد يكون أكبر تخوف من التغيرات السياسية في المنطقة وتقلباتها هي المنح التي تحصل عليها المملكة من المانحين والدول الصديقة نتيجة لتسارع التغيرات والتقلبات والتحالفات في منطقة الشرق الأوسط.
كما أشار إلى التحديات الكبيرة التي عصفت بالاقتصاد الوطني خلال السنوات الماضية والفرص التي لم تستغل لصالح التنمية ورفع معدلات النمو الاقتصادي وزيادة التوظيف وتعزيز بيئة الاستثمار.