EN | AR
ميثاق اقتصادي عربي... لماذا؟
الأحد, أغسطس 23, 2015
د.جواد العناني
وسط الغيبوبة العربية، والحروب المستعرة، والحلول المنتظرة، يبدو المشهد يائساً بائساً، والناس لاهون عن حقوقهم وحرياتهم في ضمان بقائهم. وترى الصراع الدامي يؤدي إلى نتائج تلمس بصماتها في مختلف أنحاء الدنيا. فاليونان التي تصارع من أجل ألا تعلن إفلاسها تستقبل آلاف اللاجئين إليها من سورية طلباً للحياة.
وترى في البحر المتوسط أناساً مكتظين على قارب مطاطي، متحملين المخاطر السندبادية، لا طمعاً في ثراء، بل أملاً في أن ينجو من مخاطر البحر والقارب الهش المهدد بالانقلاب وسط الموج بركابه، أملاً في الوصول سالماً مع أطفاله وأسرته إلى مكانٍ، يبدأ فيه رحلة ذل جديدة على أمل الخلاص.
وسط هذه المشاهد، والالتهاء عن الفظائع الإسرائيلية على الأهل في فلسطين، أطلق منتدى الفكر العربي، ورئيسه الأمير الحسن بن طلال، "الميثاق الاقتصادي العربي" في التاسع من أغسطس/آب الجاري، كما أن المنتدى الذي يتخذ من عمان مركزاً له سبق وأن أطلق "الميثاق الاجتماعي العربي" في ديسمبر/ كانون أول من العام 2012. 
وقد تساءل الصحافيون والكتّاب، في مؤتمر صحافي عقد في اليوم التالي، عن الجدوى من إطلاق الميثاق؟ وهل يشكل هذا أولوية في الوقت الراهن؟ ومن الذي سيأبه به أو يعيره أي اهتمام في هذه الظروف المكربة.
والواقع أن منتدى الفكر العربي الذي ولد عام 1981، بدعوة من بعض المفكرين وأصحاب القرار العرب ليكون حلقة وصل، أو جسراً، يصل بين فكر المفكرين وقرارات المسؤولين، تصدى، مثل المراكز الفكرية البارزة في الوطن العربي، للقضايا الاستراتيجية والأساسية.
ومن الدراسات الموسوعية المهمة التي أجراها "التعليم العربي في القرن الحادي والعشرين"، وتدارس في أسباب التخلف العربي، وحاور دولاً ومجموعات عبر أنحاء العالم، وقدم توصيات لإعادة موضعة الوطن العربي على خريطة العالم. 
"
من المفروض أن نبدأ في إعادة النظر فيما اقترفناه من أخطاء في الماضي، وأن يفهم السياسيون الفصل في مواقفهم التجارية والاقتصادية والمالية عن مواقفهم السياسية

"

لم ييأس منتدى الفكر، أو يستسلم، حين واجهته مشكلات وتحديات، وخصوصاً بعد احتلال العراق الكويت عام 1990، ما أدى إلى انسحاب أعضاء خليجيين كثيرين، احتجاجاً على ما أسموه الموقف الرخو حيال ذلك الحدث الجلل، لكن المنتدى استمر، وبموازنة ضعيفة، في البقاء وتقديم الدراسات والبحوث لصنّاع القرار.
ولكن الأزمة التي يعاني منها المنتدى في الوصول إلى صنّاع القرار ليست أزمته وحده، بل هي أزمة معظم مراكز البحوث والدراسات في الوطن العربي، ذلك أن السياسيين لا يعطون الثمار الناضجة من هذه المراكز ما يجب أن تستأثر به من اهتمام. 
ولو عدنا وقارنا بين الدراسات المهمة التي صدرت، في العشرين سنة الماضية، وما آلت إليه الأحوال في الوطن العربي، لخفت حدة الحملة التشكيكية في دور المنتفعين والمثقفين. وقد حذر هؤلاء من التشظي العربي، ومن الارتهان للآخرين، ومن بروز قوى إقليمية على حساب العرب، ومن إغفال حقوق الفئات الأقل عدداً، والفئات الأقل حظاً، ونبهوا إلى الفساد، وتراجع التعليم، ومشكلات الشباب، والتمييز ضد النساء، وإغفال دورهن. ولكن كثيراً من هذه الأبحاث ذهبت أدراج الرياح. 
هل هنالك أمل بعد هذا الزلزال المدوي، والكارثة الإنسانية الكبرى في الوطن العربي، في تعميق الوعي لدى المسؤولين أن الإنسان ليس بالخبز وحده يحيا، وأن ما يجمع بين الجوع والفقر والبطالة وإنكار الآخر والعنف هو غياب الكرامة الإنسانية، وذلها ومهانتها.
لذلك، على المفكر والمثقف ألا ييأس أبداً. فهو إن يئس سيكون أثره السلبي على الناس وتطلعاتهم أكثر وضوحاً وأعظم إيلاماً من الأمل الذي يخلقه عندما يتفاءل. لذلك، ينطوي إبقاء جذوة الأمل مشتعلة على فائدتين كبيرتين. الأولى أنه يسهم في تجنيب الناس اليأس، والثانية أنه ينعش بعض الأمل، ولو بمقدار أقل، لكن فجوة اليأس ستكون كارثية، لو تخلى المفكرون والمبدعون والمثقفون عن دورهم. 
من ناحية أخرى، علينا أن نعيد النظر بتمعن كبير في فرضياتٍ كنا نقبلها في الوطن العربي، ونبني على أساس البناء عليها، أو تجنبها نماذجنا للتعاون العربي البيني. ومن هذه الفرضيات التي برزت خصوصاً بعد فورة النفط عام 1974 أن الدول العربية انقسمت إلى غنية برأس المال ولديها فائض منه، وأخرى، لديها وفرة من الأيدي العاملة. وقلنا إن أصحاب المال يتمتعون بحياة رغيدة، ومعدلات دخل مرتفعة، وتشغيل كامل للقوى العاملة، وغياب للفقر.

اقرأ أيضا: قتل الطبقة المتوسطة العربية

أما الدول المصدرة للعمالة فهي فقيرة، ومعدل البطالة فيها مرتفع، وبالطبع، افترض هذا الحال انتقال الأيدي العاملة إلى دول النفط، وبالمقابل هنالك تدفقات مالية من دول النفط إلى الآخرين. 

"
هل من المعقول أن يكون 
سفر العربي 
إلى دولة عربية أعقد من سفر مواطني الدول الغربية 
التي تعقد 
حياة مواطننا، قبل أن تمنحه تأشيرة دخول؟

"

الوضع حالياً ليس كذلك. فمن 2000 إلى 2009 رأينا نمو مظاهر متشابهة، فدول النفط صارت تسعى إلى اجتذاب رؤوس الأموال، ونجحت في استقطاب وفورات مواطني الدول الأخرى المقيمين في دول الخليج، وفي اجتذاب استثمارات من هذه الدول. ولذلك، لم يعد صحيحاً أن التدفقات الرأسمالية تسير باتجاه واحد. وكنا نقول إن البطالة والفقر ظاهرتان غير نفطيتين، ولكن، تبين أن الجزائر وليبيا وبعض دول الخليج تعاني من معدلات بطالة أدنى، وبطالة مقنعة أعلى، ومن نسب عالية من الفقر، خصوصاً في الأقاليم، ومن مشكلات شبابية، ونسائية، وغيرها. ورأينا أن التعليم تدهور، وأن حالة الريعية توسعت وزادت عمقاً. 
أمام هذا الحال: هل يجوز أن نبقى كعرب على حالنا. هل يجوز أن يبقى البحر الأحمر قناةً للتجارة الدولية، من دون أن تمر به سفن عربية، تذرعه شرقاً وغرباً، بدلاً من سفن دولية، تمخر عبابه شمالاً وجنوباً. هل من المعقول أن يكون سفر العربي إلى دولة عربية أعقد من سفر مواطني الدول الغربية التي تعقد حياة مواطننا، قبل أن تمنحه تأشيرة دخول؟
هل من المعقول قبول أن المسافر العربي يجد وسائل كثيرة متاحة للتنقل إلى كل أنحاء الدنيا، في وقت يتوجب عليه أن يسافر إلى دولة أجنبية، حتى يصل إلى دولة عربية.
إذن، هنالك فوائد يمكن أن تجبى من التعاون العربي. فنحن، أولاً وقبل كل شيء، جيران، والجيران يتعاملون مع بعضهم أكثر مما يتعاونون مع الدول الأبعد، حتى في عصر العولمة. وهنالك استثناءات في حالة الدول الكبرى. مع هذا، تتعامل الولايات المتحدة مع كندا والمكسيك أكثر من أوروبا، وأوروبا تتعاون مع بعضها أكثر مما تتعاون مع القارة الأميركية أو آسيا. ودول الآسيان كذلك. ولكن وضع التعاون العربي يبقى، إلى حد كبير، جامداً بالأرقام النسبية، وإن زاد بالأرقام المطلقة. 
أليس المطلوب منا أن نتفق على "كود" أو ميثاق سلوكي للاستثمار، والتجارة، والعمالة، ويكون ملزماً لنا مثلما نحن ملتزمون باتفاقنا مع الدول الأجنبية. 
من المفروض أن نبدأ في إعادة النظر فيما اقترفناه من أخطاء في الماضي، وأن يفهم السياسيون الفصل في مواقفهم التجارية والاقتصادية والمالية عن مواقفهم السياسية. ولماذا يفعلون ذلك مع باقي العالم، ويستعرضون عضلاتهم على العرب الآخرين؟
يقول الميثاق إن كل دولة عربية مطالبة أولاً بالتركيز على بناء ذاتها، وتنويع اقتصادها، ومنح الأولوية بعد ذلك للتشابك الاقتصادي مع الدول العربية. 
بات هذا الأمر في صالح كل دولة، وفي صالح الجميع. وإن فشلنا، كسياسيين ومفكرين، في إيجاد حلول لمشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية في مقبلات الأيام، فإن أحداً منا لن يعيش ليرى نتائج تلك الكارثة القادمة، لا سمح الله.

- See more at: http://www.alaraby.co.uk/economy/2015/8/20/%D9%85%D9%8A%D8%AB%D8%A7%D9%8...

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©